عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-11-2019, 03:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,290
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هدي التمتع والقران



وأما السنة: فقد استدلوا بأدلة:
الأول: ما رواه مسلم في صحيحه قال: وحدثني محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية وذلك حين أمرهم أن يحلوا من حجهم))[29] في هذا الحديث. وجه الدلالة قد يقال أن هذا الحديث يدل على جواز ذبح هدي التمتع بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج فيدل بطريق الأولى على جوازه بعد الإحرام بالحج.
وقد مضت مناقشة هذا الدليل عند الاستدلال به لمن قال بجواز ذبحه بعد التحلل من العمرة وبهذا يتبين أنه لا دلالة فيه ويجاب ثانيا بما أجيب به من الوجه الثاني عن الاستدلال بالآية. الدليل الثاني ما أخرجه الحاكم في المستدرك قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى بن إبراهيم ثنا أحمد بن النضر بن عبد الوهاب، ثنا يحيى بن أيوب، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، ثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء، عن جابر بن عبد الله قال: كثرت القالة بين الناس فخرجنا حجاجا حتى لم يكن بيننا وبين أن نحل إلا ليال قلائل أمرنا بالإحلال الحديث إلى أن قال:
قال عطاء: قال ابن عباس- رضي الله عنه -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم يومئذ في أصحابه غنما فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه عن نفسه فلما وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلف فقام تحت يدي ناقته فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم -: " اصرخ أيها الناس هل تدرون أي شهر هذا؟ الحديث ثم قال الحاكم بعد إخراجه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأقره الذهبي على تصحيحه.
ومحل الشاهد من هذا الحديث قوله: ((فأصاب سعد بن أبي وقاص تيس فذبحه عن نفسه فلما وقف بعرفة))[30] إلخ.
وجه الدلالة قد يقال: إن عطف الوقوف بالفاء على ذبح سعد تيسه عن نفسه يدل على جواز ذبح الهدي بعد الإحرام بالحج.
والجواب: أن ذبح سعد للتيس كان يوم النحر بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني عكرمة مولى ابن عباس زعم أن ابن عباس أخبره أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قسم غنما يوم النحر في أصحابه وقال: (( اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزئ، فأصاب سعد بن أبي وقاص تيسا))[31] وقد ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: أخرجه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح فرواية الإمام أحمد مفسرة لرواية الحاكم وحينئذ لا دلالة في الحديث.
وأما المعنى فمن وجوه:
أحدها: ما ذكره الشيرازي بقوله: إن شرائط الدم إنما توجد بوجود الإحرام فوجب أن يتعلق الوجوب به. انتهى.
ويمكن أن يناقش ذلك بأنه دليل اجتهادي، ولا اجتهاد مع النص، وقد سبق ما يدل على خلاف ذلك عند الكلام على أدلة المذهب الأول.
الثاني: ويجاب أيضاً بما أجيب به من الوجه الثاني عن الآية التي استدل بها أهل هذا القول، ما سبق من المناقشة لاستدلال أهل القول الأول بقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [سورة البقرة الآية 196]، والمحل المقصود من المناقشة جواز ذبح الهدي قبل يوم النحر قياساً على جواز الصيام؛ لأنه بدله والبدل له حكم المبدل منه.
الثالث: ويجاب عن هذا بما أجيب به عنه هناك تركنا إعادته هنا اختصارا. ما ذكره النووي بقوله: "ولا يتوقت بوقت كسائر دماء الجبران".
ويناقش ذلك بما ذكره ابن القيم- رحمه الله تعالى- في كتابه زاد المعاد: من أنه دم شكران لا دم جبران[32].
ويمكن أن يناقش ثانياً: بأنه قياس مع النص، فقد وردت أدلة دالة على ذبحه يوم النحر، وسبقت من أدلة القول فيكون هذا القياس فاسد الاعتبار.
ثانياً: انتهاء وقت ذبح الهدي.
اختلف أهل العلم في تحديد نهاية أيام النحر، هل هي يوم العيد ويومان بعده، أو يوم العيد وثلاثة أيام بعده، أو يوم العيد فقط إلخ، ما ستأتي الإشارة إليه من الأقوال التي لا تعتمد على دليل شرعي وفيما يلي ذكر المذاهب، ومن قال بكل مذهب منها ومستنده مع المناقشة في حدود ما يسره الله.
القول الأول: ينتهي وقت النحر بغروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، وممن قال بهذا القول الحنفية، وهو مذهب مالك وأحمد الجصاص، ذهب أصحابنا والثوري إلى أنه يوم العيد ويومان بعده. وقال القرطبي: قال مالك: ثلاثة يوم النحر ويومان بعده، وقال ابن قدامة: قال أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن القيم: هذا مذهب أحمد، وقال في الإنصاف: هذا هو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والإجماع والأثر والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [سورة الحج الآية 28]، وجه الدلالة ما ذكره القرطبي بقوله "وهذا جمع قلة لكن المتيقن منه الثلاثة وما بعد الثلاثة غير متيقن فلا يعمل به".
وأما السنة: ((فنهى النبي-صلى الله عليه وسلم- عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاثة))[33]، وجه الدلالة ما ذكره الباجي بقوله: ومعلوم أنه أباح الأكل منها في أيام الذبح فلو كان اليوم الرابع منها لكان قد حرم على من ذبح في ذلك اليوم أن يأكل من أضحيته انتهى كلام الباجي وليس هناك فرق بين الأضحية والهدي بالنسبة لانتهاء وقت الذبح.
وأما الإجماع: فقد قرره الجصاص بقوله بعد ذكره هذا الرأي عن بعض أصحابه قال: قد ثبت عمن ذكرنا من الصحابة أنها ثلاثة، واستفاض ذلك عنهم، وغير جائز لمن بعدهم خلافهم إذا لم يرد عن أحد من نظرائهم خلافه فثبتت حجته.
وأيضا فإن سبيل تقدير النحر التوقيف أو الاتفاق إذ لا سبيل إليها من طريق القياس فلما قال: من ذكرنا قوله من الصحابة بالثلاثة صار ذلك توقيفاً كما قلنا في مقدار مدة الحيض وتقدير المهر ومقدار التشهد في إكمال فرض الصلاة وما جرى مجراها من المقادير التي طريق إثباتها التوقيف أو الاتفاق وإذا قال به قائل من الصحابة ثبتت حجته وكان ذلك توقيفاً.
وأما الأثر: فقد نقله الجصاص وغيره عن علي وابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب.
وأما المعنى فمن وجهين:
أحدها: ما ذكره الجصاص بقوله: قد ثبت الفرق بين أيام النحر وأيام التشريق؛ لأنه لو كانت أيام النحر أيام التشريق لما كان بينهما فرق، وكان ذكر أحد العددين ينوب عن الآخر فلما وجدنا الرمي في يوم النحر وأيام التشريق ووجدنا النحر يوم النحر، وقال قائلون: إلى آخر أيام التشريق وقلنا نحن يومان بعده وجب أن نوجد فرقا بينهما لإثبات فائدة كل واحد من اللفظين وهو أن يكون من أيام التشريق ما ليس من أيام النحر وهو آخر أيامها.
الثاني: ما ذكره الباجي بقوله: هو يوم مشروع النحر قبله فلم يكن من أيام الذبح كالخامس.
القول الثاني: أن وقت الذبح ينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق وبهذا قال الشافعي: واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومن وافقهم من أهل العلم قال الشافعي: والأضحية جائزة يوم النحر وأيام منى كلها.
وقال المرداوي في الإنصاف: قال في الإيضاح: آخره آخر يوم من أيام التشريق واختاره ابن عبدوس في تذكرته بأن آخره آخر اليوم الثالث من أيام التشريق واختاره الشيخ تقي الدين قاله في الاختيارات وجزم به ابن رزين في نهايته والظاهر أنه مراد صاحب النهاية فإن كلامه محتمل.
وقال ابن القيم في زاد المعاد: وهو مذهب إمام أهل الهجرة الحسن، وإمام أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي- يرحمه الله - ، واختاره ابن المنذر، واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والأثر والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [سورة الحج الآية 28].
وجه الدلالة: أن المراد بالمعلومات أيام النحر يوم العيد وثلاثة أيام بعده، واستدلوا لهذا التوجيه بقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) [سورة البقرة الآية 203].
قال ابن القيم- رحمه الله -: هذه الأيام الثلاثة تختص بأنها أيام منى، وأيام الرمي، وأيام التشريق، ويحرم صيامها فهي أخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح بغير نص ولا إجماع.
وأما السنة فقد استدلوا بأدلة:
الأول: أن النبي-صلى الله عليه وسلم- نحر هديه يوم النحر ضحى.
وجه الدلالة: ما ذكره الشافعي بقوله: فلما لم يحظر على الناس أن ينحروا بعد يوم النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقا لليومين قبله؛ لأنه ينسك فيه ويرمى كما ينسك ويرمى فيهما.
الثاني: ما رواه سليمان بن أبي موسى عن أبي حسين عن جبير بن مطعم عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل عرفات موقف وارتفعوا عن عرنة وكل مزدلفة موقف وارتفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح))[34].
وهذا نص في الدلالة أن كل أيام النحر بأنها ثلاثة بعد العيد، وأجيب عن هذا الحديث بما نقله الرازي عن الإمام أحمد أنه قال جوابا لمن سأله عن هذا الحديث قال: لم يسمعه ابن أبي حسين بن جبير بن مطعم وأكثر روايته عنه سهو.
وقال الرازي: وقد قيل إن أصله ما رواه مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه قال: سمعت أسامة بن زيد يقول: سمعت عبد الله بن أبي حسين يخبر عن عطاء بن أبي رباح وعطاء يسمع قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر))[35]، فهذا أصل الحديث ولم يذكر فيه ((وكل أيام التشريق ذبح))[36] ويشبه أن يكون الحديث الذي ذكره فيه هذا اللفظ إنما هو من كلام جبير بن مطعم أو من دونه؛ لأنه لم يذكره.
وأجاب ابن القيم عن ذلك بقوله وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل منى منحر وكل أيام التشريق ذبح))[37]، وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر قال يعقوب بن سفيان: أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون. انتهى.
وقد تكلم الزيلعي على هذا الحديث في نصب الراية فقال: رواه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه في النوع الثالث والأربعين من القسم الثالث من حديث عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل أيام التشريق ذبح وعرفة كلها موقف))[38] إلى آخره، وقد ذكرناه بتمامه في الحج، ورواه البزار في مسنده.
وقال: ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم، ورواه البيهقي في المعرفة ولم يذكر فيه انقطاعاً، وأخرجه الداراقطني في سننه عن أبي معيد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن دينار عن جبير بن مطعم مرفوعاً، وأبو معين بمثناه فيه لين، وأخرجه هو والبزار عن سويد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعاً قال البزار: لا نعلم قال فيه عن نافع بن جبير عن أبيه الأسود بن عبد العزيز وهو ليس بالحافظ ولا يحتج به إذا انفرد، وحديث ابن أبي حسين هو الصواب مع أن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم. انتهى.
وأخرجه أحمد أيضاً البيهقي عن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال البيهقي: وسليمان بن موسى لم يدرك جبير بن مطعم وأخرجه ابن عدي في الكامل عن معاوية ابن يحيى الصدفي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيام التشريق كلها ذبح))[39] انتهى.
وضعف معاوية بن يحيى عن النسائي والسعدي وابن معين وعلي بن المديني ووافقهم، وقال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: قال أبي: هذا حديث موضوع بهذا الإسناد. انتهى.
وقيل معاوية محمد بن شعيب.
وأما الأثر: فقد أخرج البيهقي عدة آثار في ذلك عن ابن عباس والحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى وذكر ابن قدامة أنه مروي عن علي.
وأما المعنى: فإنها أيام تكبير وإفطار فكانت محلا للنحر كالأولين ذكر ذلك ابن قدامة.
وأما ما عدا هذين القولين من الأقوال فقد تركنا ذكرها لعدم جدوى البحث فيها فإنها أقوال مبنية على مدارك اجتهادية ولا محل للاجتهاد مع الأدلة قال ابن عبد البر: ولا يصح عندي في هذا إلا قولان أحدهما قول مالك والكوفيين والثاني قول الشافعي والشاميين وهذان القولان مرويان عن الصحابة فلا معنى للاشتغال بما خالفهما؛ لأن ما خالفهما لا أصل له في السنة ولا في قول الصحابة وما خرج عن هذين فمتروك انتهى المقصود، بواسطة نقل القرطبي عنه في جامعه.
ثالثا: ذبح الهدي ليلاً
اختلف أهل العلم في جواز الذبح ليلا فمنهم من يرى أنه لا يجوز ومنهم من قال بجوازه وفيما يلي ذكر القولين مع الأدلة والمناقشة.
القول الأول: لا يجوز الذبح ليلاً، ومن قال به مالك وأصحابه إلا أشهب، وهو رواية عن أحمد وهي ظاهر كلام الخرقي، قال الباجي: ولا يجوز نحر الهدي ليلاً وعلى هذا قول مالك وأصحابه إلا أشهب، فقد روى عنه ابن الحارث أنه يجوز نحر الهدي أو ذبحه ليلاً وقال ابن قدامة: ولا يجزئ أي الذبح في ليلتهما في قول الخرقي.... قال: واختلفت الرواية عن أحمد في الذبح في ليلتي يومي التشريق ففيه لا يجزئ نص عليه أحمد- رضي الله عنه- في رواية الأشرم، واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)[سورة الحج الآية 28].
وجه الدلالة قد يقال: إن الله ذكره بلفظ الأيام، وذكر اليوم يدل على أن الليل ليس كذلك ومن وجه آخر قال الباجي: أن الشرع ورد بالذبح في زمن مخصوص وطريق تعلق النحر والذبح بالأوقات الشرع لا طريق له غير ذلك فإذا ورد الشرع بتعلقه بوقت مخصوص كقوله تعالى: (فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج الآية 28]، وبنحر النبي- صلى الله عليه وسلم- وذبحه أضحيته نهاراً علمنا جواز ذلك نهاراً، ولم يجز أن نعديه إلى الليل إلا بدليل وقد طلبنا في الشرع فلم نجد دليلاً ولو كان لوجدناه مع البحث والطلب فهذا من باب الاستدلال بعدم الدليل فيما تتوقف شرعيته على وجود الدليل.
وأجاب ابن حزم عن هذا الاستدلال بقوله: هذا إيهام منهم يمقت الله عليه؛ لأن الله تعالى لم يذكر في هذه الآية ذبحاً ولا تضحية ولا نحراً لا في نهار ولا في ليل، إنما أمر الله تعالى بذكره في تلك الأيام المعلومات أفترى يحرم ذكره في لياليه إن هذا لعجب ومعاذ الله من هذا وليس هذا النص يمانع من ذكره تعالى وحمده على ما رزقنا من بهيمة الأنعام في ليل ونهار في العام كله ولا يختلفون فيمن حلف ألا يكلم زيدا ثلاثة أيام أن الليل يدخل في ذلك النهار.
وأما السنة: فما روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الذبح ليلاً.
وهذا نص في الدلالة على عدم جواز الذبح ليلاً، وقد أجاب عنه ابن حزم بقوله: وذكروا حديثاً لا يصح رويناه من طريق بقية بن الوليد عن مبشر بن عبيد الحلبي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذبح بالليل))، وبقية ليس بالقوي، ومبشر بن عبيد مذكور بوضع الحديث عمداً، ثم هو مرسل. انتهى كلام ابن حزم.
وقال ابن حجر في مبشر بن عبيد: هو متروك، ويجاب عن ذلك بأن البيهقي أخرج في سننه حديثا فيه النهي عن الذبح ليلاً قال: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفار ثنا يحيى بن آدم ثنا حفص عياش عن شيث بن عبد الملك عن الحسن قال: ((نهي عن حداد الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل))، وأجاب عنه البيهقي بقوله: إنما كان ذلك من شدة حال الناس كان الرجل يفعله ليلاً فنهي عنه، ثم رخص في ذلك.
وأما المعنى: فمن وجهين ذكرهما عبد الرحمن بن قدامة
أحدهما: أنه ليل يوم يجوز الذبح فيه فأشبه ليلة يوم النحر.
الثاني: أن الليل يتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب، ولا يفرق طريا فيفوت بعض المقصود وأجاب ابن حزم عن الدليل الأول فقال هذا قياس والقياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل؛ لأن يوم النحر هو مبدأ دخول وقت التضحية وما قبله ليس وقتا للتضحية ولا يختلفون معنا في أن من طلوع الشمس إلى أن يمضي بعد ابيضاضها وارتفاعها وقت واسع من يوم النحر لا يجوز فيه التضحية فيلزمهم أن يقيسوا على ذلك اليوم ما بعده من أيام التضحية فلا يجيزون التضحية فيها إلا بعد مضي مثل ذلك الوقت وإلا فقد تناقضوا وظهر فساد قولهم وما نعلم أحدا من السلف قبل مالك منع من التضحية ليلا.
القول الثاني: أنه يجوز الذبح ليلاً بمنى، قال بذلك أبو حنيفة، وروي عن مالك إن فعل ذلك أجزأه، وقال به أشهب من المالكية والشافعي، وهو رواية عن أحمد وقول أكثر الصحابة وبه قال ابن حزم: قال الباجي نقلا عن القاضي أبي الحسن: وقد روي عن مالك فيمن فعل ذلك أجزأه ونقل الباجي القول عن أشهب فيه أنه يجوز الذبح ليلا، وقال الشافعي- رحمه الله -: ويذبح في الليل والنهار وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح أو لا يوجد مساكين حاضرون فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين فسواء وقال النووي: مذهبنا جواز الذبح ليلا ونهارا في هذه الأيام لكن يكره ليلا وبه قال أبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور والجمهور وهو الأصح عن أحمد وقال ابن قدامة بعد ذكره لرأي الخرقي وقال غيره من أصحابنا: يجوز ليلتي يومي التشريق الأوليين وهو قول أكثر الفقهاء وقال في الشرح: وروي عن أحمد أن الذبح يجوز ليلا اختاره أصحابنا المتأخرون وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه انتهى كلامه.
واستدل لهذا القول بالكتاب والمعنى، أما الكتاب فقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [سورة الحج الآية 28].
وجه الدلالة: يمكن أن يقال: إن الأيام تطلق لغة على ما يشمل الليالي ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حمل الآية على ظاهرها وهو أنها تتناول الأيام دون الليالي أحوط من حملها على تناول الليل والنهار
رابعاً: مكان ذبح الهدي
لم نطلع على كلام أحد من أهل العلم أن هدي التمتع والقران يجوز ذبحه خارج الحرم ولم يرد في القرآن ولم نطلع على شيء من السنة يدل على جواز ذبحه خارج الحرم وقد جاءت أدلة من القرآن خاصة في غير هدي التمتع والقران وجاءت آية دالة بعمومها على محل هدي التمتع والقران وجاءت أدلة من السنة تدل على ذبحه في أي موضع من الحرم وفيما يلي بيان هذه الأدلة.
قال تعالى في المحصر: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) [سورة البقرة الآية 196]، وفسر محله بأنه الحرم عند القدرة على إيصاله وقوله - تعالى -في جزاء الصيد (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) [سورة المائدة الآية 95]، ومعلوم أنه لم يرد الكعبة بعينها وإنما أراد الحرم وقال: (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [سورة الحج الآية 33]، وهذا عام في الهدايا ومنها هدي التمتع والقران وأما الأحاديث فقد روى البيهقي أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل منى منحر وكل فجاج مكة طريق ومنحر))[40] ولتمام الفائدة نورد ما ذكره الزيلعي على هذا الحديث قال: روي من حديث جابر ومن حديث أبي هريرة فحديث جابر أخرجه أبو داود وابن ماجه عن أسامة بن زيد الليثي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ((كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر))[41] انتهى بلفظ أبي داود ومثله لفظ ابن ماجه. إلا أن فيه تقديماً وتأخيراً ولاختلاف لفظهما فرقهما ابن عساكر في موضعين من ترجمة عطاء عن جابر في أطرافه فجعلهما حديثين وليس بجيد والصواب ما فعله شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه فإنه ذكره في ترجمة واحدة والشيخ زكي الدين المنذري قلد ابن عساكر فلم يعزه في مختصر السنن لابن ماجه والله أعلم.
وأسامة بن زيد الليثي قال في التنقيح روى له مسلم متابعة فيما أرى ووثقه ابن معين في روايته انتهى فالحديث حسن واعلم أن بعض الحديث في مسلم أخرجه عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم))[42].
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود في الصوم عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفطر يوم تفطرون وأضحي يوم تضحون وكل عرفة موقف وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف))[43] انتهى.
قال المنذري في مختصره: قال ابن معين: محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال: أبو زرعة لم يلق أبا هريرة انتهى ورواه البزار في مسنده وقال: محمد بن المنكدر لا نعلمه سمع من أبي هريرة انتهى، وروى الواقدي في كتاب المغازي حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال في عمرة القضية وهديه عند المروة: ((هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر فنحر عند المروة))[44] انتهى كلام الزيلعي.
وقال ابن حجر في إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني: ضعف من السابقة روى له أبو داود والترمذي والنسائي.
خامساً: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق
دل الكتاب والسنة والإجماع وسد الذرائع على أنه لا يجوز أن يستعاض عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [سورة البقرة الآية 196].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]