عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 23-11-2019, 03:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,208
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الحج من إتحاف النبهاء بضوابط الفقهاء


ومنها: تخصيص أدعية للأشواط السبعة في الطواف والسعي والشرب ماء زمزم ولبعض المناسك فإن ذلك لا أصل له، بل الطائف والساعي يدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة من غير تخصيص لدعاءٍ معين، وعليه بجوامع الدعاء، إلا أنه يقول إذا دنا من الصفا: [ إن الصفا والمروة من شعائر الله ] أبدأ بما بدأ الله به، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده؛ ويدعو بين ذلك بما أحب ويعيده ثلاث مرات ويقول على المروة كما قال على الصفا وذلك لحديث جابر في سياق حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبناءً عليه فهذه الكتيبات التي فيها هذه الأدعية كتب لا أصل لها فلا يجوز بيعها ولا شرائها، والواجب على ولاة الأمر وفقهم الله تعالى منع بيعها كما هي عادتهم وفقهم الله تعالى في مثل ذلك مما لا أصل له جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وذلك لأن كل قول أو فعل لم يؤثر عن الحبيب - صلى الله عليه وسلم - فلا ينبغي اعتقاد فضيلته بخصوصه والله أعلم.
ومنها: بعض الحجاج تراه من حين يحرم يضطبع إلى أن يحل من إحرامه، وهذا لا أصل له في السنّة وإنما السنّة هي الاضطباع في الطواف الأول فقط، ويبقي المحرم إزاره على عاتقيه جميعاً في كل أحوال إحرامه، هكذا المنقول عنه - صلى الله عليه وسلم - فمن تعبد لله بالاضطباع في غير الطواف فقد أتى ببدعة والله المستعان.
ومنها: اعتقاد فضيلة صعود جبل عرفات المسمى جبل الرحمة وهي تسمية لا أساس لها وهي تضفي على هذا الجبل شيئاً من القداسة والتعظيم فالواجب تركها وإنما المعروف أنه جبل إلال أو جبل عرفه فترى كثيراً من الحجاج يعتقدون أفضلية صعوده فتراهم يتزاحمون عليه ويصلون عليه ويأخذون من حجارته ويكتبون أسماءهم عليه ونحو ذلك وكل ذلك بدعة لأنه شيء لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه ولو كان خيراً لسبقونا إليه وفاعله مبتدع إن عرف عدم مشروعية ذلك وأصر على الصعود أو فعل شيء من ذلك ويا ليت الدولة وفقها الله تضع حوله حاجزاً يمنع من صعوده وتزيل الشاخص الأبيض الذي فوقه، كما هي طريقتها في إزالة هذه البدع، وهم أهل لذلك فإن ولاتنا علماء وأمراء ولله الحمد والمنة من أهل السنة والجماعة. والله أعلم.
ومنها: التمسح بأستار الكعبة وتقبيلها ووضع الخد عليها وكذلك التمسح بمقام إبراهيم وتقبيله كل ذلك من المنكرات والبدع لأنها ليست من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فالواجب الحذر والتحذير وتعليم الناس أن ذلك ليس من الشريعة في شيء والله أعلم.
ومنها: اعتقاد أفضلية غسل حصى الجمار قبل الرمي بها أو اعتقاد أفضلية التقاطها من مكان معين كل ذلك لا دليل عليه فهو بدعة، فانظر رعاك الله كيف يقضي هذا الضابط على كل البدع في هذه المشاعر العظيمة فاشدد يدك به والله أعلم.
ومنها: صعود جبل النور كما يسميه العامة. يا الله ما هذه الأسراب من الحجيج التي تعتقد أن صعوده من المقربات اللازمة، وغرهم بعض السفهاء من المرتزقة الذي يأكلون أموال هؤلاء المساكين بالباطل، فإن صعوده لا يعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلو كان مشروعاً أو قربة لفعلوه، فمن أين أتانا هذا الاعتقاد؟ فهو إحداث في الدين ما ليس منه وكل بدعة ضلالة، فضلاً عن الأخطار الناجمة عن صعوده، وفضلاً عن أنه من تتبع آثار الأنبياء واتخاذها مشاعر بلا دليل ولا برهان، وبناءً عليه فصعوده بدعة منكرة لا يجوز حتى ولو كان من باب الاطلاع فإنه ممنوع والدعاة هناك يمنعون الناس من صعوده ولكن العامة قد عظموا هذا الجبل وهذا الغار الذي فيه، ونقول: إن الدافع لهم إنما هو محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن ليس كل أحدً يحبه يعبّر عن هذه المحبة بما يريد فإن عنوان المحبة الاتباع لا " الابتداع " والله يتولانا وإياك وهو أعلى وأعلم.
ومنها: التلبية بصوت واحد، فإن هذا شيء لم يفعله أحد من السلف وهو من جملة الأذكار الجماعية، فيكون هذا الفرع داخلاً تحت قاعدة شرعية الأصل لا تستلزم شريعة الوصف أي أن التلبية مشروعة بأصلها لكنها ممنوعة بهذا الوصف وهذا يقع في كثير من الحجاج.
ومنها: ما يفعله بعض الحجاج أنهم إذا طافوا بالبيت للوداع وانتهوا فإنهم يرجعون القهقرى ولا يولون البيت ظهورهم وبعضهم إذا حادى باب الخروج التفت إلى البيت مودعاً معتقداً فضيلة ذلك وهذه الأفعال كلها لا أصل لها فهي أمور محدثة يجب الحذر منها والله أعلم.

ومنها: حرص بعض الحجاج هداهم الله تعالى على الصلاة في بعض المساجد المبنية في الحرم ويعتقد فيها الأفضلية وهذا كله لا أصل له وإنما الفضيلة في المسجد الحرام فقط، ولو أن الدولة وفقها الله تردع بعض المطوفين الذين لا يخافون الله في عقائد الحجاج فإنه يذهبون بهم إلى هذه الأماكن ويذكرون لهم فيها الخرافات التي لا أصل لها ليأكلوا أموالهم بالباطل أسأل الله تعالى أن يهدي الجميع لما فيه الخير والصلاح.
ومنها: يقوم بعض الحجاج بغسل ما معه من النفقة والنقود والثياب بماء زمزم اعتقاداً أنه يوجب البركة في ذلك وهذا كله خلاف هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ومنها: تكرار العمرة من الحل فإن هذا يفعله كثير من العامة وهو لا أصل له وقد كرهه السلف فإنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحدٍ من أصحابه أنه اعتمر من الحل خارجاً من مكة، بل عده بعض العلماء من البدع، وأما عائشة رضي الله عنها فإنها قد حاضت ولم تتمكن من العمرة فأعمرها - صلى الله عليه وسلم - من التنعيم مع أخيها عبد الرحمن فمن حصل له ما حصل لها فاعتمر بعد الحج فالظاهر أنه لا بأس به، أما أن يتخذ ذلك عادة فإنه لا دليل عليه والله أعلم.
ومنها: أن بعض النساء تراها ترمل في الطواف وتسعي سعياً شديداً بين العلمين وهذا مخالف للصواب لأن هذه الأشياء إنما هي سنّة في حق الرجال دون النساء، فالمرأة مأمورة بالتستر وهذا الرمل والسعي الشديد قد يبدي منها ما كان خافياً أو يحجم أعضاءها من دون عباءتها، فما عليها إلا أن تمشي مشي عادتها، والله أعلم.
ومنها: قصد الرمي بالحصى الكبير أو بالنعال والشمسيات ظناً منهم أنهم يرمون الشيطان فترى الواحد منهم يرمي بحرارة مع شيء من السباب والشتم وهذا لا أصل له بل هو مُفضٍ إلى إيذاء نفسه والآخرين فالواجب التحذير والحذر من ذلك والله أعلم وعلى ذلك فقس والله أعلم.

من شك في نسك يطلب فيه العدد فيبني على غالب ظنه وإلا فعلى الأقل دائماً
أقول: إن هناك أشياء في المناسك يطلب فيها العدد كالطواف فإنه يطلب فيه أن يكون سبعة أشواط والسعي كذلك لابد أن يكون سبعة أشواط وكذلك رمي جمرة العقبة لابد أن يكون بسبع حصيات وكذلك رمي الجمار أيام التشريق لابد أن ترمي كل جمرة منها بسبع حصيات فهذه الأشياء يطلب فيها العدد، فإذا حصل في عددها شيء من الشك فإن الأمر لا يخلو من حالتين: إما أن يكون عنده غلبة يبني عليها ولا شيء عليه فإذا حصل عند شك في الثلاث أو الأربع وغلب على ظنه أنها أربع فإنه يبني عليه وهكذا، وإذا لم يكن عنده غلبة ظن فإنه حينئذٍ يبني على اليقين وهو الأقل، ففي مثالنا السابق يجعلها ثلاثاً، وهكذا.. وهذا يحصل كثيراً وذلك بسبب الانشغال برؤية البيت ومعالجة الزحام وكثرة الأذكار ومراعاة حال الصحبة وهذه القاعدة تزيل ما قد يطرأ على الذهن من ذلك، فلا تجعلها مشكلة فالأمر سهل ويسير إن شاء الله تعالى، لكن عليك الانتباه لأمرين مهمين، الأمر: أنه إذا كان هذا الشك صدر من رجل كثيرة شكوكه، فهذا لا ينبغي له أن يعمل بهذا الضابط لأنه مريض وعلاجه ألا يلتفت إلى شكه مطلقاً بل يلْهُ عنه لأننا لو قلنا له: شك معتبر فإننا نقضي على ما بقي من عقله ونكون بذلك قد جنينا عليه، بل نقول له: إن هذا الشك الذي طرأ عليك لا تلتفت إليه، ولا تنظر إليه ولا تعمل، فإذا شككت في رمي الجمار فارم ما بقي من الحصا وانصرف ولا تفكر وإذا شككت في عدد الطواف أو السعي أهو كذا أو كذا فاعمل بالأكثر دائماً ولا تبنِ على اليقين في هذه الحالة وهذا هو علاجك ويتلخص من هذا أن شك كثير الشكوك غير معتبر شرعاً، الأمر الثاني: أن هذا الشك الحاصل إن كان بعد الفراغ من العبادة أي أنه ما حصل إلا بعد الفراغ من الطواف أو السعي أو رمي الجمار فإنه والحالة هذه أيضاً ليس بمعتبر بل الواجب شرعاً إطراحه وبناء الأمر على اليقين والأصل هو أن الأصل أن المؤمن قد جاء بالعبادة على وجهها المأمور به شرعاً، والأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل، والناقل هنا هو يقين آخر، أي إذا حصل عندك يقين بالنقص فهنا يختلف الكلام، لكن إذا كان الأمر لا يزال في دائرة الشك فإنه حينئذٍ ليس بمعتبر وهذا من فضل الله تعالى وتيسيره على عباده، فتلخص عندنا في هذا الضابط عدة أمور:
منها: أن الشك الصادر من كثير الشكوك غير معتبر مطلقاً.
ومنها: أن الشك الصادر من معتدل الشك ولكن بعد الفراغ من العبادة غير معتبر أيضاً. ومنها: أن الشك الصادر من معتدل الشكوك أثناء العبادة هو الذي يعتبر واعتباره يقتضي بناء الأمر على اليقين وهو الأقل دائماً لكن قبل بناء الأمر على اليقين ننظر أولاً: إن كان عنده غلبة ظن فالعمل بها هو المعتبر والمتعين، وإن لم يكن عنده غلبة ظن فيبني على اليقين كما ذكرنا سابقاً، وإتماماً للفائدة أذكر لك بعض الأمثلة فأقول:
منها: طاف رجل وشك هل هو في الشوط الثالث أو الرابع؟ فالجواب: أولاً تسأل هل هذا الرجل كثير الشكوك أم معتدل في شكه فإن كان الأول فشكه ملغى مطلقاً وإن كان الثاني فاسأل سؤالاً آخر وقل: هل شكه هذا حصل بعد العبادة أم أثناءها؟ فإن كان الأول فشكه ملغى أيضاً وإن كان الثاني فاسأل سؤالاً آخر وقل: هل عندك غلبة ظن يترجح بها أحد الطرفين، فإن قال نعم فقل اعمل بما غلب على ظنك وإن لم يكن عنده غلبة ظن فقل له: اعمل باليقين وهو الأقل وهو أنك لم تطف إلى الآن إلا ثلاثة أشواط فقط، وبناءً عليه فلا يبني على الأقل إلا إذا كان معتدل الشك وقد حصل الشك أثناء العبادة وليس عنده ظن يبني عليه والله أعلم.
ومنها: سعى بين الصفا والمروة وشك هل هو في السابع أو السادس؟ فالجواب يكون كالتفصيل السابق وهو أن هذا الرجل إن كان معتدل الشك وقد حصل شكه أثناء العبادة فإننا نرده إلى غالب ظنه، فنقول له: إن كان يغلب على ظنك شيء فاعمل به وإلا فابنِ الأمر على الأقل وهو أنك ما سعيت إلا ستة أشواط فعليك الآن أن تأتي بالسابع والله أعلم.
ومنها: رمى جمرة العقبة أو الأيام بعده وشك هل رمى أربعاً أو خمساً؟ فالجواب يكون بالتفصيل السابق وهو أن هذا السائل إن كان معتدلاً في شكه وشكه هذا حصل في أثناء الرمي فنقول له: هل عندك ظن يترجح به أحد الأمرين فإن كان عنده ظن فإنه يعمل به لأن ما يطلب فيه العدد إذا حصل فيه شك فإنه يبني أولاً على غالب ظنه وإن لم يكن عنده غلبة ظن فإننا نقول له: اعمل بالأقل وهو أنك ما رميت إلا أربعاً فعليك أن ترمي خامسة وسادسة وسابعة والله أعلم.
ومنها: رمى الجمرة وشك هل وقعت الحصاة في الحوض أم لا؟ فالجواب: على التفصيل السابق وهو أنه إذا كان هذا السائل معتدلاً في شكه وقد حصل الشك أثناء الرمي فإننا نسأله هل يغلب على ظنك شيء؟ فإن غلب على ظنه شيء فإنه يعمل به ولا يلتفت إلى وساوس الشيطان وإن لم يكن عنده غلبة ظن فإنه يعمل باليقين واليقين أنها لم تقع فيرمي مكانها واحدة والله تعالى أعلم.
والخلاصة أننا نرد السائل من هذا الشيء إلى غالب ظنه فإن لم يكن عنده غلبة ظن فإننا نرده على العمل باليقين وهو هنا الأقل دائماً والله أعلم.

ما صاده المحرم أو صيد له أو أعان عليه فحرام عليه أكله
لعلك تذكر إن شاء الله تعالى أننا في سياق المحظورات قلنا إنه سيأتي للصيد ضابط مستقل وهو هذا ولله الحمد وبيانه أن يقال: إن من جملة المحظورات التي تحرم على المحرم الصيد، فلا يجوز للمحرم صيد الحيوان البري المتوحش طبعاً وهذا بالاتفاق ولله الحمد والمنة وأنه إن صاده فإن عليه فدية الصيد وتقدم الكلام عليها في الضابط الثالث ولله الحمد والمنة. إلا أننا نقول هنا: ما الصيد الذي يحرم على المحرم أكله؟ والجواب عن ذلك هو ما أفاده هذا الضابط وهو أن الذي يحرم على المحرم أكله من الصيد هو ما يلي:
الأول: ما صاده هو بنفسه، ودليل ذلك قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم - يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } وقال عليه الصلاة والسلام: (( صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم )) فإذا صاده المحرم بنفسه فإن هذا الصيد يحرم على الجميع أي عليه وعلى الحلال وعلى محرم آخر والله أعلم.
الثاني: ما صيد لأجله، أي أن يكون الذي صاده هو الحلال ولكنه صاده لأجل هذا المحرم فلا يجوز للمحرم فقط أكله، أعني المحرم الذي صيد له وأما الحلال والمحرمون الآخرون فيجوز لهم أكله والدليل على ذلك حديث الصعب بن حثامة أنه أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حماراً وحشياً وهو بالأيواء أو بودان، فردّه عليه فلما رأى مافي وجهه قال: (( إنا لم نرده عليه إلا أنا حرم )). متفق عليه. وعن علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي ببيض نعام فقال: (( إنا قوم حرم أطعموه أهل الحل )) رواه أحمد. وفي سنده كلام، وعن عمير ابن سلمة الضحري عن رجل من بهزٍ أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد مكة حتى إذا كانوا في بعض وادي الروحاء وجد الناس حمار وحشٍ عقيراً فذكروه للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (( أقروه حتى يأتي صاحبه )) فأتى البهزي وكان صاحبه فقال: يارسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم محرمون. رواه أحمد والنسائي ومالك في الموطأ، فدل إذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم بالأكل منه أن ما صاده الحلال لا لأجل المحرم وإنما صاده لنفسه ثم أهداه للمحرم فإنه حلال عليه، وهذا هو وجه التوفيق بين أحاديث الباب.
الثالث: ما أعان المحرم على صيده بإشارة أو كلام أو مناولة آلة الصيد ونحو ذلك فإنه يكون حرام على المحرم فقط ويدل على ذلك حديث أبو قتادة رضي الله في قصة صيد الحمار الوحشي وهو غير محرم قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه وكانوا محرمين: (( هل أحد منكم أمره أو أشار إليه بشيء؟ فقالوا: لا قال: فكلوا ما بقي من لحمه )) متفق عليه. وفي رواية (( هو حلال فكلوه )) ولمسلم (( هل أشار إليه إنسان منكم أو أمره بشيء؟ فقالوا: لا، قال: فكلوه )). وللبخاري قال: (( منكم من أحدٍ أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها )). فتبين بذلك صحة الضابط ولله الحمد والمنة من أن ما صاده المحرم بنفسه أو أعان عليه بشيء أو أنه صيد لأجله فإنه لا يجوز له أكله، وهل يحرم هذا الصيد على غيره؟ نقول: فيه تفصيل: أما ما صاده المحرم بنفسه أو شارك غيره في صيده فإنه يحرم على المحرم بعينه فقط وأما ما أعان على صيده بإشارة أو دلالة ونحوها فإنه يحرم على هذا المحرم فقط ويجوز للحلال أكله، والله أعلم.

كل مؤذٍ طبعاً فإنه يدفع شرعاً في الحل والحرم
وهذا هو الصواب الذي لا مرية فيه، وأصله حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم، الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور)) وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح في الحل والإحرام، الفأرة والغراب والحدأة والعقرب والكلب العقور)) متفق عليه. وعن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر محرماً بقتل حية بمنى. رواه مسلم. وعن ابن عمر – وسئل – ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ فقال: حدثتني إحدى نسوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية. رواه مسلم. فهذه الأدلة تفيد الأمر بقتل هذه الدواب وذلك لأنهن فواسق، وفسقهن هو إيصال الأذى للآخرين، فهن مؤذيات طبعاً فالمكلف مأمور بقتلهن شرعاً لأن كل مؤذٍ بطبعه فإنه يقتل، هذا هو معنى هذا الضابط، ويقاس عليها ما كان مماثلاً لها في الإيذاء وما كان أولى بالحكم منها كالأسد والنمر والفهد والبعوض والقمل، ويدافع الصائل على نفسه وحرمه بما يدفعه فإن لم يندفع إلا بقتله فإنه يقتل ولا قود فيه ولا دية لأن دمه هدر شرعاً، وأنه مؤذٍ وكل مؤذٍ طبعاً فإنه يقتل شرعاً وكذلك لو صال عليه صيد كالضبع مثلاً ولم يندفع هذا الصيد إلا بقتله فله ذلك لأنه مؤذٍ وكل مؤذٍ طبعاً فإنه يقتل شرعاً ولأنه لم يقتله ليتمتع بلحمه وإنما قتله لدفع الأذى عنه وقد تقرر في القواعد أن من أتلف شيئاً ليدفع أذاه به ضمنه وإن كان ليدفع أذاه عنه لم يضمنه والله أعلم. وكذلك إذا صال عليه النحل ولم يندفع إلا بقتله فله ذلك ولا كفارة عليه لأنه يدفع ضرره عنه ولأنه في هذه الحالة مؤذٍ وكل مؤذٍ طبعاً فإنه يقتل شرعاً وكذلك يقال في الذباب فإنه كبير المؤذين هناك فلو قتله المحرم فلا شيء عليه لأن المؤذي بطبعه لا حرج في قتله، ولذلك قال أبو العباس رحمه الله تعالى: وله أن يدفع ما يؤذ به من الآدميين والبهائم حتى لو صال عليه أحد ولم يندفع إلا بالقتال قاتله فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون حرمته فهو شهيد )) أ.هـ. قلت: وكذلك النمل فإنه إن آذى ولم يندفع إلا بقتله فله قتله ولا شيء عليه، وعلى ذلك فقس فما آذى من الحيوانات والآدميين فيدفع بما يندفع عنه وإن يندفع إلا بقتله فإنه يقتل ولا شيء فيه والله يتولانا وإياك. وهو أعلى وأعلم.

من غطى رأسه بملاصقٍ معتادٍ فدى
لقد تقدم لنا في الضابط الأول أن من جملة محظورات الإحرام تغطية الذكر رأسه، ودليل ذلك حديث ابن عباس في قصة المحرم الذي سقط من دابته فمات فقال عليه الصلاة والسلام: ((ولا تخمروا رأسه)) والتخمير هو التغطية، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر في الأشياء التي لا يلبسها المحرم: ((ولا يلبس العمائم)) وقد أجمع العلماء على ذلك حكاه الوزير وجمع إلا أن هذه التغطية لابد أن تشرط بشرطين وهما: أن تكون ملاصقة أي متصلة بالرأس مباشرة لا فرق بينهما وبناءً عليه فمن غطى رأسه بغير ملاصق فلا شيء عليه كالشمسية أو الاستظلال بثوب ونحو ذلك وفي سياق قصة جابر قال: فأجاز حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها. وعن أم الحصين قالت: حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً، وأحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والآخر رافع ثوبه يستره من الشمس حتى رمى جمرة العقبة. فمثل هذا لا بأس به.
والشرط الثاني: أن يكون مما يغطى به الرأس عادة الغترة والطاقية والبرانس والعمامة والقبعة والقلنسوة ونحوها، وبناءً عليه فلو وضع يديه على رأسه فإنه لا شيء عليه لأنه ليس مما يغطى بهما الرأس عادة لكنه رفعهما أولى خروجاً من الخلاف، وكذلك لو حمل متاعه على رأسه فإنه لا شيء عليه ومثله لو حمل على رأسه قدراً أو كتباً أو شيئاً فإنه لا حرج عليه لأنه ليس مما يغطى به الرأس عادة مثله لو جلس تحت شجرة ونحوها فإنه لا بأس به لأنه ليس بملاصق وليس مما يغطى به الرأس عادة، وهكذا عليه فقس.
وبهذا الفرع نختم الكلام على كتاب الحج فالله أسأل أن ينفع به المسلمين والمسلمات وأن يجعله عملاً صالحاً ينفعني في قبري ويوم حشري ونشري إنه ولي ذلك والقادر عليه والله ربنا أعلى وأعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]