عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 31-12-2019, 08:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: موانع المحبة "الكفر والشرك والحلف بغير الله تعالى"



يقول العلامة السعدي -رحمه الله تعالى-: هذه الآية[23] هي الميزان؛ التي يُعرف بها من أحب الله حقيقة، ومن ادعى ذلك دعوى مجردة؛ فعلامة محبة الله اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي جعل متابعته وجميع ما يدعو إليه طريقًا إلى محبته ورضوانه؛ فلا تنال محبة الله ورضوانه وثوابه إلا بتصديق ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وامتثال أمرهما واجتناب نهيهما؛ فمن فعل ذلك أحبه الله وجازاه جزاء المحبين، وغفر له ذنوبه وستر عليه عيوبه، فكأنه قيل: ومع ذلك ما حقيقة اتباع الرسول وصفتها؟ فأجاب بقوله: (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ). (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) بامتثال الأمر واجتناب النهي وتصديق (الخبر)؛ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن ذلك فهذا هو الكفر، والله (لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)[24].

و"الكافرون" جمع "كافر" وهو اسم فاعل؛ أي فاعل الكفر.. يفعله بأي نوع من أنواعه.. كان شركًا أو نفاقًا أو تهوُّدًا أو تنصُّرًا أو ردةً... إلخ، أو يفعله بأية جزئية من جزئياته؛ لأنه ليس بالضرورة أن يكون الكفر مجتمعًا كله في إنسان حتى يكون كافرًا أو حتى يكون غيرَ محبوبٍ لله –تعالى-؛ فتكفي جزئية واحدة من تلك الجزئيات، كالكفر بملَك من الملائكة أو بكتاب من الكتب، أو ببعض الكتاب، أو برسول من الرسل.. قال -تعالى-: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ)[البقرة: 98)].

وقال -تعالى-: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ)[البقرة: 85)].

وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً)[النساء: 150-151)].

يدل هذا كله على أن الكفر فعلٌ بمحض إرادة فاعله، قال -تعالى-: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ)[(النمل: 14)].

وهذه الآية تدل على أن الكفر وحده -وهو هنا الإعراض عن طاعة الله ورسوله- مانع من حب الله -تعالى- عبدَه المتصف بتلك الرذيلة؛ لأن الله جمع الكفر مع الخيانة مرةً ومع الإثم مرةً كمانعٍ من محبته -تعالى- صاحبَها؛ لكن هاهنا أفرد الكفر عما يلتبس به من الذنوب، وجمع الكافرين كلَّهم فلم يستثن منهم أحدًا، والله أعلى وأعلم.

العصيان الذي يَكْفُر صاحبه:

الصواب أنه لا يكفّر المسلم بذنبٍ يرتكبه.. هذه عقيدة أهل السنة أنه ليس كل عاصٍ كافرًا[25]، خلافا للخوارج الذين يقولون إن مرتكب الكبيرة كافر، فهذا من ضلالاتهم المضلّة، وللمعتزلة الذين يقولون إنه في منزلة بين منزلتين أو هو فاسق ونفوا عنه اسم الإيمان[26]؛ لأنه ليس من أحدٍ إلا ويعصي سوى المعصومين، ومع ذلك ليس المعصومون وحدهم المؤمنين، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))[27].

وليس معنى هذا أن كل مرتكبٍ إثمًا يظل به مؤمنًا، فهذا قول المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان معصية. فأهل السنة على أنه قد يضر إذا لم يعتقد الطاعة؛ أي أنه تجب عليه الطاعة، فهذا كافر، وليس من عصا تكاسلاً أو ضعفاً أو جهلاً أو تأوُّلا.

وتوضح الآيات في سورة النساء بعد الآية السابق إيرادها كفر من لم يطع الرسول؛ فيقول -تعالى-: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ...) إلى قوله -تعالى-: (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا...)[الآيات من 81 إلى 84 من سورة النساء)].

قال القرطبي -في قوله -تعالى-: (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ)- هذا في المنافقين في قول أكثر المفسرين[28].

قال: أي يقولون إذا كانوا عندك أمرنا طاعة، أو نطيع طاعة، وقولهم هذا ليس بنافع؛ لأن من لم يعتقد الطاعة ليس بمطيعٍ حقيقة؛ لأن الله لم يحقق طاعتهم بما أظهروه؛ فلو كانت الطاعة بلا اعتقاد حقيقة لحكم لهم بها، فثبت أن الطاعة بالاعتقاد مع وجودها[29].

والخلاصة أن طاعة الله ورسوله من الإيمان، ومعصيتهما من الكفر. بل -إن شئت الحق- فإن طاعة الله ورسوله هي كل الإيمان، وهي طاعة واحدة لا يجوز فصلها عن بعضها البعض. وكذلك فإن معصيتهما أو أحدهما هي كل الكفر وليست جزءًا منه؛ لأن الكفر الأكبر لا يُجزَّأ؛ فمن أنكر أصلاً من الإيمان كفر ولو آمن بجميع الأصول الأخرى.

وإذًا تكون معصية الله ورسوله مانعة من محبّة الله - تعالى -عبده العاصي؛ فمن أراد أن يحبه الله فليطعه ورسوله معًا؛ لأن أمرهما واحد ونهيهما واحد.

على أن طاعة الله -تعالى- والنبي -صلى الله عليه وسلم- متلازمتان؛ فلا تصح إحداهما إلا إذا صحت الأخرى؛ فالتوحيد توحيدان: توحيد المرسِل وتوحيد متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكل الطرق مسدودة إلا طريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكل من أراد نفسه وتزكيتها فعليه بالمتابعة الصادقة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمًا وعملاً واعتقادا[30].

وتبيّن هذه الآية أن الكفر كله مانع من حب الله -تعالى- عبده؛ لكن الكفر كله محصور -بحسب هذه الآية[31]- في عدم التزام الإسلام الذي ارتضاه الله دينًا لعباده وأحبائه. والالتزام بهذا الإسلام هو طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل ما أمر به ونهى عنه: "وقد ذكر الله طاعة الرسول واتباعه في نحو أربعين موضعًا من القرآن، فالنفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به واتباعه منها إلى الطعام والشراب..."[32].

وقد ذكر الله ذلك جليًّا واضحًا مفصَّلاً محكَمًا فقال: (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)[النساء: 80)].

وهذا بدهي؛ إذ لا يُعرف الله -سبحانه- حق المعرفة ولا الأحكام التي تعبَّدَنا بها إلا من طريق رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وللموضوع تتمة


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]