رد: مباحث في العلة الحديثية
مباحث في العلة الحديثية
د. منى بنت حسين بن أحمد الآنسي[*]
معنى العلة في الاصطلاح[54]:
ترد كلمة علة, ومعلول, في لسان المحدثين على معنيين[55]:
المعنى الأول: معنى عام ويراد به الأسباب التي تقدح في صحة الحديث, المانعة من العمل به, قال ابن الصلاح: "اعلّم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل, ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب, والغفلة, وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح, وسمّي الترمذي النسخ علة من علل الحديث"[56], بل إن من العلماء من أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح أصلا من وجوه الخلاف, كإرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط, حتى اعتبر بعضهم: أن من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول, وقال بعضهم: من الصحيح ما هو صحيح شاذ[57].
وما قاله ابنُ صلاح ظاهر, ففي كتاب العلل لابن أبي حاتم, وكتاب العلل للدارقطني أمثلة كثيرة تدل على ما قال, وكذلك في تطبيقات الأئمة المتقدمين, فالعلة عندهم لها معنى واسع وشامل, بحيث تشمل ما قاله ابن الصلاح .
والمعنى الثاني: معنى خاص, عرّف به ابنُ الصلاح الحديث المعلول, فقال: "هو الحديث الذي اطلع فيه على علةِ تقدحُ في صحته مع أنّ ظاهره السلامة منها"[58].
وهذا المعنى الخاص, هو الذي يتكلم عنه من كتب في علوم الحديث, إلا أن تعريف ابن الصلاح الخاص يمكن أن يستنبط منه تعريف العلة الحديثية, وأنها: "ما يقدح في صحة الحديث, وإن كان ظاهره السلامة منها".
وقد عرف العراقي العلة, فقال: العلة "عبارة عن أسباب خفية غامضة, طرأت على الحديث فأثرت فيه, أي قدحت في صحته"[59].
وعرفها النووي بقوله: "سبب غامض قادح، مع أن الظاهر السلامة منه"[60].
وعرفه ابن حجر الحديث المعلول بقوله: هو حديث ظاهره السلامة, اطُّلع فيه بعد التفتيش على قادح[61], والتقييد بالتفتيش يفيد أن ظاهر الحديث السلامة, إلا أن ابن حجر دفع ما يوهمه هذا القيد, فقال: لا يلزم ذلك, بل قد يطلع في الخبر الذي ضعفه ظاهر على علة خفية أيضاً, وهذه لا يمكن أن تكون قادحة؛ فإنها صادفته ضعيفاً مقدوحاً فيه[62], ومن ثم فإن الحديث لا يكون معلولاً إلا إذا قدحت فيه العلة الخفية.
إطلاقات العلة:
يطلق اسم العلة على المعنى الأول في تعريفها الاصطلاحي, ككذب الراوي, أو غفلته, أو سوء حفظه, حتى لقد سمى الترمذي النسخ علة, وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح في صحة الحديث, كإرسال ما وصله الثقة الضابط, حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول[63].
المطلب الثاني
أنــواع العـــلل
تتنوع العلة بحسب موقعها أو بحسب أثرها في الحديث, إلى نوعين, هما:
النوع الأول: أنواع العلة بحسب موقعها:
تتنوع العلة بحسب موقعها في سند الحديث أو متنه, إلى علل في الإسناد, وأخرى في المتن.
فالعلل التي تقع في الإسناد كثيرة, منها ما يلي:
1- أن يختلف على رجل بالإسناد وغيره, ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد. ومثاله ما رواه الحاكم من حديث علي بن الحسين بن واقد, عن أبيه, عن عبد الله بن بريدة, عن أبيه, عن عمر t قال: قلت يا رسول الله: ما لك أَفْصَحُنا ولم تخرج من بين أظهرنا ؟, قال: "كانت لغة إسماعيل قد دَرَسَتْ, فجاء بها جبرائيل u إليَّ فَحَفَّظَنِيها", قال الحاكم: لهذا الحديث علة عجيبة: حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس الضبي من أصل كتابه, قال: أنا أحمد بن علي بن رزين الفاشاني من أصل كتابه, قال: ثنا علي بن خَشْرَم, قال: ثنا علي بن الحسين بن وَاقد, قال: بلغني أن عمر بن الخطاب t قال: يا رسول الله إنك أفصحنا, ولم تخرج من بين أظهرنا, فقال له رسول اللهe:" إن لغة إسماعيل كانت دَرَسَتْ, فأتاني بها جبرائيل فَحَفَّظَنِيها"[64].
2- الاختلاف على رجل في تسمية شيخه, أو تجهيله, ومثاله: ما رواه الحاكم من حديث الزهري, عن سفيان الثوري, عن حجاج بن فُرافِصَة, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة مرفوعاً: "المؤمن غِرٌّ كريم, والفاجر خَبٌّ لئيم", ثم قال الحاكم: هكذا رواه عيسى بن يونس, ويحيى بن الضريس, عن الثوري, فنظرت فإذا له علة. ثم روى من طريق أحمد بن سيَّار, قال: حدثنا محمد بن كثير, قال: حدثنا سفيان الثوري, عن الحجاج بن فُرافِصَة, عن رجل, عن أبي سلمة, قال سفيان: أَرَاهُ ذَكَر أبا هريرة قال: قال رسول الله e: "المؤمن غِرٌّ كريم, والفاجر خَبٌّ لئيم"[65].
3- أن يكون الراوي قد روى عن شخص أدركه, وسمع منه, لكنه لم يسمع منه أحاديث معينة, فإذا رواها عنه بلا واسطة, فَعِلَّتُهَا أنه: لم يسمعها منه, مثاله: ما رواه الحاكم من حديث يحيى بن أبي كثير, عن أنس بن مالك t: أن النبي e كان إذا أَفْطَر عند أهل بيت قال: "أفطر عندكم الصائمون, وأكل طعامكم الأبرار, ونزلت عليكم السكينة", ثم قال الحاكم: قد ثبت عندنا من غير وجه رؤية يحيى بن أبي كثير أنس بن مالك, إلا أنه لم يسمع منه هذا الحديث, وله علة, ثم روى من طريق عبد الله بن المبارك, قال: أخبرنا هشام, عن يحيى بن أبي كثير, قال: حُدِّثتُ عن أنس: أن النبي e كان إذا أفطر عند أهل بيت..., الحديث[66].
4- أن تكون طريق الحديث معروفة, يروي أحد رجالها حديثاً من غير تلك الطريق, فيقع من رواه من تلك الطريق -بناء على الجادة- في الوهم. مثاله ما رواه الحاكم من حديث المنذر بن عبد الله الحِزَامي, عن عبد العزيز بن أبي سلمة, عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر t: أن رسول الله e كان إذا افتتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم, تبارك اسمك وتعالى جدك"، وذكر الحديث بطوله, ثم قال الحاكم: لهذا الحديث علة صحيحة, والمنذر بن عبد الله أخذ طريق المَجَرَّةِ فيه. ثم روى من طريق مالك بن إسماعيل, قال: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة, قال: ثنا عبد الله بن الفضل, عن الأعرج, عن عبيد الله ابن أبي رافع, عن علي بن أبي طالب t عن النبي e "أنه كان إذا افتتح الصلاة ..". فذكر الحديث بغير هذا اللفظ، وهذا مخرج في صحيح مسلم[67].
5- أن يكون الحديث مرسلاً من وجه رواه الثقات الحفاظ, ويسند من وجه ظاهره الصحة. ومثاله: ما رواه الحاكم من حديث قبيصة بن عقبة, عن سفيان, عن خالد الحذاء وعاصم, عن أبي قلابة, عن أنس مرفوعاً: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر, وأشدهم في دين الله عمر, وأصدقهم حياء عثمان, وأقرؤهم أبيّ بن كعب, وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل, وإن لكل أمة أميناً, وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة". قال: فلو صح بإسناده لأخرج في الصحيح, إنما روى خالد الحذاء عن أبي قلابة أنه e قال: "أرحم أمتي", مرسلاً, وأسند ووصل: "إن لكل أمة أميناً, وأبو عبيدة أمين هذه الأمة", هكذا رواه البصريون الحفاظ عن خالد الحذاء وعاصم جميعاً, فأُسْقط المرسل من الحديث, وخُرِّج المتصل بذكر أبي عبيدة في الصحيحين[68].
6- أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي, ويروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته, كرواية المدنيين, عن الكوفيين, ومثاله ما رواه الحاكم من حديث موسى بن عقبة, عن أبي إسحاق, عن أبي بردة, عن أبيه مرفوعاً: "إني لأستغفر الله, وأتوب إليه في اليوم مائة مرة". قال الحاكم: وهذا إسناد لا ينظر فيه حديثي إلا علم أنه من شرط الصحيح, والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا, ثم رواه الحاكم من طريق أبي الربيع, عن حماد ابن زيد, عن ثابت البناني, قال سمعت أبا بردة يحدث, عن الأغر المزني -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله e: "إنه ليُغَان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائة مرة". ثم قال الحاكم: رواه مسلم بن الحجاج في الصحيح عن أبي الربيع, وهو الصحيح المحفوظ, ورواه الكوفيون أيضاً: مِسْعَر, وشعبة وغيرهما, عن عمرو بن مرة, عن أبي بردة هكذا[69].
7- أن يكون السند مروياً بالعنعنة, وسقط منه رجل دلت عليه طريق أخرى محفوظة, مثاله ما رواه الحاكم: من حديث يونس بن يزيد, عن ابن شهاب, عن علي بن الحسين عن رجال من الأنصار: "أنهم كانوا مع رسول الله e ذات ليلة, فرمى بنجم فاستنار", الحديث. ثم قال الحاكم: علة هذا الحديث أن يونس على حفظه وجلالة مَحَلِّه قَصَّر به, وإنما هو عن ابن عباس, قال: حدثني رجال من الأنصار, هكذا رواه ابن عيينة, ويونس في سائر الروايات, وشعيب بن أبي حمزة, وصالح بن كيسان, والأوزاعي وغيرهم, عن الزهري, وهو مخرج في الصحيح[70].
8- أن يروى الحديث مرفوعاً من وجه، وموقوفاً من وجه. مثاله ما رواه الحاكم من حديث أبي فروة يزيد بن محمد الرُّهاوي, ثنا أبي, عن أبيه, عن الأعمش, عن أبي سفيان, عن جابر t مرفوعاً: "من ضحك في صلاته يعيد الصلاة، ولا يعيد الوضوء". ثم قال الحاكم: لهذا الحديث علة صحيحة. ثم روى من طريق وكيع, عن الأعمش, عن أبي سفيان, قال: سُئِلَ جابر عن الرجل يضحك في الصلاة, قال: "يعيد الصلاة, ولا يعيد الوضوء"[71].
9- أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي, فيروى عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحبته, بل ولا يكون معروفاً من جهته. مثاله ما رواه الحاكم من حديث زهير بن محمد, عن عثمان بن سليمان, عن أبيه أنه: "سمع رسول الله e يقرأ في المغرب بالطور". ثم قال الحاكم: قد خرج العسكري وغيره من المشايخ هذا الحديث في الوحدان, وهو معلول من ثلاثة أوجه: أحدها: أن عثمان هو بن أبي سليمان, والآخر: أن عثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم, عن أبيه, والثالث: قوله: سَمِع النبي e, وأبو سليمان لم يسمع من النبي e ولم يَرَه, وقد خرجت شواهده في التلخيص[72].
10- أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي, فيروى عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحبته, بل ولا يكون معروفاً من جهته. مثاله ما رواه الحاكم من حديث زهير بن محمد, عن عثمان بن سليمان, عن أبيه أنه: "سمع رسول الله e يقرأ في المغرب بالطور". ثم قال الحاكم: قد خرج العسكري وغيره من المشايخ هذا الحديث في الوحدان, وهو معلول من ثلاثة أوجه: أحدها: أن عثمان هو بن أبي سليمان, والآخر: أن عثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم, عن أبيه, والثالث: قوله: سَمِع النبي e, وأبو سليمان لم يسمع من النبي e ولم يَرَه, وقد خرجت شواهده في التلخيص[73].
وأما العلل التي تقع في المتن فكثيرة كذلك, منها ما يلي:
- التصحيف في ألفاظ الحديث ومعانيها, مثال الأول: قال مسلم: ومن فاحش الوهم لابن لَهِيعة: حدثنا زهير بن حرب, ثنا إسحاق بن عيسى, ثنا ابن لَهِيعة قال: كتب إلي موسى بن عقبة يقول: حدثني بسر بن سعيد, عن زيد بن ثابت: "أن رسول الله e احتجم في المسجد" قلت لابن لَهِيعة: مسجد في بيته ؟, قال: مسجد الرسول e. ثم قال مسلم: وهذه رواية فاسدة من كل جهة, فاحش خطؤها في المتن والإسناد جميعاًوابن لَهِيعة المصحف في متنه, المغفل في إسناده, وإنما الحديث: "أن النبي e احتجر في المسجد بخوصة أو حصير يصلي فيها"...[74], ومثال تصحيف المعنى: ما ذكره الحاكم قال: سمعت أبا منصور بن أبي محمد الفقيه يقول: كنت بعَدَن اليمن يوماً, وأعرابي يذاكرنا, فقال: "كان رسول الله e إذا صلى نَصَبَ بين يديه شاة" فأنكرت ذلك عليه, فجاء بجزء فيه: "كان رسول الله e إذا صلى نَصَبَ بين يديه عَنَزَة"[75], فقال: أبصر: "كان رسول الله e إذا صلى نَصَبَ بين يديه عَنْزَة "فقلت: أخطأت؛ إنما هو "عَنَزَة" أي عصا[76].
- إدراج لفظة أو جملة في متن الحديث ليست منه. ومثال ذلك: ما قاله ابن أبي حاتم: ذكر أبي حديثاً رواه حفص بن عبد الله النيسابوري, عن إبراهيم بن طهمان, عن هشام ابن حسان, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة. ورواه سهيل بن أبي صالح, عن أبيهعن أبي هريرة قال: قال رسول الله e: "إذا استيقظ أحدكم من منامه, فليغسل كفيه ثلاث مرات, قبل أن يجعلهما في الإناء؛ فإنه لا يدري أين باتت يده, ثم ليغترف بيمينه من إنائه, ثم ليصبَّ على شماله فليغسل مقعدته". قال أبي: ينبغي أن يكون: "ثم ليغترف بيمينه..." إلى آخر الحديث من كلام إبراهيم بن طهمان؛ فإنه قد كان يصل كلامه بالحديث, فلا يميزه المستمع[77].
- قلب المتن بأن يقدم الراوي ويؤخر فيه. ومثاله: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن شعبة قال: حدثني قتادة, عن أبي الطفيل, قال: حج ابن عباس, ومعاوية, فجعل ابن عباس يستلم الأركان كلها, فقال معاوية: إنما استلم رسول الله e هذين الركنين الأيمنين, فقال ابن عباس: ليس من أركانه مهجور, وحدثني أبي, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثني شعبة, ومحمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة, قال: سمعت قتادة يحدث, قال حجاج قال: سمعت أبا الطفيل قال: قدم معاوية وابن عباس فطاف ابن عباس. فذكر مثله, وقال حجاج: قال شعبة: الناس يخالفوني في هذا الحديث؛ يقولون: معاوية هو الذي قال: ليس من البيت شيء مهجور. ولكني حفظته من قتادة هكذا[78].
- دخول متن في متن آخر. ومثاله: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن عثمان, عن ابن حِمْيَر, عن فضالة بن شريك, عن خالد بن معدان, عن العرباض بن سارية: أن النبي e وعظهم موعظة وجلت منها القلوب, وذرفت منها العيون, فقال: "أيها الناس, يوشك أن تكونوا أجناداً مجنّدة, فجند بالشام, وجند بالعراق, وجند باليمن..." فذكر الحديث. قال أبي: قد دخل له حديث في حديث, حديث ابن حَوالَة في حديث سعيد بن عبد العزيز[79].
- التفرد بزيادة لفظة في متن الحديث ممن لا يحتمل تفرده, ومثال ذلك: سئل الدارقطني: عن حديث سعيد بن المسيب, عن عمر t في تكبيرات الجنازة, قال: كل ذلك قد كان "أربع, وخمس؛ فأمر الناس بأربع". فقال الدارقطني: رواه شعبة, عن عمرو بن مرة عن سعيد, حدث به النضر بن محمد عنه, ولفظه: قال عمر: "كبرنا مع رسول الله e أربعاً وخمساً؛ فأمر عمر بأربع -يعني تكبير العيد والجنائز–". تفرد بهذا اللفظ النضر بن محمد, عن شعبة, وبقوله: "يعني العيدين والجنائز", وذكر: "العيدين" وهم فيه, ورواه غندر, وأبو النضر, ويحيى القطان, وعلي بن الجعد, عن شعبة بهذا الإسناد, ولفظه ما ذكرناه أولاً, ولم يذكروا تكبير العيد, وهو الصواب[80].
- اختصار الحديث مما أدى لتغيّر معناه, ومثاله ما قاله ابن أبي حاتم: سألت أبي, عن حديث رواه ابن المبارك, عن معمر, عن بهز بن حكيم, عن أبيه, عن جده: "أن النبي e حبس في تهمة". قال أبي: روى هذا الحديث ابن علية, عن بهز بن حكيم, عن أبيه, عن جده قال: أتى النبي e أهلنا. فقالوا: إخواننا، فيم حبسوا ؟ قال: " أطلقوا لهم إخوانهم " اختصر معمر كما ترى[81].
- أن لا يشبه المتن كلام النبي e وأنه بكلام غيره أقرب. ومثاله: سئل الدارقطني: عن حديث أبي سلمة, عن أبي هريرة, عن النبي e: "المعدة حوض البدن, والعروق إليها واردة" الحديث, فقال: يرويه يحيى بن عبد الله بن الضحاك البَابْلُتيّ الحراني, عن إبراهيم بن جريج الرَّهَاوِيُّ, عن زيد بن أبي أُنَيسة, عن الزهري, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, واختلف عنه؛ فرواه أبو فروة الرهاوي عنه, فقال: عن الزهري, عن عروةعن عائشة. وكلاهما وهم, لا يصح ولا يعرف هذا من كلام النبي e, إنما هو من كلام عبد الملك بن سعيد بن أبجر. قيل لأبي الحسن الدارقطني: هل سمع زيد بن أبي أُنَيسة, عن الزهري, فقال: نعم, ولم يرو هذا مسنداً غير إبراهيم بن جريج, وكان طبيباً, فجعل له إسناداً, ولم يسند غير هذا الحديث[82].
- رواية الحديث بالمعنى, إذا أدى ذلك لتغيير المعنى وإثباته لحكم جديد, مثال ذلك: ما قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه مروان الفَزَاري, عن أبي حيان التيمي, عن أبي زرعة, عن أبي هريرة: "أن النبي e سمى الأنثى من الخيل: الفرس". فقال: هذا حديث مشهور, رواه جماعة عن أبي حيان, عن أبي زرعة, عن أبي هريرة, عن النبي e أنه ذكر الغلول فقال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على عنقه فرس", فاختصر مروان هذا الحديث لما قال: "يحملها على رقبته", أي جعل الفرس أنثى حين قال: "يحملها", ولم يقل: "يحمله"[83].
- مخالفة الصحابي لما رواه. ومثاله: قال مسلم: خبر آخر غير محفوظ الإسناد: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, ثنا زيد بن حباب, ثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم, حدثني يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة t: أن رجلاً قال: يا رسول الله: ما الطهور بالخفين؟, قال: "للمقيم يوم وليلة, وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن", هذه الرواية في المسح عن أبي هريرة ليست بمحفوظة, وذلك أن أبا هريرة لم يحفظ المسح عن النبي e, لثبوت الرواية عنه بإنكاره المسح على الخفين[84].
- إبدال متن حديث بمتن حديث آخر, ومثاله: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي, عن حديث رواه قَبِيصة, عن الثوري, عن عطاء بن السائب, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي e: "أوصى امرأً بأمه". قال أبي: هذا خطأ, يريد جاء رجل إلى النبي e فقال: "جئت أبايعك على الهجرة وأبواي يبكيان", وإنما روى ذاك الحديث سفيان، عن منصور, عن عبيد بن علي, عن خداش أبي سلامة, عن النبي e "أوصى امرأً بأمه". قال أبي: فهذا الذي أراد قَبِيصة, دخل له حديث في حديث[85].
النوع الثاني: أنواع العلة بحسب أثرها:
تتنوع العلة بحسب أثرها في الحديث, إلى علل قادحة, وأخرى غير قادحة, ذلك أن العلة إما أن تكون في المتن, فتقدح فيه دون السند, أو لا تقدح فيهما, أو تقدح فيهما جميعاً, وإمّا أن تكون: في السند, فتقدح فيه دون المتن, أو لا تقدح فيهما, أو تقدح فيهما جميعاً, وأبين هذه الأنواع فيما يلي:
- ما وقعت العلة في الإسناد ولم تقدح مطلقاً: ما يوجد مثلاً من حديث مدلس بالعنعنة, فإن ذلك علة توجب التوقف عن قبوله, فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح فيها بالسماع, تبين أن العلة غير قادحة, وكذا إذا اختلف في الإسناد على بعض رواته, فإن ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه, فإن أمكن الجمع بينها على طريق أهـل الحـديث, بالقرائن التي تحف الإسناد, تبين أن تـلك العلة غير قادحة.
- ما وقعت العلة فيه في الإسناد, وقدحت فيه دون المتن: ومثاله: إبدال راو ثقة براو ثقة, وهو بقسم المقلوب أليق, فإن أُبدل راو ضعيف براو ثقة, وتبين الوهم فيه استلزم القدح في المتن أيضاً, إن لم يكن له طريق أخرى صحيحة.
- أن يكون الضعيف موافقاً للثقة في نعته، ومثاله: ما وقع لأبي أسامة بن أسامة الكوفي -أحد الثقات- عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر -وهو من ثقات الشاميين- أنه قدم الكوفة فكتب عنه أهلها, ولم يسمع منه أبو أسامة, ثم قدم بعد ذلك الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم -وهو من ضعفاء الشاميين- فسمع منه أبو أسامة، وسأله عن اسمه فقال: عبد الرحمن بن يزيد, فظن أبو أسامة أنه ابن جابر, فصار يحدث عنه, وينسبه من قبل نفسه, فيقول: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر, فوقعت المناكير في رواية أبي أسامة, عن ابن جابر -وهما ثقتان- فلم يفطن لذلك إلا أهل النقد, فميزوا ذلك ونصوا عليه.
- ما وقعت العلة فيه في المتن دون الإسناد, ولم تقدح فيهما, ومثاله: ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين, إذا أمكن رد الجميع إلى معنى واحد, فإن القدح ينتفي عنها.
- ما وقعت العلة فيه في المتن, واستلزمت القدح في الإسناد, ومثاله: ما يرويه راو بالمعنى الذي ظنه, فيكون خطأ، والمراد بلفظ الـحديث غير ذلك, فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي, فيعلل الإسناد.
- ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد، ومثاله: أحد الألفاظ الواردة في حديث أنس t وهي قوله: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة, ولا في آخرها"[86]، فإن أصل الحديث في الصحيحين, فلفظ البخاري: "كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين". ولفظ مسلم في رواية له نفي الجهر, وفي أخرى نفي القراءة"[87].
- يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|