القول الثاني: إنه يلزمهم الإحرام.
وهو الظاهر من قول الحنفية(128)، وهو قول عند الشافعية(129).
أما الحنفية فلم ينصوا على ما ذكر، ولكنه المفهوم من سياق عرضهم، إذ جعلوا هذه المسألة، والمسألة التي قبلها في حكم واحد.
قال الكاساني: (لو أراد مجاوز هذه المواقيت دخول مكة لا يجوز له أن يجاوزها إلا محرماً، سواء أراد بدخول مكة النسك من الحج، أو العمرة، أو التجارة، أو حاجة أخرى)(130)، فقوله: أو حاجة أخرى لفظة عامة تشمل الحاجة المتكررة وغير المتكررة.
وقد يرد على هذا السياق ما قاله ابن عبدالبر: (لا أعلم خلافاً بين فقهاء الأمصار في الحطابين، ومن يُدمِن الاختلاف إلى مكة، ويكثره في اليوم والليلة، أنهم لا يؤمرون بالإحرام لما عليهم فيه من المشقة)(131).
إلا إن كلام ابن عبدالبر يحمل على من كان داخل مكة، ثم خرج منها إلى الحل لحاجة تتكرر، فهذا لا يؤمر بالإحرام، لأن الحنفية من مذهبهم أن من كان داخل المواقيت، فإنه لا يؤمر وإن كان لحاجة لا تتكرر كما سبق ذكره.
قال الجصاص: (إنما ذكر -أي المصنف- الحطابين، لأنهم لا يبعدون عن مكة، ولا يجاوزون المواقيت)(132).
قال الكاساني: (لأن أهل مكة يحتاجون إلى الخروج إلى الحل للاحتطاب، والاحتشاش والعود إليها، فلو ألزمناهم الإحرام عند كل خروج لوقعوا في الحرج)(133).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بعدم وجوب الإحرام على من دخل مكة لحاجة تتكرر بما يلي:
بالنسبة للحاجة التي تتكرر، والدخول بغير إحرام.
من المأثور:
1- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (لا يدخل مكة أحد بغير إحرام إلا الحطابون، والعمالون، وأصحاب منافعها)(134).
نوقش:
إن هذا الأثر ضعيف، كما سبق ذكره(135).
من المعقول:
1- إنه لو أوجب الإحرام على كل من يتكرر دخوله، أفضى إلى أن يكون جميع زمانه محرماً، فسقط للحرج(136).
نوقش:
يمكن أن يناقش بأن الأمر يتعلق بتعظيم البيت، فعلى أي صفة يكون الدخول، فلابد فيه من الإحرام لأجل تعظيم البيت.
أما بالنسبة للقتال المباح، أو قتال أهل البغي، أو الخوف من الظالم، والدخول بغير إحرام، فاستدل له بما يلي:
1- ما رواه أنس رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم (دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر)(137).
2- ما رواه جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء بغير إحرام)(138).
نوقش وجه الدلالة من الحديثين:
بأن هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنَّما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس) وسبق بيان ذلك(139).
أما دخولها لخوف، أو غيره من غير إحرام، فاستدل له.
بما روى عن ابن عمر رضي الله عنه: إنه أقبل من مكة حتى إذا كان بقديد جاءه خبر من المدينة، فرجع فدخل مكة بغير إحرام(140).
نوقش:
بأن ابن عمر رضي الله عنه لم يتجاوز الميقات حيث كان بقديد، وقديد موضع قرب مكة، والمجيء منها إلى مكة لا يوجب إحراماً، إذا لم يرد النسك، وتقدم بيان هذا(141).
أدلة القول الثاني:
استدل من قال بوجوب إحرام من دخل مكة لحاجة تتكرر بعموم الأدلة من السنة، والآثار، والمعقول.
فمن السنة:
ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن هذا بلد حرَّمَ الله يوم خلق السموات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة...» (142) الحديث.
وجه الدلالة من الحديث:
أن مكة لم تحل لأحد كان قبله، ولا تحل لأحد بعده، وأنها إنما أُحلت له ساعة من نهار، ثم عادت حراماً كما كانت إلى يوم القيامة، فدل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دخلها يوم دخلها وهي له حلال، فكان له بذلك دخولها بغير إحرام، وهي بعد حرام، فلا يدخلها أحد إلا بإحرام(143).
نوقش:
أن المراد به القتال، وليس في جميع طرق هذا الحديث ما يقتضي الإحرام، وإنما هو صريح في القتال كما سبق ذكره(144).
واعترض:
بأن المقصود من هذا الدخول بغير إحرام لأجل القتال، ويدل على هذا أمران:
الأول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ولا تحل لأحد بعدي.
الثاني: الإجماع على جواز قتال الكفار والمشركين لو غلبوا على مكة عياذاً بالله، فإن للمسلمين حل قتالهم، وشهر السلاح بها، وسفك الدماء، وإن حكم مَنْ بَعْدَ النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في إباحتها في حكم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا انتفى أن يكون هو القتال، ثبت أنه الإحرام(145).
ومن الآثار:
1- ما روى عن ابن عباس رضي الله عنه (إنه كان يرد إلى المواقيت الذين يدخلون مكة بغير إحرام)(146).
2- عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: بصر عيني رأيت ابن عباس يردهم إلى المواقيت(147).
وجه الدلالة:
إن سياق الأثر يدل على العموم في أن الرد يشمل الداخلين إلى مكة لحاجة لا تتكرر، أو لحاجة تتكرر.
نوقش:
بأنه ورد عن ابن عباس رضي الله عنه إنه رخص للحطابين الدخول بغير إحرام(148).
ومن المعقول:
أن هذه بقعة شريفة لها قدر وحظ عند الله تعالى، فالدخول فيها يقتضي التزام عبادة، إظهاراً لشرفها على سائر البقاع(149).
نوقش:
بأن التبلس بالإحرام، إنما هو لأجل عبادة مشروعة، وهي الحج، أو العمرة، والمواقيت جعلت أمكنة يعقد بها الحاج أو المعتمر الإحرام، فهي مواقيت مكانية كما للحج مواقيت زمانية(150).
الترجيح وسببه:
بعد عرض القولين وأدلتهما يظهر رجحان القول الأول وهو أن الإحرام لا يلزم من له كان حاجة يتردد عليها بدخوله إلى مكة، وسبب الترجيح ما يلي:
أولاً: استدلال أصحاب هذا القول بالنصوص التي أفادت عدم الإحرام حال الدخول إلى مكة.
ثانياً: أن هذا القول هو الموافق لمقاصد الشريعة وذلك برفع الحرج والمشقة عن المكلفين، فمع كثرة التردد إلى مكة في كل وقت، وفي الوقت الحاضر بخاصة لسهولة الطرق، وكثرة الأعمال، فلو أوجب الإحرام لربما كان كثير من المترددين يعتمرون في كل يوم، وهذا فيه مشقة وحرج جاءت الشريعة برفعهما، والله أعلم.
هذا، وقد ألحق الفقهاء في هذه المسألة جواز دخول الصبي، والعبد بغير إحرام، إذا لم يأذن للصبي وليه، أو لم يأذن للعبد سيده، وكذا جواز مرور الذمي الميقات بغير إحرام(151).
الفصل الثاني: حالات دخول مكة بغير إحرام لمريد النسك وفيه مبحثان
المبحث الأول: من كان مسكنه في مكة، أو دون المواقيت، ثم سافر خارجها وأراد عند دخولها الحج، أو العمرة
من سافر من أهل مكة أو دونها من المواقيت إلى خارجها مسافة تقصر فيها الصلاة، ثم عند رجوعه إلى مكة أراد الحج أو العمرة، فهل يدخل مكة من غير إحرام باعتبار إنه من أهل مكة، ويحرم منها، أو أنه يأخذ حكم الآفاقي، ولا يجوز له إن يتجاوز الميقات إلا محرماً فيه خلاف بالنسبة للحج:
أما العمرة فلم أجد من قال بجوازها للمكي إذا كان راجعاً إلى مكة، وأراد العمرة إن يتجاوز الميقات من غير إحرام(152)، حتى القائلين بجوازه في الحج لم يجوزه في العمرة(153).
أما الخلاف في الحج فقد اختلف الفقهاء على قولين:
الأول: عدم تجاوز الميقات إلا بإحرام.
وهو قول فقهاء الحنفية (154)، والمالكية (155)، والشافعية (156)، والحنابلة (157)، وهو ما أفتت به اللجنة الدائمة بدار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية؛ حيث ورد إليها السؤال التالي: (شخص من أهل مكة يعمل خارجها وسيعود إلى أهله بمكة في أيام الحج، ولكنه يريد أن يدخل مكة دون إحرام، لأنه يريد أن يأتي أهله ويقضي حاجته منهم أولاً، ثم يحرم من بيته للحج، أو يخرج إلى التنعيم ويحرم بعمرة، ثم يتحلل، ثم يهل بالحج من بيته، فهل عليه شيء إن دخل مكة بدون إحرام، وهو ينوي أن يحرم للحج من بيته، ولكن بعد قضاء حاجته من أهله أولاً).
أجابت اللجنة: (من قدم إلى مكة ماراً بميقات من المواقيت وهو يريد الحج، أو العمرة، فإنه يلزمه الإحرام؛ سواء كان من أهل مكة أو غيرهم؛ لعموم الأحاديث في المواقيت، فلا يجوز لك أن تجاوز الميقات وأنت تريد النسك إلا وأنت محرم، فتحرم بالعمرة، فإذا وصلت إلى مكة وأديت العمرة فإنك تتحلل من إحرامك، وتستمتع بأهلك، ثم تحرم بالحج بعد ذلك)(158).
القول الثاني: جواز تجاوز الميقات بغير إحرام، وأن يحرم داخل المواقيت، أو الحرم، وإن كان الأفضل له الإحرام من الميقات وهو قول عند المالكية(159)، وهو اختيار سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(160)، والشيخ محمد بن صالح العثيمين(161)، لكن المالكية قيدوه بأن متجاوز الميقات لا يدخل مكة، فإن كان مقصوده دخول مكة فإن عليه الإحرام من الميقات، وهذا هو الذي يظهر من سياق فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز؛ حيث سأله طالب يدرس في المنطقة الشرقية وأهله في جدة وأراد الحج، هل يقصد الإحرام من قرن المنازل -السيل الكبير- أو من سكن أهله في جدة. فأجاب رحمه الله بقوله: (أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات، وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى، لكونك وافداً وأخذت بالأكمل الأحوط، وإن أنت قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس).
أما فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين فهي صريحة بجواز الدخول إلى مكة والإحرام منها.
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلوا من السنة:
ما رواه ابن عباس رضي الله عنه في المواقيت وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج، أو العمرة»(162).
وجه الدلالة من الحديث:
أن مقتضى دلالة الحديث العموم فيشمل أهل مكة وغيرهم، وذلك إنه من مرَّ على الميقات ممن يريد الحج، أو العمرة فلا يجاوزه إلا محرماً، فإن كان من أهل مكة، ثم سافر وعند رجوعه أراد الحج أو العمرة، فإنه يحرم من الميقات لمقتضى هذا الحديث.
يمكن إن يناقش:
بأن الحديث بيَّن لأهل مكة ميقاتهم؛ كبقية البلدان المذكورة في الحديث، وإن إحرامهم للحج يكون من مكة، فيجوز لهم تجاوز الميقات الذي مروا به بدون إحرام، ويحرمون من ميقاتهم المعين لهم بالحديث.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل المالكية بما يلي:
قياسهم على المصري إذا جاء إلى المدينة قبل مكة، فإنه يجوز له الإحرام من الجحفة، لأنها ميقاته الأصلي، بشرط المرور عليها وله أن يتجاوز الميقات الذي سيمر به وهو ذو الحليفة ميقات أهل المدينة(163).
ويمكن أن يناقش:
بأن جواز المرور وإن قال به بعض الفقهاء؛ إلا أنه مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن يريد الحج أو العمرة»، فالمصري والشامي أصبحوا في الحكم كأهل المدينة في الإحرام من ذي الحليفة لمنطوق الحديث.
أما غير المالكية فيمكن أن يستدل لهم من المعقول وهو:
بأن الإحرام للحج هو اليوم الثامن (يوم التروية)، فإذا أوجبنا عليه الإحرام من الميقات وهو غير واجب عليه في الأصل لدلالة الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: «حتى أهل مكة يهلون منها»(164)، فكأنا أوجبنا عليه الإحرام قبل زمن الحج!!
ويمكن أن يناقش:
بأن أهل مكة إذا خرجوا من مكة أصبح حكمهم حكم الآفاقيين، كما إن الآفاقي يحرم بالحج قبل زمنه، فكذلك أهل مكة، أو يقال: لهم أحرموا بالعمرة، فتحللوا منها، فإذا جاء وقت الحج أحرموا به.
الترجيح وسببه:
بعد عرض القولين وأدلتهما يظهر رجحان القول الأول وهو: أن المكي إذا أراد الدخول إلى مكة مريداً للحج بأن عليه الإحرام من الميقات للأسباب التالية:
1- استدلالهم بالسنة الصريحة الآمرة بعدم مجاوزة مريد الحج، أو العمرة الميقات إلا محرماً.
2- أنه الأحوط كما أشار إليه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(165).
3- إلا إنه يمكن أن يؤخذ بقول الشيخين في حال الوقوع، وهو التجاوز من الميقات بغير إحرام، ويؤخذ بقول الجمهور، واللجنة الدائمة في حال ما قبل الوقوع، وأخذ الناس بالاحتياط، وأن تكون الفتوى على المنع من تجاوز الميقات بغير إحرام، والله أعلم.
المبحث الثاني: المتمتع إذا سافر بعد أدائه العمرة ثم رجع إلى مكة لأدائه الحج
المتمتع إذا أدى العمرة في أشهر الحج، ثم سافر إلى غير بلده، ثم رجع إلى مكة في العام نفسه، هل يجوز له أن يتجاوز الميقات بغير إحرام، حيث إن كثيراً من الحجاج يأتون إلى مكة قبل أيام الحج، ثم يعتمرون، وبعد الانتهاء من العمرة يذهبون إلى المدينة، فإذا قربت أيام الحج رجعوا إلى مكة لأداء الحج(166).
في هذه المسألة قولان:
القول الأول: إن عليه أن يحرم من الميقات، ولا يتجاوزه إلا محرماً ولو كان باقياً على تمتعه، وهو قول جمهور الفقهاء من الحنفية(167)، والمالكية(168)، والشافعية(169)، والحنابلة(170)، حيث يُفهم من سياق عباراتهم: أن من مرَّ على الميقات وهو مريد الحج أو العمرة أنه لا يتجاوزه إلا محرماً.
وهو اختيار سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز(171) رحمه الله، وعليه فتوى اللجنة الدائمة بدار الإفتاء(172).
القول الثاني: أن له تجاوز الميقات بغير إحرام.
وهو قول سحنون من المالكية(173)، والشيخ محمد بن صالح العثيمين(174).
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول:
يستدل لهم بما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، فهنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج أو العمرة؛ فمن كان دونهن فمهلّه من أهله، وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها»(175).
وقد روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة كما روي عن بعض الصحابة } بألفاظ بمعنى هذا الحديث.
وجه الدلالة من الحديث:
أن الأحاديث التي وردت بالمواقيت عامة؛ لم تفرق بين مريد للحج، أو العمرة، وبين متمتع سافر بعد عمرته، ثم رجع إلى مكة لأجل أداء الحج، لأن قوله صلى الله عليه وسلم لمن كان يريد الحج أو العمرة عام فلم يخصصه سفر المتمتع من مكة إلى غيرها، ثم رجوعه إلى مكة في العام نفسه، فيأخذ الحكمُ العمومَ حتى يأتي ما يخصصه، ولم يوجد، فيبقى الحكم على المنع من مجاوزة الميقات بغير إحرام لمن يريد الحج، أو العمرة.
من آثار الصحابة -رضي الله عنهم-:
ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إذا اعتمر في أشهر الحج، ثم أقام فهو متمتع، فإن خرج ورجع فليس بمتمتع) (176).
وجه الدلالة من الأثر:
أنه في حال سفر المتمتع وخروجه من مكة إن عاد إليها فإن تمتعه ينقطع، ويكون على هذه الصفة قد أنشأ سفراً جديداً إلى مكة، فعليه أن يحرم من الميقات الذي مرّ به، ولا يتجاوزه إلا محرماً.
نوقش:
إن الأثر ضعيف(177).
من المعقول:
1- إن المتمتع إنما يلزمه الدم، لأنه ترك ميقات الحج، فإذا عاد إلى الميقات، فأحرم بالحج، فإن تمتعه ينقطع ولا يجب عليه دم التمتع، فعلى هذا لا ينبغي أن يجاوز الميقات إلا محرماً(178).
نوقش:
أن المستحق لحرمة الميقات إحرام واحد، وقد أتى به فصار بدخوله مكة في حكم أهلها، فلما أحرم بالحج منها لم يترك الميقات(179).
2- ويمكن أن يستدل لهم أيضاً:
بأنه من سافر انقطع تمتعه، ودليل ذلك إنه إذا لم يرغب في العودة إلى مكة في العام نفسه فله ذلك، لأن الحج لا يجب عليه وإن نوى التمتع، فدل على إن التمتع قد انقطع في حال سفره.
ونوقش:
بأن الكلام فيمن يرغب في العودة إلى مكة لأجل الحج، فإنه باقٍ على تمتعه فلا يلزمه الإحرام من الميقات الذي مرَّ به، أما من لا يرغب في العودة إلى مكة فلا علاقة له بالمسألة.
أدلة أصحاب القول الثاني:
يمكن أن يستدل لهم بما يلي:
أولاً: من القرآن الكريم:
قال تعالى: }فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي{ (180).
يتبع