
28-11-2019, 02:48 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة :
|
|
رد: التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنّة
التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنّة تأليف سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمه الله )
فصل في حكم من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج
اعلم أن الواصل إلى الميقات له حالان:
إحداهما: أن يصل إليه في غير أشهر الحج، كرمضان وشعبان، فالسنة في حق هذا أن يحرم بالعمرة فينويها بقلبه ويتلفظ بلسانه قائلاً: (لبيك عمرة)، أو (اللهم لبيك عمرة)، ثم يُلبي بتلبية النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك "، ويكثر من هذه التلبية، ومن ذكر الله – سبحانه - حتى يصل إلى البيت، فإذا وصل إلى البيت قطع التلبية، وطاف بالبيت سبعة أشواط، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج إلى الصفا وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم حلق شعر رأسه أو قصره، وبذلك تمت عمرته وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.
الثانية: أن يصل إلى الميقات في أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة. فمثل هذا يخير بين ثلاثة أشياء، وهي الحج وحده، والعمرة وحدها، والجمع بينهما؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - لما وصل إلى الميقات في ذي القعدة في حجة الوداع خير أصحابه بين هذه الأنساك الثلاثة، لكن السنة في حق هذا أيضاً إذا لم يكن معه هدي أن يحرم بالعمرة، ويفعل ما ذكرنا في حق من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر أصحابه لما قربوا من مكة أن يجعلوا إحرامهم عمرة، وأكد عليهم في ذلك بمكة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا، امتثالاً لأمره – صلى الله عليه وسلم -، إلا من كان معه الهدي، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمره أن يبقى على إحرامه حتى يحل يوم النحر، والسنة في حق من ساق الهدي أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد فعل ذلك، وكان قد ساق الهدي، وأمر من ساق الهدي من أصحابه وقد أهل بعمرة أن يُلبي بحج مع عمرته، وألا يحل حتى يحل منهما جميعاً يوم النحر، وإن كان الذي ساق الهدي قد أحرم بالحج وحده بقي على إحرامه أيضاً حتى يحل يوم النحر، كالقارن بينهما.
وعلم بهذا: أن من أحرم بالحج وحده، أو بالحج والعمرة وليس معه هدي لا ينبغي له أن يبقى على إحرامه، بل السنة في حقه أن يجعل إحرامه عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل، كما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – من لم يسق الهدي من أصحابه بذلك، إلا أن يخشى هذا فوات الحج؛ لكونه قدم متأخراً فلا بأس أن يبقى على إحرامه. والله أعلم.
وإن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني "؛ لحديث ضباعة بنت الزبير – رضي الله عنها -، أنها قالت: يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم -: "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني" متفق عليه.
وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض أو صد عدو جاز له التحلل ولا شيء عليه.
فصل في حكم حج الصبي الصغير هل يجزئه عن حجه الإسلام
يصح حج الصبي الصغير والجارية الصغيرة؛ لما في صحيح مسلم، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، أن امرأة رفعت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – صبياً فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ فقال:" نعم، ولك أجر ".
وفي صحيح البخاري، عن السائب بن يزيد – رضي الله عنه – قال: "حج بي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا ابن سبع سنين". لكن لا يجزئهما هذا الحج عن حجة الإسلام.
وهكذا العبد المملوك والجارية المملوكة يصح منهما الحج، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام؛ لما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:" أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى " أخرجه ابن أبي شيبة، والبيهقي بإسناد حسن.
ثم إن كان الصبي دون التمييز نوى عنه الإحرام وليه، فيجرده من المخيط ويلبي عنه، ويصير الصبي محرماً بذلك، فيمنع مما يمنع عنه المحرم الكبير، وهكذا الجارية التي دون التمييز ينوي عنها الإحرام وليها، ويلبي عنها، وتصير محرمة بذلك، وتمنع مما تمنع منه المحرمة الكبيرة، وينبغي أن يكونا طاهري الثياب والأبدان حال الطواف؛ لأن الطواف يشبه الصلاة، والطهارة شرط لصحتها.
وإن كان الصبي والجارية مميزين أحرما بإذن وليهما، وفعلا عند الإحرام ما يفعله الكبير من الغسل والطيب ونحوهما، ووليهما هو المتولي لشئونهما القائم بمصالحهما، سواء كان أباهما أو أمهما أو غيرهما، ويفعل الولي عنهما ما عجزا عنه، كالرمي ونحوه، ويلزمهما فعل ما سوى ذلك من المناسك، كالوقوف بعرفة، والمبيت بمنى ومزدلفة، والطواف والسعي، فإن عجزا عن الطواف والسعي طيف بهما وسعى بهما محمولين، والأفضل لحاملهما ألا يجعل الطواف والسعي مشتركين بينه وبينهما، بل ينوي الطواف والسعي لهما، ويطوف لنفسه طوافاً مستقلاً، ويسعى لنفسه سعياً مستقلاً؛ احتياطاً للعبادة، وعملاً بالحديث الشريف: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "، فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده، ولو كان ذلك واجباً لبينه – صلى الله عليه وسلم -. والله الموفق.
ويؤمر الصبي المميز والجارية المميزة بالطهارة من الحدث والنجس قبل الشروع في الطواف، كالمحرم الكبير، وليس الإحرام عن الصبي الصغير والجارية الصغيرة بواجب على وليهما، بل هو نفل، فإن فعل ذلك فله أجر وإن ترك ذلك فلا حرج عليه. والله أعلم.
فصل في بيان محظورات الإحرام وما يباح فعله للمحرم
لا يجوز للمحرم بعد نية الإحرام – سواء كان ذكراً أو أنثى – أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو يتطيب.
ولا يجوز للذكر خاصة أن يلبس مخيطاً على جملته، يعني: على هيئته التي فصل وخيط عليها، كالقميص، أو على بعضه؛ كالفانلة والسراويل، والخفين، والجوربين، إلا إذا لم يجد إزاراً جاز له لبس السراويل، وكذا من لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين من غير قطع؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – الثابت في الصحيحين، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل ".
وأما ما ورد في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – من الأمر بقطع الخفين إذا احتاج إلى لبسهما لفقد النعلين فهو منسوخ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بذلك في المدينة، لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب، ثم لما خطب الناس بعرفات أذن في لبس الخفين عند فقد النعلين، ولم يأمر بقطعهما، وقد حضر هذه الخطبة من لم يسمع جوابه في المدينة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، كما قد علم في علمي أصول الحديث والفقه، فثبت بذلك نسخ الأمر بالقطع، ولو كان ذلك واجباً لبينه – صلى الله عليه وسلم -. والله أعلم.
ويجوز للمحرم لبس الخفاف التي ساقها دون الكعبين؛ لكونها من جنس النعلين.
ويجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه، لعدم الدليل المقتضي للمنع.
ويجوز للمحرم أن يغتسل ويغسل رأسه ويحكه إذا احتاج إلى ذلك برفق وسهولة فإن سقط من رأسه شيء بسبب ذلك فلا حرج عليه.
ويحرم على المرأة المحرمة أن تلبس مخيطاً لوجهها، كالبرقع والنقاب، أو ليديها، كالقفازين؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم –:" لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " رواه البخاري. والقفازان: هما ما يخاط أو ينسج من الصوف أو القطن أو غيرهما على قدر اليدين.
ويباح لها من المخيط ما سوى ذلك؛ كالقميص والسراويل، والخفين، والجوارب ونحو ذلك.
وكذلك يباح لها سدل خمارها على وجهها إذا احتاجت إلى ذلك بلا عصابة، وإن مس الخمار وجهها فلا شيء عليها؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:" كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه ". أخرجه أبو داود، وابن ماجة، وأخرج الدارقطني من حديث أم سلمة مثله، كذلك لا بأس أن تغطي يديها بثوبها أو غيره، ويجب عليها تغطية وجهها وكفيها إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب؛ لأنها عورة؛ لقول الله سبحانه وتعالى: ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن )، ولا ريب أن الوجه والكفين من أعظم الزينة، والوجه في ذلك أشد وأعظم، وقال تعالى: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
وأما ما اعتاده كثير من النساء من جعل العصابة تحت الخمار لترفعه عن وجهها فلا أصل له في الشرع فيما نعلم، ولو كان ذلك مشروعاً لبينه الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأمته ولم يجز له السكوت عنه.
ويجوز للمحرم من الرجال والنساء غسل ثيابه التي أحرم فيها من وسخ أو نحوه، ويجوز له إبدالها بغيرها.
ولا يجوز له لبس شيء من الثياب مسه الزعفران أو الورس؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ويجب على المحرم أن يترك الرفث والفسوق والجدال؛ لقول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ).
وصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". والرفث: يطلق على الجماع، وعلى الفحش من القول والفعل، والفسوق: المعاصي، والجدل: المخاصمة في الباطل، أو فيما لا فائدة فيه، فأما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا باس به، بل هو مأمور به؛ لقول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
ويحرم على المحرم الذكر تغطية رأسه بملاصق؛ كالطاقية، والغترة، والعمامة أو نحو ذلك، وهكذا وجهه؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الذي سقط عن راحلته يوم عرفة ومات: " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ووجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً "، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا باس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لما ثبت في الصحيح، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه ضربت له قبة بنمرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة.
ويحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري والمعاونة في ذلك وتنفيره من مكانه، وعقد النكاح، والجماع، وخطبة النساء ومباشرتهن بشهوة؛ لحديث عثمان – رضي الله عنه -، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:" لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب " رواه مسلم.
وإن لبس المحرم مخيطاً أو غطى رأسه أو تطيب ناسياً أو جاهلاً فلا فدية عليه، ويزيل ذلك متى ذكر أو علم، وهكذا من حلق رأسه أو أخذ من شعره شيئاً أو قلم أظافره ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه على الصحيح.
ويحرم على المسلم – محرماً كان أو غير محرم ذكراً كان أو أنثى – قتل صيد الحرم والمعاونة في قتله بآلة أو إشارة أو نحو ذلك، ويحرم تنفيره من مكانه، ويحرم قطع شجر الحرم ونباته الأخضر ولقطته إلا لمن يعرفها؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -:"إن هذا البلد – يعني:مكة – حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يختلي خلاها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشدٍ" متفق عليه، والمنشد: هو المعرف، والخلا: هو الحشيش الرطب، ومنى ومزدلفة من الحرم، وأما عرفة فمن الحل.
فصل فيما يفعله الحاج عند دخول مكة وبيان ما يفعله بعد دخول المسجد الحرام من الطواف وصفته
فإذا وصل المحرم إلى مكة استحب له أن يغتسل قبل دخولها؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك، فإذا وصل إلى المسجد الحرام سن له تقديم رجله اليمنى، ويقول " بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك " ويقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول المسجد الحرام ذكر يخصه ثابت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما أعلم.
فإذا وصل إلى الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعاً أو معتمراً، ثم قصد الحجر الأسود واستقبله، ثم يستلمه بيمينه، ويقبله إن تيسر ذلك، ولا يؤذي الناس بالمزاحمة، ويقول عند استلامه: "بسم الله والله أكبر "، أو يقول: "الله أكبر"، فإن شق التقبيل استلمه بيده أو بعصاً أو نحوهما، وقبل ما استلمه به، فإن شق استلامه أشار إليه، وقال: "الله أكبر"، ولا يقبل ما يشير به، ويشترط لصحة الطواف: أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن الطواف مثل الصلاة غير أنه رخص فيه في الكلام، ويجعل البيت عن يساره حال الطواف، وإن قال في ابتداء طوافه: "اللهم إيماناً بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم " فهو حسن؛ لأن ذلك قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويطوف سبعة أشواط، ويرمل في جميع الثلاثة الأول من الطواف الأول، وهو الطواف الذي يأتي به أول ما يقدم مكة سواء كان معتمراً، أو متمتعاً، أو محرماً بالحج وحده، أو قارناً بينه وبين العمرة، ويمشي في الأربعة الباقية، يبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به. والرمل: هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى، ويستحب له أن يضطبع في جميع هذا الطواف دون غيره، والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. وإن شك في عدد الأشواط بنى على اليقين، وهو الأقل، فإذا شك في طاف ثلاثة أشواط أو أربعة؟ جعلها ثلاثة، وهكذا يفعل في السعي.
وبعد فراغه من هذا الطواف يرتدي بردائه فيجعله على كتفيه وطرفيه على صدره قبل أن يصلي ركعتي الطواف.
ومما ينبغي إنكاره على النساء وتحذيرهن منه طوافهن بالزينة والروائح الطيبة، وعدم التستر وهن عورة، فيجب عليهن التستر، وترك الزينة حال الطواف وغيرها من الحالات التي يختلط فيها النساء مع الرجال؛ لأنهن عورة وفتنة، ووجه المرأة هو أظهر زينتها فلا يجوز لها إبداؤه إلا لمحارمها؛ لقول الله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) الآية، فلا يجوز لهن كشف الوجه عند تقبيل الحجر الأسود إذا كان يراهن أحد من الرجال، وإذا لم يتيسر لهن فسحة لاستلام الحجر وتقبيله فلا يجوز لهن مزاحمة الرجال، بل يطفن من ورائهم، وذلك خير لهن وأعظم أجراً من الطواف قرب الكعبة حال مزاحمتهن الرجال، ولا يشرع الرمل والاضطباع في غير هذا الطواف، ولا في السعي، ولا للنساء؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يفعل الرمل والاضطباع إلا في طوافه الأول الذي أتي به حين قدم مكة، ويكون حال الطواف متطهراً من الأحداث والأخباث، خاضعاً لربه، متواضعاً له. ويستحب له أن يكثر في طوافه من ذكر الله والدعاء، وإن قرأ فيه شيئاً من القرآن فحسن، ولا يجب في هذا الطواف ولا غيره من الأطوفة ولا في السعي ذكر مخصوص، ولا دعاء مخصوص. وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كل شوط من الطواف أوالسعي بأذكار مخصوصة أو أدعية مخصوصة فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفى، فإذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه، وقال:" بسم الله والله أكبر" ولا يقبله، فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه، ولا يشير إليه ولا يكبر عند محاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما نعلم، ويستحب له أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وكلما حاذى الحجر الأسود استلمه وقبله، وقال: "الله أكبر"، فإن لم يتيسر استلامه وتقبيله أشار إليه كلما حاذاه وكبر.
ولا بأس بالطواف من وراء زمزم والمقام، ولا سيما عند الزحام، والمسجد كله محل للطواف، ولو طاف في أروقة المسجد أجزأه ذلك، ولكن طوافه قرب الكعبة أفضل إن تيسر ذلك.
فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك، وإن لم يتيسر ذلك لزحام ونحوه صلاهما في أي موضع من المسجد، ويسن أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) في الركعة الأولى و(قل هو الله أحد) في الركعة الثانية، هذا هو الأفضل، وإن قرأ بغيرهما فلا باس، ثم يقصد الحجر الأسود فيستلمه بيمينه إن تيسر ذلك؛ اقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك.
ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقاه أو يقف عنده، والرقي على الصفا أفضل إن تيسر، ويقرأ عند بدء الشوط الأول قوله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله)، ويستحب أن يستقبل القبلة على الصفا، ويحمد الله ويكبره، ويقول:" لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم يدعو بما تيسر، رافعاً يديه، ويكرر هذا الذكر والدعاء (ثلاث مرات)، ثم ينزل فيمشي إلى المروة حتى يصل إلى العلم الأول فيسرع الرجل في المشي إلى أن يصل إلى العلم الثاني، أما المرأة فلا يشرع لها الإسراع بين العلمين؛ لأنها عورة، وإنما المشروع لها المشي في السعي كله، ثم يمشي فيرقى المروة أو يقف عندها، والرقي عليها أفضل إن تيسر ذلك، ويقول ويفعل على المروة كما قال وفعل على الصفا، ما عدا قراءة الآية، وهي قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) فهذا إنما يشرع عند الصعود إلى الصفا في الشوط الأول فقط؛ تأسياً بالنبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسرع في موضع الإسراع حتى يصل إلى الصفا، ويفعل ذلك سبع مرات، ذهابه شوط، ورجوعه شوط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ما ذكر، وقال: "خذوا عني مناسككم"، ويستحب أن يكثر في سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر، وأن يكون متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر، ولو سعى على غير طهارة أجزأه ذلك، وهكذا لو حاضت المرأة أو نفست بعد الطواف سعت وأجزأها ذلك؛ لأن الطهارة ليست شرطاً في السعي، وإنما هي مستحبة كما تقدم.
فإذا كمل السعي حلق رأسه أو قصره، والحلق للرجل أفضل، فإن قصر وترك الحلق للحج فحسن، وإذا كان قدومه مكة قريباً من وقت الحج فالتقصير في حقه أفضل، ليحلق بقية رأسه في الحج؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما قدم هو وأصحابه مكة في رابع ذي الحجة أمر من لم يسق الهدي أن يحل ويقصر، ولم يأمرهم بالحلق، ولا بد في التقصير من تعميم الرأس، ولا يكفي تقصير بعضه، كما أن حلق بعضه لا يكفي، والمرأة لا يشرع لها إلا التقصير، والمشروع لها أن تأخذ من كل ضفيرة قدر أنملة فأقل، والأنملة: هي رأس الإصبع، ولا تأخذ المرأة زيادة على ذلك.
فإذا فعل المحرم ما ذكر فقد تمت عمرته – والحمد لله – وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام، إلا أن يكون قد ساق الهدي من الحل فإنه يبقى على إحرامه حتى يحل من الحج والعمرة جميعاً.
وأما من أحرم بالحج مفرداً، أو بالحج والعمرة جميعاً فيسن له أن يفسخ إحرامه إلى العمرة، ويفعل ما يفعله المتمتع إلا أن يكون قد ساق الهدي؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر أصحابه بذلك، وقال: "لولا أني سقت الهدي لأحللت معكم".
وإن حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها بالعمرة لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهر، فإذا طهرت طافت وسعت وقَصَّرَت من رأسها وتمت عمرتها بذلك، فإن لم تطهر قبل يوم التروية أحرمت بالحج من مكانها الذي هي مقيمة فيه، وخرجت مع الناس إلى منى، وتصير بذلك قارنة بين الحج والعمرة، وتفعل ما يفعله الحاج من الوقوف بعرفة، وعند المشعر، ورمي الجمار، والمبيت بمزدلفة ومنى، ونحر الهدي، والتقصير، فإذا طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، طوافاً واحداً وسعياً واحداً، وأجزأها ذلك عن حجها وعمرتها جميعاً؛ لحديث عائشة أنها حاضت بعد إحرامها بالعمرة، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم –:" افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" متفق عليه.
وإذا رمت الحائض أو النفساء الجمرة يوم النحر وقصرت من شعرها حل لها كل شيء حرم عليها بالإحرام، كالطيب ونحوه، إلا الزوج حتى تكمل حجها كغيرها من النساء الطاهرات، فإذا طافت وسعت بعد الطهر حل لها زوجها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|