ويسن الجهر به في الطرقات والمساجد والبيوت.
قال الألباني: ((وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهراً في الطريق إلى المصلى، وان كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة، حتى كادت أن تصبح في خبر كان... وذلك لخجلهم من الصدع بالسنة والجهر بها... ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة: أن الجهر بالتكبير هنا لا يُشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض، وكذلك كل ذكر يُشرع فيه رفع الصوت أو لا يُشرع، فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور... فلنكن في حذر من ذلك)) [39].
وقال البغوي: (( ومن السنة إظهار التكبير ليلتي العيدين مقيمين وسفرا في منازلهم، ومساجدهم، وأسواقهم، وبعد الغدو في الطريق، وبالمصلى إلى أن يحضر الإمام)) [40].
عاشراً: صيغ التكبير.
وردت صيغ التكبير عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم فمن ذلك:
15 - ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه كان يقول: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد )) [41].
كما ثبت تثليث التكبير عنه في مكان آخر بالسند نفسه، يقول: (( الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد)).
16 - كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: (( الله أكبر الله أكبر الله اكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا )) [42].
فبأي صيغة مما ورد كّبر المسلم، فقد أدى السنة وأقام الشعيرة.
لا تستحيِ من التكبير فإنه سنة نبيك:
فعن الوليد بن مسلم قال: (( سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام )) وصح عن أبى عبد الرحمن السلمي قال: (( كانوا في الفطر أشد منهم في الأضحى )) قال وكيع يعنى التكبير[43]
وروى الدار قطني وغيره: (( أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى الإمام )).
وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الزهري قال: ((كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا)) [44].
ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلي المصلى وإلى دخول الإمام أمرا مشهورا جدا عند السلف.
وقد نقله جماعة من المصنفين كابن أبي شيبة وعبد الرزاق والفريابي في كتاب (( أحكام العيدين )) عن جماعة من السلف ومن ذلك أن نافع بن جبير كان يكبر ويتعجب من عدم تكبير الناس فيقول: (( ألا تكبرون )) وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول: (( كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام )).
حادي عشر: التهنئة بالعيد.
قال شيخ الإسلام (( أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك، فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد ( بن حنبل ) وغيره. لكن قال أحمد: أنا لا ابتديء أحدا، فان ابتدأني أحد، أجبته. وذلك لأن جواب التحية واجب. وأما الابتداء بالتهنئة، فليس سنة مأمورا بها ولا هو أيضا مما نهي عنه. فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة)) [45].
وقال ابن حجر: وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: (( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك )) [46].
ثاني عشر: صلاة ركعتين في بيته بعد صلاة العيد.
فعن أبي سعيد الخدري قال: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى قبل العيد شيئا فإذا رجع إلي منزله صلى ركعتين )) [47]
ثالث عشر: من فاتته صلاة العيد مع المسلمين يشرع له قضاؤها على صفتها.
وإذا لم يعلم الناس بيوم العيد إلا بعد الزوال صلوها جميعاً من الغد، لحديث أبي عمير ابن أنس رحمه الله عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (( أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم ) [48].
رابع عشر: الحرص على صلة الأرحام.
ففي الصحيحين، واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال لها: مه. قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك. قالت: بلى يا رب. قال: فذاك ))، قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ï´؟ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ï´¾ [محمد: 22].
وكفي بهذا زاجرا عن القطيعة، وحقيقة صلة الرحم أن تصلها إذا قطعت، كما في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ليس الواصل بالمكافيء، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصله)) [49]
فعلى المسلم أن يحتسب الأجر في وصل من قطعه، وأن يعلم أن الله عز وجل معينه وناصره، فقد روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال (( لئن كنت كما قلت: فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك )) [50] أي فكأنما تطعمهم الرماد الحار.
وقد اختلف العلماء في تحديد الرحم التي يجب صلتها على قولين:
الأول: كل رحمٍ محرم وهو قول للحنفية، وقول للمالكية، وقول أبي الخطاب من الحنابلة وغيرهم، قالوا: لأن هذا هو الذي ينضبط، ولو قيل: كل رحم، للزم صلة جميع بني آدم، ورجح هذا القول القرافي في الفروق [51] فقال: (( قال الشيخ الطرطوشي: قال بعض العلماء: إنما تجب صلة الرحم إذا كان هناك محرمية، وهما: كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يتناكحا كالآباء والأمهات، والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا، والأولاد وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات والأخوال والخالات، فأما أولاد هؤلاء فليست الصلة بينهم واجبة لجواز المناكحة بينهم، ويدل على صحة هذا القول تحريم الجمع بين الأختين، والمرأة وعمتها، وخالتها، لما فيه من قطيعة الرحم، وترك الحرام واجب، وبرهما وترك أذيتهما واجبة، ويجوز الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال وان كن يتضايرن، ويتقاطعن، وما ذاك إلا أن صلة الرحم بينهما ليست واجبة، وقد لاحظ أبو حنيفة، هذا المعنى في التراجع فقال: يحرم التراجع في الهبة بين كل ذي رحم محرم )).
الثاني: كل رحم محرم وغير محرم، وهذا المشهور عند المالكية، ونص عليه أحمد، قالوا: لأن هؤلاء أرحام وقد أمر الله بصلة الأرحام، ولم يرد ما يخصها بالرحم المحرم، بل جاء ما يؤيد وجوب عموم الصلة، ورجح هذا النووي فقال: (( واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها، فقيل: هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى حرمت منا كحتمها، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام، ولا أولاد الأخوال، واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح ونحوه، وجواز ذلك في بنات الأعمام والأخوال، وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث، يستوي المحرم وغيره، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (( ثم أدناك أدناك )) هذا كلام القاضي، وهذا القول الثاني هو الصواب، ومما يدل عليه الحديث السابق في أهل مصر (( فان لهم ذمة ورحماً )) وحديث (( إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه ))مع أنه لا محرمية، والله أعلم )) [52]
والذي نراه راجحاً في هذه المسألة هو القول الأول، ويحمل الأمر فيما استدل به أصحاب القول الثاني على أنه أمر ندب، واستحباب، وليس أمر حتم وإيجاب، وعلى ما رجحناه، فالحاصل أن الرحم على قسمين: رحم يجب أن توصل، ويحرم أن تقطع، وهي كل رحم محرم كالعمات، والخالات، والأعمام، والأخوال، ورحم يكره أن تقطع، ويندب أن توصل، وهي كل رحم غير محرم كأبناء الأعمام وأبناء الأخوال.
خامس عشر: الحذر من اللهو المحرم:
يجوز للمسلم في العيد إظهار البهجة والسرور من خلال الغناء المباح وهو الإنشاد المهذب لفظه ومعناه، كما يجوز فيه الضرب بالدفوف أسوة بالنكاح.
أما الغناء الماجن المتضمن للكلام البذيء المصاحب للمعازف فهو محرم في العيد وغيره. قال تعالى:ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ï´¾ [لقمان: 6]
وقد أقسم ابن مسعود رضي الله عنه على أن لهو الحديث هو الغناء. [53]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (( دخل عندي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر: أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا )) [54].
وعنها أيضا: ((دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى )) [55].
كما يشرع للرجال التوسعة على الأهل والعيال في أيام العيد بشيء من اللهو المباح، وفي اللهو المباح غنية. فقد ثبت في السنة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (( وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا قَالَ: «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ» حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: «حَسْبُكِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاذْهَبِي» [56].
وفي رواية لمسلم قالت رضي الله عنها: (( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلي لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي انصرف فأقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو )) [57]
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
[1] شرح صحيح مسلم للنووي: 6/ 171
[2] رواه البخاري، برقم 948
[3] حاشية السندي على سنن النسائي (3/ 181)
[4] المغني لابن قدامه (2/274).
[5] فتح الباري لابن حجر (2/ 439).
[6] أخرجه أحمد برقم(13588) وصححه الألباني ((صحيح الجامع)) (2/767).
[7] أخرجه أحمد برقم(8670) وصححه الألباني ((صحيح الجامع)) (1/242).
[8] صحيح مسلم (4/1823)
[9] مسند أحمد (18/ 414) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/220)
[10] متفق عليه: البخاري برقم (5931)، ومسلم برقم(2125)
[11] للإستزاده: راجع فتوى فضيلة الشيخ عبدالله بن جبرين في فتاوى المرأة المسلمة (2 /537)
[12] صحيح مسلم (3/ 1680)
[13] ((موطأ مالك)) (2/ 248) وإسناده صحيح، انظر ((جامع الأصول)) (7/331)
[14] قال الألباني في إرواء الغليل إسناده صحيح (3/104)
[15] صحيح البخاري (2/61)
[16] شرح النووي على مسلم (8/ 15)
[17] رواه البخاري برقم (953)
[18] صحيح سنن الترمذي (2/ 42)، وقال الألباني صحيح، انظر: صحيح وضعيف سنن الترمذي (2/42)
[19] فتح الباري لابن حجر (2/ 447)
[20] سبل السلام ( 2/ 91)
[21] متفق عليه، انظر: ((اللؤلؤ والمرجان)) ص 510
[22] ابن ماجه برقم (1304)، وقال الألباني صحيح، انظر: صحيح وضعيف سنن ابن ماجة (3/304)
[23] متفق عليه، انظر: ((اللؤلؤ والمرجان)) ص 881
[24] المدخل (2/283).
[25] المجموع شرح المهذب (5/5).
[26] متفق عليه انظر اللؤلؤ والمرجان 511
(العواتق ): البنات الأبكار البالغات والمقاربات للبلوغ. و (الحيض): جمع حائض، وهو أعم من الأول من وجه. ( وذوات الخدور ): أي: صواحبات الستور. الخدور: جمع خدر، وهو ناحية في البيت يجعل عليها سترة فتكون فيه الجارية البكر، وهى المخدرة، أي خدرات في الخدر. ( يشهدن الخير ): هو الدخول في فضيلة الصلاة لغير الحيض. ( لا يكون لها جلباب ): ملحفة، أي كيف تشهد ولا جلباب لها، وذلك بعد نزول الحجاب.
[27] سبل السلام (1/429).
[28] مصنف ابن أبي شيبة (2/3) رجاله ثقات رجال الشيخين، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/532)
[29] سنن الترمذي (2/ 420)
[30] حسنه الألباني في سنن ابن ماجه (1/411).
[31] حسنه الألباني في سنن الترمذي (2/ 410).
[32] نفس المصدر السابق
[33] سبل السلام (1/436)
[34] صحيح البخاري برقم (986)
[35] قال الألباني صحيح ((سنن أبي داود)) (1/ 300)
[36] زاد المعاد (1/432)
[37] مصنف ابن أبي شيبة (1/ 487)، وذكره الألباني في الصحيحة برقم 171
[38] سنن الدارقطني (2/381) قال الألباني صحيح، انظر: إرواء الغليل (3/122)
[39] سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/331)
[40] شرح السنة (4/300)
[41] مصنف ابن أبي شيبة (1/ 490)، وقال الألباني في إرواء الغليل إسناده صحيح (3 /125).
[42] السنن الكبرى للبيهقي (3/ 441)، وقال الألباني في إرواء الغليل سنده صحيح (3/ 126).
[43] انظر إرواء الغليل (3/ 122)
[44] إرواء الغليل (3 / 121)
[45] مجموع الفتاوى (24/ 253)
[46] فتح الباري (2/ 446)
[47] قال الألباني: حسن،((سنن ابن ماجه)) (1/410).
[48] ((سنن أبي داود)) (1/ 300) وقال الألباني صحيح ((صحيح وضعيف)) سنن أبي داود (ص: 2).
[49] صحيح البخاري (8/6)
[50] صحيح مسلم (4/ 1982)
[51] الفروق للقرافي (1/147)
[52] شرح النووي على مسلم (16/ 113)
[53] ينظر: تفسير الطبري (20/127).
[54] صحيح مسلم (2/607)
[55] صحيح البخاري (2/24)
[56] صحيح البخاري (2/16)
[57] صحيح مسلم (2/ 609)