صفة الحج
أ. د. عبدالله بن مبارك آل سيف
الخطبة يوم عرفة:
ولهذا كان علماء المسلمين قاطبة على أنه يخطب بعرفة وإن لم يكن يوم جمعة، فثبت بهذا النقل المتواتر أنها خطبة لأجل يوم عرفة وإن لم يكن يوم جمعة، لا ليوم الجمعة[38].
من لم يسق الهدي له التحلل من عمرته:
وعند مالك والشافعي إنما يتحلل إن لم يسق الهدي، فإنه يتحلل من عمرته باتفاقهم، فإن أحرم بالحج قبل تحلله من العمرة ففيه نزاع[39].
الاعتمار بعد الحج:
فإنه لا خلاف بينهم: أنه - صلى اللّه عليه وسلم - لا هو ولا أحد من أصحابه اعتمر بعد الحج إلا عائشة[40].
مع اتفاقهم على انه لم يعتمر بعد الحج بل لم يعتمر معه من أصحابه بعد الحج إلا عائشة؛ لأجل حيضتها[41].
فإنهم لم يختلفوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحل من إحرامه وأنه كان قد ساق الهدي ونحره يوم النحر وأنه لم يعتمر بعد الحجة في ذلك العام لا هو ولا أحد من أصحابه إلا عائشة أمر أخاها أن يعمرها من التنعيم أدنى الحل وكذلك الأحاديث الصحيحة عنه فيها أنه لم يطف بالصفا والمروة إلا مرة واحدة مع طوافه الأول[42].
ولا للذي يجمع بين العمرة والحج في سفرة واحدة أن يحج في أشهر الحج ويعتمر عقيب ذلك من مكة، بل هم متفقون على أن هذا ليس هو المستحب المسنون، فهذا أفضل ممن اقتصر على مجرد الحج في سفرته الثانية أو اعتمر فيها[43].
ولا نزاع بين أهل العلم أنه لم يعتمر بعد الحجة، لا هو ولا أحد ممن حج معه حجة الوداع إلا عائشة خاصة فانه أعمرها مع أخيها عبدالرحمن لأجل حيضها الذي حاضته[44].
وكذلك من يظن من أصحاب مالك والشافعي أنه أفرد الحج واعتمر عقب ذلك فهذا القول خطأ، وكلا القولين مخالف لإجماع أهل العلم بالآثار[45].
فقد تبين أن من قال: أفرد الحج فإن ادعى أنه اعتمر بعد الحج كما يظنه بعض المتفقهة فهذا مخطئ باتفاق العلماء، ومن قال إنه أفرد الحج بمعنى أنه لم يأت مع حجته بعمرة فهذا قد اعتقده بعض العلماء وهو غلط، ولم يثبت ذلك عن أحد من الصحابة [46].
ولم يختلفوا انه لم يعتمر بعد الحج لا النبي - صلى اللّه عليه وسلم -، ولا أحد من الصحابة إلا عائشة، فهذا كله متفق عليه، لم يختلف فيه النقل، ولا خالف فيه أحد من أهل العلم[47].
فإذا تبين أن العمرة المكية عقب الحج مع الحج لم يفعلها النبي - صلى اللّه عليه وسلم - باتفاق العلماء، ولا أحد من الصحابة إلا عائشة، ولا كان خلفاؤه الراشدون يفعلونها امتنع أن يكون ذلك أفضل[48].
إذا أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج:
الوجه الرابع: أن يقال فسخ الحج إلى التمتع موافق لقياس الأصول لا مخالف له فإن المحرم إذا التزم أكبر ما لزمه جاز باتفاق الأئمة فلو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج جاز بلا نزاع وأما إذا أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يجز عند الجمهور وهو مذهب أحمد ومالك وظاهر مذهب الشافعي. وأما أبو حنيفة فيجوزه لأنه يصير قارنا[49].
وإذا أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج جاز ذلك بالاتفاق لأنه التزم أكثر مما كان عليه[50].
الموالاة بين العمرة للمكي وغيره:
فصل " المسألة الثانية ": في الإكثار من الاعتمار والموالاة بينها: مثل أن يعتمر من يكون منزله قريبا من الحرم كل يوم أو كل يومين أو يعتمر القريب من المواقيت التي بينها وبين مكة يومان: في الشهر خمس عمر أو ست عمر ونحو ذلك. أو يعتمر من يرى العمرة من مكة كل يوم عمرة أو عمرتين فهذا مكروه باتفاق سلف الأمة لم يفعله أحد من السلف بل اتفقوا على كراهيته وهو وإن كان استحبه طائفة من الفقهاء[51].
فإذا كان المسلمون حين كانوا بمكة من حين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن توفي إذا كانوا بمكة لم يكونوا يعتمرون من مكة بل كانوا يطوفون ويحجون من العام إلى العام وكانوا يطوفون في كل وقت من غير اعتمار كان هذا مما يوجب العلم الضروري أن المشروع لأهل مكة إنما هو الطواف وأن ذلك هو الأفضل لهم من الخروج للعمرة إذ من الممتنع أن يتفق النبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع أصحابه على عهده على المداومة على المفضول وترك الأفضل فلا يفعل أحد منهم الأفضل ولا يرغبهم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا لا يقوله أحد من أهل الإيمان[52].
وإنما النزاع في أنه هل يكره للمكي الخروج للاعتمار من الحل أم لا؟ وهل يكره أن يعتمر من تشرع له العمرة كالأفقي في العام أكثر من عمرة أم لا؟ وهل يستحب كثرة الاعتمار أم لا؟. فأما كون الطواف بالبيت أفضل من العمرة لمن كان بمكة فهذا مما لا يستريب فيه من كان عالما بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه وآثار الصحابة وسلف الأمة وأئمتها وذلك أن الطواف بالبيت من أفضل العبادات والقربات التي شرعها الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو من أعظم عبادة أهل مكة أعني من كان بمكة مستوطنا أو غير مستوطن ومن عباداتهم الدائمة الراتبة التي امتازوا بها على سائر أهل الأمصار وما زال أهل مكة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه وأصحابه رضي الله عنهم - يطوفون بالبيت في كل وقت ويكثرون ذلك[53].
فأجاب: أما من كان بمكة من مستوطن ومجاور وقادم وغيرهم فإن طوافه بالبيت أفضل له من العمرة وسواء خرج في ذلك إلى أدنى الحل وهو التنعيم الذي أحدث فيه المساجد التي تسمى "مساجد عائشة" أو أقصى الحل من أي جوانب الحرم سواء كان من جهة "الجعرانة" أو "الحديبية" أو غير ذلك وهذا المتفق عليه بين سلف الأمة وما أعلم فيه مخالفا من أئمة الإسلام في العمرة المكية. وأما العمرة من الميقات: بأن يذهب إلى الميقات فيحرم منه أو يرجع إلى بلده ثم ينشئ السفر منه للعمرة فهذه ليست عمرة مكية بل هذه عمرة تامة وليس الكلام هنا فيها[54].
وأما المسألة الثالثة فنقول: فإذا كان قد تبين بما ذكرناه من السنة واتفاق سلف الأمة أنه لا يستحب بل تكره الموالاة بين العمرة لمن يحرم من الميقات فمن المعلوم أن الذي يوالي بين العمر من مكة في شهر رمضان أو غيره أولى بالكراهة فإنه يتفق في ذلك محذوران.
أحدهما: كون الاعتمار من مكة وقد اتفقوا على كراهة اختيار ذلك بدل الطواف.
والثاني: الموالاة بين العمر وهذا اتفقوا على عدم استحبابه؛ بل ينبغي كراهته مطلقا فيما أعلم لمن لم يعتض عنه بالطواف وهو الأقيس فكيف بمن قدر على أن يعتاض عنه بالطواف بخلاف كثرة الطواف فإنه مستحب مأمور به لا سيما للقادمين[55].
ليس في الطواف ذكر واجب:
ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما يشرع وإن قرأ القرآن سرا فلا بأس وليس فيه ذكر محدود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختم طوافه بين الركنين بقوله: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201] كما كان يختم سائر دعائه بذلك وليس في ذلك ذكر واجب باتفاق الأئمة[56].
الطواف راكباً أو محمولاً لعذر:
وإن لم يمكنه الطواف ماشيا فطاف راكبا أو محمولا أجزأه بالاتفاق[57].
وكما يجوز الطواف راكباً ومحمولا للعذر بالنص واتفاق العلماء[58].
طواف الحائض:
فلا يجوز لحائض أن تطوف إلا طاهرة إذا أمكنها ذلك باتفاق العلماء[59].
أما "المسألة الأولى": فإن المرأة الحائض تقضي جميع المناسك. وهي حائض؛ غير الطواف بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه واتفاق الأئمة[60].
وأما الذي لا أعلم فيه نزاعا أنه ليس لها أن تطوف مع الحيض إذا كانت قادرة على الطواف مع الطهر فما أعلم منازعا أن ذلك يحرم عليها وتأثم به[61].
من مشى طول المسعى ولم يسع شديداً:
وان لم يسع في بطن الوادي، بل مشى على هيئته جميع ما بين الصفا والمروة أجزأه باتفاق العلماء، ولا شيء عليه[62].
ركعتا الطواف:
ولا صلاة عقيب الطواف بالصفا والمروة، وإنما الصلاة عقيب الطواف بالبيت بسنة رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - واتفاق السلف والأئمة[63].
وأجمع العلماء على أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - طاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين[64].
حكم الإيقاد بعرفة أو بمنى أو مزدلفة:
وأما الإيقاد فهو بدعه مكروهة باتفاق العلماء، وإنما الإيقاد بمزدلفة خاصة بعد الرجوع من عرفة، وأما الإيقاد بمنى أو عرفة فبدعة أيضا[65].
والإيقاد بعرفة بدعة مكروهة، وكذلك الإيقاد بمنى بدعة، باتفاق العلماء[66].
إذا اشترى الهدي من عرفات وساقه لمنى:
فإذا اشترى الهدي من عرفات وساقه إلى منى فهو هدي باتفاق العلماء[67].
يتبع