عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20-12-2019, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,196
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأبعاد التربوية للحج

الشقائق :
دور المرأة في المشروع الحضاري: بعد ذلكيتجه الحاج إلى المسعى، فإذا دنا من الصفا تلا قـــوله ـ سبحانه ـ: ((إنَّ الصَّفَاوالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاجُنَاحَ عَـلَـيْـهِ أَن يَـطَّــوَّفَ بِـهِـمَــــا ومَن تَطَوَّعَ خَيْراًفَإنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)) [ البقـرة: 158]، ثـم يقول: "نبدأ بما بدأ بهالله". ثـم يـبـدأ مــن الـصـفــــا فيرتقي ثم ينظر إلى الكعبة، فيكبر ويوحد، ويدعوثلاثاً من خيري الدنيا والآخرة، ثم يبدأ السعي متجهاً إلى المروة ويذكر الله ـ عزوجل ـ ويدعو وهو يمشي. ويركض هرولة بين الـمـيـلـيـن. ثم يمشي حتى يأتي المروةفيرتقي عليها، ويصنع كما صنع على الصفا. ثم يعود إلى الصفا ويكرر ذلكسبعاً.وعندما نتأمل هذا العمل العظيم من أركان الحج أو واجباته ـ وذلـك منزاويـة بحثنـا الـمتواضع ، ومغزاه التربوي ـ من حيث دلالاته باعتباره ركيزة منركائز المشروع الحضاري فإنـنـــــا نرى بدايةً أنه قد شُرع للأمة كما في قوله صلىالله عليه وسلم: "اسعوا؛ فإن الله كتب عليكم السعي"(20) ، شُرعليربط الأمة بتاريخها الناصع،ويذكر الأمة بجذورها، وأصالتها تذكرة دائمـة حتى يرثالله الأرض ومن عليها، يذكرها بتلك التجربة العظيمة، والجهد الشاق الذي قامت بههاجر الصابرة المؤمنة المثابرة، ـ عليها السلام ـ وهي تبحث عن الماء لرضيعهاولـهـــا بعد أن نفد الماء الذي كان معها، و "عطشت، وعطش ابنها ـ أي انقطع لبنهافعطش ابنها ـ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ـ أي يبكي ويتقلب، وفي روايــــة: يتـلـبـط أييتمــرغ ويضرب الأرض برجليه، وفي أخرى: يتلمظ أي يخرج لسانه فيبل به شفتيه وكانتسنه حينئذ سنتين ـ، فانطلقت كراهيةَ أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرضيـلـيـهـا، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر: هل ترى أحداً، فلم ترَ أحداً،فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ـ أي قميصها ـ ثم سعت سعيالإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة، فقامت عليه،فنظرت: هل ترى أحداً،فلم ترَ أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات.قال ابن عـبـاس ـ رضـــي الله عنهما ـ: فذلكسعي الناس بينهما. فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً؛ فقالت: صهٍ ـ تريد نفسها ـ ثمتسمَّعت، فسمعت أيضاً! فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواثٌ، ـ أي سـاعــدني لأنيسمعتك ـ فإذا هي بالمَلَكِ ـ أي جبريل ـ عليه السلام ـ عند ماء زمزم ـ فبحث بعَقبهِـ أي عظم مؤخر القدم ـ أو قال بجناحه، حتى ظهر الماء"(21).
وبتدبر هذه التجربة العظيمة نستطيع أن نتلمس بعض الملامحالتربوية حول بعض القضايا الفرعية، ثم حول القضية العظيمة والـمغـزى الرفيع الذينخلص إليه .

أ -أما بالنسبة للقضايا الفرعية:فأولها:عندما يتأمل الحاج أنه قد كُتب عـلـيه السعي علىالنهج نفسه وبالخطوات التي قامت بها أم إسماعيل ـ عليهما السلام ـ نرى أن الله ـ عزوجل ـ يريد أن يذكِّر كل مسلم، أن هــذه الأمة واحدة؛ لأنها تملك كل مقومات هذهالوحدة: من جذور تاريخية، وأرض، وأفكار موحدة، وأنها تتجذر في التاريخ عمقاً يربطهابأبي البشر آدم وأبي الأنبياء إبراهيم ـ عليهما السلام ـ أوائل من بنوا البيت،وأنـهـــا كذلك تتجذر في التاريخ عرضاً لتضم كل الأمم وكل أجناس الأرض؛ فهي أمةواحدة ورسالتها واحدة.ثانيها:كيف أن الماء الذي كان في سقاء هاجر ـ علـيـهــا السلام ـقـد نـفـــد لتتعرض هي ووليدها الحبيب لهذه المحنة العظيمة التي تضطرها لهذا السعيوالركض الشاق والمتكرر، وهو الملمح الذي يبين أنه قد كتب على ابن آدم عامة حظه منالكد والـنـصـــب، تحقيقاً لسنته ـ سبحانه ـ أن حياة هذا المخلوق هي سلسلة من الكدوالتعب: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي كَبَدٍ)) [ البلد: 4]، وأن الإنسانمخلــوق مبتلى: ((إنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِفَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً)) [الإنسان: 2].وكتب كذلك على الدعاة وحامليالأفكار النبيلة خاصة تحقيقاً لسنته ـ سبحانه ـ: ((الّـم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنيُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ )) [العنكبوت: 1، 2].
إذن لا بد من الجهد والمحنة من أجل الاختبار والتمحيص، ومن أجل التمييزوالانتقاء: ((مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِحَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)) [آل عمران: 179].وهذا المـبـدأ ـمـبــدأ الابتلاء ـ لم يُستثن منه أحد حتى هاجر الصابرة الممتحنة ووليدها ـ عليهماالسلام ـ بل كل الأنبياء ـ عليهم الـسـلام ـ والصالحون والمصلحون علىدربهم.ثالثها:تدبر وصف الحديث الشريف لحال هاجر ـ عليها السلام ـ: "فانطلقت كراهية أنتنظر إليه" أي كان هـنـالك شـعــور داخلي عارم يدفعها للعمل والبذل إحساساًبالمسؤولية والإيجابية لعمل شيءٍ مَّا لتدفــع به تلك المحنة، ولم تقعد وتولولتواكلاً وكسلاً وأن هذا شيء مقدر؛ بل نستشعر من طريـقـة سـعـيها ـ عليها السلام ـمعنى التصميم والعزم، وهو الشعور الذي يغيب عن بعض الدعاة؛ الشعور الداخليبالمسؤولية لعمل شيء مَّا من أجـــل الفكرة التي يحملونها.رابعاً:كانت هاجر ـ عليهاالسلام ـ تسعى وتركض، ولا تريد أن تعود حتى تحصل على بغيتها حتى إنها كررت سعيهاسبع مرات! أي كان هنالك تصميم وثبات وعدم يأس من تحقيق بغيتها. ولقد كان بإمكانهاأن تعذر إلى الله ـ سبحانه ـ بأن تسعى مرة أو مرتين.وهو الملمح الذي يذكِّرالدعاة بطرْق أبواب الخير مرات ومرات حتى تفتح، وأحــرى لـمـنداوم على قرعالباب أن يُفتح له.فالداعية صاحب قضية، وهو دوماً يتطلع إلى المعالي، ولا تعوقهمغريات الأرض، ولا ثقلة الطين حتى يتحقق هدفه العظيم، كما قال أحمد محمدالصديق:يتعالى عــن أراجـيــف الثــرى نافضـــاً عنــه غـبارَالتهــــــممـــن تكــن عينــاه للأرض فلن يتسامــــــــى أبــداًللأنجــــمخامسها:بعد هذا المجهود المتكرر، والسعي الشاق المضني، والأخذ بكلالأسباب لا يسفر ذلك عن شيء، حتى كان الفرج بيده ـ سبحانه ـ المطَّلع على هذاالأمر، فأرسل جبريل ـ عليــه السلام ـ ليضــرب بعقبـه أو بجناحه الأرض فتتفجرزمزم.

وهو الملمح الذي يذكِّر الدعــاة بالفقــه الجيــد لقضية التوكل على الله؛وذلك بأن يسـعـوا في الأسباب ـ وبأفضل الأسباب ـ مع القناعة الداخلية بعدم الركونإليها، ثم مـع الـيـقـين فيما عنده ـ سبحانه ـ: ((مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ومَا عِندَاللَّهِ بَاقٍ)) [النحل: 96]والـفـرج بـيــده ـ سـبـحـانــه ـ وحــده مالكالملك، ومقدِّر الأقدار؛ لذا فإن الجوارح تعملبالأسباب، والقلب يناجي رب هذهالأسباب: ((بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)). [آل عمران: 26].
وثمرة هذه القضية هو الخلوص والتجرد للحق ـ سبحانه ـ ((وظَنُّوا أَن لاَّمَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إلاَّ إلَيْهِ)). [التوبة: 118].

ب - أمـا بالـنـسـبة للقضية الكبرى والمغزى العظيم من ركنالسعي:
؛ فإن هذا العمل الذي يقوم به كل حـــاجومعتمر يكاد يكون بكل دقائقه هو ما قامت به هاجر ـ عليها السلام ـ نفسه، وكأنهارســمت الخُطا للاَّحقين في كل عصر وفي كل جيل؛ فلا تتم لهم عمرة ولا حج إلا به، ثملـيـتـدبروا بعض الدروس التربوية منه. ولا يكاد يخلو هذا المكان من ساع ومهرول فيأي لـحـظــــة، من اليوم والنهار، وكأننا بالحق ـ سبحانه ـ يريد أن تظل تلك القضيةودروسها حية دوماً في وجـدان الأمـــة حتى يرث الأرض ومن عليها؛ عرفاناً بدور هاجرـ عليها السلام ـ وتذكيراً للأمة، ورداً على أباطيل أعدائها وشبهاتهم.وعندمانتدبر هذا الركن من خلال زاوية دراستنا نجد أنه رد عملي، وبرهان جلي، حول قضيةطالما أثار حولها المــعـارضــــــــون للمشروع الحضاري الإسلامي الكثير من الشبهاتوالاتهامات؛ بل العجب في الأمر أنه قد يـُـشــارك بـعــض المسلمين في إثارة الغبارحولها بحسن نية، أو بجهل، أو بهما معاً! وهي قــضــيـة مــكـانة المرأة في الإسلام،ودورها في المشروع الحضاري.ويكفينا في هذا المقام أن نقتطف بعض ما جاء فيالــرأي الـشـامـل الجامع والراقي للحركة الإسلامية المعاصرة حول هذه القضية؛فالمرأة (هي الأم التيقدمها الله ـ تعــالى ـ على كل من عداها في حق صحبة الأبناء لها، وأنهن شقائقالرجال. والمرأة هي نصف المجتـمـع ونصف الأمة والقائمة على تنشئة الأجيال. ومسؤوليةالمرأة الإيمانية كالرجل سواءاً بسواء؛ فهي مأمورة ـ كالرجل ـ بالإيمان بالله،وبالعمل بالأركان، وعليها ما على الرجل من واجـــب التفقه في الدين. والحدودُ فيالشريعة واحدة بالنسبة للرجل والمرأة، ونفس المرأة في القصــاص كنفس الرجل. وهي أولمن آمن، وأول من استشــهد في سبيل الله. ولقد شاركت في الجهـاد والغزوات. ولا يصــحزواج في الشـــريعة إلا بموافقتها ورضاها وإجازتها، ولا يجوز شرعاً إجبارهـا علـىالزواج ممن لا ترضاه. وللمــرأة ذمة مالية كاملة لا تنقص شيئاً عن ذمة الرجلالمالية. ونقصها في الدين ليس نقصاً في الإيمان ولا لأنها مخلوق متدنٍّ غير أهلللرقي، بـل لـرفـــع العبادات عنها في أوقات معينة. ونقص الحظ هو في بعض أنصبةالميراث فقط. أما نقص العـقــل فهو مـحـــدد بالشهادة على أمور معينة أهمهاالدَّيْن أي القرض، وعقود البيع والحدود. أمـــا قوامة الـرجــل عليها فلا يجوز أنتُفهَم على أنها مطلقة في كل الأمور ولعامة الرجال، بل إن هذه القوامة خاصة بالأسرةفقط، وفيما يتعلق بالأمور المشتركة بين الزوج والزوجة. (22)
ورياسة الرجـــــللـيـسـت ريـاســـة قهر وتحكم واستبداد، ولكنها تراحم وتواد ومعاشرة بالحسنى، وتقومعلى التشاور؛ فالأصل هو المساواة، ولكن الاستثناءات ترد منه ـ سبحانه ـ. وقد وردتالنصوص بأن جسد المــرأة كله عورة، ولا يجوز أن يظهر منه شىء أمام الرجال الأجانب بما في ذلك الوجه والكفين ، وأن خلوة المرأة بالرجل غيـر المحرم لها غير جائزة. وللمرأة وظيفة أساسيةهامة وسامية خصها ـ ســبـحـانـه ـ بهــا وهي وظيفة الحمل والأمومة وتربية الأجيال تربية صالحة، وهي ربة البيتوملكته. وهـكـــذا فــإن ركـــن السعي يفتح أفقاً رحيباً للمشاركينفي المشروع الحضاري حول قضية المشارِكــات ودورهــن، فـلا يـبـخـسـن، ولا يُهـمـلن.ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهن: الشقائق.

مع المؤتمرين!فـضـــل الجماعيةوأهميتها: ثم بعد طلوع الشمس من يوم عرفة يتوجه الحاج من منى إلى عــرفــــة، وهويلبي ويرفع بها صوته.ويـكـره له الصيام في هذا اليوم. ومن السنَّة النزول في نمرة إلى الزوال إن أمكن.فإذا زالت الشـمس سُنَّ للإمام أو نائبه أن يخطب خطبة تناسب الحال، ويبين للحاج مايشرع في هذا الـيـوم وبـعده. وبعدها يصلي الظهر والعصر جمع تقديم وقصراً؛ وذلكليطول وقت الوقوف والدعاء بـعـد الـصـــلاة؛ حيث يتفرغ للذكر والدعاء والتضرع إلىالله، ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخـــرة، وليس لعرفة دعاء مخصوص، ويستحب أنيرفع يديه حال الدعاء، ويستقبل القبلة. والأفضل أن يجعل الجبل بينه وبين القبلة، إنتيسر ذلك.ووقت الوقوف يمتد إلى طلوع الفجر من يوم العيد. وعليه أن يتثبت منكونه داخل عرفة، ولا يخرج من عرفة إلا بعد غروب الشمس.وبتأمل أعمال هذا اليومالعظيم نقـتـطـف بـعـض الـملامح التربوية؛ وذلك من منظور دورهركيزةً من ركائز المشروع الحضاري:أ - "الحـج عـرفـة" (23) بـهـاتـين الكلمتين وضح صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الركن منأعمال الحج، ولقد أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم؛ فهو اليومالذي يجتمع فيه كل الحجيج في مكان واحد، وفي يوم واحد، وإن امتد وقتالوقوف.وكأن المقصود هو اجتماع ممثلي الأمـــة من كل جنس ولون، ومن كل أرضوصقع، وكأنه مؤتمر سنوي يناقش هموم الأمة، ويعطي الدليل على كيفيةاجتماعها.وعندما نتدبر مغزى حديثه صلى الله عـلـيـه وسلم أن الحج الصحيح هو منأدرك الوقوف يوم عرفة فإننا نستشعر أن جمع الأمة على هــذه الـصـيـغـة مــن الأهميةالعظيمة بمكان، ويبرهن أيضاً على أن حضور هذا المؤتمر السنوي الكبير يجب ألاَّيتخـلـف عـنه أحد ممن حضر من ممثلي الأمة.وكـم هـــو منهج عظيم عندما يدعو فيكل مناسبة إلى الوحدة، ويشيد بالجماعية وبركتها، وينبذ أفكار التشتتوالتشرذم!ب -في توجه الحجيج إلى عرفات تحت راية التكبير والتوحيد والتهليل يفهم منهأهمية الفكرة الربـانـيـة ودورهــــا أن ركيزة التجميع لهذه الأمة هي كلمة التوحيد؛فهي الفكرة الربانية التي رشحها الحــق ـ سبحانه ـ لأن تجتمع عليها الأمة ـ كلالأمة ـ وهي الراية التي من الممكن أن يتجمع حـولـهـا كــل الـنـاس؛ فـتـنـطلق بهمإلى سيادة الدنيا، وسعادة الآخرة.ونحن في هـذا المقام نضيف دليلاً آخر يؤكد ماقلناه؛ وهو ما أورده (ابن خلدون) في مقدمته ( أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغةدينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجـمـلــــة؛ والسبب في ذلك أنهمـ لخُلُق التوحش الذي فيهم ـ أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض. فإذا كان فيهم النبيأو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله يذهب عنهم مذمومات الأخــلاق،ويـأخـذهـم بمحمودها، ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق ـ تم اجتماعهم وحصل لهم التغلبوالملك، وهم مع ذلك أسرع الناس قبولاً للحق والهدى والسلامة) (24).
ج-وفي قصر الصلاة وجمعها نسـتـشـعـر مــنـه وكـأن الـمقـصـــودأن يطـول وقت الوقوف والتضـرع إلى الله ـ عز وجل ـ وذلك من شأنه أن يحقق الهدفالثاني من أهــداف ركــــن الـحـج وهو قطف ثمرته الروحية من ذكر ودعاء واستغفار؛فهو فرصة سانحة لا تتكرر إلا كل عـام، ولمن سعدوا بحضورها؛ حيث تبدو سويعات الوقوفوكأنها دورة تربوية روحية مركَّزة قدَّرها ـ سبحانه وتعالى ـ لمعالجة بعض جوانب تلكالحالة الاعتلالية التي تحدثنا عنها في (ظاهرة التآكل الروحي)؛ حيث تتسرب إلى بعضالنفوس.وتدبر كيف أن المربي العظيم صلى الله عليه وسلم قد عمم الترغيب في آثارالحج الروحية عموماً، ثم خصص أهمية يوم عرفة، من ذلك: "من حج هذا البيت؛ فلم يرفث،ولم يفسق رجع كـيـوم ولـدتـــه أمه" (25) ، العمرة إلى العمرةكفارة لم بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"(26)، "مــا مـن يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ـعز وجل ـ ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟" (27).
د -في هذا اليوم، وفي أثناء فــرحــة الحـجـيـج بموقفهم،وبمؤتمرهم الجليل، وبينما هذا الجمع الطيب مشغول في دورته الروحية كان مــن الفقهالعميق أن يُعرِّج الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى التحذير من العدو المبين ذلك الذييـتـأذَّى حـسـداً وحقداً من مجرد سجود المؤمن وطاعته لربه، فما بالك بهذا الموقفالعظيم؟!عـن أبـي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما رُئِيَ الشيطان يوماً هو فيه أصغر، ولا أدحر ـ أي أذل وأهون ـ ولا أغيظ منه فييوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تَنَزُّل الرحمة، وتجاوُزِ الله عن الذنوبالعظام، إلا ما أري من يوم بدر. قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: أما إنهرأى جبريل يَزَع ـ أي يقود ـ الملائكة" (28).
وهو العدو الذيلا ينام، ولا يغفل عن الدس والوسوسة. قال رجل للحسن: يا أبا سعيد! أينام الشيطان؟!فتبسم وقال: لو نام لاسترحنا (29).
وهذه اللمحة النبويةالعظيمة تذكرنا بباب عظيم من الفقه ألا وهو علم الشر، وسبل الوقاية منه، وهــــوالباب الذي لا يغني عنه ولا ينفي أهميته أن نفقه علم الخير، وسبل الوصول إليه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]