عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-12-2019, 04:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (251)
تفسير السعدى
سورة الرعد
من الأية(15) الى الأية(21)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الرعد



" ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال " (15)
أي: جميع ما احتوت عليه السماوات والأرض كلها, خاضعة لربها, تسجد له " طَوْعًا وَكَرْهًا " .
فالطوع لمن يأتي بالسجود والخضوع, اختيارا, كالمؤمنين.
والكره, لمن يستكبر عن عبادة ربه, وحاله وفطرته, تكذبه في ذلك.
" وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ " أي: وتسجد له ظلال المخلوقات, أول النهار وآخره, وسجود كل شيء,, بحسب حاله كما قال تعالى: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم "

" قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار " (16)
فإذا كانت المخلوقات كلها تسجد لربها طوعا وكرها, كان هو الإله حقا, المعبود المحمود حقا, وإلاهية غيره باطلة.
ولهذا ذكر بطلانها وبرهن عليه بقوله: " قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ " إلى " الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " .
أي: قل لهؤلاء المشركين به, أوثانا وأندادا, يحبونها كما يحبون الله, ويبذلون لها أنواع التقربات والعبادات: أفتاهت عقولكم, حتى اتخذتم من دونه أولياء, تتولونهم بالعبادة, وليسوا بأهل لذلك؟ فإنهم " لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا " , وتتركون ولاية من هو كامل الأسماء والصفات, المالك للأحياء والأموات, الذي بيده الخلق والتدبير, والنفع والضر؟ فما تستوي عبادة الله وحده, وعبادة المشركين به.
" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ " ؟ فإن كان عندهم شك واشتباه, وجعلوا له شركاء, زعموا أنهم خلقوا كخلقه, وفعلوا كفعله, فأزل عنهم هذا الاشتباه واللبس, بالبرهان الدال على تفرد الإله بالوحدانية.
فقل لهم: " اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ " فإنه من المحال أن يخلق شيء من الأشياء نفسه.
ومن المحال أيضا, أن يوجد من دون خالق.
فتعين أن لها إلها خالقا, لا شريك له في خلقه, لأنه الواحد القهار.
فإنه لا توجد الوحدة والقهر, إلا لله وحده.
فالمخلوقات وكل مخلوق, فوقه مخلوق يقهره ثم فوق ذلك القاهر, قاهر أعلى منه, حتى ينتهي القهر للواحد القهار.
فالقهر والتوحيد, متلازمان, متعينان لله وحده.
فتبين بالدليل العقلي القاهر, أن ما يدعى من دون الله, ليس له شيء من خلق المخلوقات, وبذلك كانت عبادته باطلة.

" أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " (17)
شبه تعالى الهدى, الذي أنزل على رسوله لحياة القلوب والأرواح, بالماء الذي أنزله لحياة الأشباح.
وشبه ما في الهدى من النفع العام الكثير, الذي يضطر إليه العباد, بما في المطر من النفع العام الضروري.
وشبه القلوب الحاملة للهدى وتفاوتها, بالأودية التي تسيل فيها السيول.
فواد كبير, يسع ماء كثيرا, كقلب كبير, يسع علما كثيرا.
وواد صغير, يأخذ ماء قليلا,, كقلب صغير, يسع علما قليلا, وهكذا.
وشبه ما يكون في القلوب من الشهوات والشبهات, عند وصول الحق إليها, بالزبد الذي يعلو الماء, ويعلو ما يوقد عليه النار من الحلية التي يراد تخليصها وسبكها, وأنها لا تزال فوق الماء طافية مكدرة له, حتى تذهب وتضمحل, ويبقى ما ينفع الناس من الماء الصافي, والحلية الخالصة.
كذلك الشبهات والشهوات, لا يزال القلب يكرهها, ويجاهدها بالبراهين الصادقة, والإرادات الجازمة, حتى تذهب وتضمحل, ويبقى القلب خالصا صافيا, ليس فيه إلا ما ينفع الناس من العلم بالحق, وإيثاره, والرغبة فيه.
فالباطل يذهب ويمحقه الحق " إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " .
وقال هنا: " كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ " ليتضح الحق من الباطل والهدى والضلال.

" للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد " (18)
لما بين تعالى, الحق من الباطل, ذكر أن الناس على قسمين: مستجيب لربه, فذكر ثوابه, وغير مستجيب, فذكر عقابه فقال: " لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ " أي: انقادت قلوبهم للعلم والإيمان, وجوارحهم للأمر والنهي, وصاروا موافقين لربهم فيما يريده منهم.
فلهم " الْحُسْنَى " أي: الحالة الحسنة, والثواب الحسن.
فلهم من الصفات أجلها, ومن المناقب أفضلها.
ومن الثواب العاجل والآجل, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.
" وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ " بعد ما ضرب لهم الأمثال, وبين لهم الحق, لهم الحالة غير الحسنة.
و " لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " من ذهب وفضة وغيرها.
" وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ " من عذاب يوم القيامة, ما تقبل منهم, وأنى لهم ذلك؟!!.
" أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ " , وهو الحساب الذي يأتي على كل ما أسلفوه, من عمل سيئ, وما ضيعوه من حقوق عباده قد كتب ذلك, وسطر عليهم, وقالوا: " يا ويلتنا مال هذا الكتاب, لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " .
وبعد هذا الحساب السيئ, " وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ " الجامعة لكل عذاب, من الجوع الشديد, والعطش الوجيع, والنار الحامية, والزقوم, والزمهرير, والضريع, وجميع ما ذكره الله من أصناف العذاب.
" وَبِئْسَ الْمِهَادُ " أي: المقر, والمسكن, مسكنهم.

" أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب " (19)
يقول تعالى: مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم: " أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ " ففهم ذلك, وعمل به.
" كَمَنْ هُوَ أَعْمَى " لا يعلم الحق, ولا يعمل به, فبينهما من الفرق, كما بين السماء والأرض.
فحقيق بالعبد, أن يتذكر ويتفكر, أي الفريقين, أحسن حالا, وخير مآلا, فيؤثر طريقها, ويسلك خلف فريقها.
ولكن ما كل أحد, يتذكر ما ينفعه ويضره.
" إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ " أي: أولو العقول الرزينة, والآراء الكاملة, الذين هم, لب العالم, وصفوة بني آدم.
فإن سألت عن وصفهم, فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله:

" الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق "(20)
" الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ " الذي عهده إليهم, والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة, فالوفاء بها, توفيتها حقها, من التنمية لها, والنصح فيها.
وتمام الوفاء بها, أنهم " وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ " أي: العهد الذي عاهدوا الله عليه.
فدخل في ذلك, جميع المواثيق والعهود, والأيمان والنذور, التي يعقدها العباد.
فلا يكون العبد من أولي الألباب, الذين لهم الثواب العظيم, إلا بأدائها كاملة, وعدم نقضها وبخسها.

" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب " (21)
" وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ " وهذا عام في كل ما أمر الله بوصله, من الإيمان به, وبرسوله, ومحبته, ومحبة رسوله, والانقياد لعبادته وحده لا شريك له, ولطاعة رسوله.
ويصلون آباءهم وأمهاتهم, ببرهم بالقول والفعل, وعدم عقوقهم.
ويصلون الأقارب والأرحام, بالإحسان إليهم, قولا وفعلا.
ويصلون ما بينهم وبين الأزواج, والأصحاب, والمماليك, بأداء حقهم, كاملا موفرا, من الحقوق الدينية والدنيوية.
والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به, أن يوصل خشية الله, وخوف يوم الحساب, ولهذا قال: " وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ " أي: يخافونه, فيمنعهم خوفهم منه, ومن القدوم عليه يوم الحساب, أن يتجرأوا على معاصي الله, أو يقصروا في شيء مما أمر الله به, خوفا من العقاب, ورجاء للثواب.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]