عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 01-11-2019, 03:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,489
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

فن الوعظ أهميته وضوابطه
عبد الحكيم بن محمد بلال



مدخل:
في لسان العرب: الموعِظة: النصح والتذكير بالعواقب [1]، والوعظ هو: ذلك الأسلوب الذي يستخدمه الداعية إلى الله إذا أراد نصح الناس وتذكيرهم بالعواقب، فيرغبهم في الحسنة وثوابها، ويرهبهم من السيئة وعقابها، على الوجه الذي يرق له القلب ويبعث على العمل.
ولا غنى للداعية عن استخدام أسلوب الوعظ في دعوته للناس وتربيته لهم، فقد أمر الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في دعوته، فقال - عز وجل -: (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..)
(النحل: 125)، وقال - سبحانه وتعالى -: (.. وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (النساء: 63)، كما أمر تعالى- به رسله من قبل، فكان نهجهم في دعوتهم، قال تعالى-: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه: 44)، فالموعظة وسيلة الذكرى، وسبيل الخشية، والقرآن كله موعظة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين ) (يونس: 57).
فالوعظ أسلوب دعوي له أهمية بالغة في إصلاح القلوب، وتهذيب النفوس؛ ذلك أنه متعلق بطب الأرواح وعلاجها من أمراضها الفتاكة القاتلة، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله، فانبعثت الأعضاء بالأعمال الصالحة مصداقاً على الإيمان.
وكم يكون لكلمة الواعظ من الأثر البالغ في نفوس سامعيها، خاصة إذا نظرنا لما تيسر في هذه الأزمان من وسائل وأدوات، تمكّن الواعظ المربي من إيصال كلمته إلى الآلاف المؤلفة ممن لا تتهيأ لهم رؤيته ولا لقاؤه.
ظهور الوعاظ:
نظراً لأهمية الوعظ فقد حرص عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وكان يتخول أصحابه بالموعظة، ثم حرص عليه الصحابة رضي الله عنهم عند تفرقهم في الأمصار، وكثرة الداخلين في الإسلام، ثم شاع ذلك في عصر التابعين، وبرز منهم: الحسن البصري - رحمه الله -، فكان له مجلس يعظ الناس فيه.
ومع ظهور التأليف وُجد من اهتم بهذا الجانب وكتب فيه، كالإمام أحمد الذي ألف كتاباً في الزهد، ومثله ابن المبارك وهناد ابن السري وغيرهما، وخصص الإمام البخاري كتاباً في صحيحه أسماه: "الرقائق"، ومثله الإمام مسلم الذي ضَمّن صحيحه كتاباً بعنوان: "الزهد والرقائق".
واهتم به من المتأخرين جمّ من العلماء كابن الجوزي، وابن القيم، وابن رجب، وغيرهم كثير.
وفي أواخر عصر التابعين ظهر القصاص والوعاظ، ثم كثروا، وقلت عنايتهم بالسنة، واختلط الحابل بالنابل، وصار بعض الوعاظ كحاطب ليل لا يدري ما يقول، أصحيح أم باطل، صدق أم كذب؟!. كما ذكر ابن الجوزي: "أن الوعاظ كانوا في قديم الزمان علماء فقهاء... ثم خسّت هذه الصناعة، فتعرض لها الجهال، فبَعُد عن الحضور عندهم المميزون من الناس، وتعلق بهم العوام والنساء، فلم يتشاغلوا بالعلم وأقبلوا على القصص، وما يعجب الجهلة، وتنوعت البدع في هذا الفن" (2).
المخاطبون بالوعظ:
يحتاج الناس كلهم إلى المواعظ والتذكير، صغيرهم وكبيرهم، جاهلهم وعالمهم، فاجرهم وتقيهم، ولو كان أحد في غنية عنها لكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتعهدهم بالمواعظ، ويهذب نفوسهم بما يرقق قلوبهم، والشواهد من السنة متوافرة.
ولكن ينبغي أن يكون خطاب الناس على قدر عقولهم ومداركهم وعلومهم، فلا يكون الخطاب واحداً لكل أحد، وذلك لسببين:
الأول: تفاوت الناس في الدرجات، وبالتالي في الواجبات، فقد يجب على العالم ما لا يجب على الجاهل، ويجب على الغني ما لا يجب على الفقير، ويجب على القادر القوي ما لا يجب على العاجز الضعيف، وهكذا..
الثاني: أن بعض الحديث يكون فتنة إذا كان مما يُساء فهمه، ولذا قال علي -رضي الله عنه-: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!" (3)، أي: بما يفهمون، وفي بعض رواياته: "ودعوا ما ينكرون" أي: يشتبه عليهم فهمه، وقال ابن مسعود: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" (4).
أساليب الوعظ:
لا تظن أن الوعظ لا يكون إلا بخطب رنانة، أو كلام مطوّل يُجمع له الناس، ويتهيئون له، ثم تُطَأطأ الرؤوس ويبدأ الواعظ بسرد موعظته! فكل هذا غير لازم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعظ أصحابه بالخطبة، وقد يعظهم بما يناسب الحال، فيذكرهم بحقارة الدنيا حين يرى جَدْياً أَسَكّ، ويذكرهم بنعيم الجنة حين يعجب أصحابه من حلة حرير، ويذكرهم برحمة الله حين يرى امرأة تبحث عن صبيّها في السبي، ثم تضمه وترضعه، وهكذا... فقد تكون الموعظة قصة تُسرد، أو مثلاً يُضرب، أو جملة تقال، أو فعلاً يحتذى به، بدون تكلف أو تقعر.
ضوابط الوعظ:
في هذا العصر كثر في الوعاظ الاعتماد على الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة التي تُذْكَر بصيغة الجزم، وكذا: الاعتماد على القصص المحكية التي لا زمام لها ولا خطام، كما نجد من يعتمد الوعظ أسلوباً وحيداً في الدعوة لا ثاني له، أو يُكثر من وَعْظ الناس كثرةً تملّهم...
فلهذه الأمور ونحوها تبرز الحاجة الملحة للتنبيه على بعض الضوابط التي ترد الأمر إلى نصابه، وتجعل الوعظ في صورته الشرعية البهيّة المؤثرة النافعة.
ومن هذه الضوابط ما يلي:
أولاً: الاعتماد على الكتاب والسنة:
يجب أن يكون اعتماد الواعظ في وعظه على كتاب الله تعالى-، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهما أصل كل موعظة، عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتفرجوا، وداع يدعو من جوف الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه، والصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله تعالى-، والأبواب المفتحة: محارم الله -تعالى-، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله - عز وجل -، والداعي فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم))(5).
والواعظ حين يحث الناس على أمر ويُحذّرهم من آخر ينبغي أن يبين لهم الدليل، ولا يجعل حديثه مجرد أوامر ونواهٍ مجردة عن الدليل، وعن ذكر المنافع أو المضار للشيء المأمور به أو المنهي عنه، وكل ذلك مُتضمن في الكتاب والسنة، بالتأمل والتدبر لنصوصهما، فإذا ما أراد الواعظ أن يُثري موعظته ويُبلغ كلامه فإن أمامه مواعظ يعجز الفصحاء عن مجاراتها، وينقطع الحكماء دون محاكاتها، وأين كلام الله من كلام البشر، وأين كلام من لا ينطق عن الهوى من كلام عامة البشر؟! وقد يعطي الله -تعالى- بعض خلقه لساناً فصيحاً وبياناً بليغاً، لكن الموعظة منه لا تكمل دون الاستشهاد بالكتاب والسنة؛ فإن لهما أثراً وهيمنة على القلوب.
ثانياً: في الصحيح غنية عن الضعيف:
وعند اعتماد الواعظ الكتاب والسنة، فإنه سيجد في تفسير القرآن كثيراً من الروايات الضعيفة، والإسرائيليات الموضوعة، وسيجد في كتب الحديث كثيراً من الأحاديث التي لا تثبت، وحينئذ: فإن عليه الحيطة والحذر بمراجعة كلام أهل العلم فيها، وهذا التحري دليل على صدق الواعظ؛ ففي حديث مسلم: ((كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع))(6).
وقد كان حال الوعاظ في هذا الباب عجباً، فقد قلّ فيهم العلم، وصدق في بعضهم قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إنكم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، وإن بعدكم زماناً كثير خطباؤه، والعلماء فيه قليل" (7)، وصار كثير منهم لا يهتمون بتمييز القصص والحكايات، فهمّهم الإتيان بالغريب من الأخبار، والعجيب من القصص، التي قد ينشدّ لها العوام والجهلة، وبلغ ببعضهم الحال إلى أن اقترن ذكره بالوضع في الحديث والكذب فيه، حسبة للأجر والثواب!، أو تكسباً واسترزاقاً، وعدّهم أهل الحديث في جملة الوضاعين (8).
وقد طفحت كتب المواعظ بالقصص المنكرة، والعجائب المختلقة، ولهذا حذر الأئمة من أخبار القصاص ورواياتهم، فألف ابن تيمية كتاباً سماه: "أحاديث القصاص"، وألف السيوطي كتاباً سماه: "تحذير الخواص من أكاذيب القصاص"، ولابن الجوزي: "القصاص والمذكرين" (*) ونحوها كثير.
ومن كتب الوعظ التي ينبغي الحذر منها، حيث كثر فيها الغث: "الروض الفائق في المواعظ والرقائق" لأبي مدين الحريفيش، "وروض الرياحين في حكايات الصالحين" لأبي السعادات اليافعي، و "قرة العيون ومفرح القلب المحزون، وبستان العارفين، وتنبيه الغافلين" كلها لأبي الليث السمرقندي، و "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي (**).
ولئن أجاز بعض السلف ذكر الحديث الضعيف في أبواب الفضائل، فإن هذا ليس على إطلاقه، فقد شرطوا له شروطاً ثلاثة:
1- ألا يكون الضعف شديداً.
2- أن يكون الحديث مندرجاً تحت أصل عام.
3- ألا يعتقد عند العمل به ثبوته (9).
ولا يخفى أن هناك فرقاً بين ذكر الحديث الضعيف والاحتجاج به، فإن ذكره لا يعني إثبات حكم شرعي به (10).
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]