
11-12-2019, 03:09 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,335
الدولة :
|
|
رد: أدبية الناسك، وشمائل الحاج والسالك
أدبية الناسك، وشمائل الحاج والسالك
الشيخ حمزة بن فايع الفتحي
والأدب الثاني:
وَتَارَكَ الفُسُوقِ وَالجِدَالِ
وهو ما أبانه الله بقوله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
والرفث: هو الجماع، وكذلك دواعيه مِن المباشرة والتقبيل.
وأيضًا يحرم التكلم به بحضرة النساء وفي غيابهن، خلاف المنقول عن ابن عباس، وإنما الرفث ما يقال عند النساء؛ بل الصواب اجتنابه كله.
والفسوق قيل: هو المعاصي، وقيل: هو السباب، وقيل: التنابز بالألقاب، والأول أعم، وهو أحسن.
والجدال: هو أن تماريَ أخاك حتى تُغضبَه، وكل جدال يفضي للتقاطع والخصومات، أما الجدال في العلم والمسائل، على وجه التناصح والفهم، فليس من ذلك.
وهذه الآثام الثلاثة في الحج حَرِيَّةٌ أن تُذهب حلاوتَه، وأن تمحق ثوابَه، أو تنقصه على كل حال، وقد قال بعض العلماء: إن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، والرافث آثم، والفاسق مرتكب معصية خرجت به عن الاستقامة، والمجادل يُخشى عليه أن يجره جدالُه إلى آفة محرمة؛ من سبٍّ، أو لعن، أو شتيمة، أو تقاطع.
وَحَامِلاً اَلخُلْقَ وَالخُشُوعَا وَالفَضْلَ وَالسُّكُونَ وَالخُضُوعَا
هنا جملة من الآداب المهمة، والخصال الحسنة، ينبغي ألا يغفل عنها الناسك الكريم:
- منها التحلي بحسن الخلق، وهو كما قال ابن المبارك: "بسطُ الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى".
- ثم التحلي بالخشوع، وهو السكون والطمأنينة، بحيث يؤدى الحاج المناسك بكل خشوع وطمأنينة، ويحمل أيضًا الفضل، وهو الإكرام بماله، وخلقه، وشمائله.
- ويتحلى بالسكون في حركته ومشيه، وأدائه للمشاعر بلا عجلة، أو مزاحمة، أو ركض.
- ويتحلى أيضًا بالخضوع في كل نسك يؤديه؛ ليخضع وينكسر لله، بلا تعالٍ ولا تجبرٍ.
وهذا البيت احتمل خمسة آداب، ينبغي تحلي الحاج بها، تُضاف لما سبق، فتبلغ خمسة عشر أدبًا.
وَآخِذًا مَنَاسِكَ الرَّسُولِِ وَجَامِعًا مَحَاسِنَ الفُضُولِ
هذا هو الأدب السادس عشر، وهو تأدية المناسك حسب الهدي النبوي، والأصل في ذلك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا عني مناسككم)).
فخذ مناسك الحج من رسول الله، المعلم الأول، والرسول الملهم، ودعك من آراء الشيوخ، أو اجتهادات الفقهاء المنافية للسنة والأخبار.
ثم عرَّج على أدب آخر:
وَجَامِعًا مَحَاسِنَ الفُضُولِ
أي: متلمسًا محاسن أفاضل الناس، وأخلاقهم وعاداتهم في المناسك، وهل هذا يصلح أن يكون أدبًا؟! محل نظر؛ لأن الأصل التأدب بالآثار، لكن قد يقال: محاسن شمائل الأقدمين لا بأس بها هنا، والله أعلم.
ومن المحاسن: فتح بعض الفضلاء مخيماتهم للفقراء المساكين، إطعامًا، وإيواء، ومبيتًا، كما كان يصنع الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله تعالى - وبعض العلماء، وتسبيل بعض التجار المياهَ، والمشروباتِ، والأطعمةَ على صورة شاحنات تجوب المناسك، وقد كان ابن جُدْعان في الجاهلية يتولى إطعام الحجيج بشيء لا يوصف؛ وفيه قال الشاعر:
لَهُ دَاعٍ بِمَكَّةَ مُشْمَعِلٌّ وَآخَرُ فَوْقَ دَارَتِهِ يُنَادِي
إِلَى رُدُحٍ مِنَ الشِّيزَى عَلَيْهَا لُبَابُ البُرِّ يُلْبَكُ بِالشِّهَادِ
وفي الإسلام كان ابن المبارك يُخرِج الحجاج من مرو على نفقته، ويكرمهم إكراما سخيًّا لا نظير له، والقصة مشهورة كما في كتب السير، وأنه إذا جاء وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصيحتك؟ فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيجعلها في صندوق ويقفل عليها، يكتري - أي: يستأجر لهم - ويُخرجهم من مرو إلى بغداد بأحسن زي، وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى المدينة، فيقول لهم، لكل واحد: ما أمرك عيالُك أن تشتريَ لهم من المدينة من طرفها؟ فيقول: كذا كذا. فيشتري لهم، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد: ما أمرك أهلك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال يُنفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم، فإذا كان بعد بثلاثة أيام عمل لهم وليمة وأرسل إليهم، فإذا أكلوا وسُرُّوا، دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صُرَّتَه عليها اسمه، وهم مسرورون متهلِّلون من كرمه وسخائه - رحمه الله.
ونُقل عن الثوري أنه كان في الحج أَمُورًا بالمعروف، ونَهُوًّا عن المنكر.
وكان سفيان بن عيينة إذا حج دعا ألا يكون آخر العهد به، فلما كان آخر سنة لم يَدْع؛ قال: "استحييت من ربي - عز وجل -"، وقد شهد ثمانين موقفًا.
واجتمع بكر بن عبدالله المزني ومطرف بن عبدالله بن الشِّخِّير في عرفات، فقال أحدهما: اللهم لا تَرُدَّ هذا الجمع، وقال الآخر: لولا أني فيهم لقلت: إن الله غفر لهم.
ومن المحاسن في عصرنا: كثرة الدروس والكلمات في أغلب المخيمات وانتظامها، ولقاء أهل العلم بعضهم ببعض، وعقد المجالس والندوات؛ للإفادة والتشاور، والتلاقي العلمي والفكري.
ومنها: توزيع وزارة الحج وإدارة الدعوة كتيباتٍ ومنشوراتٍ علميةً نافعة بأعداد كبيرة، وجري بعض العلماء والمحسنين على ذلك، وهي تسهم في نوع من توعية الحاج فقهيًّا وأدبيًّا وحضاريًّا، نسأل الله أن تتضاعف الجهود أضعافًا مضاعفة في إزالة تخلف الأمة وتبعثرها حضاريًّا، في أيام يجتمعون فيها في هذه الفريضة المباركة.
مُقْتَفِيًا مِنْ غَيْرِ مَا إِيغَالِ وَعَامِلاً مِنْ غَيْرِ مَا إِقْلاَلِ
هنا أدبان مهمان متعلقان بالعبادة:
الأول: الاقتفاء بلا غلو، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والغلوَّ في الدين؛ فإنما أهلك مَن كان قبلكم الغلوُّ في الدين))، وفي القرآن الكريم: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77].
ومن صور الغلو في الحج على سبيل المثال: رمي الجمارات بحصى كبيرة، أو بأمور أخرى غير الحصى، أو غسلها قبل الرمي.
ومن الغلو العجيب: ما زعمه الغزالي في "الإحياء" من استحباب الوقوف بعرفة اليوم الثامن، وادَّعى أنه الحزم.
والثاني: العمل بلا تقلل؛ أي: الإتيان بالعبادة بلا تقليل؛ كمَن يمر بمنًى ويجلس قليلاً بلا مبيت، ولو لنصف الليل، وكذلك مَن يمر بمزدلفة بسيارته ولا يبيت غالب الليل.
ونظيره مَن يمر بعرفة مرورًا، ولا يجلس للصلاة، والذِّكر، والابتهال، والدعاء, وإن كان حجه صحيحًا، ولكن لماذا إنقاص العبادة، وحرمان النفس من الفضل؟
وبعض هؤلاء المتقللين، ربما أناب شخصًا مكانه، أو سأل: ما حكم هذا المنسك؟ فإذا قيل له: يُجبَر بدم، استهان بما يدفعه من ماله، ولم يبالِ بتمام الحج وبِرِّه، وتحصيل الثواب الباهر؛ وقد قال - تعالى -: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].
فهذان الأدبان السابع عشر والثامن عشر:
تَلِينُ لِلإِخْوَانِ وَالأَصْحَابِ وَنَاسِكًا مِنْ غَيْرِ مَا اصْطِخَابِ
الأدب التاسع عشر: اللِّين مع الحجاج، لا سيما إخوانك في الرحلة، وأصحابك في السير، ترفَّق بهم، ولا تَجْفُ، ولا تغلظ؛ كما قال - تعالى - لرسوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|