عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-12-2019, 03:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حكم رمي الجمرات من الأدوار العُلى

حكم رمي الجمرات من الأدوار العُلى




عبدالرحمن بن فؤاد بن إبراهيم الجار الله




حكم رمي الجمرات من الأدوار العلى
إن التوصل إلى حكم رمي الجمرات من الأدوار العلى، وما سواها من النوازل - مرتبط بسلوك الجادة في مدارك الحكم على النوازل، والتي تتكون من المدارك التالية[21]:
الأول: التصور، وقد سبق تناوله.
الثاني: التكييف، وهو ما سنتناوله في هذا المبحث.
الثالث: التطبيق.

وعند النظر في مسألة رمي الجمرات من الأدوار العلى، نجد أنه يمكن تخريجها على مسألة رمي الجمرة من فوقها، وقد سبق.



المبحث الأول

تحرير محل النزاع وذكر الأقوال في المسألة


المطلب الأول

تحرير محل النزاع في المسألة
1- أجمع الفقهاء على: أن الأفضل في رمي الجمرتين الأوليين استقبالُ القبلة، ولا يجب.
2- ذهب الجماهير إلى: أن السنّة في رمي جمرة العقبة أن يكون من بطن الوادي، وأن تكون مِنى عن يمينه، والبيت عن يساره[22]، والحق كما قالوا؛ إذ السنة صريحة به[23]، ويأتي.
3- في استقبال البيت أو جعله عن يساره خلافٌ بين أهل العلم، ليس هذا محل بحثه[24].
أما رمي جمرة العقبة من فوقها، فهي محل البحث.
وتمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأمور أربعة:
أولاً: اختصاصها بيوم النحر.
ثانيًا: أنه لا يوقف عندها للدعاء.
ثالثًا: أنها ترمى ضحى.
رابعًا: أنها ترمى من أسفلها استحبابًا[25].
وأما رميها من فوقها، ورمي الجمرتين الأخريين من فوقهما، فهو ما سنتناوله من خلال هذا البحث، ومن الله وحده العون والطَوْل.



المطلب الثاني
ذكر الأقوال في المسألة
أولاً: سبق وأن خرَّجنا رمي الجمرات من الأدوار العلى على مسألة رمي الجمرة من فوقها، وهي مسألة قد حكي الإجماعُ على جوازها - كما يأتي بيانه - ولم أجد - مع طول البحث والتتبع - قائلاً بعدم الإجزاء سوى بعض المبتدعة[26]، حيث زعم: أن رمي الجمرات من الأدوار العلى: "غير مجزئ على الأحوط"!

ثانيًا: ورد في كلام بعض الفقهاء ما يُفهم منه عدم إجزاء أو جواز رمي الجمرة من فوقها:

1- فقد اختلفت الرواية عن الإمام مالك - رحمه الله - فقد جاء عنه ما يُفهم منه جواز رمي جمرة العقبة، وجاء عنه ما يفيد تراجعه عن جوازه.

فقد قال: "لا بأس أن يرميَها من فوقها"[27]، ونقل عنه ابن القاسم - رحمه الله - قولَه: "فرميُها من أسفلها أحبُّ إليَّ"[28]، وقال: "ورميها من أسفلها، فإن لم يصل لزحام فلا بأس أن يرميها من فوقها، وقد فعله عمر لزحام"[29]، وقوله:" وإن رماها من فوقها أجزأه"[30]، بل نقل الإمام مالك عن القاسم بن محمد - رحمه الله - أنه كان يرمي جمرة العقبة من حيث تيسر[31]، وفسره: بأن معناه: من حيث تيسر من أسفلها[32].

ثم نُقل عن الإمام مالك - رحمه الله - رجوعُه عن ذلك، فقال: "لا يرميها إلا من أسفلها"[33]؛ بل زاد في "مواهب الجليل": "فإن فعل، فليستغفر الله"[34].

والذي يظهر لي - والعلم عند الله - أن مراده في ذلك، هو عدم التساهل في رمي الجمرة من فوقها، وترك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ إن القاعدة في مذهب المالكية: ترك مخالفة ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو خالفه في صورته؛ أفاده ابن الحاج في "مدخله"، ومما يدل على أنه لم يُرِدْ عدم الإجزاءِ أمران:

أ- أن أحدًا من المالكية لم يَقُل بعدم جواز رمي جمرة العقبة من فوقها، حتى مَن نقل عن الإمام مالك - رحمه الله - قولَه.
ب- أنه لم يقل: فليُعِد الرمي؛ بل اكتفى بالأمر بالاستغفار، وهذا مما يدل على أنه لم يُرِد عدم الإجزاء، والله - تعالى - أعلم.

أما ما يُفهم من كلام بعض الشافعية، ونسبة القول بعدم الإجزاء إليهم، فلا يصح - كما يأتي - والله - تعالى - أعلم، كما فهم البعض من قول ابن حجر الهيتمي - رحمه الله -[35] في "تحفة المحتاج شرح المنهاج": "ويجب رميها من بطن الوادي، ولا يجوز من أعلى الجبل خلفها"، وما نقله عنه زكريا الأنصاري في "الغرر البهية شرح البهجة الوردية"، قال: "ثم رأيت في "شرح العباب" لابن حجر بعد قول "العباب"[36]: "وهي - أي: جمرة العقبة - أسفل الجبل المسمى بالعقبة، فوق الطريق الجادة عن يمين الذاهب إلى مكة" ما نصه: "فعُلم منه أن ما يفعله كثير من جهلاء الحجاج مِن رميهم من أعلاها - باطل؛ لأنها ليس لها إلا مرمى واحد، وهو ما بأسفلها على الجادة، دون ما عداه من سائر الجوانب"[37].

فقد قال الشرواني في "حاشيته على التحفة" معلقًا على كلام ابن حجر: "اقتصر عليه الشارح في "شرح بافضل"، وقال الكردي في "حاشيته": قوله: (من أعلاها)؛ أي: إلى خلفها، أما إذا رمى مِن أعلاها إلى المرمى، فإنه يكفي، خلافًا لما فُهِم من هذه العبارة ونحوها من عدم الإجزاء، فقد صرح بالإجزاء في "الإيعاب"، وقال القسطلاني في "شرح البخاري": "اتفقوا على أنه من حيث رماها جاز، سواء استقبلها، أو جعلها عن يمينه، أو يساره، أو من فوقها، أو من أسفلها، أو وسطها، والاختلاف في الأفضل"؛ انتهى بحروفه.

ونقل النووي في "شرح مسلم" الإجماع على الجواز، وصرح بالحكم الذي ذكره ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي"، والزركشي في "الخادم"، وغيرهما، فلا ينبغي التوقف فيه، وقد أشبعتُ الكلام على ذلك في بعض الفتاوى"[38].

وقال زكريا الأنصاري في "الغرر البهية شرح البهجة الوردية" بعد أن نقل كلام ابن حجر في "التحفة": "فإن كانت (من) بمعنى (في)[39]، وافق غيره، وإلا كان بعيد الوجه جدًّا، فليراجع وليحرر"[40].

والمراد بقول "التحفة": "ولا يجوز من أعلى الجبل خلفها"؛ أي: لا يجوز الرمي من أعلى الجبل في خلفها، الذي هو موضع وقوف الرامين على العادة[41].

ولا منافاة بين ذلك وبين قول أئمة المذهب[42]، فقد نقل الماوردي عن الشافعي - رحمه الله - قوله: "ولا يمكنه غير ذلك؛ لأنها على أَكَمة، فلا يتمكن من رميها إلا كذلك، فإن رمى الجمرة مِن فوقها ولم يرمها من بطن الوادي، أجزأه"[43]؛ لأن معناه فيما يظهر: أنه جاء من فوقها، ورمى إلى أسفلها، لا أنه رماها من ورائها؛ وهذا ظاهر، يوافقه ما قاله ابن المنذر - رحمه الله -: "وروينا: أن عمر - رضي الله عنه - خاف الزحام فرماها من فوقها"[44]، والله - تعالى - أعلم.

ثالثًا: نقل عن الإمام أحمد - رحمه الله -: أن الجمرة لا تُرمى من بطن الوادي، ولا ترمى من فوقها، كما نقله القاضي، عن حرب، عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه: "لا يرمي الجمرة من بطن الوادي، ولا يرمي من فوق الجمرة"[45]، قال القاضي معلقًا: "يعني لا يرميها عرضًا من بطن الوادي"[46].

وقال ابن عقيل - رحمه الله -: "إنما لم يستبطن الوادي؛ لأنه أمر أن يُرمى إليه لا فيه، فإذا رمى فيه، سقط وقوفه على ما علاه، وسقط بعض ماحية بالرمي"[47].

فقد قال شيخ الإسلام - رحمه الله - معلقًا: "وهذا غلط على المذهب، منشؤه الغلط في نقل الرواية"[48]، وأجاب عنه بأمور:
1- أن القاضي في موضع آخر قد حكى المذهب، وهو جواز الرمي وإجزاؤه.
2- أن النسخة التي كانت في يد القاضي، ونقل منها رواية حرب - كان فيها غلط، وأنه[49] قد نقل رواية حرب من أصل متقن قديم من أصح الأصول.
3- أن الإمام أحمد - رحمه الله - أعلم الناس بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتبعهم لها، وقد جاءت الأحاديث صريحةً برمي النبي - صلى الله عليه وسلم - من بطن الوادي؛ كحديث جابر - رضي الله عنه - وغيره، ولا معدل عن السنة الصحيحة الصريحة[50].


المبحث الثاني

ذكر الأدلة ومناقشتها


المطلب الأول

أدلة جواز رمي الجمرات من الأدوار العلى
يُستدل على جواز رمي الجمرات من الأدوار العلى بالأدلة التالية:
الدليل الأول:
الإجماع: فقد أجمع أهل العلم - رحمهم الله تعالى - على جواز رمي الجمرات من فوقها، وقد نقل الإجماع على ذلك جماعةٌ، منهم:
1- ابن حجر - رحمه الله - في "الفتح"، قال - رحمه الله -: "وقد أجمعوا على: أنه مِن حيث رماها جاز، سواء استقبلها، أو جعلها عن يمينه، أو يساره، أو من فوقها، أو من أسفلها، أو وسطها"[51].
2- ابن عبدالبر - رحمه الله - في "الاستذكار"، قال - رحمه الله -: "وقد أجمعوا: أنه إن رماها من فوق الوادي، أو أسفله، أو من فوقه، أو أمامه، فقد جزى عنه"[52].
3- النووي في "شرح مسلم"[53]، وفي "المجموع"، قال - رحمه الله - في "المجموع": "وأجمعوا على: أن الرمي يجزئه على أي حال رماه، إذا وقع في المرمى"[54].
4- السيوطي - رحمه الله - في تعليقه على "سنن ابن ماجه"، قال: "وأجمعوا على: أنه مِن حيث رماها جاز، سواء استقبلها، أو جعلها عن يمينه، أو عن يساره، أو رماها من فوقها، أو أسفلها، أو وقف في وسطها ورماها..."[55]، ويظهر من سياق كلامه أنه يريد الإجماع في المذهب، والله - تعالى - أعلم.
5- والصنعاني - رحمه الله - في "السبل"[56].
والعمل عند أهل العلم على: أنه يجوز أن يرميها من فوقها، ومتى فعل ذلك، أجزأه[57].
قال أبو عيسى الترمذي - رحمه الله -: "والعمل على هذا عند أهل العلم، يختارون أن يرمي الرجل من بطن الوادي بسبع حصيات، يكبِّر مع كل حصاة، وقد رخص بعض أهل العلم إن لم يمكنه أن يرمي من بطن الوادي، رمى من حيث قدر عليه، وإن لم يكن في بطن الوادي"[58].

الدليل الثاني:

فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: حيث رمى جمرة العقبة من فوقها؛ خشية الزحام[59]، ولم يُنكِر عليه أحد من الصحابة - رضي الله عنهم.

ويعترض عليه: بأنه قد ورد عنه - رضي الله عنه - خلافه، فقد جاء عن عمرو بن ميمون قال: حججت مع عمر سنتين، إحداهما في السنة التي أصيب فيها، كل ذلك يلبي حتى يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي[60].

ويجاب على هذا الاعتراض: بأنه لا اعتراض، فيحمل على فعلين له، فهو قد رمى من فوق الجبل حين خاف الزحام، ورمى من بطن الوادي في وقت آخر.

والأصل في رمي الجمرة: أن ترمى من فوقها؛ كما دلت على ذلك الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورميُ عمر - رضي الله عنه - من فوق الجبل، مع حرصه على اتباع السنة - دليلٌ على الجواز.

الدليل الثالث:

أن رمي الجمرة من فوقها قد ورد عن عدد من التابعين؛ كالحسن[61] وغيره.

الدليل الرابع:

أن القاعدة: أن "الهواء ملك لصاحب القرار"[62]، فما فوق بطن الوادي تبع له، فمَن رمى من أعلى الطابق الذي بني على الوادي، فهو في حكم مَن رمى مِن بطن الوادي، وبهذا يكون قد أتى بفضيلة الرمي من الجهة التي رمى منها، لكن تمام السنّة لا تكون إلا بتطبيق الرمي؛ كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم.

قال الشرواني - رحمه الله - في "حاشيته على تحفة المحتاج": "ولو بُني على جميع موضع الرمي منارةٌ عالية لها سطح، فهل يجزئ الرمي فوقها أو لا؛ لأنه لا يعد رميًا على الأرض؟ فيه نظر، وجزم الشبلي وابن الجمال بالإجزاء في جميع ما ذُكر، فقالا: وظاهر أنه لو هبط المرمى إلى تُخوم الأرض، أو علا إلى السماء ورمى فيه - أجزأ؛ نظير الطواف، وأنه لو بني عليه دكة، أو منارة عالية، أو سطح، أو فُرشتْ فيه أو بعضِه أحجارٌ وأثبتت، أو ألقيت على أرضه وسترته بلا إثبات - كفى الرمي عليها"[63].

الدليل الخامس:

أن خلقًا كثيرًا في زمن الصحابة - رضي الله عنهم - رمَوُا الجمرةَ من أعلاها - كما يأتي من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ولم يأمروهم بالإعادة، ولا أعلنوا بالنداء بذلك في الناس[64].

الدليل السادس:

أن علة رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - من بطن الوادي، هي ذاتها علة اختياره حصى الخَذْفِ؛ فإنه يتوقع الأذى إذا رموا مِن أعلاها لمَن أسفلها؛ فإنه لا يخلو مِن مرور الناس فيصيبهم، بخلاف الرمي من أسفل المارين من فوقها[65].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.44 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]