عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-11-2019, 08:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ترجمة الإمام الزهري

ترجمة الإمام الزهري



عبدالله بن عبده نعمان العواضي




علْمُه رحمه الله:
نال ابن شهاب رحمه الله علمًا كثيرًا؛ لِما وهَبه الله من حافظة قوية، وفَهمٍ وقَّاد، وحرص كبير على سماع الشيوخ ومجالستهم، والأخذ عنهم، فصار بذلك واسع الاطلاع غزير المادة متعدد المعارف، وقد عرَف ذلك عنه مَن سأله أو جالسه، أو طلب العلم لديه، ولم يكن علمه مقصورًا على جانب واحد من جوانب المعرفة، بل كان متنوع العلوم، قال الليث: "ما رأيت عالِمًا قط أجمع من ابن شهاب، ولو سمعتَه يحدث في الترغيب والترهيب، لقلت: ما يحسن غير هذا، وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب، قلت: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدث عن الأعراب والأنساب، قلت: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدَّث عن القرآن والسنة، كان حديثه بدعًا جامعًا"[31].

و"عن جعفر بن ربيعة قال: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقضايا أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأفقههم فقهًا، وأعلمهم بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثًا فعروة، ولا تشاء أن تفجر من عبيدالله بن عبدالله بحرًا إلا فجَّرته، وأعلمهم عندي جميعًا ابن شهاب؛ فإنه جمع علمهم جميعًا إلى علمه"[32].

وقال سعيد بن عبدالعزيز عنه: "ما كان إلا بحرًا"[33]، وقال سفيان: "كان الزهري أعلم أهل المدينة"[34]، وقيل لمكحول: "مِن أعلم مَن لَقيت؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب"[35].

ومع هذه العلم الواسع فإنه كان متواضعًا يعرف لغيره قدره، فلذلك قال: "كنتُ أحسَب أني قد أصبتُ من العلم، حتى جالست عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، فكأنما كنت في شعب من الشعاب"[36].


وقد كان الزهري رحمه الله خبيرًا بالعلوم يعلم متى تصل إلى النفس فتبقى، ومتى تنفر عنها؛ فلهذا أوصى أهل العلم بوصية، فعن حماد بن زيد قال: كان الزهري يحدث، ثم يقول: "هاتوا من أشعاركم وأحاديثكم، فإن الأذن مَجاجة، وإن للنفس حَمْضة، وعن معمر عن الزهري، قال: "إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيبٌ"[37].

ولهذا التبحر المعرفي لدى ابن شهاب حث عمر بن عبدالعزيز الناس على الأخذ منه، فقال: "عليكم بابن شهاب هذا، فإنكم لا تلقون أحدًا أعلم بالسنة الماضية منه"[38].

جودُه رحمه الله:
كان الإمام الزهري رحمه الله بحرًا في علمه وبحرًا في سخائه وكرمه أيضًا، فالأعطيات التي كان ينالها من الأمراء كان ينفقها في جهات جوده ومعروفه، وفيه يقول فايد بن أقرم:

زُرْ ذَا وَأَثْنِ عَلَى الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ

وَاذْكُرْ فَوَاضِلَهُ عَلَى الْأَصْحَابِ



وَإِذَا يُقَالُ مَنِ الْجَوَادُ بِمَالِهِ

قِيلَ الْجَوَادُ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابِ



أَهْلُ الْمَدَائِنِ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُ


وَرَبِيعُ نَادِيهِ عَلَى الْأَعْرَابِ



يَشْرِي وفاء جفانه ويمدها

بكسور انتاج وَفَتْقِ لُبَابِ[39]






وكانت تمر به أوقات حاجة، فيذكره بعضهم بها حينما ييسر ويجد، من أجل أن يدخر له شيئًا لسد أمثال تلك الحاجة، ويخفف من بذله المال للناس، فيَعتذر لهم عن ذلك الكرم بأنه قد غدا فيه شيمة وطبعًا لا يقدر على فِراقه، قال مالك: "كان ابن شهاب من أسخى الناس، فلما أصاب تلك الأموال، قال له مولى له وهو يعظه: قد رأيت ما مرَّ عليك من الضيق، فانظر كيف تكون، أمسك عليك مالك، قال: إن الكريم لا تحنكه التجارب"[40].


بل قد وصل به الكرم أنه كان إذا فني ما عنده، استسلف من غيره ليستمر سخاؤه بين الناس، فقد نزل يومًا بماء من المياه، فالتمس سلفًا فلم يجد، فأمر براحلته فنُحرت، ودعا إليها أهل الماء، فمر به عمُّه فدعاه إلى الغداء، فقال: يا بن أخي، إن مروءة سنة تذهب بذل الوجه ساعة، قال: يا عم، انزل فأطعم، وإلا فامض راشدًا، ونزل مرة بماء، فشكا إليه أهل الماء أن لنا ثماني عشرة امرأة عمرية - أي: لهن أعمار - ليس لهن خادم، فاستسلف ابن شهاب ثمانية عشر ألفًا، وأخدم كل واحدة خادمًا بألف" [41].


يقول الليث بن سعد عن جوده: "كان ابن شهاب يختم حديثه بدعاء جامع، يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمُك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شرٍّ أحاط به علمُك في الدنيا والآخرة، وكان من أسخى مَن رأيت.."[42].


ولم يكن المال عند ابن شهاب محبوبًا يحب وصاله والبقاء معه، بل كان يراه شيئًا هينًا يتخلص منه في وجوه الخير، قال عمرو بن دينار: "ما رأيت أحدًا أهون عنده الدراهم منه.."[43].

وفاتُه رحمه الله:
توفي الإمام الزهري ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة (124هـ)، وكان له أرض في شَغْب - وهي آخر حد الحجاز وأول حد فلسطين - ذهب إليها، فمرض بها أيامًا فمات فيها، وفيها قبره، وقد أوصى أن يدفن هناك على قارعة الطريق ليدعو له المارة.




[1] سير أعلام النبلاء للذهبي (10/ 45).



[2] رواه البخاري (1/ 50) ( 100)، ومسلم (4/ 2058) (2673).



[3] شرح البخاري للسفيري (المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية) (2/ 152).




[4] المرجع السابق.



[5] تفسير البغوي (3/ 28).



[6] شرح البخاري للسفيري = (المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية) (2/ 152).



[7] المرجع السابق.



[8] تفسير ابن كثير (4/ 472).




[9] معجز أحمد للمعري (ص: 111).




[10] طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (8/ 201).



[11] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 326)، البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341) (9/ 344)، تهذيب التهذيب لابن حجر (30/ 445).



[12] العمش: ضعف البصر، والجمة: ترامى من شعر الرأس على المنكبين.



[13] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 332)، البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341).



[14] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341).




[15] تهذيب التهذيب لابن حجر (30/ 445)، سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 326).



[16] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341).



[17] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 335).



[18] تهذيب التهذيب لابن حجر (30/ 448).



[19] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341).




[20] المرجع السابق (9/ 341).




[21] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 332).



[22] المرجع السابق (5/ 344).



[23] المرجع السابق.



[24] المرجع السابق.



[25] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 342).



[26] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 337).




[27] المرجع السابق (5/ 346).



[28] جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر (1/ 76).




[29] فتح المغيث للسخاوي (2/ 164).



[30] ألفية السيوطي في علم الحديث (ص: 4).



[31] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 342).



[32] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 337).



[33] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 336).



[34] المرجع السابق.



[35] المرجع السابق.



[36] المرجع السابق (5/ 344).




[37] المرجع السابق (5/ 341).




[38] المرجع السابق (5/ 336).



[39] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 342).




[40] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 338).




[41] المرجع السابق (5/ 340).



[42] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 335)، البداية والنهاية لابن كثير (9/ 343).




[43] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 334).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]