2) صلاة العيد.
أظهر الأقوال: أنها واجبة على الأعيان كالجمعة. وهو قول أبي حنيفة، ولكنه لا يسميها فرضاً.
وقال الشافعي - كما في " مختصر المزني " - : "من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين". وهذا صريح في أنها واجبة على الأعيان([1]).
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول أبي حنيفة ومن وافقه لقوته فقال: وأيضا فسجود القرآن هو من شعائر الإسلام الظاهرة ... ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبى حنيفة وغيره وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد. وقول من قال لا تجب في غاية البعد فإنها من أعظم شعائر الإسلام والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع فيها التكبير. وقول من قال هي فرض على الكفاية لا ينضبط فانه لو حضرها في المصر العظيم أربعون رجلا لم يحصل المقصود وانما يحصل بحضور المسلمين كلهم كما في الجمعة([2]).
وقال الشوكاني: واعلم أن النبي e لازم هذه الصلاة في العيدين ولم يتركها في عيد من الأعياد وأمر الناس بالخروج إليها حتى أمر بخروج النساء العواتق وذوات الخدور والحيض وأمر الحيض أن يعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين حتى أمر من لا جلباب لها أن تلبسها صاحبتها من جلبابها وهذا كله يدل على أن هذه الصلاة واجبة وجوبا مؤكدا على الأعيان لا على الكفاية([3]).
3) الذهاب من طريق إلى المصلى والعودة من طريق آخر
لما رواه البخاري في الصحيح رقم 986 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.
وقال ابن القيم رحمه الله: وكان رحمه الله يخالف الطريق يوم العيد فيذهب في طريق ويرجع في آخر، فقيل: ليسلم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله، وقيل: وهو الأصح إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها([4]).
4) اصطحاب النساء والأطفال والصبيان دون استثناء حتى الحيض و العواتق وذوات الخدور
لما ثبت في صحيح البخاري 980 عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَأَتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ فَقَالَتْ فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى وَنُدَاوِي الْكَلْمَى فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ فَقَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ حَفْصَةُ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ نَعَمْ بِأَبِي وَقَلَّمَا ذَكَرَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي قَالَ لِيَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ قَالَ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ شَكَّ أَيُّوبُ وَالْحُيَّضُ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهَا الْحُيَّضُ قَالَتْ نَعَمْ أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا.
5) الاغتسال لصلاة العيد.
لم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن روى مالك في الموطأ عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى ([5]).
وروى البيهقي عن عروة بن الزبير أنه قال: "السنة أن يغتسل يوم العيدين"، وعن سعيد بن المسيب قال: "السنة أن يغتسل يوم العيدين"([6]).
قال الشافعي رحمه الله: كان مذهب سعيد وعروة في أن الغسل في العيدين سنة أنه أحسن وأعرف وأنظف وأن قد فعله قوم صالحون لا أنه حتم بأنه سنة رسول الله e([7]).
6) لبس أحسن الثياب والتطيب.
لما رواه الإمامان البخاري ومسلم أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ"، فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ:"إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ"، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ".
وذكر ابن القيم رحمه الله أنه ليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس فإنه لو كان كذلك لم يكن بردا وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك"([8]).
7) عدم الأكل قبل الصلاة و الأكل من الأضحية بعد العودة لمن كان مضحياً
إذ (( كان النبي لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي )) رواه الترمذي وغيره([9]).
قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات ويأكلهن وترا، وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته([10]).
8) وقت صلاة العيد.
اختلف العلماء في أول وقت صلاة العيد:
فقال أبو حنيفة وأحمد، وهو وجه للشافعية: أول وقتها إذا ارتفعت الشمس، وزال وقت النهي.
وقال مالك، وهو وجه للشافعية: أول وقتها إذا طلعت الشمس، وإن لم يزل وقت النهي. وعمل السلف يدل على الأول؛ فإنه قد روي عن ابن عمر ورافع بن خديج وجماعة من التابعين أنهم كانوا لا يخرجون إلى العيد حتَّى تطلع الشمس، وكان بعضهم يصلي الضحى في المسجد قبل أن يخرج إلى العيد، وهذا يدل على أن صلاتها إنما كانت تفعل بعد زوال وقت النهي([11]).
9)صلاة العيد في المصلى هي السنة.
وهذا الذي جرى عليه عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد أنه كان يؤديها في المصلى دون المسجد، فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: "كان رسول اللَّهِ e يَخْرُجُ يوم الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلى الْمُصَلَّى ..." الحديث ([12]).
قال ابن القيم رحمه الله: "كان e يصلي العيدين في المصلى وهو المصلى الذي على باب المدينة الشرقي وهو المصلى الذي يوضع فيه محمل الحاج ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث، وهو في سنن أبي داود وابن ماجة وهديه كان فعلهما في المصلى دائما " ([13]).
والصلاة في المسجد لسبب أو لآخر جائزة.
10) صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة.
عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: "صَلَّيْتُ مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِيدَيْنِ غير مَرَّةٍ ولا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ ولا إِقَامَةٍ"([14]).
وعن عَطَاءٌ عن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرِ بن عبد اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قالا: لم يَكُنْ يُؤَذَّنُ يوم الْفِطْرِ ولا يوم الْأَضْحَى ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدَ حِينٍ عن ذلك فَأَخْبَرَنِي قال أخبرني جَابِرُ بن عبد اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يوم الْفِطْرِ حين يَخْرُجُ الْإِمَامُ ولا بَعْدَ ما يَخْرُجُ ولا إِقَامَةَ ولا نِدَاءَ ولا شَيْءَ لَا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ ولا إِقَامَةَ([15]).
11) الصلاة قبل الخطبة.
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: "كان رسول اللَّهِ e وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قبل الْخُطْبَةِ"([16]).
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال كان رسول اللَّهِ e يَخْرُجُ يوم الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلى الْمُصَلَّى فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ الناس وَالنَّاسُ جُلُوسٌ على صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ فَإِنْ كان يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أو يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قال أبو سَعِيدٍ: فلم يَزَلْ الناس على ذلك حتى خَرَجْتُ مع مَرْوَانَ وهو أَمِيرُ الْمَدِينَةِ في أَضْحًى أو فِطْرٍ فلما أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إذا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بن الصَّلْتِ فإذا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قبل أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَبَذَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قبل الصَّلَاةِ فقلت له: غَيَّرْتُمْ والله. فقال: أَبَا سَعِيدٍ قد ذَهَبَ ما تَعْلَمُ. فقلت: ما أَعْلَمُ والله خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ. فقال: إِنَّ الناس لم يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لنا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قبل الصَّلَاةِ([17]).
وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ أنَّ النبي e خَرَجَ يوم الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخُطْبَةِ([18]).
فدلت هذه الأحاديث على أن المشروع تقديم صلاة العيد على الخطبة، وهو الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون من بعده.
ومن شاء انصرف قبل الخطبة من المأمومين، وحضورها سنة.
12) ليس للعيد سنة قبلية ولا بعدية
لما رواه البخاري برقم 989 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَمَعَهُ بِلَالٌ وإنما إذا صليت في المسجد صلى المرء تحية المسجد.
13) صلاة العيد ركعتان
يكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل الفاتحة عدا تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس تكبيرات عدا تكبيرة الإحرام وتوضع السترة للإمام في المصلى.
14) الاستماع إلى الخطبة التي بعد صلاة العيد
وهي سنة ثابتة ومن شاء انصرف بعد الصلاة.
15) موعظة الإمام للنساء يوم العيد
لما في البخاري وغيره حديث 961 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً ".
16) التهنئة بالعيد:
ليس هناك شيء من السنة يثبت عن رسول الله في ذلك،وإنما جاء عن جبير بن نفير قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل منا ومنك.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: إسناده حسن.
17) الأخد من الشعور المطلوب - دون المحرم منها - إزالتها وقص الأظفار بعد الأضحية
يشرع لمن شاء لأن من أراد الأضحية كان عليه أن يمسك عن ذلك لما جاء في صحيح مسلم برقم 1977 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رأيتم هلال ذي الحجة و أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره و أظفاره".
18) الضرب بالدف للنساء:
لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه و سلم فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: ( دعهما ). فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي صلى الله عليه و سلم وإما قال ( تشتهين تنظرين ). فقلت نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول ( دونكم يا بني أرفدة ). حتى إذا مللت قال ( حسبك ). قلت نعم قال ( فاذهبي ).
أقول: وهذا الحديث العظيم من سماحة الإسلام وقد رَوَى السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ " لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي بُعِثْت بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ "وانظر السلسلة الصحيحة 1829.
19) الأضحية ولها أحكامها.
بدع العيد معاصيه
حري بك أخي المسلم أن تعلم محدثات أيام العيد لتجتنبها لأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار،كما صح ذلك عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وسأجمل لك طائفة مما وقفت على بدعيته في ذلك.
1) النداء له بالصلاة جامعة ونحو ذلك إذ لم يكن لها أذان ولا إقامة ولا نداء ب الصلاة جامعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخير الهدي هدي محمد.
2) الزيادة في التكبير على الصيغ الواردة عن الصحابة كما سبق.
3) التكبير بالعيد بالمسجد أو المصلى بالصيغ الجماعية على شكل فريقين يكبر الفريق الأول ويجيب الفريق الآخر وهذه طريقة محدثة والمطلوب أن يكبر كل واحد بانفراد ولو حصل اتفاق فلا ضير، وأما على الطريق المتبعة في بعض البلاد فيكبر فريق والآخر يستمع حتى يأتي دوره فهو محدث.
4) زيارة القبور يوم العيد وتقديم الحلوى و الورود والأكاليل و نحوها على المقابر كل ذلك من البدع وبعضها من تقاليد غير المسلمين، وفي التشبه بهم محذورات كثيرة.
وأما زيارة القبور فهي مستحبة بدون تخصيص موعد محدد لها، إذ حث الشرع عليها كما في الحديث الشريف عند ابن ماجة برقم 1569عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة".
5) تبادل بطاقات التهاني المسماة ( بطاقة المعايدة ) أو كروت المعايدة فهذا من تقاليد النصارى وعاداتهم، ولقد كنت سمعت شيخنا العلامة الألباني تغمده بالرحمة نبه على ذلك.
6) القيام ليلتي العيد لأن لم يثبت في ذلك حديث، وأما حديث: "مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ "فرواه ابن ماجه والبيهقي وفي إسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي قال فيه الإمامان النسائي والدارقطني متروك.
ومن معاصي العيد:
1) صيام يوم العيد وأيام التشريق التي عقبه إلا أنه في أيام التشريق رخص للمتمتع إن لم يجد الهدي أن يصومها.
لما في صحيح البخاري 1859عن عائشة و ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم قَالَا:"لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ"،وهي كما روى مسلم في صحيحه 2733عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قال « أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ».
2) تزين بعض الرجال بحلق اللحى يم العيد إذ الواجب إعفاؤها في كل وقت وحلقها حرام لما دلت عليه النصوص الشرعية، وبالتحريم يقول الأئمة الأربعة رحمهم الله.
3) المصافحة بين الرجال والنساء الأجنبيات ( غير المحارم ) إذ هذا من المحرمات والكبائر، وقد صح في الحديث الذي رواه الطبراني في المعجم الكبير للطبراني عَنْ مَعْقِل بن يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ".
4) ومن الإسراف المحرم بذل الأموال الطائلة في المفرقعات والألعاب النارية دون جدوى، وحري أن تصرف هذه المبالغ على الفقراء والمساكين والمحتاجين وما أكثرهم وما أحوجهم !.
5) انتشار ظاهرة اللعب بالميسر والمقامرة في بعض الدول يوم العيد وخاصة عند الصغار وهذا من الكبائر العظيمة فعلى الآباء مراقبة أبنائهم وتحذيرهم من ذلك.
6) الغناء الماجن والفاحش، استعمال الموسيقى. وأما الغناء ذو المعاني الجميلة الطيبة فجائز للنساء بالدف لما سبق عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ".
هذا ما يسره الله عز وجل، وكانت إعادة النظر فيه مع بعض الإضافات والتعديلات في مدينة الرياض ليلة التاسع من ذي الحجة 1432 للهجرة النبوية الشريفة.
والحمد لله رب العالمين
القريوتى
([1]) "فتح الباري" (6/75-76).
([2]) "مجموع الفتاوى" (23/161).
([3]) "السيل الجرار" (1/315).
([4])"زاد المعاد" (1/448/449).
([5]) "الموطأ" (1/177/ح426) وروي في الباب أحاديث مرفوعة لا تصح منها ما أخرجه ابن ماجه في "سننه" (1/417/ح1315) عن بن عَبَّاسٍ قال "كان رسول اللَّهِ e يَغْتَسِلُ يوم الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى" وفيه جبارة بن مغلس وهو ضعيف، كما في التقريب (ص194)، ومنها حديث الفاكه بن سعد أن رسول الله كان يَغْتَسِلُ يوم الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ وكان الْفَاكِهُ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالْغُسْلِ في هذه الْأَيَّامِ". وفي إسناده يوسف بن خالد السمتي، وهو متروك، وكذبه ابن معين. "التقريب" (ص1093)، وانظر "نصب الراية" (1/85).
([6]) "معرفة السنن والآثار" (3/28).
([7]) "معرفة السنن والآثار" (3/29).
([8]) "زاد المعاد" (1/441).
([9])وفالَ الترمذي:" حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الأَسْلَمِىِّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لاَ أَعْرِفُ لِثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدِ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لاَ يَخْرُجَ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ شَيْئًا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ وَلاَ يَطْعَمَ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ".
قال ابن الملقن في "البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير" (5 / 72):
"قَالَ ابْن الْقطَّان : هَذَا الحَدِيث عِنْدِي صَحِيح ؛ لِأَن ثوّابًا هَذَا بَصرِي ثِقَة ، وَثَّقَهُ ابْن معِين رَوَاهُ عَنهُ عَبَّاس وَإِسْحَاق بن مَنْصُور . قَالَ : وَزِيَادَة الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا صَحِيحَة (إِلَى) ثوّاب الْمَذْكُور وَيَرْوِيه عَن عبد الله بن بُرَيْدَة ، عَن أَبِيه .
قلت : وثواب أنكر أَبُو حَاتِم (وَأَبُو زرْعَة) توثيقه كَمَا حَكَاهُ صَاحب (التَّهْذِيب) عَنْهُمَا ، (لَكِن) قَالَ ابْن معِين : صَدُوق . قَالَ عَبَّاس الدوري : إِن كنت قد كتبت عَنهُ الضعْف (فَهَذَا) آخر قوليه . وَرَوَى هَذَا الحَدِيث عَن ثوّاب أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ ، وَتَابعه أَبُو عُبَيْدَة الْحداد ، وَرَوَاهُ عقبَة عَن (ابْن) بُرَيْدَة".
([10]) "زاد المعاد" (1/325/ح910).
([11]) "فتح الباري" (6/104).
([12]) أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/441).
([13]) "زاد المعاد" (1/441).
والحديث الذي أشار إليه ابن القيم رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أَنَّهُ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ([13]).
وضعفه ابن القطان لجهالة بعض رواته، وقال الذهبي: هذا حديث فرد منكر، وقال ابن حجر: إسناده ضعيف، وضعفه الألباني.
([14]) أخرجه مسلم في "صحيحه" (2/604/ح887).
([15]) أخرجه مسلم في "صحيحه" (2/604/ح886).
([16]) أخرجه البخاري في"صحيحه" (1/327/ح920)، ومسلم في "صحيحه" (2/605/ح888).
([17]) أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/326/ح913).
([18]) أخرجه البخاري في "صحيحه" (1/326/ح914).