عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-10-2019, 05:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لباس المرأة أمام المرأة أحكامه وضوابطه

لباس المرأة أمام المرأة أحكامه وضوابطه
فيصل بن عبد اللّه العمري




وقال الإمام القرطبي: " وقوله: ((ونساء كاسيات، عاريات)) قيل في هذا قولان:
أحدهما: أنهن كاسيات بلباس الأثواب الرقاق الرفيعة التي لا تستر منهن حجم عورة، أو تبدي من محاسنها - مع وجود الأثواب الساترة عليها - ما لا يحل لها أن تبديه، كما تفعل البغايا المشتهرات بالفسق.
وثانيهما: أنهنَّ كاسيات من الثياب، عاريات من لباس التقوى؛ الذي قال الله - تعالى -فيه: ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) (26) سورة الأعراف
قلت: ولا بُعد في إرادة القدر المشترك بين هذين النوعين؛ إذ كل واحد منهما عُرِيٌّ؛ إنَّما يختلفان بالإضافة". (المفهم: 7/488)
الضابط الثاني: أن لا يكون فيه تشبه:
ويدخل في ذلك مسألتان:
- التشبه بالكفار والفساق:
ميز الله المسلم في كل شيء حتى في مظهره وملبسه، لذلك نهاه عن التبشبه بالكافر والفاسق، وأمره بمجانبته في كل شيء، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه أحمد وأبو داود، وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر، وحسنه الألباني. (انظر شرح المسند لأحمد شاكر: 7/121، إرواء الغليل: 5/109)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا الحديث: " وهذا أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله - تعالى -: ( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (51: المائدة)" (اقتضاء الصراط المستقيم: 1/237)
قال الصنعاني: " والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو بالكفار أو بالمبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة" (سبل السلام: 4/348)
وقال الشيخ ابن باز عن هذا الحديث: "وهو غاية في الزجر عن التشبه بالفساق أو بالكفار في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو هيئة" مجموع فتاوى ابن باز (25 / 350)
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له حين رأى عليه ثوبين معصفرين: ((إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)) أخرجه مسلم
فنهاه - صلى الله عليه وسلم - عن لبسهما لأن في لبسهما تشبُّه بالكفار.
قال أحمد شاكر: " هذا الحديث يدل على حرمة التشبه بالكفار في الملبس، وفي الحياة والمظهر، ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا، أعنى حرمة التشبه بالكفار"(انظر شرح المسند لأحمد شاكر: 10/19)
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب إلى المسلمين المقيمين ببلاد فارس: " إياكم والتنعم، وزي أهل الشرك".
وبهذا يتضح أنه لا يجوز للمسلم أن يتشبه بالكفار، ومن ذلك التشبه بهم في ملابسهم، وقد بُلي المسلمون في هذا الزمن بمناظر الكفار ومُشاهدتهم في منازلهم، عبر القنوات وما تبثه من أفلام ومسلسلات، وعروض للأزياء، وكذلك ما ينشر في المجلات وما فيها من أزياء مستهجنة، وكلها مع الأسف من الملابس التي لا تخلو من حرمة وخدش للحياء، ويكفي أن الذي يروج لها ويلبسها ممن من ليس لهم في الآخرة من خلاق، ولم يتربوا على الحياء والأخلاق.
وضابط التشبه المنهي عنه بالكفار في الملابس: أن تكون من خصائصهم، أو مما تميزوا به عن غيرهم، أما إذا كان اللباس مما يشترك في لبسه المسلمون والكفار، ولم يكن محرماً في ديننا بنص خاص به كلبس الحرير للرجال، أو الملابس العارية للنساء فلا بأس به. (انظر فتاوى اللجنة الدائمة (2/429) و مجموع فتاوى ابن باز (25 / 350)، والمجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين (3/103) وغيرها)
أما إذا كان اللباس محرماً في ديننا فلا يجوز لبسه حتى لو اشتهر لبسه بين المسلمين، وأصبح من عاداتهم، لأن العرف والعادة لا تحلل ما حرمه الله.
ومع الأسف أن كثيراً ممن يلبس الملابس المحرمة، يستدل بجواز لبسها بعرف الناس وعادتهم، ويقول (كل الناس تلبس هذا) وليس في هذا حجة لأن فعل الناس لأمر ولو انتشر بينهم لا يحلله، فالتحليل والتحريم حق لله وحده، ربطه - سبحانه - بكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ولا نستطيع أن نقول أن هذا اللباس المعين حرام لأن فيه تشبه، لكن تحرص المسلمة عند اختيارها لملابسها أو ملابس أولادها أن تكون بعيدة عن ملابس أهل الكفر والفسق، كالمغنيات والممثلات، ونحوهن ممن يظهرن في القنوات والمجلات، وأن تكون من الملابس المحتشمة التي تتشبه فيها بالفاضلات والصالحات، وأن ترتفع بذوقها أن تكون إمعة كلما رأت أزياء اتبعتها بدون نظر ولا حذر، وإنما همها أن تكون متميزة ولو كانت إمعة، وقد حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إتباع وتقليد اليهود والنصارى في قوله: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن)) متفق عليه. وهذا خبر في سياق الذم والتحذير.
ثم إن المشابهة للكفار والفساق في الملبس والمظهر الخارجي يوجب المودة والمشابهة في الباطن، ويُحبب أهل الكفر والفسق وأعمالهم إلى من تشبه بهم في مظهرهم وملبسهم، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر محسوس ومشاهد، قال ابن تيمية: " المشابهة في الأمور الظاهرة تورث تناسبا وتشابها في الأخلاق والأعمال ولهذا نهينا عن مشابهة الكفار ومشابهة الأعاجم ومشابهة الأعراب" (مجموع الفتاوى: 22 / 154).
وهذا من علة النهي عن التشبه بهم، لهذا يجب على كل مسلم والمسلمة الحذر من كل فعل يؤدي به إلى موادة الكفار ومشاكلتهم في أخلاقهم أو عاداتهم لأن هذا يؤدي به إلى مشابهتهم في عقائدهم وعباداتهم، وقد قال - تعالى -: ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (22) سورة المجادلة (انظر لتفصيل ذلك اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام ابن تيمية)
- أن لا يكون فيه تشبه بالرجال:
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال" رواه البخاري.
وزاد في لفظ آخر عند البخاري: " أخرجوهم من البيوت"
وذلك لأن الإسلام ميز بين الرجل والمرأة، لاختلاف ما بينهما في الطبيعة والصفات والتركيب، قال - تعالى -: ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) (36: آل عمران)
والضابط في ذلك: أن كل ما أختص به الرجال شرعاً أو عرفاً منع منه النساء، فكل ما يتميز به الرجال عن النساء يمنع منه النساء، وهذا ليس خاصاً باللباس وإن كان هو الغالب، إلا أنه يدخله فيه الحركات والكلام ونحو ذلك.
ويعرف اختصاص أحدهما بأمر دون الآخر بأحد أمرين:
1- الشرع: وهو أن ينص الدليل على تخصيص لباس معين لأحدهما كالحرير والذهب للنساء، فهذا لا يجوز لبسه للرجال، للنهي عنه، وكلبس العمامة للرجال، فهي من خصائصهم أخرج الطبراني في الأوسط عن بن عمر - رضي الله عنه -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمم عبد الرحمن بن عوف فأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوها ثم قال: هكذا فاعتم فإنه أعرب وأحسن" (وأخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ووافقه الذهبي، و قال السيوطي: إسناده حسن) فلا يجوز للمرأة أن تلبس العمامة، ولا أن تلف على رأسها ما يشبه عمائم الرجال، وفي الحديث عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وهي تختمر، فقال: (( لَيَّةً لاَ لَيَّتَيْنِ)). (رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وضعفه الألباني رقم: 4963 في ضعيف الجامع)
قال أهل العلم: أمرها أن تلوي خمارها على رأسها وتديره مرة واحدة لا مرتين لئلا يشبه اختمارها تدوير عمائم الرجال إذا اعتموا فيكون ذلك من التشبه المحرم. (انظر عون المعبود: 11/116، النهاية في غريب الحديث: 4/279)
2- العرف: وهو أن يكون العرف السائد في المجتمع أن هذا اللبس خاص بالرجال، فلا يجوز للنساء لبسه، لأن القاعدة " أن العادة محكمة" وليس معنى هذا أن العادة تبيح لبس كل ما تعارف الناس على لبسه، بل هذا مشروط بأن لا يكون فيه نص بحرمة لبسه، لأنه لا اعتبار للعرف إذا صادم النص كما هو مقرر في قواعد الشريعة، ومثال ذلك أن يكون من العرف أن يلبس النساء البنطلون، فهذا العرف لا يُجّوِز لبس البنطلون للنساء؛ لأنه محرم كما سبق بيانه، لعدم تحقيقه للستر اللازم في حق المرأة.
قال شيخ الإسلام’ في كلامه على مسالة تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء: "... وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعًا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه، ويعتادونه، فإنه لو كان كذلك، لكان إذا اصطلح قوم على أن يلبس الرجال الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق، والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان، وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة، ونحو ذلك أن يكون هذا سائغًا. وهذا خلاف النص والإجماع". (مجموع الفتاوى: 22/146)
وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تلبس الملابس التي فيها تشبه بالرجال سواء بالكلية كأن تلبس ثوب رجلٍٍ، أو كان في بعض تفاصيله كأن تجعل ضمن ملابسها ما يشبه لباس الرجل، فتلبس ثوباً بجيبين عن اليمن والشمال، وتجعل تفصيله كثوب الرجل، أو تلبس قميصاً يشبه في تفصيله وتقاسيمه، قُمص الرجال، و قس على ذلك، وليس النهي خاصاً بالثياب والملابس، بل يدخل في ذلك الساعات، والحقائب والأحذية وغيرها، ومع الأسف أنك أصبح تذهب إلى السوق وتنظر إلى المعروضات من ملابس وغيرها، فلا تفرق بين ملبوس الذكر والأنثى، وخاصة في ملابس الأطفال، وفي الأحذية، بل قد تجزم أن هذه الحذاء للرجال، فتفاجاء أنه معروض للنساء ومن ملبوساتهن، عن أبي مليكة’ قال قيل لعائشة - رضي الله عنها -: " أن المرأة تلبس النعل فقالت: لعن رسوا الله - صلى الله عليه وسلم - الرجلة من النساء" رواه أبو داود. (وهو يريد النعل الخاص بالرجال)
فينبغي الحذر من أن تقع المسلمة في اللعنة أو توجبها لابنتها أو ابنها، وذلك بأن تلبس هي أو تلبسهم ملابس فيها تشبه.
وقد عدّ كثير من أهل العلم تشبُّه النّساء بالرّجال، وتشبه الرجال بالنساء كبيرة من الكبائر كالذّهبي والهيتمي - رحمهم الله -، (انظر " الكبائر " للذهبي ص(134) الكبيرة: الثالثة والثلاثون و" الزواجر " للهيتمي (1/404) الكبيرة: السابعة بعد المائة).
ومع الأسف أنك أصبحت ترى في بعض الأحيان الولد وأخته فلا تفرق بين ملابسهم، وقد يعتذر الأب بأنهم صغار وليس في هذا عذر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو يتكلم عن مسألة لباس الصبيان للحرير: " لا يجوز فإن ما حرم على الرجل فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير، فإنه يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ويضربه عليها إذا بلغ عشراً، فكيف يحل له أن يلبسه المحرمات؟ وقد رأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على صبي للزبير ثوباً من حرير فمزقه وقال: (لا تلبسوهم الحرير) وكذلك ابن مسعود مزق ثوب حرير كان على ابنه" (مجموع الفتاوى: 22/143)
ومن أكثر ما هو منتشر في مجتمع النساء في عصرنا الحاضر وذكر العلماء أن فيه تشبه بالرجال، لبس البنطلون، وقد سبق في الفقرة السابقة أن لبسه لا يحقق الستر الواجب للمرأة، فلذلك حرمه العلماء، وكذلك حُرم لأن فيه تشبه بالرجال، فهو من خصائصهم، ولم يعرف في مجتمع نسائنا، وليس هو من ملابسهن، وممن نص على أن لبس البنطلون للمرأة فيه تشبه بالرجال: الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، وغيرهما، واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية. (انظر فتاوى اللجنة الدائمة (17/102)، ولقاء الباب المفتوح لقاء 56، موقع الشبكة الإسلامية)
ومما يدخل في التشبه بالرجال في اللباس، أن تلبس المرأة الأبيض الخالص؛ لأنه في مجتمعنا أصبح من غالب ملابس الرجال، فتتجنبه المسلمة حذراً من أن تقع في هذا الذنب الكبير.
- الضابط الثالث: أن لا يكون محرماً لذاته أو لمعنى فيه:
ويدخل في هذا: لباس الشهرة، و لباس الملابس المحرمة كلبس جلد الميتة، و الملابس التي فيها صور، أو كتابات سيئة، وإليك التفصيل:
- لباس الشهرة:
وهو كل لباس قصد به لابسه التميز عن عامة الناس في مجتمعه، وأصبح مشهوراً يشار إليه، سواء كان ذلك في لونه أو في شكله أو في نوعه أو في نفاسته أو خسته. (انظر الفروع لابن مفلح: 1 /345، وكشاف القناع: 1/378)
وقد حرم الشرع لباس الشهرة لما فيه من التميز عن الناس والتفاخر عليهم ومن أدلة تحريمه:
قال - تعالى -: ( وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) (37) سورة الإسراء
قال ابن كثير: "وقوله - تعالى -: (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) أي: بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك، بل يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده. كما ثبت في الصحيح: ((بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم، وعليه بُرْدَان يتبختر فيهما، إذ خُسِف به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)) رواه البخاري" (انظر تفسير ابن كثير: 5 / 75).
ولباس الشهرة فيه من الخيلاء والكبر والإعجاب بالنفس ما لا يخفى.
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من لبس لباس شهرة في الدنيا البسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا)) (رواه أبو داود، وابن ماجة، واحمد وحسنه محققوا المسند، وحسنه الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص: 213)
وهذا الحديث يدل على تحريم لباس الشهرة لترتب الوعيد الشديد على لابسه، وإنما كان ذلك جزائه يوم القيامة؛ لأنه إنما لبس ثوب الشهرة في الدنيا ليُعَز به، ويفتخر على غيره، فناسب أن يُلبِسهُ الله - تعالى -يوم القيامة ثوب مذلة واحتقار عقوبة له، والجزاء من جنس العمل. (انظر زاد المعاد لابن القيم: 1/145)
ويدخل في لباس الشهرة كل ملبوس من ثوب وغيره كالساعة والحقيبة وغيرها، مما يُميّز به لابسه، لحصول الشهرة بذلك.
وضابطه: أن يلبس الشخص خلاف لبسه المعتاد، أو خلاف زى بلده لقصد التميز عن الناس والاشتهار بينهم، كأن تلبس المرأة موديلاً جاءت به من الشرق أو الغرب، ليس معروفاً في مجتمعها، لتتميز به عن بنات مجتمعها وحتى تصبح حديث المجالس، وما أكثر هذا في مجتمع النساء، بل أصبح همّ بعضهن إن لم يكن أكثرهن حين تلبس أن يكون ملبوسها متميزاً غريباً جديداً على مجتمعها، أكثر من أن يكون همها جمال ملبسها، حتى قد تخلط الألوان وتلبس الممزق، أو الملابس التي تشبه المقلوبة، كل ذلك حتى تصبح مشتهرة في مجتمعها، لغرابة لبسها وشكله والكل يقول أنظروا إلى لبس فلانة.
ويدخل كذلك في لباس الشهرة أن تشتري الملابس من الأماكن المشهورة والباهظة السعر، لا لجودتها أو جمالها، ولكن حتى يقال أنها لا تلبس إلا ماركة كذا وكذا، ولا تشتري إلا من الأسواق العالمية.
وليس معنى هذا النهي عن لبس الجديد والجميل أو الجيد، بل من السنة لبس أحسن الثياب وأجملها، بشرط أن لا تكون مخالفة للشريعة، و لا تكون متميزة عن لباس المجتمع طلباً للاشتهار فيه، بل حتى لو لبست الرخيص والردئ بنية التميز بين الناس والاشتهار بالفقر أو الزهد أو نحو ذلك، لكان لباس شهرة يشمله النهى قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وتكره الشهرة من الثياب، وهو المرتفع الخارج عن العادة، والمنخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين، المرتفع والمنخفض". (الفتاوى: 22/183)
- الملابس المصنوعة من جلود الحيوانات:
من نعم الله علينا أن سخر لنا من مخلوقاته ما نستعين به على قضاء حوائجنا في الدنيا، قال - تعالى-: ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (13) سورة الجاثية
ومن ذلك جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها قال - تعالى -: ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) (80) سورة النحل
قال ابن كثير: " (وَمِنْ أَصْوَافِهَا) أي: الغنم، (وَأَوْبَارِهَا) أي: الإبل، ( وَأَشْعَارِهَا) أي: المعز -والضمير عائد على الأنعام- ( أَثَاثًا) أي: تتخذون منه أثاثا، وهو المال. وقيل: المتاع. وقيل: الثياب والصحيح أعم من هذا كله" (انظر تفسير ابن كثير: 4/591)
وقد فصل أهل العلم في الأحكام المتعلقة بجلود الحيوانات وأشعارها وأوبارها وجعلوا ذلك في قسمين:
القسم الأول: ما كان من حيوان مأكول اللحم.
ويدخل في ذلك الحيوانات المأكولة اللحم، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم وهي المستأنسة، أو كانت من غيرها وهي الصيد المتوحش كالغزلان والظباء وتيس الجبل وحمار الوحش، ونحو ذلك:
فهذه جلدها بعد الدبغ طاهر، يجوز الانتفاع به في الملابس وغيرها، فلا حرج أن تتخذ المرأة أو الرجل ساعة أو حقيبة أو حذاء مصنوعة من جلد الغزال أو الجمل، أو نحوها، فإن كل ما كان مصنوعاً من جلد مأكول اللحم إذا دبغ، فهو طاهر والانتفاع به جائز والحمد لله.
لما في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على شاة ميتة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((هلا انتفعتم بإهابها)) يعني بجلدها، قالوا يا رسول الله: إنها ميتة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) وفي رواية: ((إذا دبغ الإهاب فقد طهر)) أي إذا دبغ الجلد فقد طهر.
والقسم الثاني: ما كان من غير مأكول اللحم.
ويدخل في هذا جلد الخنزير، و جلود السباع، كالنمور والثعالب، وجلود الحيات، و غيرها مما حرم الله أكله.
فهذه لا يجوز الانتفاع بها مطلقاً؛ لأنها نجسة، ولا تطهر بالدباغ عند جمهور العلماء، والنجس لا يجوز الانتفاع به، لا في اللبس ولا غيره.
وعلى هذا فلو دبغ جلد خنزير، أو دبغ جلد أسد أو نمر، أو غير ذلك، فإنه لا يحكم بطهارته، ولا يحل الانتفاع به.
ومن ذلك الملابس والحقائب والأحذية والأثاث ونحوها، التي تصنع من جلود الحيوانات غير مأكولة اللحم، فلا يجوز استخدامها، في اللبس ولا غيره، فلا يجوز للمرأة أن تلبس حذاء مصنوعاً من جلد النمر، أو حقيبة مصنوعة من جلود الحيات، أو أن تلبس معطفا مصنوعاً من فرو الثعالب، وقس على ذلك.
كما لا يجوز بيع وشراء ما كان مصنوعاً من هذه الجلود؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه لما في الصحيحين من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: ((إن الله ورسوله حرم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام))، وجلود هذه الحيوانات تعتبر من جلود الميتة، فيشملها الحديث.
- الملابس التي عليها صور أو رسومات وكتابات محرمة:
التصوير ورسم ذوات الأرواح مما حرمه الله، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما- جاءه رجل فقال: إني أصور هذه التصاوير فأقتني فيها، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا تعذبه في جهنم فإن كنت لا بد فاعلا فاجعل الشجر وما لا نفس له)). متفق عليه
قال الإمام النووي: " وهذه الأحاديث صريحة في تحريم تصوير الحيوان، وأنه غليظ التحريم، وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته، ولا التكسب به" شرح النووي على مسلم - (14 / 91)
ويدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بكل صورة صورها)) أنه لا فرق بين المطبوع في الثياب وبين ما له جرم مستقل، ويؤيد ذلك ما أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: " قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال: ((يا عائشة أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله)).
فهذه الأحاديث قاضية بعدم الفرق بين المطبوع من الصور على الثياب والستر، والمستقل؛ لأن اسم الصورة صادق على الكل، إذ هي كما في كتب اللغة الشكل ويقال لما كان منها مطبوعاً على الثياب شكلاً. (انظر نيل الأوطار بتصرف يسير: 2/100)
وعلى ذلك لا يجوز للمرأة ولا الرجل ولا الطفل أن يلبس الملابس التي عليها صور لذوات الأرواح، ويزيد الأمر سواء إذا كانت صوراً للكفار أو الفسقة، لما فيها من التعظيم لهم، وقد أذلهم الله، ويصبح الأمر أشد حرمة إذا كانت هذه الصور برسم اليد، وليست صوراً حقيقية، لما فيه من المضاهاة لخلق الله، والله المستعان.
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بطمس الصور لا بلبسها ورفعها على الصدور، فقال - صلى الله عليه وسلم - كما في مسلم: ((لا تدع صورة إلا طمستها)).
ومن نظر إلى كثير من ملابس الناس اليوم، وخاصة ملابس الأطفال، وجدها لا تخلو في الغالب من صور ذوات الأرواح، وهذا على أنه محرم كما سبق، إلا أنه يحرم صاحبه من بركة الملائكة، ففي البخاري ومسلم من حديث أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة))، قال الأمام النووي’: " أما الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والاستغفار".
فإذا كانت الصور على الصدور والظهور داخل البيت وخارجه فكيف تدخله الملائكة، ويجد المسلم بركتهم واستغفارهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الشيخ ابن باز: " لا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم لعن المصورين وأخبر أنهم يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم، وأمر بطمس الصور، ولما رأى عند عائشة - رضي الله عنها - سترا فيه صورة غضب وهتكه" (فتاوى ابن باز: 10 / 416)
وقال الشيخ ابن عثيمين: " لا يجوز لبس ما فيه صور سواء كان من لباس الصغار أو من لباس الكبار" (انظر كتاب الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة: 3/858)
وقال الشيخ الفوزان - حفظه الله -: " لا يجوز شراء الملابس التي فيها صور ورسوم ذوات الأرواح من الآدميين أو البهائم أو الطيور؛ لأنه يحرم التصوير واستعماله؛ للأحاديث الصحيحة التي تنهى عن ذلك وتتوعد عليه بأشد الوعيد.... فلا يجوز لبس الثوب الذي فيه صورة، ولا يجوز إلباسه الصبي الصغير، والواجب شراء الملابس الخالية من الصور، وهي كثيرة ولله الحمد" (المنتقى من فتاوى الفوزان: 63 / 5)
أما الشعارات الكتابات غير مفهومة المعنى:
فيجب على المسلمة الحذر منها؛ لأنها قد تكون شعاراً لوثن يعبد من دون الله، أو لعيد من أعياد الكفار، أو لعبادة من عباداتهم، وأمثلة هذا كثيرة، ومن أظهرها الصليب الذي هو شعار النصارى باختلاف أشكاله وأنواعه، وهي موجود في مواقع النت فحبذا لو اطلع عليها المسلم، وقد جاء في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها -: "أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه"، فيجب علينا الحذر عند شراء الأثاث و الملابس وغيرها كالحذاء والساعة والحقيبة، أو بعض قطع الذهب والإكسسوارات، أن يكون فيها شيء من صلبان عباد الصليب، والذي لا يألون جهداً في إدخال شعارهم هذا بيننا، ودسه في مقتنياتنا، والمؤمن كيّس فطن.
وأما الكتابات غير مفهومة المعنى المنتشرة على كثير من الملابس، فقد وجد العارفون بلغة القوم أن هذه الكلمات لا تخلو من معاني خبيثة وقبيحة، بل بعضها يدعوا إلى الرذيلة والفاحشة، والعياذ بالله، هذا إن لم تكن لها معاني كفرية أو تدعوا إلى الكفر.
فلا يجوز للمسلم أن يلبس أو يلبس أبنائه الملابس التي عليها كتابات أو شعارات لا يعرف معناها، ففي غيرها مندوحة عنها، وليلبس ما خلا من كل شعار أو كلام للكفار وأهله، و لا يرضى أن يرفع المسلم على ظهره وصدره شعارات أو كلمات تدعو إلى كفر أو رذيلة. (انظر كلام سماحة الشيخ ابن عثيمين’ في ذلك: فتاوى المرأة جمع المسند: 1/77) (ولمعرفة شعارات الكفار وأشكال الصليب، وبعض الكتابات المنتشرة على الملابس مع معانيها، يمكنك مراجعة كتاب لباس الرجل: الملاحق في آخر الكتاب).
وختاماً
يقول - تعالى -: ( فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ) (275: البقرة)
أخي ولي ألأمر وأختي المسلمة: هذا كلام الله وكلام رسول - صلى الله عليه وسلم -، في بيان مسألة لباس المرأة المسلمة أمام المرأة، سقته لكم نصحاً وتذكيراً لمّا رأيت في مجتمعنا الكثير من المظاهر المخالفة في ذلك، وما سقته هنا ليس من اختراع العلماء، أو نتاج تقاليد وعادات، بل هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، قال - تعالى -: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) (36: الأحزاب).
ثم نقلت كلام علمائنا الكبار الذين أصغى الزمان لكلامهم، وانقاد الناس لفتاواهم، وليس الكلام في هذا الباب مما تتغير فيه الفتوى بتغير الزمان؛ لأن الله حرم العرى وأمر بالستر، في أول الزمان وأخره، والمرأة هي المرأة في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وهي المرأة اليوم، فكل حكم يخص سترها، والمحافظة على مروءتها وحيائها ثابت لا يتغير.
فلنحافظ على ثوابتنا، ولنحمى صرح حيائنا، ولنرتقي بأنفسنا عن التقليد والتبعية، ونعلم أنّا أمة قائدة العزة والكرمة لنا، ولكن متى حققنا ديننا في حياتنا على أكمل وجه على ما يريد الله، لا على ما نشتهي نحن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]