عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 19-11-2019, 04:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إسعاف الناسك بحكم النفر من منى قبل إتمام المناسك


* قال مصطفى بن سعد بن عبدة الرحيباني الحنبلي :
" ( وَلِغَيْرِ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ لِلْمَنَاسِكِ التَّعْجِيلُ فِي ) الْيَوْمِ ( الثَّانِي ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّمْيِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ( وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ ) لقوله تعالى : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ , وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ : { وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ } "
ويستدل من هذا النص على ما ذكرنا بقوله : " بعد الزوال والرمي وقبل الغروب "
* وقال ابن قدامة ـ وهو حنبلي ـ :
" مَسْأَلَةٌ : قَالَ ( وَيَفْعَلُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَمَا فَعَلَ بِالْأَمْسِ , فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ , خَرَجَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ . فَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ بِهَا , لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَرْمِيَ مِنْ غَدٍ بَعْدَ الزَّوَالِ , كَمَا رَمَى بِالْأَمْسِ ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرَّمْيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَالرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ , فِي وَقْتِهِ وَصِفَتِهِ وَهَيْئَتِهِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا . فَإِنْ أَحَبَّ التَّعَجُّلَ فِي يَوْمَيْنِ , خَرَجَ قَبْلَ الْغُرُوبِ . وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مِنًى شَاخِصًا عَنْ الْحَرَمِ , غَيْرَ مُقِيمٍ بِمَكَّةَ , أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ . "
ويؤخذ اشتراط النية هنا من قوله : " من أراد الخروج من منى ..... الخ "

ـ نص صريح منقول عن الإسنوي الشافعي في عدم جواز النفر قبل رمي الوكيل إن أمكن تدارك الرمي به :

* قال الجمل ـ وهو شافعي ـ :
" فَإِنْ نَفَرَ فِيهِ ( يعني النفر الأول ) قَبْلَ رَمْيِهِ لَمْ يَجُزْ وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ قَالَ لِأَنَّ هَذَا النَّفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ , قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ , وَقَوْلُهُ : وَبَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَإِنْ تَرَكَ مَبِيتَهُمَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ النَّفْرُ فِي الثَّانِي ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا ا هـ . مِنْ شَرْحِ ( م ر ) . وَعِبَارَةُ ( حَجّ ) أَمَّا إذَا لَمْ يَبِتْهُمَا وَلَا عُذْرَ لَهُ أَوْ نَفَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّمْيِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّفْرُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَعَمْ يَنْفَعُهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى الْعَوْدُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَرْمِي وَيَنْفِرُ حِينَئِذٍ , وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ طَرْدَ مَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى فِي الرَّمْيِ فَمَنْ تَرَكَهُ لَا لِعُذْرٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النَّفْرُ أَوْ لِعُذْرٍ يُمْكِنُ مَعَهُ تَدَارُكُهُ وَلَوْ بِالنَّائِبِ فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يُمْكِنُ جَازَ انْتَهَى . "
الذي يظهر لنا من هذا النص أن من ترك مبيت الليلتين الأوليين لغير عذر ، أو نفر قبل الزوال ، أو بعده وقبل الرمي ، فإنه يترتب عليه ثلاثة أحكام :
1 ـ لا يجوز له النفر .
2 ـ لا يسقط عنه مبيت الثالثة .
3 ـ لا يسقط عنه رمي اليوم الثالث .

لكن إذا نفر قبل الزوال ، أو بعده وقبل الرمي ، كان له أن يعود قبل الغروب فيرمي وينفر ، وهذا هو المعتمد .
* وفي فتاوى شهاب الدين أحمد بن أحمد الرملي :
" ( سُئِلَ ) هَلْ الْمُعْتَمَدُ فِيمَنْ نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ قَبْلَ رَمْيِ يَوْمِهِ ثُمَّ عَادَ عَدَمُ إجْزَائِهِ مُطْلَقًا أَمْ التَّفْصِيلُ فَيُجْزِئُهُ إنْ رَمَى قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِهِ وَإِلَّا فَلَا أَمْ يُجْزِئُهُ مَا لَمْ تَخْرُجْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ إجْزَاءُ رَمْيِهِ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِهِ . "
وذهب الإسنوي ( كما دل عليه النص السابق ) إلى أنه إذا نفر قبل الزوال ، أو بعده وقبل الرمي ، وجبت عليه الأمور الثلاثة المترتبة على ترك مبيت الليلتين لغير عذر ـ وقد سبق ذكرها ـ وذلك طردا لحكم الحالة الأولى على هاتين الحالتين ، وقد استفيد من بحثه :
1 ـ أن من ترك الرمي لغير عذر لا يجوز له النفر .
2 ـ أن من ترك الرمي لعذر ، لكن يمكنه تداركه ولو بالنائب ففرط في ذلك ، فلا يجوز له النفر أيضا ، فإن لم يمكنه بالنائب مع العذر جاز نفره .
وما ذكرناه من التقسيم هنا ظاهر في اعتبار عدم جواز النفر حتى يرمي الوكيل في حالة عذر الموكل ، إن كان متيسرا .
ويوضح ما ذكرنا العبادي ـ رحمه الله ـ في حاشيته على تحفة المحتاج ، ونصه فيها :
" قَوْلُهُ : وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ طَرْدَ مَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى فِي الرَّمْيِ ) عِبَارَةُ السَّيِّدِ فِي حَاشِيَتِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ طَرْدُ ذَلِكَ فِي الرَّمْيِ أَيْضًا قُلْت إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الرَّاجِحِ فِي أَنَّ أَيَّامَ مِنًى كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ فِي تَدَارُكِ الرَّمْيِ أَدَاءً فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الرَّمْيِ قَبْلَ أَنْ يَنْفِرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّفْرُ قَبْلَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّفْرُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ رَمْيِ يَوْمِهِ ا هـ , وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا أَرَادَ النَّفْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَلَمْ يَكُنْ رَمَى فِيمَا قَبْلَهُ , فَإِنْ تَدَارَكَ فِيهِ رَمْيَ مَا قَبْلَهُ أَيْضًا جَازَ نَفْرُهُ وَإِلَّا فَلَا . ( قَوْلُهُ : فِي الرَّمْيِ ) أَيْ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَقَوْلُهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النَّفْرُ أَيْ , وَإِنْ كَانَ وَقْتُ أَدَاءِ الرَّمْيِ بَاقِيًا فَتَرْكُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ مُوجِبٌ لِبَيَاتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمْيِ يَوْمِهَا وَمَانِعٌ مِنْ النَّفْرِ الْأَوَّلِ هَذَا ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ ................................ ( قَوْلُهُ : أَوْ لِعُذْرٍ يُمْكِنُ مَعَهُ تَدَارُكُهُ ) كَانَ مَعْنَاهُ يُمْكِنُ مَعَ الْعُذْرِ تَدَارُكُ الرَّمْيِ ا هـ . ( قَوْلُهُ : أَوْ لَا يُمْكِنُ جَازَ ) ظَاهِرُهُ , وَإِنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ فِي يَوْمِ النَّفْرِ قَبْلَهُ وَلَمْ يَتَدَارَكْ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ ( قَوْلُهُ : فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ ) يَنْبَغِي مَا لَمْ يَقْصِدْ قَبْلَ الْغُرُوبِ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْمَبِيتِ وَعَدَمَ الْعَوْدِ . "
فقوله : " يَنْبَغِي مَا لَمْ يَقْصِدْ قَبْلَ الْغُرُوبِ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْمَبِيتِ وَعَدَمَ الْعَوْدِ " سبق بيانها ، واتضح أن المقصود منها ، أنه تجزئه نية النفر من خارج منى ، وقبل أن يبلغ مكة ولو بشيء يسير، إذا رمى بعد الزوال ثم خرج ولم ينو النفر ، أو نوى العود للمبيت ، وهذا قول العبادي ـ رحمه الله ـ وعبارة التحفة وغيرها بخلاف ذلك ، والمعول على غير كلام العبادي كما مضى بيانه .
* قال الشرواني :
" فَقَضِيَّةُ كَلَامِ ( سم ) أَنَّهُ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ لِلنَّفْرِ وَلَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَكَّةَ بِيَسِيرٍ وَكَلَامُ التُّحْفَةِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ النَّفْرِ مَوْجُودَةً قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْ مِنًى وَلَوْ بِجُزْءٍ يَسِيرٍ فَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْجَمَالِ وَحِينَئِذٍ فَيَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ مِنْ سَيْرِهِمْ مِنْ مِنًى وَإِفَاضَتِهِمْ عَقِبَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ سِيَّمَا النِّسَاءُ وَلَمْ يَحْصُلْ الرُّجُوعُ بَعْدَ الرَّمْيِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ عِبَارَاتُهُمْ سِيَّمَا عِبَارَةُ التُّحْفَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ , فَإِنْ ظَهَرَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ انْتَهَى "
ولم نجد نصا بخلافه ، فبقي الأمر على ما هو عليه ، ولا يلتفت إلى كلام العبادي ـ رحمه الله ـ وبهذا يزول الإشكال .

فتوى اللجنة الدائمة
أوجبت اللجنة الدائمة الدم على من وكل ثم نفر قبل رمي وكيله ، واعتبروه بمثابة من لم يرم ، وهذا يوافق ما ذكرناه آنفا .
جاء في فتوى اللجنة الدائمة برقم : ( 3422 ) في من وكل في رمي الجمار ثم نفر من منى قبل رمي الوكيل ما يفيد أن على من وكل دم قالوا: " لأنهم في حكم من لم يرم لنفرهم قبل الرمي. انتهى "


الخلاصة
يتلخص مما سبق أن العلماء قد وضعوا للنفر من منى شروطا لا تجوز مخالفتها ، وقد ذكرنا هذه الشروط مستوفاة في مواضعها ، ولا يجوز للمرء أن يتعدى حدود الله تعالى دون أن يكون معه على ما يقوم به أو يدعو إليه برهان ، وقد ترجح من خلال هذا المبحث عدم جواز النفر قبل تمام أعمال الحاج في منى ، سواء كان ذلك بنفسه أو بنائبه ، إذ لا يعني توكيله بالرمي جواز النفر ، بل يجب عليه استيفاء شروط النفر أولا ، ولا فرق بين أن يستوفيها بنفسه أو بنائبه ، ومن أهم شروط النفر ، تمام الرمي ، ونية النفر ، ومقارنة النية للرحيل ، وهذا قول الجماهير ، إما نصا وإما مفهوما .
كما أن فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدل دلالة واضحة على عدم جواز النفر إلا بعد إتمام الرمي وبعد الزوال ، سواء كان الحاج متعجلا ، أو كان متأخرا ، فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ : لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ "
ولا شك في أنه وجد في حجته التي حجها ـ صلى الله عليه وسلم ـ معذورون قد وكلوا من يرمي عنهم ، ولو كان خروجهم من منى جائزا قبل تمام الشروط التي بيناها ، لبينه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنص واضح صريح ، لاسيما وقد أذن للضعفة والظعن أن يخرجوا من مزدلفة بعد منتصف الليل ، تجنبا للزحام ، والحاجة إلى ذلك قائمة وملحة في تقدم الضعفة والعاجزين عن الرمي إلى مكة قبل غيرهم ، ليدركوا المنزل ، ويتجنبوا الزحام ، فلما ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا البيان ، علم أن الأمر باق على ما كان ، وهو الالتزام بالبقاء في أرض منى حتى تتم الأعمال الواجبة على الحاج في منى ، ولو كان ذلك جائزا لما شق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأمة ، ولأذن لمن وكل بالرحيل ، كما فعل في المزدلفة ، لاسيما وقد وضع ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبدأ رفع الحرج شعارا في هذا الموسم العظيم ، فما سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن سيء قدم ولا أخر إلا قال : " افعل ولا حرج " .
وهاهي النصوص تشهد لما ذكرنا من ضرورة عدم النفر قبل تمام المناسك ، والحرص على إقامة ذكر الله تعالى فيها .
فعن جَابِرٍ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ : " حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ "
وقال ابن أبي شيبة : " حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : يُشْهَدُ بِالْمَرِيضِ الْمَنَاسِكُ كُلُّهَا وَيُطَافُ بِهِ عَلَى مَحْمَلٍ فَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ وُضِعَ فِي كَفِّهِ ثُمَّ رُمِيَ بِهِ مِنْ كَفِّهِ . "
وقال : " حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ نَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : يُحْمَلُ الْمَرِيضُ إلَى الْجِمَارِ , فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَرْمِيَ فَلْيَرْمِ , وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُوضَعْ الْحَصَى فِي كَفِّهِ , ثُمَّ يُرْمَى بِهَا مِنْ كَفِّهِ "

وننبه هنا إلى أمر مهم ، وهو أن المقصود من رمي الجمار هو ذكر الله تعالى ، وامتلاء القلب بروح المشاهد والمناسك ، وليس هو مجرد فعل ظاهر خال من الخشوع والخضوع والانقياد والاستسلام ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : إنما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل "
وكثير من الناس يفرط في هذا المقصد العظيم ، الذي لأجله أرسل الله الرسل ، وأنزل الكتب ، وفرض الجهاد ، قال تعالى : " الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "

* قال الغزالي : " وأما رمي الجمار ، فاقصد به الانقياد للأمر إظهارا للرق والعبودية ، وانتهاضا لمجرد الامتثال من غير حظ للعقل والنفس فيه ، ثم اقصد به التشبه بإبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث عرض له إبليس ـ لعنه الله تعالى ـ في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة ، أو يفتنه بمعصية ، فأمره الله ـ عز وجل ـ أن يرميه بالحجارة طردا له وقطعا لأمله .
فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه ، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان ، فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان ، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي ، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه ، وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به ، فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان .
واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة ، وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره ، إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ تعظيما له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه "

* قال ابن جماعة :
" وانو عند رمي الجمار أنك رميت عيوبك وسالف ذنوبك ، وأقلعت عنها "

ولذا فإن العلماء كرهوا جميع ما يلهي عن ذكر الله تعالى ، أو يفضي إلى الإلهاء عنه ، حتى ولو كان الشيء في أصله مباحا ، ومما ذكروه في هذا الجانب تقديم الأمتعة إلى مكة قبل النفر ، فكره العلماء ذلك ، لأن الذهن ينشغل بالمتاع ويكون معه ، وفي هذا من التشويش على العبادة ما هو معلوم ، وكذا نقول هنا فيمن يوكل ثم يخرج قبل الزوال أو بعده وقبل رمي الوكيل ، أين من يفعل هذا من ذكر الله تعالى ؟!!!!
وأين هو من السكينة والخشوع المطلوبين عند أداء العبادة ؟!!!!

* قال أبو بكر محمد بن علي الحدادي العبادي الحنفي :
" ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِنْسَانُ ثَقَلَهُ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمَ حَتَّى يَرْمِيَ ) ثَقَلَهُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْقَافِ وَهُوَ مَتَاعُهُ وَخَدَمُهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ سُنَّةِ الرَّمْيِ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ خَلْفَهُ وَيُصَلِّيَ مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ لِأَنَّهُ يُشْغِلُ قَلْبَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا لِأَنَّ قَلْبَهُ حَيْثُ رَحْلُهُ وَمَتَاعُهُ "

* قال عبد الرحمن بن محمد شيخي زاده الحنفي ( الشهير بداماد ) :
" ( وَكُرِهَ تَقْدِيمُ ثَقَلَهُ ) الثَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَتَاعُ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْجَمْعُ أَثْقَالٌ ( إلَى مَكَّةَ قَبْلَ نَفْرِهِ ) ; لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ أَمْتِعَتِهِ بِمَكَّةَ وَالذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا بِمَكَّةَ أَمَّا إنْ أَمِنَ فَلَا لِعَدَمِ شَغْلِ الْقَلْبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ . "
وقد تقدم ذكر ما استحبه المالكية وغيرهم من تكبير الموكل عند رمي الوكيل،بل واستحب بعضهم حضوره عند الرمي ليرى ذلك بنفسه ، ويكثر من ذكر الله عنده .
* قال الشيخ أحمد الدردير العدوي المالكي :
" ( وَيَسْتَنِيبُ ) الْعَاجِزُ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِرَمْيِ النَّائِبِ وَفَائِدَةُ الِاسْتِنَابَةِ سُقُوطُ الْإِثْمِ ( فَيَتَحَرَّى ) الْعَاجِزُ ( وَقْتَ الرَّمْيِ ) عَنْهُ ( وَيُكَبِّرُ ) لِكُلِّ حَصَاةٍ كَمَا يَتَحَرَّى وَقْتَ دُعَاءِ نَائِبِهِ وَيَدْعُو "
وكل هذا يدل على حرص الشرع على كمال التعبد ، والقيام بوظائف الفرائض على الوجه الأكمل ، فيؤتى المرء إذا واظب على ذلك ثمار التعبدات ، وينعكس ذلك على سلوكه،فترى آثار الطاعات قد عمت حياته ، وملأت أركانها .
خاتمة
وبعد هذه التطوافة العجلى بين كتب الصالحين، وأنفاس المحققين والمدققين ، لا يسعني إلا أن أدعو الله تعالى بأن يوفق العاملين لدينه ، وأن يرزقنا الفهم لكتابه ولسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن يرزقنا النية الصالحة في جميع الأعمال ، والعزيمة الصادقة في طلب العلم والعمل ، وأن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة ، فثمرة العلم ولبه الخشية .
وَحَاصِلُ الْعِلْمِ مَا أُمْلِي الصِّفِــــــاتِ لَـــــهُ فَأَصْغِ سَمْعَــكَ وَاسْتَنْـصِــــتْ إِلَــى كَـــــلِمِ
وَذَاكَ لاحِفْــــظُكَ الْفُتْيَــــــا بَأَحْــــــرُفَهَا وَلاَ بِتَسْـــــوِيـــــــــدَكَ الأَوْرَاقَ بِالْحُـــــمَمِ
وَلاَ تَصَدُّرُ صَــدْرِ الْجَمْــــــعِ مُحَتَبِــــــيًا تُمْلِيـــــهِ لاَ تَفْقَــــــهُ الْمَعْنِــــيَّ بِالْكَـــــلِمِ
وَلاَ الْعِمَامَــــــةُ إِذَا تُرْخِــــــي ذُؤْابِتَـــها تَصَنُّـــــعًا وَخِضَـــــابُ الشَّيْـبِ بِالْكَتْـــــمِ
وَلاَ بِقَوْلِكَ: "يَعْنِــــــي" دَائِبًا وَ"نَعَــــــمْ" كـَــــلاَّ وَلاَ حَمْـــــلُكَ الأَسْفَـارَ كَالْبُهَـــــمِ!
وَلاَ بِحَمْــــــلِ شَهَــــــادَاتٍ مُبَهْرَجَــــةٍ بِزُخْــرُفِ الْقَـــــوْلِ مِنْ نَثْـــــرٍ وَمُنْتَـــــظَمِ
بَلْ خَشْيَــــــةُ اللَّهِ فِي سِــــرٍّ وَفِـي عَلَـنٍ فَاعْلَـــمْ هِـــيَ الْعِلْـــــمُ كُــلَّ الْعِــلْمِ فَالْتَزِم



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]