العشر الأُول من ذي الحِجّة
فضائل وأسرار
عادل عبدالله هندي
خامسًا: الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية:لما فيها من التقرّب إلى الله تعالى وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين، قال تعالى: ï´؟ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ï´¾ [سورة الحديد: 11]. ولما يترتب على ذلك من تأكيد الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم من خلال تفقّد أحوال الفقراء والمساكين واليتامى والمُحتاجين وسد حاجتهم، لا سيّما وأنّ موسم العيد فيه يحتاج الفقراء للطعام والملبس الجديد، وفي ذلك درْس في الإحساس وبث المشاعر الطيبة. ثُمّ لأنّ في الصّدَقة أجراً عظيماً وإن كانت معنويةً وغير مادية؛ فقد ورد في الحديث الصحيح كما عند البخاري: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ»...
سادسًا: الإكثار من الأعمال الصَّالحة عمومًا: لأنّ العملَ الصَّالح محبوب إلى الله تعالى وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله تعالى. فمن لم يمكنه الحجّ فعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بطاعة الله تعالى من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخير وسُبُل الطاعة.
وهذه مجموعة من الأعمال الصالحة العامّة والخاصّة: قراءة القرآن وتعلمه - والاستغفار - وبر الوالدين - وصلة الأرحام والأقارب - وإفشاء السلام وإطعام الطعام - والإصلاح بين الناس - والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وحفظ اللسان والفرج - والإحسان إلى الجيران - وإكرام الضيف - والإنفاق في سبيل الله - وإماطة الأذى عن الطريق - والنفقة على الزوجة والعيال - وكفالة الأيتام - وزيارة المرضى - وقضاء حوائج الإخوان - والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - وعدم إيذاء المسلمين - والرفق بالرعية - وصلة أصدقاء الوالدين - والدعاء للإخوان بظهر الغيب - وأداء الأمانات والوفاء بالعهد - والبر بالخالة والخالـ وإغاثة الملهوف - وغض البصر عن محارم الله - وإسباغ الوضوء - والدعاء بين الآذان والإقامة - وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة - والذهاب إلى المساجد والمحافظة على صلاة الجماعة - والمحافظة على السنن الراتبة - والحرص على صلاة العيد في المصلى - وذكر الله عقب الصلوات - والحرص على الكسب الحلال - وإدخال السرور على المسلمين - والشفقة بالضعفاء - واصطناع المعروف والدلالة على الخير - وسلامة الصدر وترك الشحناء - وتعليم الأولاد والبنات - والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.
ثالثًا: الأضحية.. وما يتعلّق بها من أحكام وفوائد
يُعَدُّ ذبح الأضاحي من العبادات المشروعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في يوم النحر أو خلال أيام التشريق، عندما يذبح القُربان من الغنم أو البقر أو الإبل، ثم يأكل من أُضحيته ويُهدي ويتصدق، وفي ذلك كثيرٌ من معاني البذل والتضحية والفداء، والاقتداء بهدي النبُوّة المُبارَك.
وهي سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، واقتدى به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولا شكّ أنّ في ذبح الأضاحي وإراقة الدماء يوم العيد من الفوائد التربوية والنفسية والاجتماعية ما فيه.
فحين يُقبل المسلم على ذبح الأضحية يتذكّر الآتي:
1- يتذَكَّر نبيّ الله إبراهيم وقد أوشك على ذبح ولده؛ وكان الهدف نحر أي محبة في قلب نبي الله إبراهيم إلا محبة الله تعالى، لا سيّما وقد ملأ حب ولده شغاف قلبه.
2- يتذكّر أنّ الله أذِن بإراقة دماء الأضاحي والبهائم والشياه، بينما عظّم وحرّم إراقة دماء البشر، وجعل هدم الكعبة حجرًا حجرًأ أهون عنده من إراقة دماء المسلمين.
3- يتذكّر الفقراء والمحتاجين، ويتعلّم العطاء لله تعالى، وانتظار المثوبة منه على البذل والتضحية.
4- يتذكّر صلة الرحم والأقارب وهو يعطيهم من لحم الأضحية؛ دعوةً للتواصل بين الأهل والأحباب.
5- يتذكّر تلك الأسرة الربانية المجاهدة المتوكّلة الصابرة المحتسبة صاحبة اليقين في ربّها، وهي أسرة نبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، نتعلّم منها ونستفيد كل معاني التجرد والتضحية والثبات والتوكل واليقين في الله تعالى.
6- أن يتذكّر أن الأضحية فيها خير له ولأهله، قال تعالى: ï´؟ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ï´¾ [الحج: 36].
ما يتعلّق بالأضحية من أحكام:
الأضحية شرعاً: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام النحر تقرباً إلى الله تعالى، والأضحية من أفضل أعمال العيد.
يقول الله تعالى في كتابه مشرّعًأ وآمرًا نبيه: ï´؟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ï´¾ [الكوثر: 2].
وأما السنة فقد ثبت في الصحيحين أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ضحَّى بكبشين أقرنين، فهي مشروعة بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل العلم.
حكمة مشروعيتها:
وقد شرعت لحكم عظيمة، منها التأسي بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، والفرح بالعيد، والتوسعة على الناس فيه، ومشابهة الحجيج في بعض مناسكهم. والصحيح أنها سنة مؤكدة، وليس في الباب حديث صريح يدل على وجوبها.
ومن بين الأحكام المتعلقة بالأضاحي ما يأتي:
أولا: استحضار النية لله تعالى، وأنّ الذبح إنما هو لإرضاء الله وشكر نعمته لا غير، قال تعالى: ï´؟ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [الحج: 37].
ثانيًا: من نوى الأضحية فعليه من أول ذي الحجة أن يمتنع عن الأخذ من شعره وأظافره، ويستحب أن يعيش أهل البيت جميعًأ هذه الروح الكريمة؛ من مشاركة الحجاج والإحساس بروح التلبية والتوحيد والطاعة لله رب العالمين، ففي الحديث الصحيح عند مسلم: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا».
ثالثًا: أن يختار الأضحية من أكفء أنواع الذبائح، من حيث اللحم والسّنّ والمال الطيب الطاهر.
رابعًا: إراحة الذبيحة عند الذبح، وهذا مما يبين عظمة الإسلام مقارنة بإنسان الغرب الذي قام يعذّب الذبيحة قبل ذبحها، فأنت كمسلم لا تري الذبيحة الشفرة أو السكين، إشفاقًا عليها، وتريحها قبل أن تذبحها بإطعامها وما شابه، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ». [رواه مسلم في صحيحه].
أيها المسلمون:
• هيا فلنحيا هذه الأيام بروح المجاهدين والعابدين..
• نحياها بروح الحجّاج المتبتلين الأوابين القائمين الذاكرين الله كثيرًا..
• نحيا العشر بهمّة الصالحين المصلحين العاشقين لتوبة من الله ورحمة منه عزّ وجلّ...
• نحيا هذه الأيام وكلنا أمل في الله تعالى بأن يفرّج الكرب عنا وعن بلادِنا وأن يحفظنا والمسلمين جميعًا من كل سوء وبلاء...
• هيا فلنعشها لله، ونحيا فيها لله، لا نتحرّك حركة إلا ونحن نوقن بأنها ترضي الله تعالى، ولا نتكلّم بكلمة ولا نسمع شيئا ولا ننظر إلى شيء إلا ونحن -على يقين- بأن فيها مرضاة ربنا وخالقنا سبحانه.
!!!
نسألُ الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه...
اللهم أصلِح ذوات بيننا، وأعِد أيام العشر على أمتنا كلها بالخير واليُمن والبركات...
اللهم تقبّل منا صالح أعمالنا، واختم لنا بالصالحات...
اللهم احفظ مصرنا من كل سوء وبلاء، واصرف عنها سوء المعيشة وشرّ الغلاء...
اللهم أعِد إلينا كرامتنا، ويسّر أمورنا، واحفظ أعراضنا، وحقق أمانينا، وثبت إيماننا....
اللهم أذِقْنا حلاوة الإيمان بك والقرب منك...
اللهم انصر المسلمين المستضعفين في كل مكان، وعليك باليهود الغاصبين المتجبرين، اقذف الرعب في قلوبهم وقلوب من والاهم وأيّدهم وعاونهم.
اللهم تقبّل من حجّاج بيتك الحرام.. وارزقنا قريبًا برحمتك زيارة بيتك واقبلنا وتقبّلنا يا أرحم الراحمين...
اللهم آمين.