مقاصد المكلفين (7)
زين العابدين كامل
ما زلنا نطوف حول أمر النية وأهميتها للعبد، وقد ذكرنا في المقال السابق أن العمل بلا نية لا فائدة منه؛ فالعبادات التي تخلو من النية لا قيمة لها أبدًا؛ لأن الأصل مفقود وهو النية، ونسلط الضوء في هذا المقال -بمشيئة الله تعالى- على مسألة الحساب يوم القيامة؛ فإن الحساب يوم القيامة يكون على نية العبد؛ فهي المقياس الذي يحاسب العباد على أساسه.
ففي الحديث عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يغزو جيش الكعبة؛ فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم» قالت: يا رسول الله، كيف يُخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟ قال: «يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم» (متفق عليه) وهذا لفظ البخاري، فهذا الجيش الذي سيتحرك نحو الكعبة لغزوها وهدمها، إذا كان بأرض واسعة متسعة، خسف الله بأولهم وآخرهم، فلما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ورد على خاطر عائشة -رضي الله عنها- سؤال، فقالت: «يا رسول الله كيف يُخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟» أسوأقهم: أي الذين جاؤوا للبيع والشراء؛ ليس لهم قصد سيء في غزو الكعبة، وفيهم أناس ليسوا منهم تبعوهم من غير أن يعلموا بخطتهم، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «يخسف بأولهم وآخرهم وأسواقهم ومن ليس منهم ثم يبعثون يوم القيامة على نياتهم».
معنى ذلك أنهم يبعثون على أحوال شتى، لا يبعثون جميعًا على حال واحدة، مع أنهم جاؤوا جميعًا مع هذا الجيش، سواء كانوا من التجار، أم من السوقة، أم غير ذلك، وقد جاء في رواية مسلم: «يهلكون مهلكًا واحدًا ويصدرون مصادر شتى» وفي حديث أم سلمة عند مسلم: فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: يُخسف به، ولكن يبعث يوم القيامة على نيته أي: يخسف بالجميع لشؤم الأشرار ثم يعامل كل أحد عند الحساب بحسب قصده، وفي رواية عند مسلم «فقلنا: إن الطريق تجمع الناس قال: «نعم فيهم المستنصر لذلك» أي: للمقاتلة «والمجبور» أي المكره «وابن السبيل» أي: سالك الطريق معهم وليس منهم، فقال «يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم».
ومما يدل على هذا المعنى أيضًا ما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استُشهد، فأُتى به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استُشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتى به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار» (رواه مسلم)
ففي هذا الحديث بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حال ثلاثة أصناف من الناس، عملوا أعمالاً ظاهرها الصلاح؛ لكنها فقدت شرطاً مهماً ألا وهو الإخلاص لله -تعالى- في أعمالهم؛ فاستحقوا بذلك أن يكونوا أول من تسعر بهم النار يوم القيامة والعياذ بالله، ولهذا لابد أن ننتبه جيدًا لهذا الأمر و أن نخلص العمل لله، وأن نحذر من الرياء ومن كل ما يخل بالعمل أو ينقص من أجره وثوابه يوم القيامة؛ فالحساب يكون على نيات العباد وقدر إخلاصهم لله -تعالى.