
25-09-2019, 03:45 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: أحكام تشريعية من آيات قرآنية بتأثير دلالة بعض التراكيب النحوية: الاستثناء والحال
أحكام تشريعية من آيات قرآنية بتأثير
دلالة بعض التراكيب النحوية: الاستثناء والحال
د. مأمون ((محمد هاني)) فوزي الخُزاعيّ [*]
6. المرأة المسبية في الحرب:
قال الله تعالى: ï´؟والمُحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكمï´¾ [سورة النساء: آية 24], فقد استدل العلماء بالآية على أن المرأة التي تُسبى في الحرب مع الكفار –وهي متزوجة– يجوز للذي سباها وطؤها بعد استبرائها لأنها أصبحت ملك يمينه، وتباين الدارين قد أوقع الفرقة بينها وبين زوجها([37]).
الحجة النحوية:
إن (المحصنات) في اللغة المتزوجات، وقد استثنى الله منهن اللواتي يُسبَيْن في الحرب، لأن (ما) موصول مستثنى من (المحصنات) والإحصان في اللغة يراد به المنع([38])، وهو يحصل بالتزوج كما يحصل بالإسلام، فعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً لأن المسبية من جنس المتزوجات، ولكنها اسُتُثْنيتْ من التحريم بسبب السبي.
7. كشف الوجه والكفين للمرأة:
قال الله تعالى: ï´؟ولا يُبْدينَ زينتُهُنَّ إلا ما ظهر منهاï´¾ [سورة النور: آية 31], وقد استدل بعض الفقهاء بهذه الآية على جواز كشف الوجه والكفين فقط للمرأة([39]).
والحجة النحوية:
إن في الآية مضافاً والأصل لا يُبدين موضع زينتهُن، فحذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه، وقد أُسُتُثُني من ذلك المضاف المحذوف، الظاهر من مواضع الزينة، والغالب فيما يظهر منها هو الوجه والكفان، فعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً لأن الوجه والكفين من جنس المواضع المستثنى منها.
أثر دلالة الحال:
1. حكم تعلم السحر:
قال الله تعالى: ï´؟واتَّبَعُوا ما تتلوا الشياطينُ على مُلْكِ سُليمان وما كفر سُليمانُ ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحرï´¾ [سورة البقرة: آية 102].
استدل الفقهاء بهذه الآية على حكم تعلم السحر وتعليمه، وقبل أن نبيِّن حكمه نوضح معنى السحر في اللغة والاصطلاح:
فالسحر لغة: مصدر سحر يسحر من باب فتح يفتح من أبواب الثلاثي المجرد، وقد جاء لعدة معان: منها: البيان في فطنة وذكاء، وعلى هذا ورد قول الرسول e: "إن من البيان لسحراً"([40]), ومنها: الصرف عن الشيء: يقال ما سحرك عن هذا: أي ما صرفك، وقد قال الأزهري([41]): "وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره"([42]) وورد عن يونس قوله: "تقول العرب للرجل ما سحرك عن وجه كذا وكذا أي ما صرفك عنه"([43])، ومنها الخديعة([44]): قال الفيروز آبادي: "وسحر كمنع وخدع"([45])، وقال بن فارس: "هو إخراج الباطل في صورة الحق"([46]).
والملاحظ في هذه المعاني أنها تؤدي معنى واحداً, هو اللطف والخفاء؛ لأن البيان الذي يُسْحِر والصرف عن الشيء والخديعة تتحصل عن طريق اللطف والخفاء.
ومعنى السحر في الاصطلاح الشرعي: "التمويه بالحيل والتخاييل"([47]).
والمناسبة قائمة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، لأن التمويه بالحيل والتخاييل إنما يتم بلطف وخفاء وهما مجمع المعاني اللغوية للسحر كما ذكرنا.
وبناءً على ذلك فإن المراد به عند الإطلاق ما ندم عليه فاعله([48])، أمّا إذا قُيد فقد يراد به المدح كما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحر".
والحكم الذي استنبطه العلماء من هذه الآية، أن تعلّم السحر وتعليمه حرام([49])، ويرى مالك، وأحمد وبعض الأحناف، وابن حزم، أن تعلَمهُ كفر مطلقاً([50]).
والحجة النحوية:
إن جملة (يعلمون الناس السحر) حال من الواو في (كفروا)([51])، وقد بينت هيئة ذلك الفاعل، لأن الحال قيد لعاملها، وكما يتحقق القيد بمضمون المفرد يتحقق بمضمون الجملة([52])، أي أنهم كفروا في حال تعليمهم السحر، فكان تعليمه مؤدياً إلى كفرهم، وما كان مؤدياً إلى الكفر فتعليمه وتعلمه حرام, وقد أعرب بعضهم هذه الجملة بدلاً من الواو في (كفروا) إما بدل اشتمال لأن المناسبة قائمة بين الكفر والسحر بجامع أنهما أعمال شعوذة، وإما بدل بعض كما يراه قسم من العلماء، فيكون السحر بعض الكفر([53]) وما كان بعضاً من الكفر أو مشتملاً على الكفر فهو كفر.
والرأيان قويان في دلالتهما على تحريم السحر:
- أما الأول: فلأن هذه الجملة قد استجمعت كل شروط الحال التي أقرها النحاة([54])، فصاحبها معرفة لأنه ضمير والجمل بعد المعارف أحوال، وهي خبرية، وغير مصدرة بعلامة استقبال، ولم تتضمن معنى التعجب، وارتبطت بصاحبها بالرابط وهو الضمير.
- وأما الثاني: فلأن بعض النحاة أجازوا إبدال الجملة من المفرد، وهم ابن جني والزمخشري وابن مالك([55])، واستدلوا على ذلك بما يأتي:
- بقوله تعالى: ï´؟ما يُقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قَبْلِكَ إن ربك لذو مغفرةٍï´¾ [سورة فصلت: آية 43].
- بقول الشاعر:
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة
وبالشام أخرى كيف يلتقيان([56])
فجعلوا جملة (كيف يلتقيان) بدلاً من قوله: (حاجة وأخرى)، أي أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما، ولا بأس بمثل هذا الإبدال طالما أن المقصود من البدل إعلام السامع بمجموع البدل والمبدل منه([57])، فالسامع يعلم تعذر التقاء الحاجتين من قوله: (حاجة) التي هي المبدل منه، ومن قوله: (كيف يلتقيان) التي هي البدل، وإذا جاءت الجملة بدلاً فإنها تكون بمنزلة المفرد([58])، وجميع ما تقدم الكلام يؤكد تحريم تعلم السحر وتعليمه.
2. مباشرة المعتكف في المسجد زوجته:
قال تعالى: ï´؟ولا تباشرُوهُنَّ وأنتم عاكفون في المساجدï´¾ [سورة البقرة: آية 187].
استدل العلماء بهذه الآية على بطلان الاعتكاف إذا باشر الرجل امرأته، وقد حصل خلاف بينهم في الحالة التي يَبْطُلُ بها ذلك الاعتكاف.
فذهب فريق منهم إلى أنه يَبْطُل بالمباشرة حال اللُبث في المسجد، فلو خرج من المسجد فباشر ورجع لم يَبْطُل بسبب المباشرة([59]), وذهب الفريق الآخر إلى بطلانه بالمباشرة حالة اللُبث في المسجد أو الخروج منه ما دام في مدة الاعتكاف([60]).
الدليل النحوي:
إن سبب بطلان الاعتكاف بالمباشرة هو النهي المستفاد من (لا) وقد قرر بعض العلماء أن النهي في باب العبادات يقتضي فساد الأمر الذي تعلق به النهي، وقد قيد هذا النهي بقوله: وأنتم عاكفون في المساجد فإنها جملة اسمية في محل نصب حال من الواو في ï´؟تباشروهنï´¾، أي لا تباشروهن في هذه الحالة([61]).
- إلا أن الفريق الأول: خصصوا إطلاق هذه الحالة على المتلبس بالاعتكاف فعلاً وذلك يتحقق بالإقامة في المسجد فإذا خرج من المسجد زالت تلك الحالة عنه.
- أما الفريق الثاني: فقد قالوا: المراد من هذه الحالة الاتصاف بها، والمعتكف يبقى متصفاً بها ما دام ناوياً مدة معينة للاعتكاف، وقد صرّح أبو حيّان بهذا فقال: "فنهوا عن ذلك في حال اعتكافهم داخل المسجد وخارجه"([62]). وهذا هو الراجح في رأيي، لأن الغرض من الحال الوصف به، وصفة الاعتكاف لا تزول عن المعتكف إذا خرج لبعض حاجته التي لا تقطع الاعتكاف، ويكون ذلك كما إذا قلنا: جاء خالد وهو راكب، فإنه إذا حصل له الترجل لفترة لا تنتفي عنه صفة الركوب ولذلك يقول العكبري في المعنى المراد من الآية: "ولا تباشروهن وقد نويتم الاعتكاف في المسجد"([63]).
3. أكل الوصي على اليتيم من ماله:
قال الله تعالى: ï´؟وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رُشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومَنْ كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروفï´¾ [سورة النساء: آية 6], حيث تدل هذه الآية على حكم أكل الوصي مال اليتيم، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الوصي على اليتيم يجوز له أن يأكل من ماله بقدر ما يحتاج إليه وبقدر عمله الذي يقدمه لمصلحة ذلك اليتيم.
الحجة النحوية:
أن الله تعالى قال: ï´؟ولا تأكلوها إسرافاًï´¾، وقد أعرب ï´؟إسرافاًï´¾ حالاً([64]) من ï´؟تأكلوهاï´¾ على أنه مصدر مؤول باسم الفاعل، أي ولا تأكولها، مسرفين، لأن بعض النحاة جعل الأصل في الحال أن يكون مشتقاً ومنهم سيبويه، وبعضهم جعل ذلك غالباً فيه، ومنهم ابن مالك وأبو حيان([65])، فإذا وقع غير مشتق أوّل به وï´؟إسرافاًï´¾ مصدر جامد فلذلك وجب تأويله، والإسراف في اللغة مجاوزة حد المباح إلى المحظور فيكون المعنى: ولا تأكلوها متجاوزين الحد الذي أبيح لكم، لأن النهي جاء منصباً على الأكل في حال الإسراف، وأما إذا لم يقترن الأكل بالإسراف، بل أكل منه بقدر ما يسد الحاجة فإن ذلك لا يشمله النهي، بل هو جائز لأن الحال قيد لعاملها.
ويقوى هذا الاستدلال بما يأتي:
- أنه تعالى قال بعد ذلك: ï´؟ومَنْ كان فقيراً فليأكل بالمعروفï´¾ والباء في قوله ï´؟بالمعروفï´¾ بمعنى(مع)، أي فليأكل من ماله مع الاقتصاد والتحفظ من الإسراف.
- ورد في السنة ما يدل على إباحة الأكل بقدر الحاجة، فقد ثبت أن رجلاً سأل النبي e فقال: ليس لي مال ولي يتيم فقال: "كل من مال يتيمك غير مُسرف"([66]).
4. النهي عن الصلاة حالة السكر:
قال الله تعالى: ï´؟يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولونï´¾ [سورة النساء: آية 43], حيث تعلقت هذه الآية بحكم الصلاة حالة السُّكر، وقد نزل هذا الحكم قبل تحريم الخمر، ومعنى السُّكر في اللغة: نقيض الصحو([67]) وبما أنَّ الصحو محله العقلُ فإن المراد بالسُّكر كل ما أذهب العقل وأفقده.
وقد أجمع العلماء على عدم جواز الاقتراب من الصلاة حال السُّكر حتى يزول.
الحجة النحوية في ذلك:
إن قول الله تعالى: ï´؟وأنتم سُكارىï´¾ جملة اسمية في موضع النصب، على أنها حال من الواو في ï´؟تقربواï´¾، وهي حال مؤسسة، أي لا تقربوا الصلاة حال كونكم سكارى، قال أبو حيان: "وظاهر الآية يدل على النهي من الاقتراب من الصلاة في حالة السُكر"([68])، وبما أن الحال صفة غير لازمة غالباً([69])، فقد جعل لها غاية تنتهي عندها وهي العلم بما يقول السكران، لأنه تعالى قال: ï´؟حتى تعلموا ما تقولونï´¾ وحتى للغاية، وإنما جُعل العلم بما يقال غاية لجواز إتيان الصلاة، ولذلك قال النحاس: "وقوله حتى تعلموا ما تقولون يدل على أن من كان يعلم ما يقول فليس بسكران"([70]).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|