عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-11-2019, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي شرح باب الصبر من كتاب رياض الصالحين

شرح باب الصبر من كتاب رياض الصالحين




سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

باب الصبر:

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴾ [آل عمران: 200]، وقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]، وقال تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، وقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ﴾ [محمد: 31].



والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة.



قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:

الصبر في اللغة: الحبس.

والمراد به في الشرع: حبس النفس على أمور ثلاثة:

الأول: على طاعة الله.

الثاني: عن محارم الله.

الثالث: على أقدار الله المؤلمة.



هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم:

الأمر الأول: أن يصبر الإنسان على طاعة الله لأن الطاعة ثقيلة على النفس، وتصعب على الإنسان، وكذلك ربما تكون ثقيلة على البدن بحيث يكون مع الإنسان شيء من العجز والتعب، وكذلك أيضًا يكون فيها مشقة من الناحية المالية؛ كمسألة الزكاة، ومسالة الحج، فالطاعات فيها شيء من المشقة على النفس والبدن، فتحتاج إلى صبر، وإلى معاناة؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].



الأمر الثاني: الصبر عن محارم الله، بكف الإنسان نفسه عما حرَّم الله عليه؛ لأن النفس الأمارة بالسوء تدعو إلى السوء، فَيُصبِّر الإنسان نفسه؛ مثل الكذب، والغش في المعاملات، وأكل المال بالباطل بالربا أو غيره، والزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وما أشبه ذلك من المعاصي الكثيرة.



فيحبس الإنسان نفسه عنها حتى لا يفعلها، وهذا يحتاج أيضًا إلى معاناة، ويحتاج إلى كف النفس والهوى.



أما الأمر الثالث: فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة؛ لأن أقدار الله - عز وجل - على الإنسان ملائمة ومؤلمة.



الملاءمة: تحتاج إلى الشكر، والشكر من الطاعات؛ فالصبر عليه من النوع الأول.



ومؤلمة: بحيث لا تلائم الإنسان، تكون مؤلمة؛ فيُبتلى الإنسان في بدنه، ويُبتلى في ماله بفقده، ويُبتلى في أهله، ويُبتلى في مجتمعه، وأنواع البلايا كثيرة تحتاج إلى صبر ومعاناة؛ فيُصبِّر الإنسان نفسه عما يحرم عليه من إظهار الجزع باللسان، أو بالقلب، أو بالجوارح؛ لأن الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:

الحالة الأولى: أن يتسخَّط.

والحالة الثانية: أن يصبر.

والحالة الثالثة: أن يرضى.

والحالة الرابعة: أن يشكر.

هذه أربع حالات تكون للإنسان عندما يصاب بالمصيبة.



أما الحال الأولى: أن يتسخط إما بقلبه، أو بلسانه، أو بجوارحه.

التسخط بالقلب: أن يكون في قلبه - والعياذ بالله - شيء على ربه من السخط والشره على الله - والعياذ بالله - وما أشبه، ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة.



وأما السخط باللسان: فأن يدعو بالويل والثبور: يا ويلاه، ويا ثبوراه، وأن يسب الدهر فيؤذي الله - عز وجل - وما أشبه ذلك.



وأما التسخط بالجوارح: مثل أن يلطم خده، أو يصفع رأسه، أو ينتف شعره، أو يشق ثوبه، وما أشبه هذا.



هذه حال السخط، حال الهَلِعِين الذين حُرِموا الثواب، ولم ينجوا من المصيبة، بل الذين اكتسبوا الإثم؛ فصار عندهم مصيبتان، مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في الدنيا بما أتاهم مما يؤلمهم.



أما الحال الثانية: فالصبر على المصيبة؛ بأن يحبس نفسه، هو يكره المصيبة، ولا يحبها، ولا يحب أن وقعت، لكن يُصبِّر نفسه؛ لا يتحدث باللسان بما يسخط الله، ولا يفعل بجوارحه ما يغضب الله، ولا يكون في قلبه شيء على الله أبدًا، فهو صابر لكنه كاره لها.



والحال الثالثة: الرضا؛ بأن يكون الإنسان منشرحًا صدره بهذه المصيبة، ويرضى بها رضاء تامًّا وكأنه لم يصب بها.



والحالة الرابعة: الشكر؛ فيشكر الله عليها، وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا رأى ما يكره قال: «الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»[1].



فيشكر الله من أجل أن الله يُرتِّب له من الثواب على هذه المعصية أكثر مما أصابه.



ولهذا يُذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في أصبعها، فحمدت الله على ذلك، فقالوا لها: كيف تحمدين الله والأصبع قد أصابه ما أصابه، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. والله الموفِّق.



ثم ساق المؤلف - رحمه الله تعالى - الآيات التي فيها الحث على الصبر والثناء على فاعليه، فقال: وقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ﴾ [آل عمران: 200]، فأمر الله المؤمنين بمقتضى إيمانهم، وبشرف إيمانهم بهذه الأوامر الأربعة: ﴿ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200].



فالصبر عن المعصية، والمصابرة على الطاعة، والمرابطة كثرة الخير وتتابع الخير، والتقوى تعم ذلك كله؛ ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.



فاصبروا عن محارم الله، لا تفعلوها، تجنبوها ولا تقربوها.



ومن المعلوم أن الصبر عن المعصية لا يكون إلا حيث دعت إليه النفس، أما الإنسان الذي لم تطرأ على باله المعصية فلا يقال إنه صبر عنها، ولكن إذا دعتك نفسك إلى المعصية فاصبر، واحبس النفس.



وأما المصابرة فهي على الطاعة؛ لأن الطاعة فيها أمران:

الأمر الأول: فعل يتكلف به الإنسان ويلزم نفسه به.

والأمر الثاني: ثِقَل على النفس؛ لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمَّارة بالسوء.



فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَصَابِرُوا ﴾؛ كأن أحدًا يصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد.



وأما المرابطة فهي كثرة الخير والاستمرار عليه؛ ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ»[2]؛ لأن فيه استمرارًا في الطاعة وكثرة لفعلها.



وأما التقوى فإنها تشمل ذلك كله؛ لأن التقوى اتخاذ ما بقي من عقاب الله، وهذا يكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي.



وعلى هذا فعطفها على ما سبق من باب عطف العام على الخاص.



ثم بيَّن الله - سبحانه وتعالى - أن القيام بهذه الأوامر الأربعة سبب للفلاح؛ فقال: ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.

والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئين: على حصول المطلوب، وعلى النجاة من المرهوب.



فمن اتقى الله - عز وجل - حصل له مطلوبه، ونجا من مرهوبه.



وأما الآية الثانية فقال - رحمه الله -: وقوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]؛ هذه الآية فيها قسم من الله - عز وجل - أن يختبر العباد بهذه الأمور.



فقوله: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾؛ أي: لنختبرنكم.



﴿ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ﴾؛ لا الخوف كله؛ بل بشيء منه؛ لأن الخوف كله مهلك ومدمر، لكن بشيء منه.



﴿ الْخَوْفِ ﴾: هو فقد الأمن، وهو أعظم من الجوع؛ ولهذا قدَّمه الله عليه؛ لأن الإنسان الجائع ربما يتعلل ويذهب يطلب، ولو كان لِحَاء شجر، لكن الخائف - والعياذ بالله - لا يستقر لا في بيته ولا في سوقه، والخائف أعظم من الجائع؛ ولهذا بدأ الله به، فقال: ﴿ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ﴾، وأخوف ما نخاف منه ذنوبنا؛ لأن الذنوب سبب لكل الويلات، وسبب للمخاطر، والمخاوف، والعقوبات الدينية، والعقوبات الدنيوية.



﴿ وَالْجُوعِ ﴾: يُبتلى بالجوع.



والجوع يحمل معنيين:

المعنى الأول: أن يحدث الله - سبحانه - في العباد وباء؛ هو وباء الجوع، بحيث يأكل الإنسان ولا يشبع، وهذا يمر على الناس، وقد مر بهذه البلاد سنة معروفة عند العامة تسمى سنة الجوع؛ يأكل الإنسان الشيء الكثير ولكنه لا يشبع - والعياذ بالله - أبدًا؛ نُحدَّث أن الإنسان يأكل من التمر مِخفرًا كاملًا في آنٍ واحد ولا يشبع - والعياذ بالله - ويأكل الخبز الكثير، ولا يشبع لمرض فيه؛ هذا نوع من الجوع.



النوع الثاني من الجوع: الجدب والسنون الممحلة، التي لا يدر فيها ضرع، ولا ينمو فيها زرع، هذا من الجوع.

وقوله: ﴿ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ ﴾؛ يعني: نقص الاقتصاد، بحيث تصاب الأمة بقلة المادة والفقر، ويتأخر اقتصادها، وتُرْهَق حكومتها بالديون التي تأتي نتيجة لأسباب يقدرها الله - عز وجل - ابتلاء وامتحانًا.



وقوله: ﴿ وَالْأَنْفُسِ ﴾؛ أي: الموت؛ بحيث يحل في الناس أوبئة تهلكهم وتقضي عليهم؛ وهذا أيضًا يحدث كثيرًا، ولقد حُدِّثنا أنه حدث في هذه البلاد - أي: البلاد النجدية - حدث فيها وباء عظيم، تُسمى سنته عند العامة: (سنة الرحمة)، إذا دخل الوباء في البيت لم يبق منهم أحد إلا دفن - والعياذ بالله - يدخل في البيت فيه عشرة أنفس أو أكثر، فيُصاب هذا بمرض، ومن غد الثاني والثالث والرابع، حتى يموتوا عن آخرهم، وحُدِّثنا أنه قدم هذا المسجد - مسجد الجامع الكبير بعنيزة - وكان الناس بالأول في قرية صغيرة، ليس فيها ناس كثير كما هو الحال اليوم، يُقدَّم أحيانًا في فرض الصلاة الواحد سبع إلى ثمان جنائز، نعوذ بالله من الأوبئة؛ هذا أيضًا نقص من الأنفس.



وقوله: ﴿ وَالثَّمَرَاتِ ﴾؛ أي: أن لا يكون هناك جوع، ولكن تنقص الثمرات، تُنزع بركتها في الزروع والنخيل وفي الأشجار الأخرى، والله - عز وجل - يبتلي العباد بهذه الأمور ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.



فيقابل الناس هذه المصائب بدرجات متنوعة، بالتسخط، أو بالصبر أو بالرضا، او بالشكر، كما قلناه فيما سبق. والله الموفق.



الآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

﴿ يُوَفَّى الصَّابِرُون ﴾؛ أي: يُعطى الصابرون ﴿ أَجْرَهُمْ ﴾؛ أي: ثوابهم.



وقوله: ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾؛ وذلك أن الأعمال الصالحة مضاعفة؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.



أما الصبر فإن مضاعفته تأتي بغير حساب من عند الله - عز وجل - وهذا يدل على أن أجره عظيم، وأن الإنسان لا يمكن أن يتصور هذا الأجر؛ لأنه لم يقابل بعدد، بل هو أمر معلوم عند الله ولا حساب فيه، لا يقال مثلًا: الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف، بل يقال: إنه يوفى أجره بغير حساب.



وفي هذه الآية من الترغيب في الصبر ما هو ظاهر.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]