عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-11-2019, 02:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح باب الصبر من كتاب رياض الصالحين

ثم قال المؤلف:

الآية الرابعة: قوله تعالى: ï´؟ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ï´¾ [الشورى: 43]؛ أي: أن الذي يصبر على أذى الناس ويحتملهم ويغفر لهم سيئاتهم التي يسيئون بها إليه؛ فإن ذلك ï´؟ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ï´¾؛ أي: من معزوماتها وشدائدها التي تحتاج إلى مقابلة ومصابرة، ولا سيما إذا كان الأذى الذي ينال الإنسان بسبب جهاده في الله - عز وجل - وبسبب طاعته؛ لأن أذية الناس لك لها أسباب متعددة متنوعة؛ فإذا كان سببها طاعة الله - عز وجل - والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن الإنسان يثاب على ذلك من وجهين:

الوجه الأول: من الأذية التي تحصل له.

والوجه الثاني: صبره على هذه الطاعة التي أوذي في الله من أجلها.



وفي هذه الآية حث على صبر الإنسان على أذية الناس، ومغفرته لهم ما أساؤوا إليه فيه.



ولكن ينبغي أن يعلم أن المغفرة لمن أساء إليك ليست محمودة على الإطلاق؛ فإن الله تعالى قيَّد هذا بأن يكون العفو مقرونًا بالإصلاح، فقال: ï´؟ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ï´¾ [الشورى: 40]، أما إذا لم يكن في العفو والمغفرة إصلاح فلا تعف ولا تغفر.



مثال ذلك: لو كان الذي أساء إليك شخصًا معروفًا بالشر والفساد، وأنك لو عفوت عنه لكان في ذلك زيادة في شره؛ ففي هذه الحال الأفضل أن لا تعفو عنه، بل تأخذ بحقك؛ من أجل الإصلاح، أما إذا كان الشخص إذا عفوت عنه لم يترتب على العفو عنه مفسدة؛ فإن العفو أفضل؛ لأن الله يقول: ï´؟ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ï´¾ [الشورى: 40]، وإذا كان أجرك على الله لكان خيرًا لك من أن يكون ذلك بمعاوضة تُؤخذ من أعمال صاحبك الصالحة.



الآية الخامسة: قوله تعالى: ï´؟ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾ [البقرة: 153]؛ أمر الله - سبحانه وتعالى - أن نستعين على الأمور بالصبر عليها؛ لأن الإنسان إذا صبر وانتظر الفرج من الله سهلت عليه الأمور.



فأنت إذا أُصبت بشيء يحتاج إلى الصبر فاصبر وتحمل، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا.



وأما الصلاة فإنها تعين على الأمور الدينية والدنيوية، حتى إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ذكر عنه أنه إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة[3].



وبيَّن الله في كتابه أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإذا استعان الإنسان بالصلاة عل أموره يسَّر الله له ذلك؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، فيقف الإنسان فيها بين يدي الله، ويناجيه، ويدعوه، ويتقرب إليه بأنواع القربات التي تكون في هذه الصلاة؛ فكانت سببًا للمعونة.



قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾؛ يعني ذلك المعية الخاصة؛ لأن معية الله - سبحانه وتعالى - تنقسم إلى قسمين:

1- معية عامة شاملة لكل أحد، وهي المذكورة في قوله تعالى: ï´؟ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ï´¾ [الحديد: 4]، وفي قوله تعالى: ï´؟ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ï´¾ [المجادلة: 7].



وهذه المعية العامة شاملة لجميع الخلق، فما من مخلوق إلا والله – تعالى - معه؛ يعلمه، ويحيط به سلطانًا، وقدرة، وسمعًا، وبصرًا، وغير ذلك.



2- أما المعية الخاصة فهي المعية التي تقتضي النصر والتأييد؛ وهذه خاصة بالرسل وأتباعهم؛ ليست لكل أحد؛ ï´؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ï´¾ [النحل: 128]، ï´؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾، وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على هذه المعية الخاصة.



ولكن المعيتين كلتيهما لا تدلان على أن الله - سبحانه وتعالى - مع الناس في أمكنتهم، بل هو مع الناس، وهو - عز وجل- فوق سماواته على عرشه، ولا مانع من ذلك؛ فإن الشيء يكون فوق وهو معك.



والعرب يقولون: ما زلنا نسير والقمر معنا. وكُلٌّ يعلم أن القمر في السماء، ويقولون: ما زلنا نسير وسهيل معنا؛ وهو نجم معروف، وهو في السماء؛ فما بلك بالخالق - عز وجل - هو فوق كل شيء استوي على عرشه، ومع ذلك هو محيط بكل شيء، مع كل أحد؛ مهما انفردتَ فإن الله – تعالى - محيط بك؛ علمًا، وقدرة، وسلطانًا، وسمعًا، وبصرًا، وغير ذلك.



وفي قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ï´¾ دليل على أن الله يعين الصابر ويؤيده ويكلأه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله عز وجل.



الآية السادسة: قوله تعالى: ï´؟ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ï´¾ [محمد: 31].

ï´؟ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ï´¾: لنختبرنَّكم: فالابتلاء بمعنى الاختبار، أو البلوى بمعنى الاختبار.



يعني: أن الله اختبر العباد في فرض الجهاد عليهم؛ ليعلم من يصبر ومن لا يصبر؛ ولهذا قال الله – تعالى - في آية أخري: ï´؟ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ï´¾ [محمد: 4- 6].



وقوله عز وجل: ï´؟ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ ï´¾؛ قد يتوهم بعض من قَصُرَ علمه أن الله - سبحانه - لا يعلم الشيء حتى يقع؛ وهذا غير صحيح؛ فالله – تعالى - يعلم الأشياء قبل وقوعها؛ كما قال تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ï´¾ [الحج: 70].



ومن أدعى أن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه؛ فإنه مكذِّب لهذه الآية وأمثالها من الآيات الدالة على أن الله – تعالى - قد علم الأشياء قبل أن تقع.



لكن العلم الذي في هذه الآية ï´؟ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ ï´¾؛ هو العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب؛ وذلك لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون لا يترتب عليه شيء من جهة فعل العبد؛ لأن العبد لم يُبْلَ به حتى يتبين الأمر؛ فإذا بُليَ به العبد، واختُبر به، حينئذ يتبين أنه استحق الثواب أو العقاب؛ فيكون المراد بقوله: ï´؟ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ ï´¾؛ أي: علمًا يترتب عليه الجزاء.



وقال بعض أهل العلم: المراد بقوله: ï´؟ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ ï´¾؛ أي: علم ظهور؛ يعني: حتى يظهر الشيء؛ لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون، وعلمه بعد كونه علم بأنه كان، وفرق بين العلمين.



فالعلم الأول علم بأنه سيكون، والثاني علم بأنه كان.



ويظهر لك الفرق لو أن شخصًا قال لك: سوف أفعل كذا وكذا غدًا، فالآن حصل عندك علم بما أخبر به، ولكن إذا فعله غدًا صار عندك علم آخر؛ أي: علم بأن الشيء الذي حدَّثك أنه سيفعله قد فعله فعلًا؛ فهذان وجهان في تخريج قوله تعالى ï´؟ حَتَّى نَعْلَمَ ï´¾.



الوجه الأول: أن المراد به العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، وهذا لا يكون إلا بعد البلوى، بعد أن يبتلي الله العبد ويختبره.



الوجه الثاني: أن المراد به علم الظهور؛ لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون، فإذا كان صار علمه تعالى به علمًا بما كان.



وقوله: ï´؟ الْمُجَاهِدِينَ ï´¾؛ المجاهد: هو الذي بذل جهده لإعلاء كلمة الله، فيشمل المجاهد بعلمه، والمجاهد بالسلاح، فكلاهما مجاهد في سبيل الله، فالمجاهد بعلمه؛ الذي يتعلم العلم ويُعلِّمه وينشره بين الناس، ويجعل هذا وسيلة لتحكيم شريعة الله، هذا مجاهد.



والذي يحمل السلاح لقتال الأعداء هو أيضًا مجاهد في سبيل الله، إذا كان المقصود في الجهادين أن تكون كلمة الله هي العليا.



وقوله: ï´؟ وَالصَّابِرِينَ ï´¾؛ أي: يصبرون على ما كلفوا فيه من الجهاد ويتحملونه ويقومون به.



وقوله:ï´؟ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ï´¾؛ أي: نختبرها وتتبين لنا وتظهر لنا ظهورًا يترتب عليه الثواب والعقاب.



لَمَّا ذكر الله هذا الابتلاء قال: ï´؟ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ï´¾؛ والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولكل من يبلغه هذا الخطاب؛ يعني: بشر يا محمد، وبشر يا من يبلغه هذا الكلام الصابرين الذين يصبرون على هذه البلوى فلا يقابلونها بالتسخط، وإنما يقابلونها بالصبر، وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالرضا، وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالشكر، كما مَرَّ علينا أن المصاب بالمصائب من أقدار الله المؤلمة له أربع حالات: تسخط، وصبر، ورضًا، وشكر، وهنا قال: ï´؟ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ï´¾ [البقرة: 155، 156]، وقوله: ï´؟ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ï´¾؛ إذا أصابتهم مصيبة اعترفوا لله - عز وجل - بعموم ملكه، وأنهم مِلك لله، ولله أن يفعل في ملكه ما شاء؛ ولهذا قال النبي - عليه الصلاة والسلام - لإحدى بناته، قال لها: «إِنَّ اللهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى»[4]، فأنت مِلك لربك - عز وجل - يفعل بك ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته تبارك وتعالى.



ثم قال: ï´؟ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ï´¾؛ يعترفون بأنهم لابد أن يرجعوا إلى الله فيجازيهم؛ إن تسخطوا جازاهم على سخطهم، وإن صبروا - كما هو شأن هؤلاء القوم - فإن الله تعالى يجازيهم على صبرهم على هذه المصائب؛ فيبتلي - عز وجل - بالبلاء ويثيب الصابر عليه.



قال تعالى: ï´؟ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ï´¾ [البقرة: 157].

ï´؟ أُولَئِكَ ï´¾؛ يعيِّن الصابرين، ï´؟ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ï´¾، والصلوات جمع صلاة؛ وهي ثناء الله عليهم في الملأ الأعلى، يثني الله عليهم عند ملائكته.



وقوله: ï´؟ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ï´¾؛ الذين هداهم الله - عز وجل - عند حلول المصائب، فلم يتسخطوا؛ وإنما صبروا على ما أصابهم.



وفي هذه الآية دليل على أن صلاة الله - عز وجل - ليست هي رحمته، بل هي أخص وأكمل وأفضل، ومن فسرها من العلماء بأن الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الدعاء، ومن الآدميين الاستغفار؛ فإن هذا لا وجه له، بل الصلاة غير الرحمة؛ لأن الله تعالى عطف الرحمة على الصلوات، والعطف يقتضي المغايرة؛ ولأن العلماء مجمعون على أنك يجوز لك أن تقول لأي شخص من المؤمنين: اللهم ارحم فلانًا، واختلفوا؛ هل يجوز أن تقول: اللهم صلِّ عليه، أو لا يجوز، على أقوال ثلاثة: فمنهم من أجازها مطلقًا، ومنهم من منعها مطلقًا، ومنهم من أجازها إذا كانت تبعًا.



والصحيح أنها تجوز إذا كانت تبعًا، كما في قوله: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد»، أو لم تكن تبعًا ولكن لها سبب؛ كما قال الله: ï´؟ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ï´¾ [التوبة: 103]، فإذا كان لها سبب، ولم تُتَّخذ شعارًا، فإن ذلك لا بأس به؛ فلا بأس أن تقول: اللهم صل على فلان، فلو جاءك رجل بزكاته، وقال لك: خذ زكاتي وفرقها على الفقراء، فلك أن تقول: صلى الله عليك، تدعو له بأن يصلي الله عليه كما أمر الله نبيه بذلك.




المصدر: " شرح رياض الصالحين "







[1] أخرجه ابن ماجه (3803)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (4727).





[2] أخرجه مسلم (251).




[3] أخرجه أبو داود (1319)، وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» (4703).




[4] متفق عليه: أخرجه البخاري (1284)، ومسلم (923).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]