
19-12-2019, 09:52 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,847
الدولة :
|
|
من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح
من درر الأعلام - صلاح التعليم أساس الإصلاح
وائل رمضان
الشيخ عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله
لَنْيَصْلُحَ المُسْلِمُونَ حَتَّى يَصْلُحَ عُلَمَاؤُهُم؛ فَإِنَّمَ االْعُلَمَاءُ مِنَ الْأُمَّةِ بِمَثَابَةِ الْقَلْبِ، إِذَاصَلَحَ صَلَحَ الْجَسَدُكُلُّهُ ،وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَصَلَاحُ المُسْلِمِينَ إِنَّمَا هُوَ بِفِقْهِهِمُ الْإِسْلَامَ وَعَمَلِهِمْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ هَذَا عَلَى يَدِ عُلَمَائِهِمْ؛ فَإِذَا كَانَ عُلَمَاؤُهُمْ أَهْلَ جُمُودٍ فِي الْعِلْمِ وَابْتِدَاعٍ فِي الْعَمَلِ؛ فَكَذَلِكَ المُسْلِمُونَ يَكُونُونَ؛ فَإِذَاأَرَدْنَا إِصْلَاحَ المُسْلِمِينَ فَلْنُصْلِحْ عُلَمَاءَهُمْ.
وَلَنْ يَصْلُحَ الْعُلَمَاءُ إِلَّا إِذَا صَلَحَ تَعْلِيمُهُمْ؛ فَالتَّعْلِيمُ هُوَ الَّذِي يَطْبَعُ المُتَعَلِّمَ بِالطَّابَعِ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ فِي مُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهِ وَمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عَمَلِهِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ؛ فَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُصْلِحَ الْعُلَمَاءَ فَلْنُصْلِحِ التَّعْلِيمَ، وَنَعْنِي بِالتَّعْلِيمِ، التَّعْلِيمَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ المُسْلِمُ عَالِمًا مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، يَأْخُذُ عَنْهُ النَّاسُ دِينَهُمْ وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيهِ.
التعليم النبوي
وَلَنْ يَصْلُحَ هَذَا التَّعْلِيمُ إِلَّا إِذَا رَجَعْنَا بِهِ لِلتَّعْلِيمِ النَّبَوِيِّ فِي شَكْلِهِ وَمَوْضُوعِهِ، فِي مَادَّتِهِ وَصُورَتِهِ، فِيمَا كَانَ يُعَلِّمُ صلى الله عليه وسلم وَفِي صُورَةِ تَعْلِيمِهِ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ من درر الأعلام صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا»؛ فَمَاذَا كَانَ يُعَلِّمُ؟ وَكَيْفَ كَانَ يُعَلِّمُ؟
الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ
كَان صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي جِبْرِيلَ فِي الْحَدِيثِ المَشْهُورِ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ»، وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدِّينَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}(النمل: ٩١ - ٩٢)، وَمَا بَيَّنَهُ لَهُمْ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَسِيرَتِهِ وَسُلُوكِهِ فِي مَجَالِسِ تَعْلِيمِهِ وَفِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ؛ فَكَانَ النَّاسُ يَتَعَلَّمُونَ دِينَهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَ مِنْ كَلَامِ رَبِّهِمْ، وَمَا يَتَلَقَّوْنَ مِنْ بَيَانِ نَبِيِّهِمْ وَتَنْفِيذِهِ لِمَا أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ؛ وَذَلِكَ الْبَيَانُ هُوَ سُنَّتُهُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَصْحَابُهُ وَالخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَبَقِيَّةُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ المَشْهُودِ لَهُمْ بِالخَيْرِيَّةِ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ.
سَيِّدُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ
وَإِذَا رَجَعْتَ إِلَى (مُوَطَّإِ مَالِكٍ) سَيِّدِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ؛ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ -فِي بَيَانِ الدِّينِ-قَدْ بَنَى أَمْرَهُ عَلَى الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَمَلِ أَصْحَابِهِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ آخِرَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ؛ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِهِ؛ وَكَذَلِكَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَى كِتَابِ: «الْأُمِّ» لِتِلْمِيذِ مَالِكٍ: الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ قَدْ بَنَى فِقْهَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنَ السُّنَّةِ، وَهَكَذَا كَانَ التَّعَلُّمُ وَالتَّعْلِيمُ فِي الْقُرُونِ الْفُضْلَى، مَبْنَاهُمَا عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
الفقه في الدين
رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي «الجَامِعِ» عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}(آل عمران: 79)، قَالَ الضَّحَّاكُ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا»، وَرَوَى عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى رضي الله عنه: «أَمَّا بَعْدُ؛ فَتَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ وَتَفَقَّهُوا فِي الْعَرَبِيَّةِ»، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ (الْإِحْكَامِ) وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، كَيْفَ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الدِّينَ؟ «كَانَ أَهْلُ هَذِهِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ المَحْمُودَةِ، يَعْنِي: الْقُرُونَ الثَّلَاثَةَ، يَطْلُبُونَ حَدِيثَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَالْفِقْهَ فِي الْقُرْآنِ، وَيَرْحَلُونَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْبِلَادِ؛ فَإِنْ وَجَدُوا حَدِيثًا عَنْهُ -عليه السلام- عَمِلُوا بِهِ وَاعْتَقَدُوهُ»، وَمَنْ رَاجَعَ (كِتَابَ الْعِلْمِ) مِنْ (صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ)، وَوَقَفَ عَلَى كِتَابِ (جَامِعِ الْعِلْمِ) لِلْإِمَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، عَصْرِيِّ ابْنِ حَزْمٍ وَبَلَدِيِّهِ وَصَدِيقِهِ عَرَفَ مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى سِيرَتِهِمْ تِلْكَ شَيْئًا كَثِيرًا.
التَّعْلِيمُ الدِّينِيُّ السُّنِّيُّ
هَذَا هُوَ التَّعْلِيمُ الدِّينِيُّ السُّنِّيُّ السَّلَفِيُّ؛ فَأَيْنَ مِنْهُ تَعْلِيمُنَا نَحْنُ الْيَوْمَ وَقَبْلَ الْيَوْمِ، بَلْ مُنْذُ قُرُونٍ وَقُرُونٍ؟! فَقَدْ حَصَلْنَا عَلَى شَهَادَةِ الْعَالَمِيَّةِ مِنْ جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ، وَنَحْنُ لَمْ نَدْرُسْ آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا أَيُّ شَوْقٍ أَوْ أَدْنَى رَغْبَةٍ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ لَنَا هَذَا وَنَحْنُ لَمْ نَسْمَعْ مِنْ شُيُوخِنَا يَوْمًا مَنْزِلَةَ الْقُرْآنِ مِنْ تَعَلُّمِ الدِّينِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ، وَلَا مَنْزِلَةَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ؟! هَذَا فِي جَامِعِ الزَّيْتُونَةِ، فَدَعْ عَنْكَ الْحَدِيثَ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ دُونَهُ بِعَدِيدِ المَرَاحِلِ!
الْفَسَادِ التَّعْلِيمِيِّ
فَالْعُلَمَاءُ -إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ- أَجَانِبُ، أَوْ بوصفهم أَجَانِبَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنَ العِلْمِ بِهِمَا وَالتَّفَقُّهِ فِيهِمَا، وَمَنْ فَطِنَ مِنْهُمْ لِهَذَا الْفَسَادِ التَّعْلِيمِيِّ، الَّذِي بَاعَدَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعِلْمِ بِالدِّينِ، وَحَمْلِهِمْ وِزْرَهُمْ وَوِزْرَ مَنْ فِي رِعَايَتِهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُ -إِذَا كَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ وَرَغْبَةٌ- أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ إِلَّا فِي نَفْسِهِ، أَمَّا تَعْلِيمُهُ لِغَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ عَنِ المُعْتَادِ الَّذِي تَوَارَثَهُ عَنِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، رَغْمَ مَا يَعْلَمُ فِيهِ مِنْ فَسَادٍ وَإِفْسَادٍ.
إِصْلَاحِ التَّعْلِيمِ الدِّينِيِّ
وَنَحْنُ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَّا تَعْلِيمَ الدِّينِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَمِنْ عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ المَحْمُودَةِ، وَمِنْهُمْ إِمَامُنَا: إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكٌ؛ فَإِنَّنَا عَقَدْنَا الْعَزْمَ عَلَى إِصْلَاحِ التَّعْلِيمِ الدِّينِيِّ فِي دُرُوسِنَا حَسَبَ مَا تَبْلُغُ إِلَيْهِ طَاقَتُنَا -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى».
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|