عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18-10-2019, 09:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,220
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح أحاديث باب التوبة من كتاب رياض الصالحين

شرح أحاديث باب التوبة من كتاب رياض الصالحين (1)
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين





أما الشرط الرابع: فهو العزم على أن لا تعود في المستقبل؛ بأنك لن تعود إلى هذا العمل في المستقبل، فإن كنت تنوي أن تعود إليه عندما تسمح لك الفرصة؛ فإن التوبة لا تصح؛ مثل: رجل كان - والعياذ بالله - يستعين بالمال على معصية الله، يشتري به المسكرات، يذهب إلى البلاد يزني - والعياذ بالله - ويسكر، فأصيب بفقر، وقال: اللهم إني تبت إليك، وهو كاذب، يقول: تبت إليك، وهو في نيته أنه إذا عادت الأمور إلى مجاريها الأولي فعل فعله الأول.



فهذه توبة عاجز، تبت أم لم تتب لست بقادر على فعل المعصية؛ لأنه يوجد بعض الناس يصاب بفقر، فيقول: تركت الذنوب، لكن يحدِّث قلبه أنه لو عاد إليه ما افتقده لعاد إلى المعصية مرة ثانية، فهذه توبة غير مقبولة؛ لأنها توبة عاجز، وتوبة العاجز لا تنفعه.



الشرط الخامس: أن تكون في زمن تُقبل فيه التوبة، فإن تاب في زمن لا تُقبل فيه التوبة لم تنفعه التوبة؛ وذلك على نوعين:

النوع الأول: باعتبار كل إنسان بحسبه.

النوع الثاني: باعتبار العموم.



أما الأول: فلابد أن تكون التوبة قبل حلول الأجل- يعني: الموت - فإن كانت بعد حلول الأجل، فإنها لا تنفع التائب؛ لقول الله تعالى: ï´؟ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ï´¾ [النساء: 18]؛ هؤلاء ليس لهم توبة.



وقال تعالى: ï´؟ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ï´¾ [غافر: 84،85]؛ فالإنسان إذا عاين الموت وحضره الأجل؛ فهذا يعني أنه أيس من الحياة، فتكون توبته في غير محلها، بعد أن أيس من الحياة، وعرف أنه لا بقاء له يذهب فيتوب! هذه توبة اضطرار، فلا تنفعه، ولا تُقبل منه، لابد أن تكون التوبة سابقة.



أما النوع الثاني: وهو العموم، فإن الرسول - عليه الصلاة والسلام - أخبر بأن الهجرة لا تنقطع حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها.



فإذا طلعت الشمس من مغربها، لم ينفع أحدًا توبة؛ قال الله سبحانه: ï´؟ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ï´¾ [الأنعام: 158]؛ وهذا البعض هو طلوع الشمس من مغربها؛ كما فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.



إذا فلا بد أن تكون التوبة في وقت تُقبل فيه التوبة، فإن لم تكن كذلك فلا توبة للإنسان.



ثم أختلف العلماء - رحمهم الله - هل تُقبل التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، أو لا، في هذا ثلاثة أقوال لأهل العلم:

1- منهم من قال: إنها تصح التوبة من الذنب وإن كان مُصِرًّا على ذنب آخر، فتُقبل توبته من هذا الذنب، ويبقى الإثم عليه في الذنب الآخر بكل حال.



2- ومنهم من قال: لا تُقبل التوبة من الذنب مع الإصرار على ذنب آخر.



3- ومنهم من فَصَّل فقال: إن كان الذنب الذي أصر عليه من جنس الذنب الذي تاب منه؛ فإنها لا تُقبل، وإلا قُبِلت.



مثال ذلك: رجل تاب من الربا ولكنه - والعياذ بالله - يشرب الخمر ومُصِرٌّ على شرب الخمر.



فهنا من العلماء من قال: إن توبته من الربا لا تُقبل، كيف يكون تائبًا إلى الله وهو مُصِرٌّ على معصيته؟

وقال بعض العلماء: بل تقبل؛ لأن الربا شيء وشرب الخمر شيء آخر؛ وهذا هو الذي مشى عليه المؤلف - رحمه الله - وقال: إنها تُقبل التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره عند أهل الحق.



فهذا فيه الخلاف: بعضهم يقول: تُقبل: وبعضهم يقول: لا تُقبل.



أما إذا كان من الجنس؛ مثل أن يكون الإنسان - والعياذ بالله - مبتلى بالزنا، ومبتلى أيضًا بالاطلاع على النساء، والنظر إليهن بشهوة، وما أشبه ذلك، فهل تُقبل توبته من الزنا وهو مُصِرٌّ على النظر إلى النساء لشهوة، أو بالعكس؟

هذا فيه أيضًا خلاف؛ فمنهم من يقول: تصح.

ومنهم من يقول: لا تصح التوبة.



ولكن الصحيح في هذه المسألة أن التوبة تصح من ذنب مع الإصرار على غيره، لكن لا يعطى الإنسان اسم التائب على سبيل الإطلاق، ولا يستحق المدح الذي يُمدح به التائبون؛ لأن هذا لم يتب توبة تامة بل توبة ناقصة، تاب من هذا الذنب فيرتفع عنه إثم هذا الذنب، لكنه لا يستحق أن يوصف بالتوبة على سبيل الإطلاق؛ بل يقال: هذا توبته ناقصة وقاصرة؛ فهذا هو القول الذي تطمئن إليه النفس؛ أنه لا يعطى الوصف على سبيل الإطلاق، ولا يحرم من التوبة التي تابها من هذا الذنب.



قال المؤلف - رحمه الله -: «إن النصوص من الكتاب والسنه تظاهرت وتضافرت على وجوب التوبة من جميع المعاصي»: وصدق - رحمه الله - فإن الآيات كثيرة في الحث على التوبة وبيان فضلها وأجرها، وكذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



وقد بيَّن الله تعالى في كتابه أنه - سبحانه - يحب التوابين ويحب المتطهرين.

التوابون: الذين يكثرون التوبة إلى الله - عز وجل - كلما أذنبوا ذنبًا تابوا إلى الله.



ثم ذكر المؤلف من الآيات قول الله تعالى: ï´؟ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ï´¾ [النور: 31]، هذه الجملة ختم الله بها آيتي وجوب غض البصر، وهي قوله: ï´؟ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ï´¾ إلى قوله: ï´؟ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [النور: 30، 31].



ففي هذه الآية دليل على وجوب التوبة من عدم غض البصر، وحفظ الفرج؛ لأن غض البصر؛ يعني: قصره وعدم إطلاقه، ولأن ترك غض البصر وحفظ الفرج، كل ذلك من أسباب الهلاك وأسباب الشقاء، وأسباب البلاء، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»، و«إِنَّ أَوْلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ».



ولهذا كان أعداؤنا - أعداء الإسلام - بل أعداء الله ورسوله؛ من اليهود، والنصارى، والمشركين، والشيوعيين، وأشباههم، وأذنابهم، وأتباعهم؛ كل هؤلاء - يحرصون غاية الحرص على أن يفتنوا المسلمين بالنساء؛ يدعون إلى التبرج، يدعون إلى اختلاط المرأة بالرجل، يدعون إلى التفسخ في الأخلاق، يدعون إلى ذلك بألسنتهم، وأقلامهم، وأعمالهم - والعياذ بالله - لأنهم يعلمون أن الفتنة العظيمة التي ينسى بها الإنسان ربه ودينه، إنما تكون في النساء؛ النساء اللاتي يَفْتِنَّ أصحاب العقول؛ كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ».



هل تريد شيئًا أبين من هذا.



أذهب لِلُبِّ الرجل: - لعقله - الحازم، فما بالك بالرجل المهين، الذي ليس عنده حزم، ولا عزم، ولا دين، ولا رجولة؛ يكون أشد والعياذ بالله.



لكن الرجل الحازم تُذْهِب النساءُ عقلَه، نسأل الله العافية.



وهذا هو الواقع؛ لذلك قال الله تعالى عقب الأمر بغض البصر، قال: ï´؟ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [النور: 31]، وقوله عز وجل: ï´؟ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا ï´¾ يدل على أنه ينبغي لنا - بل يجب علينا - أن نتواصى بالتوبة، وأن يتفقد بعضنا بعضًا؛ هل الإنسان تاب من ذنبه، أو بقي مُصِرًّا عليه؛ لأنه وجَّه الخطاب للجميع: ï´؟ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ï´¾، وفي قوله تعالى: ï´؟ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾؛ دليل على أن التوبة من أسباب الفلاح، والفلاح - كما قال أهل العلم بالتفسير وباللغة - الفلاح: كلمة جامعة يحصل بها المطلوب ويزول بها المرهوب، فهي كلمة جامعة لخير الدنيا والآخرة.



وكل إنسان يطلب خير الدنيا والآخرة؛ ما تجد إنسانًا - حتى الكافر يريد الخير، لكن من الناس من يُوفَّق ومنهم من لا يُوفَّق.



الكافر يريد الخير؛ لكنه يريد خير الدنيا؛ لأنه رجل بهيمي؛ هو شر الدواب عند الله؛ ï´؟ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ï´¾ [الأنفال: 55]؛ شَرٌّ من كل دابة تدب على الأرض؛ ومع ذلك هو يريد الخير، ويريد الرفاهية، ويريد التنعم بهذا الدنيا، لكنها -أي: الدنيا- جنته، والآخرة - والعياذ بالله - عذابه وناره.



المهم أن كل إنسان يريد الفلاح، لكن على حسب الهِمَّة، المؤمن يريد الفلاح في الدنيا والآخرة، والكافر لا يؤمن بالآخرة؛ فهو يريد الفلاح في الدنيا.



من أسباب الفلاح: التوبة إلى الله - عز وجل - كما في الآية: ï´؟ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ï´¾ [النور: 31]؛ أي: لتنالوا الفلاح؛ وذلك بحصول المطلوب وزوال المرهوب. والله الموفق.




المصدر: « شرح رياض الصالحين »





[1] أخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت» (291)، وضعَّفه الألباني في «الضعيفة» (1519).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.62 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]