عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-12-2019, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مسائل يكثر السؤال عنها في الحج

مسائل يكثر السؤال عنها في الحج
الشيخ عبدالله الفوزان






وجوب البقاء في عرفة حتى الغروب:









ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن الوقوف بعرفة إلى ما بعد غروب الشمس فيمن وقف نهارًا - واجبٌ من واجبات الحج، فمَن خرج قبل الغروب فقد ترك واجبًا، وصحَّ حجه، والواجب هو الجمع بين النهار وجزء من الليل؛ لما يلي:



1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف كذلك، وقال: ((لتأخذوا مناسككم))، وكونه - صلى الله عليه وسلم - مكث بعرفة إلى ما بعد الغروب ثم دفع، دليلٌ على وجوب ذلك؛ لأن الدفع نهارًا أسهل، ولا سيما في ذلك الزمان، حيث يمشي الناس على الإبل والأقدام، ومع هذا لم يدفع إلا بعد الغروب.

2- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دفع من عرفة قبل أن يصلي المغرب، مع أن وقت المغرب قد دخل، فلو كان الدفع قبل الغروب جائزًا، لدفع وصلى المغرب في مزدلفة في أول وقتها[3].




وقد ورد في حديث عروة بن المضرِّس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن شهد صلاتنا هذه - يعني الفجر - ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا؛ فقد تمَّ حجه، وقضى تفثه))؛ أخرجه أبو داود (1950) والنسائي (5/ 263) والترمذي (891) وابن ماجه (3016) وأحمد (26/ 142)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وهذا يَستدل به مَن يرى جواز الانصراف من عرفة قبل الغروب؛ لأن قوله: ((أو نهارًا)) يفيد أن مَن وقف نهارًا، ودفع قبل الغروب، أنه تم حجه، والتعبير بلفظ التمام ظاهر في جواز ذلك، وأنه لا يُحتاج إلى جبره بالدم، وهذا استدلال واضح، إلا أنه معارض بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده، فإنهم لم يدفعوا إلا بعد غروب الشمس، فقُيِّد بذلك إطلاق الحديث.

الانصراف من مزدلفة بعد مغيب القمر:




دلت السنة الصحيحة على أن للضعفة من النساء والصبيان، ومَن كان برفقتهم، أن ينصرفوا من مزدلفة إلى منى بعد مغيب القمر، كما في حديث ابن عباس وابن عمر وحديث أسماء - رضي الله عنهم - وهي في الصحيحين، وكذا غيرها من الأحاديث.

فإذا قدموا منى رموا جمرة العقبة، ولهم أن يحلقوا ويطوفوا بالبيت.

وأما الأقوياء فليس لهم أن يرموا جمرة العقبة قبل طلوع الشمس؛ لأن جميع الأحاديث الواردة في الترخيص في الرمي قبل طلوع الشمس كلها في الضعفة، وليس شيء منها في الأقوياء الذكور.

لكن مَن كان تابعًا للضعفة، فله حكمهم على ما يستفاد من ظواهر الأدلة، وأما حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس))؛ أخرجه أحمد وأصحاب السنن، ففي سنده ضعف، وقد ضعفه الإمام البخاري - رحمه الله - في "التاريخ الصغير" ص (135)، وعلى فرض صحته - كما يرى الترمذي وابن حبان رحمهما الله - فهو محمول على الندب، كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في ("فتح الباري" 3/ 529)، والله أعلم.

وهذا التيسير المستفاد من الأدلة مناسب جدًّا لهذا الزمان، فإن كون التابع يذهب بالضعفة - كالنساء - إلى جمرة العقبة ويرمين، ثم هو لا يرمي، ويذهب بهم إلى البيت للطواف، فمتى يرمي؟ ثم ما حاله مع الزحام في آخر الليل لترمي النساء، ثم يرجع للزحام بعد طلوع الشمس ليرمي لنفسه؟

أعمال يوم النحر وترتيبها:




أعمال يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، وذبح الهدي - إن كان عليه هدي، وهو المتمتع والقارن - والحلق، وطواف الإفاضة، وبالرمي والحلق يحصل التحلل الأول - على الأظهر في هذه المسألة - وليس للهدي أثر في التحلل، إلا أن الأفضل للقارن ألاَّ يتحلل حتى ينحر هديه؛ تأسيًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم.

والأفضل أن يرتب الحاج هذه الأعمال، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث رمى، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف، ولا يقدم بعضها على بعض إلا إن كان ناسيًا أو جاهلاً، كما دلت السنة على ذلك، وهو محل إجماع، أما العامد فهو موضع خلاف بين أهل العلم؛ لذا فالأحوط للمكلف ألا يتعمد تقديم شيء على شيء، متى كان قادرًا على الترتيب بلا مشقة تلحقه؛ بل يرتبها تأسيًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وخروجًا من خلاف العلماء، وإن كنت أميل إلى أن الحكم عام في الجاهل وغيره، لكن من الناس مَن يخالف ترتيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأقلِّ سبب أو بدون سبب، وهذا لا ينبغي؛ لأن الترتيب هو الأصل، فإنه - صلى الله عليه وسلم - فعل المناسك أمام الأمة، وقال: ((لتأخذوا مناسككم)).

مكان نحر الهدي:




ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن نحر الهدي لا بد أن يكون داخل الحرم في مكة، أو منى، أو مزدلفة، سواء كان هدي تطوع، أو هدي تمتع، أو قران؛ لقوله – تعالى -: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]، والمراد بذلك: الحرم كله، كما ذكر المفسرون، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((نحرت ها هنا ومنى كلها منحر))؛ أخرجه مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - (1218) (149)، وعند أبي داود (1937) وابن ماجه (3048) وأحمد (22/ 381) بلفظ: ((كل فجاج مكة طريق ومنحر))؛ وأخرجه البيهقي (5/239) عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ((مناحر البدن بمكة، ولكنها نزهت عن الدماء، ومنى من مكة))؛ وإسناده صحيح، وعلى هذا فلا ينحر هديه في عرفة أو غيرها من الحل، لأنها خارج الحرم، فلا يجزئ على المشهور عند أهل العلم، وبعض الناس قد يغفل عن ذلك، فينبغي التنبه له.

أما الهدي لفعل محظور - كحلق الرأس - فهذا يجوز أن يكون في محل فعل المحظور، ويجوز أن يكون في الحرم؛ لأن ما جاز في الحل جاز في الحرم؛ إلا جزاء الصيد، فلا بد أن يكون في الحرم؛ لقوله – تعالى -: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95].

وأما هدي الإحصار - وهو وجود مانع من الوصول إلى البيت - فإنه يذبحه في مكان الإحصار؛ لقوله – تعالى -: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، لكن لو أراد نقله إلى مساكين الحرم، فلا بأس؛ لما تقدم، والله أعلم.

مكان تفريق لحم الهدي:




يفرق لحم الهدي داخل حدود الحرم، ثم إن كان هدي تمتع، أو قران، أو تطوع، فله أن يأكل منه، ويهدي، ويتصدق على مساكين الحرم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم الهدي، كما في حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم، ولأنه دم نسك، فهو بمنزلة الأضاحي، فإن أرسل منه إلى الفقراء في العالم الإسلامي، فهذا عمل مشكور، وجهد طيب.

وإن كان لترك واجب - على القول به - فإنه يتصدق بجميع لحمه على مساكين الحرم، ولا يأكل منه شيئًا.

الحلق أو التقصير:




الحلق أو التقصير نسك في الحج والعمرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لمن فعل ذلك بالمغفرة، بقوله: ((اللهم اغفر للمحلِّقين))، قالوا: "يا رسول الله، وللمقصرين؟"، قال: ((اللهم اغفر للمحلقين))، قالوا: "يا رسول الله، وللمقصرين؟"، قال: ((اللهم اغفر للمحلقين))، قالوا: "يا رسول الله، وللمقصرين؟"، قال: ((وللمقصرين))؛ أخرجه البخاري (1728) ومسلم (1302) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - الدعاء بالرحمة؛ أخرجه البخاري (1727) ومسلم (1301).

والحلق: إزالة شعر الرأس كله بالموسي ونحوه، والتقصير: قص أطراف شعر الرأس من جميع نواحيه بالمقص أو بالآلة المعروفة.




والحلق أفضل للقارن والمفرد والمعتمر عمرة مفردة، ولا يستثنى إلا المتمتع الذي قدم مكة متأخرًا، بحيث لا ينبت شعره قبل الحج، فهذا التقصير في حقه أفضل، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك أصحابه في حجة الوداع؛ ليجمعوا بين التقصير في العمرة والحلق في الحج، ولو حلقوه في العمرة حينئذٍ لم يبق في الرأس شعر يحلق في الحج، وما عدا ذلك فالحلق أفضل؛ لأن الله - تعالى - قدمه في قوله: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، ولأنه فِعْلُ النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أخرجه مسلم (1304، 1305) من حديث أنس - رضي الله عنهما - وما كان أقرب إلى موافقة فعله فهو أفضل، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - كرر الدعاء للمحلقين بالمغفرة والرحمة، ودعا للمقصرين مرة واحدة - كما تقدم - ولأنه أكمل في التعبد لله - تعالى - والتعظيم.

ويلاحظ على كثير من الناس - ولا سيما الشباب - أنهم لا يحلقون رؤوسهم؛ بل يكتفون بالتقصير، ويظهر ذلك جليًّا في العمرة - كما في الإجازة الصيفية، أو في رمضان - وهذا فيه رغبة عن فعل الأفضل، وضَنٌّ[4] بالشعر، والنسك تكره الضِّنَّةُ فيه بالمال والنفس، فكيف بالشعر؟

مقدار التقصير:




وقع الخلاف بين أهل العلم في مقدار ما يُقَصَّرُ من شعر الرأس، والقول الذي يظهر صوابه - والله أعلم - أنه لا بد من تقصير جميع شعر الرأس، وذلك بأن يعم ظاهر الرأس، وليس معناه أن يأخذ من كل شعرة بعينها، ووجه ذلك أن الله - تعالى - قال: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ} [الفتح: 27]، والفعل المضاف إلى الرأس يشمل جميعه، ومن قصر بعض رأسه لا يقال: إنه قصر رأسه، وإنما قصر بعضه، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه الذين ليس معهم هدي، بالتقصير بعد فراغهم من الطواف والسعي، والظاهر أنه تقصير لجميع الرأس؛ لأن ظاهر اللفظ ينصرف إلى ذاك، ولأن التقصير يقوم مقام الحلق، والحلق لجميع الرأس، فكذا التقصير ينبغي أن يكون لجميع الرأس.

وجوب الرمي بسبع حصيات:




جمهور العلماء على أن الرمي بسبع حصيات شرطٌ من شروط صحة الرمي، فإن نقص واحدة لم يصح الرمي، وعليه الرجوع إلى إتمام ما نقص؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى كل جمرة بسبع حصيات - كما نقل ذلك جابر وغيره من الصحابة - وقال: ((لتأخذوا مناسككم))، فيجب الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ولا يعرف أنه أذن لأحد أن يرمي بأقل من سبع.

وأما ما أخرجه النسائي (5/ 275) وغيره، عن مجاهد قال: قال سعد - رضي الله عنه -: "خرجنا في الحجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضنا يقول: رميت بسبع حصيات، وبعضنا يقول: رميت بستٍّ، فلم يَعِبْ بعضهم على بعض"؛ فهو أثر منقطع؛ لأن مجاهدًا لم يسمع من سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - كما قاله ابن القطان، والطحاوي وغيرهما، نقل ذلك في "الجوهر النقي" (5/ 149)، وذكر أن الأخبار تظاهرت بوجوب السبع، ولم يثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر الصحابة على ذلك، ولا اجتهاد في موضع النص.

مكان أخذ حصى الجمار:




ليس لحصى الجمار مكان معين تُلقط منه؛ بل تؤخذ من أيِّ مكان، من مزدلفة، أو من منى، أو من الطريق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحدد لذلك مكانًا، وعلى هذا فليس من السنة أن الحاج إذا وصل مزدلفة ليلاً، أن يشتغل بلقط حصى جمرة العقبة، أو جمار أيام التشريق، كما يفعل بعض الحجاج.

وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - (وفي روايةٍ: الفضل بن عباس) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة العقبة وهو واقف على راحلته: ((هاتِ الْقُطْ لي… الحديث))؛ أخرجه أحمد (3/ 350) والنسائي (5/ 197) وابن ماجه (3029)، وإسناده صحيح على شرط مسلم.

وليس في الحديث نص على المكان، وإن كان ظاهره أنه لقطها له من مزدلفة؛ لأن قوله: "غداة العقبة" يدل على أنه أول النهار، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - أول النهار في مزدلفة، ولكنه ليس صريحًا في ذلك؛ بل يحتمل أنه أخذها من منى عند الجمرة؛ فإنه لم يُحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه وقف بعد مسيره من مزدلفة إلى منى، ولأن هذا هو وقت الحاجة إليه، فلم يكن ليأمر بلقطها قبله؛ لعدم الفائدة فيه، وتَكَلُّفِ حمله، وعلى فرض المعنى الأول، فليس عامًّا في جميع الجمار؛ بل هو خاص بجمرة العقبة، والمقصود أنه يلقط حصى الجمار من أيِّ مكان، والله أعلم.

حكم الشك في عدد الحصى:




يجب الرمي بسبع حصيات لكل جمرة من الجمار الثلاث في أيام التشريق، وعلى من نقص حصاةً أو أكثر أن يرجع ويتم ما نقص.

ومن سقط منه حصاة أو أكثر قبل الرمي، فله أن يأخذ من الحصى الموجود عند الحوض ويرمي به، ولو كان قد رُمي به، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة، وقد نص الإمام الشافعي - رحمه الله - على جواز ذلك؛ إذ لا دليل على المنع، ولأنه حجر لم يتغير منه شيء، ويمكن رميه مرة أخرى، والمعنى الذي من أجله شرع الرمي موجود فيه، مع ما في ذلك من التيسير على الناس، فإن الإنسان قد يسقط منه حصاة وهو على الحوض، فكونه يؤمر بأن يخرج ويأتي بها من بعيد، ثم يدخل للرمي مرة أخرى - وقد يكون هناك زحام - لا يخلو ذلك من مشقة.

ومن شك في عدد الحصى، فقاعدة الفقهاء أنه لا يلتفت إلى الشك بعد الفراغ من العبادة، ومع ذلك فالأحوط أن يزيل الشك باليقين إذا كان عند الجمرة، فإن رجع إلى منزله لم يلتفت إلى ذلك، والله أعلم.




التوكيل في رمي الجمار:



الأصل أن الحاج يرمي الجمار بنفسه، سواء كان رجلاً أم امرأة، ولا يوكل أحدًا يرمي عنه، سواء كان الحج فرضًا أم نفلاً؛ لأن الرمي نسك من مناسك الحج، وجزء من أجزائه؛ فلا بد أن يفعله بنفسه، لكن إن وجد عذر من مرضٍ، أو كبر، أو صغر، أو كانت امرأة معها أطفال وليس عندها من يحفظهم، ونحو ذلك مما لا يستطيع الرمي بسببه، جاز أن ينيب من يرمي عنه، سواء لقط الموكِّل الحصى وسلمها للوكيل، أو لقطها الوكيل بنفسه.

أما مع القدرة فلا ينبغي التساهل في هذا النسك؛ لأنه عبادة، والمطلوب من المكلف أن يباشرها بنفسه.




وصفة ذلك أن يرمي الوكيل عن نفسه أولاً، ثم يرمي عن موكله بالنية في موقف واحد، ولا يلزمه أن يرمي عن نفسه جميع الجمار ثم يرجع مرة أخرى للرمي عن موكله؛ لعدم الدليل على ذلك، ولأن ذلك فيه مشقة، ولا سيما في هذا الزمان، وقد يؤدي إلى تقليل التعاون، فيحصل الامتناع عن الرمي عمن هو بحاجة إلى الاستنابة.

والأظهر - والله أعلم - أنه إذا زال عذر الموكِّل - كأن يبرأ من مرضه - وأيام الرمي باقٍ بعضُها، أنه يرمي جميع ما رُمي عنه؛ لأن التوكيل إنما أبيح للضرورة، فإذا زال العذر والوقت باقٍ؛ فعليه أن يباشر العبادة بنفسه.

الرمي ليلاً:




رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - جمرة العقبة ضحى يوم النحر، ورمى بعد ذلك في أيام التشريق بعد الزوال، وقال: ((لتأخذوا مناسككم)).

وقد اتفق العلماء على جواز الرمي إلى غروب الشمس من أيام التشريق، وكذا يمتد رمي جمرة العقبة إلى غروب الشمس من يوم العيد، على القول الراجح.

ووقع الخلاف في جواز الرمي ليلاً عن اليوم الذي غابت شمسه، والراجح جوازه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدد أول وقت الرمي بفعله، ولم يحدد آخره، وقد ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص للرعاة أن يرموا بالليل؛ أخرجه البزار (782 "مختصر زوائده") والبيهقي (5/151)، وحسنه الحافظ في "التلخيص" (2/ 282)، وله شاهد من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه الطحاوي "شرح معاني الآثار" (2/ 221) والطبري "تهذيب الآثار" (1/ 222).

وجاء في "الموطأ" (1/ 409) عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه: "أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نُفِسَتْ بالمزدلفة، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبدالله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا، ولم يَرَ عليهما شيئًا"؛ وإسناده صحيح.

وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (4/ 30) عن عبدالرحمن بن سابط، قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدمون حجاجًا، فيدعون ظهرهم، فيجيئون فيرمون بالليل"؛ وإسناده صحيح.

ولأن اليوم وقت للرمي، والليل يتبعه في ذلك، كليلةِ النحر تابعة ليوم عرفة في صحة الوقوف إلى طلوع الفجر.




فمَن يشق عليه الرمي نهارًا كالمرأة، ونِضْوِ الخلقة، وكبيرِ السن؛ فله أن يرمي ليلاً، وكذا من يكون رميه ليلاً أيسرَ له وأكثر طمأنينة، فإنه يرمي بالليل؛ بل إنني أؤكد على من معه نساء ألاَّ يرمي إلا ليلاً، لا سيما في اليوم الحادي عشر؛ لشدة الزحام، أما اليوم الثاني عشر - وهو يوم النفر الأول - فالرمي قبيل الغروب ممكن بلا مشقة، حتى للنساء، ولا سيما مَن أراد أن يتعجل، ليخرج من منى قبل غروب الشمس.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]