عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04-11-2019, 04:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,481
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي التمتع والقران

ــــــــــــــ
مصادر ومراجع هذا البحث "باب الهدي من كتاب الحج"
1. المذهب الحنفي: أحكام القرآن للجصاص لباب المناسك للسندي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، المبسوط للسرخسي، كتاب الآثار لأبي يوسف، فتح القدير.
2. المذهب المالكي: المدونة للإمام مالك، المنتقى للباجي، حاشية الرهوني على شرح عبد الباقي الزرقاني لمختصر خليل، أحكام القرآن للقرطبي، أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، شرح الرسالة لابن أبي زيد، شرح الأبي على مسلم.
3. المذهب الشافعي: الأم للشافعي، شرح صحيح مسلم للنووي، فتح الباري المجموع شرح المهذب الإيضاح للنووي، المنهاج وشرحه مغني المحتاج، الأشباه والنظائر للسيوطي، أحكام القرآن للشافعي، القرى لقاصد أم القرى للطبري.
4. المذهب الحنبلي: تفسير ابن كثير، المغني لابن قدامة، الشرح الكبير لابن قدامة، حاشية المقنع، زاد المعاد، الإنصاف، مسائل الإمام أحمد، القواعد لابن رجب، الفروع لابن مفلح المحرر، تحفة الودود في أحكام المولود، القياس في الشرع الإسلامي.
5. كتب أخرى المحلى لابن حزم، السنن الكبرى للبيهقي، سنن الدارقطني، نصب الراية، التلخيص الحبير، الدراية، شرح معاني الآثار، سنن أبي داود وعليه معالم السنن للخطابي، بلوغ المرام.
القرار
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
بناء على ما تقرر في الدورة السابعة لهيئة كبار العلماء المنعقدة في الطائف في النصف الأول من شعبان عام 1395هـ من إدراج موضوع (هدي التمتع والقران) في جدول أعمال الدورة الثامنة وإعداد بحث في ذلك فقد اطلعت الهيئة في الدورة الثامنة المنعقدة بمدينة الرياض في النصف الأول من شهر ربيع الثاني عام 1396هـ على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في وقت الذبح ومكانه وحكم الاستعاضة عن الهدي بالتصدق بقيمته وعلاج مشكلة اللحوم.
وبعد تداول الرأي تقرر بالإجماع ما يلي:
1- لا يجوز أن يستعاض عن ذبح هدي التمتع والقران بالتصدق بقيمته لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على منع ذلك مع أن المقصود الأول من ذبح الهدي هو التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدماء كما قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [سورة الحج الآية 37]، ولأن من القواعد المقررة في الشريعة سد الذرائع والقول بإخراج القيمة يفضي إلى التلاعب بالشريعة فيقال مثلا: تخرج نفقة الحج بدلا من الحج لصعوبته في هذا العصر، ولأن المصالح ثلاثة أقسام: مصلحة معتبرة بالإجماع، ومصلحة ملغاة بالإجماع ومصلحة مرسلة، والقول بإخراج القيمة مصلحة ملغاة لمعارضتها للأدلة، فلا يجوز اعتبارها.
2 - قرر المجلس بالأكثرية أن أيام الذبح أربعة، يوم العيد وثلاثة أيام بعده، ويجوز الذبح في ليالي أيام التشريق لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [سورة الحج الآية 28]، (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [سورة الحج الآية 29] .
فإن قضاء التفث وطواف الزيارة لا يكون قبل يوم النحر ولما رتب هذه الأفعال على ذبح الهدي دل على أنه هدي القران والتمتع؛ لأن جميع الهدايا لا يترتب عليها هذه الأفعال.
ولأنه ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ذبح هديه يوم العيد وكذلك ذبح هدي التمتع والقران عن نسائه يوم العيد ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه أنه ذبح قبل يوم العيد ولا بعد أيام التشريق ولما روى سليمان بن موسى عن ابن أبي حسين عن جبير بن مطعم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( كل عرفات موقف ... وكل أيام التشريق ذبح))[46].
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: روي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر انتهى المقصود.
3 - لا يخصص الذبح بمنى بل يجوز الذبح في مكة وفي أي موضع من الحرم لقوله - صلى الله عليه وسلم – ((وكل منى منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر))[47].
4 - ما ترك من اللحوم في المجازر فإن على الحكومة حفظه على وجه يحفظ نفعه حتى يوزع بين فقراء الحرم.
5 - يجوز للحكومة تنظيم الاستفادة من سواقط الهدي التي تترك في المجازر مثل الجلد والعظام والصوف ونحو ذلك مما ترى فيه المصلحة لفقراء الحرم مما يتركه أهله رغبة عنه.
6 - ينبغي للحكومة وفقها الله أن تعني بتكثير المجازر في منى ومكة وبقية الحرم على وجه يمكن الحجاج من ذبح هداياهم بيسر وسهولة وأن يستمدوا من لحومها ما شاءوا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء
وجهة نظر
لصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع
عضو هيئة كبار العلماء
إن وجهة نظري تتلخص في الملاحظات الآتية:
أولاً: جاء في الصفحة الثالثة من البحث الاستدلال على تحديد وقت ذبح هدي التمتع والقران بالإطلاق في قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، وبالتقييد في قوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) [سورة الحج الآية 28 - 29]، ولا شك أن بعض أهل العلم استدل بهذا ولكن الأمانة العلمية تقتضي مناقشة هذا الاستدلال.
إذ يمكن مناقشته بما يلي:
إن كمال الآية المراد بها تقييد عموم قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، وقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) [سورة الحج الآية 28 - 29].
وقد ذكر جمع كثير من العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء أن المراد بالأيام المعلومات عشر ذي الحجة، فقد ذكر الجصاص في كتابه أحكام القرآن أنه روي عن ابن عباس بإسناد صحيح أن المعلومات العشر والمعدودات أيام التشريق وهو قول الجمهور من التابعين منهم الحسن ومجاهد وعطاء والضحاك وإبراهيم في آخرين منهم، وقد روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن المعلومات العشر والمعدودات أيام التشريق[48].
وروى البيهقي بإسناده إلى الشافعي أنه قال: الأيام المعلومات أيام العشر كلها والمعدودات أيام منى فقط[49]. اهـ
وقال النووي في المجموع:
وأما الأيام المعلومات فمذهبنا أنها العشر الأوائل من ذي الحجة إلى آخر يوم النحر إلى أن قال: وقال الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره: قال أكثر المفسرين: الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة[50] اهـ
فعلى هذا لا حجة في الآية على القول بتحديد وقت الذبح بيوم النحر وأيام التشريق، بل قد يكون فيها دليل على القول بذبح هدي التمتع والقران في الأيام المعلومات التي هي العشر الأوائل من ذي الحجة؛ لأن المقصود بذكر الله على بهيمة الأنعام في هذه الآية أمر صريح بتحديد وقت الذبح وإذا كان الدليل
يفهم من ترتيب قضاء التفث على ذكر الله على بهيمة الأنعام فإن هذا يعني بطلان أعمال الحج يوم العيد من رمي وحلق أو تقصير وطواف زيارة إذا فعل ذلك قبل الذبح أو النحر، ولا يخفى ما عليه إجماع أهل العلم قاطبة من أن الترتيب فيها مستحب وأنه لا حرج في تقديم واحد منها على الآخر لقوله - صلى الله عليه وسلم - حينما سئل عن تقديم بعض هذه الأفعال على بعض قال: ((افعل ولا حرج))[51]، فدل ذلك على أن غاية الأمر أن يكون مفهوم الترتيب الاستحباب، وبذلك ينتفي الاستدلال بالآية.
ثانياً: جاء في الصفحة الثالثة من البحث مناقشة الجصاص الاعتراض على منع تقديم ذبح هدي التمتع والقران بإجازة الصوم الذي هو بدل عنه قبل يوم النحر وقد كانت مناقشته في حاجة إلى مناقشة بما يلي:
أ‌- جاء في قوله إنه ثبت بالسنة امتناع ذبح الهدي قبل يوم النحر، ويرد على ذلك بأنه لو كان الأمر كما ذكر من ثبوت امتناع ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر بالسنة لما حصل الخلاف في ذلك والثابت بخصوص الهدي إنما هو في الهدي المسوق تطوعاً فلا يجوز ذبحه قبل يوم النحر، أما هدي المتعة والقران فإن القائلين بجواز ذبحه قبل يوم النحر يطالبون بالنص الصريح الثابت في امتناع ذبحه قبل يوم النحر من كتاب أو سنة بل إنهم يستدلون بهما على جواز ذلك.
ب‌- ما ذكره بأن الصوم مراعى ومنتظر به شيئان إلى آخر قوله: هذا القول يمكن أن يقال في هدي المتعة وأيضاً فإذا وجد المعنيان إتمام الحج والعمرة صح الهدي عن المتعة وإذا عدم أحدهما بطل أن يكون هدي متعة وصار هدي تطوع كصيام التطوع.
ت‌- قوله بأن الهدي رتب عليه أفعال أخرى من حلق وقضاء تفث وطواف زيارة فلذلك اختص بيوم النحر مناقشة ذلك ما مر في الملاحظة الأولى.
ثالثاً: جاء في الصفحة الثامنة من البحث ما نصه: فهذه الأحاديث منها ما هو نص في أن بدء وقت النحر للمتمتع والقارن يوم الأضحى ومنها ما يدل عليه بمفهومه أو مع أمره - صلى الله عليه وسلم - أن نأخذ عنه المناسك وقد نحر عن نفسه وعن أزواجه يوم الأضحى ونحر أصحابه كذلك
ولم يعرف عن أحد منهم أنه نحر هديه لتمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى فكان ذلك عمدة في التوقيت بما ذكر من جهات عدة.
وإن ذلك ممكن أن يناقش بما يلي:
أ‌- إن المتتبع لجميع ألفاظ الأحاديث الواردة في البحث لا يجد فيها نصا على تحديد بدء وقت نحر هدي التمتع والقران بيوم الأضحى، وإنما النص في بعضها على أن من ساق الهدي فلا يجوز له الإحلال حتى ينحر هديه، ولا شك أن الهدي الذي ساقه - صلى الله عليه وسلم - وساقه بعض أصحابه ودخلوا به مكة في حجهم معه - صلى الله عليه وسلم - هدي تطوع دخل فيه هدي التمتع أو القران فهو متصل به اتصال الجزء بكله بحيث لا يمكن فصله عنه.
ب‌- إن القول بأن منها (أعني الأحاديث الواردة في البحث) ما يدل مع أمره - صلى الله عليه وسلم - أن نأخذ عنه مناسكنا على بدء التحديد بيوم النحر يرد عليه بإجماع الأمة على جواز ذبح هدي التمتع أو القران في اليوم الأول أو الثاني من أيام التشريق وهو - صلى الله عليه وسلم - ذبح يوم العيد وقال: ((خذوا عني مناسككم))[52] فلو كان عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - ((خذوا عني مناسككم))[53]، وارد على ذلك لكان الذبح في أيام التشريق غير جائز للمخالفة وقد لا يمكن القول بأن العموم مخصص بقوله - صلى الله عليه وسلم - ((وكل أيام التشريق ذبح))[54] فقد تكلم رجال الحديث في هذه الزيادة بما لا يتسع المقام لذكره وبما يبطل الاستدلال به للتخصيص مع أن قوله - صلى الله عليه وسلم - ((خذوا عني مناسككم))[55] عام في جميع أفعال النسك من ركن وواجب ومستحب وفي قوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، تخصيص لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - ((خذوا عني مناسككم))[56].
ت‌- إن ما نحره عن نفسه هو هديه الذي ساقه - صلى الله عليه وسلم - تطوعا ودخل به مكة محرما وكان سوقه سبب امتناعه عن الإحلال، وأما نحره - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه في حجه فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك أضحية منه عنهن قال ابن حزم: ووجدنا ما رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبده بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ((خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة فكنت فيمن أهل بعمرة فقدمنا مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض لم أحل من عمرتي فشكوت ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج، قالت: ففعلت فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة وقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم))[57] إلى أن قال: فإن قيل: قد صح أنه - عليه السلام - أهدى عن نسائه البقر قلنا: نعم وقد بين معنى ذلك الإهداء سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنه كان أضاحي لا هدي متعة ولا هديا عن قران[58] اهـ
وعلى فرض أن ما ذبحه - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه هدي تمتع أو قران فقد فعل الأفضل ولا شك أن الأفضل ذبح ذلك يوم العيد.
د - وأما القول بأنه لم يعرف أحد من أصحابه نحر هدي تمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى فإنه يمكن مناقشته بأن عدم معرفة أحد من الصحابة نحر هديه قبل يوم الأضحى لا يعني منع ذلك ولا نفي أن أحدا من الصحابة فعله ثم إن الحديث الذي أخرجه الحاكم في مستدركه وذكر أنه على شرط مسلم وأقره الذهبي صريح في أن سعد بن أبي وقاص ذبح هديه قبل يوم النحر، وقد أخرجه الطبراني في الكبير وذكر أن رجاله ثقات.
وسيأتي مزيد نقاش لهذا الحديث والاعتراض عليه بما في مجمع الزوائد عن عكرمة.
رابعاً: جاء في الصفحة الثامنة من البحث الاحتجاج لذلك القول بالإجماع بما ذكره ابن عابدين ويمكن أن يناقش ذلك بما يلي:
لعل ابن عابدين - رحمه الله - يقصد بالإجماع إجماع أهل مذهبه مع أن ابن قدامة - رحمه الله - نسب إلى أبي حنيفة القول بوجوب هدي التمتع بالإحرام بالحج وذلك في كتابه المغني، كما نسب ذلك إليه ابن العربي في كتابه أحكام القرآن، وابن مفلح في كتابه الفروع، أما أن يقصد ابن عابدين إجماع الأمة على منع ذلك فبعيد جداً؛ لوجود الخلاف القوي في المسألة بين العلماء من مالكيين وشافعيين وحنابلة وغيرهم، ولأن مثل ابن عابدين لا يخفى عليه الخلاف في المسألة لا سيما وهو خلاف مشهور وعلى فرض أن ابن عابدين يقصد بالإجماع إجماع الأمة فما ذكره غير صحيح والخلاف في ذلك مشهور يعرفه الخاص والعام.
خامساً: جاء في الصفحة الثامنة من البحث الاحتجاج بالمعنى بما ذكره ابن قدامة- رحمه الله - بقوله؛ لأن ما قبل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه إلى آخره، ويمكن نقاش ذلك بما ذكره ابن قدامة نفسه توجيها للقول بجواز تقديم ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر حيث قال: ووجه جوازه أنه دم يتعلق بالإحرام وينوب عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر كدم الطيب واللباس ولأنه يجوز إبداله قبل يوم النحر فجاز أداؤه قبله كسائر الفديات[59] اهـ ، وبما ذكره في توجيه رواية الوجوب بعد الإحرام بالحج بقوله: لأن الله تعالى قال: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، وهذا قد فعل ذلك ولأن ما جعل غاية فوجود أوله كاف كقوله تعالى: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل) [سورة البقرة الآية 187][60]ِ.. اهـ
وبما ذكره الشافعي- رحمه الله - بقوله: وإذا ساق المتمتع الهدي معه أو القارن لمتعته أو قرانه فلو تركه حتى ينجزه يوم النحر كان أحب إلي، وإن قدم فنحره في الحرم أجزأ عنه من قبل أن على الناس فرضين فرضا في الأبدان فلا يكون إلا بعد الوقت، وفرضا في الأموال فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض[61] اهـ "
وبما ذكره ابن رجب في قواعده، قال: العبادات كلها سواء كانت بدنية أو مالية أو مركبة منهما، لا يجوز تقديمها على سبب الوجوب ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب أو قبل شرط الوجوب ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة - وذكر منها ما ذكر ثم قال: ومنها صيام التمتع والقران فإنه سبب العمرة السابقة للحج في أشهره فبالشروع في إحرام العمرة قد وجد السبب فيجوز الصيام بعده وإن كان وجوبه متأخرا عن ذلك، وأما الهدي فقد التزمه أبو الخطاب في انتصاره، ولنا رواية أنه يجوز ذبحه لمن دخل قبل العشر لمشقة حفظه عليه إلى يوم النحر[62]. اهـ
كما أنه يمكن مناقشة ما ذكره ابن قدامة - رحمه الله - من قياسه الهدي على الأضحية بما ذكره ابن مفلح في الفروع حيث قال: وقاسوه على الأضحية والهدي وهي دعوى[63]. اهـ
سادساً: جاء في الصفحة التاسعة من البحث اعتراض الراهوني على ما ذكره الأبي عن القاضي عياض في شرحه رواية مسلم ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))[64]، مع أن في الحديث حجة لمن يجيز للمتمتع نحر هديه بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج إلى آخره حيث ذكر الرهوني أن لديه نسخة عتيقة مظنونا فيها الصحة وليس فيها جواز نحر هدي المتمتع بعد التحلل من العمرة وإنما ذكر فيها جواز تقليد الهدي قبل الإحرام بالحج إلى آخر ما ذكره الرهوني.
ويمكن مناقشة ذلك بما يلي:
أ‌- إن عبارة القاضي عياض في جواز نحر الهدي قبل الإحرام بالحج قد تناقلها شيوخ كبار في مذهب الإمام مالك فقد نقلها عنه الأبي والسنوسي والدسوقي والبناني ومحمد عابد فلم يعترض عليها واحد منهم بل احتج بها بعضهم على رد تأويلات بعض شراح مختصر خليل في قوله وأجزا (أي دم التمتع) قبله (أي قبل يوم النحر) حينما قال بعضهم: إن المقصود بذلك تقليد الهدي وإشعاره لا ذبحه.
ب‌- إن احتجاج الرهوني لدعواه التصحيف بما لديه من نسخة يدعي قدمها والوثوق بها فيه نظر، ولو سلم له احتجاجه لكان ذلك من أقصر الطرق لرد آراء العلماء وأقوالهم بإنكار نسبتها إليهم بالتصحيف فيما كتب عنهم، ثم هل يمكن أن تكون نسخة الرهوني هي الصحيحة الثابتة دون ما عداها مما لدى شيوخه وشيوخهم، إن العكس هو القريب الممكن المعقول.
ج - إن اللجنة أيدت دعوى التصحيف بما ذكره بأن اللخمي ذكر الخلاف في التقليد لا في النحر وهذه الحجة ليست أكثر عجباً من سابقتها فإن عدم ذكر الشخص الشيء لا يعني نفيه من الوجود، واللخمي كغيره من العباد ينطبق عليه القول: "علمت شيئا وغابت عنك أشياء".
على أن المرء يقف حائراً في تكييف وجه الخلاف بين علماء المذهب المالكي في جواز تقليد الهدي وإشعاره بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج إلا أن يكون المراد بذلك مآل التقليد والإشعار وهو الذبح حسبما يفهم من التمثيل على جواز ذلك بقياسه على تقديم الكفارة قبل الحنث والزكاة قبل الحول وأن ذلك مما تقتضيه السنة توسعة في جميع ذلك فإن اقتضاء السنة التوسعة على العباد لا يعني الحرج وإيجاد العسر والمشقة في رعاية الهدي المقلد والمشعر حتى يأتي يوم النحر فينحر فإن الحاج في شغل عنه بتهيئة أسباب حجه من زاد وراحلة وغير ذلك وإنما التوسعة عليه في إراحته من ملازمته ورعايته بذبحه بعد وجوبه، ولا شك
أن المتتبع بإنصاف لنصوصهم يقوى لديه الظن بأنهم يقصدون بذلك الذبح لما في جميع ذلك من التوسعة التي تقتضيها السنة.
د - إن الرهوني تعقب ما نقله الأبي عن المازري من قوله: مذهبنا أن هدي التمتع إنما يجب بالإحرام بالحج وفي وقت جوازه ثلاثة أوجه: فالصحيح والذي عليه الجمهور أنه يجوز بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج[65]. اهـ "
فقال: ليس فيه أن المراد بالجمهور جمهور أهل المذهب وقد تقدم أن المراد بهذه العبارة حيث أطلقها أهل الخلاف الكبير جمهور المجتهدين وإن كانت تشمل الإمام مالكا لكن لا تصريح بنسبة ذلك إليه[66] اهـ "، وهذا ما يفرح به القائلون بتقديم ذبح هدي التمتع قبل يوم النحر فلأن يكون هذا القول قول جمهور المجتهدين من علماء الإسلام أمثال الإمام مالك أحب إليهم من أن يكون قول جمهور المالكيين من أمثال الرهوني وأترابه.
هـ - إن المتتبع لحواشي الرهوني يخرج من تتبعها بالحكم عليه بأنه ليس في مستوى قيادي في مذهبه فهو يريد أن يقلل من شأن القول بجواز الذبح قبل يوم النحر بإنكار أن الجمهور القائلين به حسبما ذكره المازري جمهور المالكيين وإنما هم جمهور المجتهدين أمثال مالك وغيره، وهذا تقوية للقول من حيث لا يدري من أن المتتبع لقول المازري يخرج من تتبعه أنه يتحدث عن مذهبه وعن فقهاء مذهبه وأقوالهم مما يدل على أن ما ذكرنا في الرهوني وارد، وإذا كان الرهوني على مستوى يسمح باعتباره إماما في مذهبه ومحققا وإذا كانت نسخته هي المظنون بها الصحة فكيف لنا تفسير نقله من نسخته هذه التي لم يجد غيرها في ذلك الوقت حسبما ذكر، نقله آية من كتاب الله - تعالى -وأوردت خطأ دون أن يشير إلى تصحيحها فقد جاء في حاشيته ونقلته اللجنة عنه في السطر الثامن من الصفحة التاسعة من البحث ما نصه: ونصه وقوله للمتمتعين: (فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم نص في كتاب الله - تعالى -مما يلزم التمتع إن صحة الآية: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)، [سورة البقرة الآية 196].
سابعاً: جاء في الصفحتين العاشرة والحادية عشرة من البحث نقل طويل لشيخنا محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - وفيه يشير إلى تغليظ من يجيز على المذهب المالكي ذبح
الهدي قبل الإحرام بالحج بعد أن أورد مجموعة نصوص لشراح مختصر خليل يؤولون قوله: وأجزأ قبله ويمكن مناقشة ما ذكره بعض شراح المختصر من التأويلات بما قاله الدسوقي بعد أن أورد قول بعضهم: إن المراد بذلك تقليد الهدي وإشعاره لا ذبحه.
قال: فيه نظر فقد قال الأبي في شرح مسلم على أحاديث الاشتراك في الهدي على قول الراوي وأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ما نصه: (عياض) في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للمتمتع بعد الإحلال من العمرة وقبل الإحرام بالحج وهي إحدى الروايتين عندنا والأخرى أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج؛ لأنه بذلك يصير متمتعاً وذكر بعضهم أنه يجوز بعد الإحرام بالعمرة. اهـ
وبه نعلم أنه يتعين صحة إبقاء كلام المصنف أي خليل على ظاهره، وسقوط تعقب الشراح عليه وتأويلهم له من غير داع لذلك اهـ حاشية الدسوقي على شرح الدردير على مختصر خليل.
وقال الشيخ محمد عابد في شرح قول الماتن: ولا يجوز نحر هدي التمتع قال: تبع في ذلك الخطاب في مناسكه والدردير وعبد الباقي على خليل عند قوله: وأجزأ قبله حيث قال كل منهم أي إشعاره وتقليده لا نحره إذ لم يقل به أحد وفي البناني ما يخالف ذلك وحاصل ما فيه أنه أطبق كثير من شراح خليل على تأويل قوله: أجزأ قبله أي الإشعار والتقليد محتجين بأنه لم يصرح أحد من أهل المذهب بأن نحر الهدي قبل الإحرام بالحج مجزئ وهو غير ظاهر لقول الأبي في شرح مسلم على أحاديث الاشتراك في الهدي على قول الراوي.
وأمرنا إذا أحللنا أن نهدي، ما نصه: عياض في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للمتمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج ثم ساق بقية كلام القاضي (عياض) وكلام المازري عن طريق الأبي " حاشية الدسوقي على شرح الدردير على مختصر خليل..
ثامناً: جاء في الصفحة الرابعة عشرة من البحث مناقشة الرواية عن الإمام أحمد بجواز ذبح هدي من قدم به مكة قبل العشر خشية ضياعه أو سرقته، ويمكن نقاش ذلك بأن هذه المسألة خارجة عن موضوعنا فإنها خاصة فيمن قدم مكة ومعه هدي، وموضوعنا خاص فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج فاستوجب الهدي أيذبحه بعد وجوبه أم يؤخر ذبحه حتى يوم النحر ؟
تاسعاً: جاء في الصفحة الرابعة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال على جواز الذبح قبل يوم النحر بآية: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، بأن هذا مجرد فهم للآية باجتهاد عارضه نص هو قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج الآية 28]، الآية وقد سبق مناقشة الاستدلال بهذه الآية في الملاحظة الأولى مما يغني عن إعادته.
عاشراً: جاء في الصفحة الخامسة عشرة من البحث مناقشة الاستدلال بحديث أبي الزبير عن جابر ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدي وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))[67]، في هذا الحديث أمور ثلاثة يمكن أن تناقش بما يلي:
أ‌- التسليم بنفي التعارض بينه وبين الأحاديث الواردة في البحث إذ ليس فيها ما يدل بصريح العبارة على منع تقديم ذبح هدي التمتع أو القران على يوم النحر وقد سبقت مناقشة القول بدلالتها على المنع في الملاحظة الثالثة وعليه فإن دلالة الحديث على إجازة الذبح بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج قد فهمها علماء كبار من رجال الحديث وشراحه أمثال النووي والقاضي عياض والمازري والأبي والسنوسي وغيرهم.
ب‌- إن القول بأن المقصود بقول جابر: ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي التحلل من الحج))[68] يرده مزيد التأمل والتدبر في نهاية الحديث وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم فلقد أمر - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الذين أحرموا بالحج معه أن يحلوا منه إلى عمرة واشتد غضبه - صلى الله عليه وسلم - على قوم ترددوا في الأخذ بقوله وأمره أما التحلل من الحج يوم العيد فإنه لا يكون بأمر وإنما يحصل بأفعال يفعلها الحاج يوم العيد من رمي وحلق أو تقصير وطواف زيارة وفضلا عن ذلك كله فإن راوي الحديث عن جابر وهو أبو الزبير قد أبان المقصود من ذلك فقد ذكر أبو عبد الله الأبي في شرحه صحيح مسلم عند كلامه على حديث جابر ما نصه: ويعني بقوله حين أمرهم يعني إحلال الفسخ الذي أمرهم به في حجة الوداع. اهـ.
إن القول بأن في الحديث زيادة شاذة لمخالفتها ما سبق من الأدلة الصحيحة الخالية من هذه الزيادة وأن مدارها على محمد بن بكر البرساني يمكن أن يناقش بما يلي:
1 - نفي الشذوذ في هذه الزيادة إذ هي لم تخالف غيرها من الروايات فليس هناك حديث صريح صحيح ينص على بدء وقت ذبح هدي التمتع والقران بيوم النحر وإنما غاية ما في الأمر مفاهيم لا يجوز أن يحكم بها على زيادة من عدل رواها مسلم في صحيحه إذ الزيادة من العدل مقبولة.
2 - إن القول بأن مدار هذه الزيادة على محمد بن بكر البرساني غير صحيح فقد روى الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث بكامل هذه الزيادة عن محمد بن بكر وروح بن عبادة القيسي فقال: حدثنا محمد بن بكر وروح قالا: حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فأمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في البدنة وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجتهم))[69]. اهـ
وروح هو روح بن عبادة القيسي قال الحافظ ابن حجر: كان أحد الأئمة وثقه علي بن المديني ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة وأبو عاصم وابن سعد والبزار وأثنى عليه أحمد وغيره وقال يعقوب بن شيبة: قلت لابن معين: زعموا أن ابن القطان كان يتكلم فيه فقال: باطل ما تكلم فيه إلى أن قال الحافظ: قلت احتج به الأئمة كلهم[70] اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في محمد بن بكر ما نصه: وثقه أبو داود والعجلي وقال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة وقال أبو حاتم: شيخ محله الصدق إلى آخر ما قال[71].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.58%)]