
18-09-2019, 03:54 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,220
الدولة :
|
|
رد: فوائد ومسائل فقهية من غزوة حنين
فوائد ومسائل فقهية من غزوة حنين (1)
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
فقال الشافعي ومالك: «هو من خمس الخمس»[8]، وهو سهمه صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله له من الخمس، وهو غير الصفي وغير ما يصيبه من المغنم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأذن الغانمين في تلك العطية، ولو كان العطاء من أصل الغنيمة لاستأذنهم لأنهم ملكوها بحوزها والاستيلاء عليها، وليس من أصل الخمس لأنه مقسوم على خمسة، فهو إذًا من خمس الخمس.
وقد نص الإمام أحمد على أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة، وهذا العطاء هو من النفل، نفَّل النبي صلى الله عليه وسلم به رؤوس القبائل والعشائر ليتألفهم به وقومهم على الإسلام، فهو أولى بالجواز من تنفيل الثلث بعد الخمس والربع بعده[9] لما فيه من تقوية الإسلام وشوكته وأهله واستجلاب عدوه إليه؛ وهكذا وقع سواءً، كما قال بعض هؤلاء الذين نفلهم: «لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي»[10].
فما ظنك بعطاء قوَّى الإسلام وأهله، وأذل الكفر وحزبه، واستجلب به قلوب رؤوس القبائل والعشائر الذين إذا غضبوا غضب لغضبهم أتباعهم، وإذا رضوا رضوا لرضاهم، فإذا أسلم هؤلاء لم يتخلف عنهم أحد من قومهم؛ فللَّه ما أعظم موقع هذا العطاء وما أجداه وأنفعه للإسلام وأهله.
ومعلوم أن الأنفال لله ولرسوله، يقسمها رسوله حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وضع الغنائم بأسرها في هؤلاء لمصلحة الإسلام العامة لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل.
ولما عميت أبصار ذي الخويصرة التميمي وأضرابه عن هذه المصلحة والحكمة قال له قائلهم: «اعدل فإنك لم تعدل»، وقال مُشبهه: «إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله»[11]، ولعمر الله إن هؤلاء من أجهل الخلق برسوله ومعرفته بربه وطاعته له، وتمام عدله، وإعطائه لله ومنعه لله.
وللهسبحانه أن يقسم الغنائم كما يحب، وله أن يمنعها الغانمين جملة كما منعهم غنائم مكة وقد أوجفوا عليها بخيلهم وركابهم، وله أن يسلط عليها نارًا من السماء تأكلها[12]، وهو في ذلك كله أعدل العادلين وأحكم الحاكمين، وما فعل ما فعله من ذلك عبثًا ولا قدَّره سدى، بل هو عين المصلحة والحكمة والعدل والرحمة، مصدره كمال علمه وعزَّته وحكمته ورحمته؛ ولقد أتم نعمته على قوم ردهم إلى منازلهم برسوله يقودونه إلى ديارهم، وأرضى من لم يعرف قدر هذه النعمة بالشاء والبعير، كما يُعطى الصغير ما يناسب عقله ومعرفته ويعطى العاقل اللبيب ما يناسبه، وهذا فضله وهذا فضله، وليس هو سبحانه تحت حجر أحد من خلقه فيوجبون عليه بعقولهم ويُحرمون، ورسوله منفذ لأمره.
فإن قيل: فلو دعت حاجة الإمام في وقت من الأوقات إلى مثل هذا مع عدوه، هل يسوغ له ذلك؟
قيل: الإمام نائب عن المسلمين يتصرف لمصالحهم وقيام الدين، فإن تعين ذلك للدفع عن الإسلام والذب عن حوزته واستجلاب رؤوس أعدائه إليه ليأمن المسلمون شرَّهم ساغ له ذلك، بل تعيَّن عليه، وهل تُجوز الشريعة غير هذا؟! فإنه وإن كان في الحرمان مفسدة، فالمفسدة المتوقعة من فوات تأليف هذا العدو أعظم، ومبنى الشريعة على دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصيل أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، بل بناء مصالح الدنيا والدين على هذين الأصلين. وبالله التوفيق.
قوله صلى الله عليه وسلم:«فَلَهُ سَلَبُهُ» دليل على أن له سلبه كله غير مخموس، وقد صرح بهذا في قوله لسلمة بن الأكوع لما قتل قتيلًا: «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَع»[13].
وفي المسألة ثلاثة مذاهب، هذا أحدها.
والثاني: أنه يُخمس كالغنيمة، وهذا قول الأوزاعي وأهل الشام، وهو مذهب ابن عباس لدخوله في آية الغنيمة.
والثالث: أن الإمام إن استكثره خمسه وإن استقله لم يخمسه، وهو قول إسحاق وفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فروى سعيد في سننه[14] عن ابن سيرين أن البراء ابن مالك بارز مرزبان الزارة[15] بالبحرين فطعنه فدقَّ صلبه وأخذ سُواريه وسلبه، فلما صلى عمر الظهر أتى البراء[16] في داره، فقال: «إنا كُنَّا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالًا وأنا خامسه»، فكان أول سلب خُمس في الإسلام سلب البراء، بلغ ثلاثين ألفًا.
والأول أصح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب وقال: هو له أجمع، ومضت على ذلك سنته وسنة الصديق بعده، وما رآه عمر اجتهاد أداه إليه رأيه.
والحديث يدل على أنه من أصل الغنيمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل ولم ينظر في قيمته وقدره واعتبار خروجه من خُمس الخمس، وقال مالك[17]: هو من خمس الخمس.
ويدل على أنه يستحقه من يسهم له ومن لا يسهم له من صبي وامرأة وعبد ومشرك، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يستحق السلب إلا من يستحق السهم؛ لأن السهم المجمع عليه إذا لم يستحقه العبد والصبي والمرأة والمشرك، فالسلب أولى، والأول أصح للعموم، ولأنه جارٍ مجرى قول الإمام: من فعل كذا أو دل على حصنٍ.. فله كذا، والسهم مستحق بالحضور وإن لم يكن منه فعل والسلب مستحق بالفعل، فجرى مجرى الجعالة.
وفيه دلالة على أنه يستحق سلب جميع من قتله وإن كثروا، وقد ذكر أبو داود أن أبا طلحة قتل يوم حنين عشرين رجلًا فأخذ أسلابهم»[18][19].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] وقال محققو زاد المعاد: كما في سيرة ابن هشام (2/ 405)، من رواية ابن إسحاق عن عبد اللهبن أبي حزم مرسلًا، وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم (3/ 47)، وعنه البيهقي في الدلائل (5/ 68)، إلا أن إسناده ضعيف. وانظر الكامل لابن عدي (4/ 259).
[2] بعض المسائل لم يذكر أصلها في الغزوة اختصارًا، فتراجع في كتب السير لمن أراد.
[3] قال محققو الزاد: كما في مرسل قتادة والسدي عند الطبري في تفسيره (11/ 387، 389)، ومرسل الربيع بن أنس عند البيهقي في دلائل النبوة (5/ 123)، وقد ذكره ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/ 444)، والواقدي (3/ 889)، وابن سعد (2/ 139).
[4] أي: تُوزع وتقسم، يقال: فض المال على القوم، أي فرقه وقسمه عليهم.
[5] قال محققو الزاد: برقم 3032، وإسناده جيد.
[6] قال محققو الزاد: تاريخ دمشق (22/ 148)، وأخرجه أيضًا الخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 252)، من حديث عمار بن ياسر، وإسناده واهٍ، فيه علي بن محمد الحبيبي، قال فيه الدارقطني: ضعيف جدًّا، وكذَّبه أبو عبد اللهالحاكم.
وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند الطبري في تهذيب الآثار (2/ 838)، والبيهقي في شعب الإيمان برقم 3569، بإسناد ضعيف، وأخرجه البزار برقم 1413، والبيهقي في الشعب برقم 5651، من الطريق نفسه إلا أن فيه عمار بن ياسر بدل عمر ابن الخطاب. والحديث في إسناده ومتنه اختلاف كثير واضطراب، وليس في سائر طرقه ذكر موضع الشاهد. انظر تهذيب الآثار (2/ 838-845)، وعلل الدارقطني برقم 239، 511، 1119، وأنيس الساري برقم 3399.
[7] قال محققو الزاد: ومما روى في نزول الملائكة غير ما سبق عند المؤلف في أحداث الغزاة: ما رواه مسدد في مسنده كما في المطالب العالية برقم 4309، والطبري في تفسيره (11/ 393-395)، وابن عساكر في تاريخه (34/ 174) من طرق عن عوف الأعرابي، عن عبدالرحمن مولى أم بُرثن قال: حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة أن كشفناهم، فبينا نحن نسوقهم في أدبارهم إذ انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه فقالوا لنا: شاهت الوجوه! ارجعوا، قال: فانهزمنا وركبوا أكتافنا فكانت إياها. وإسناده جيد.
[8] قال محققو الزاد: هو مذهب الشافعي، وأما مالك فقال: إن النفل يكون من جملة الخمس، ولم يشترط أن يكون من خمس الخمس. انظر المنهاج للنووي ص366، والمدونة (3/ 30)، والبيان والتحصيل (3/ 180، 17/ 471، 18/ 184).
[9] قال محققو الزاد: يشير إلى هديه صلى الله عليه وسلم، أنه إذا أرسل سرية بين يدي الجيش فغنمت شيئًا أخرج خُمسه ونفّلها ربع الباقي، ثم قسم الباقي بينها وبين سائر الجيش بالسوية، وهذا في البدأة، وأما في القفول فينفلها الثلث بعد إخراج الخمس.
[10] قاله صفوان بن أمية كما في صحيح مسلم برقم 2313، عن سعيد بن المسيب مرسلًا.
[11] قولهما في الصحيحين، وقد سبق تخريجه ص 437.
[12] كما كان عليه الأمر في الأمم السابقة، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه في قصة نبي من الأنبياء: «... فجاءت النار فأكلتها، ثم أحل اللَّه لنا الغنائم؛ رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا». البخاري برقم 3124، ومسلم برقم 1747.
[13] أخرجه البخاري في صحيحه برقم 3051، ومسلم برقم 1754، من حديث سلمة مطولًا.
[14] قال محققو الزاد: برقم 2708، وأخرجه أيضًا عبدالرزاق برقم 9468، وابن أبي شيبة برقم 33760، 33761، والبيهقي (6/ 310، 311)، بأسانيد صحيحة، وهو عند الأخيرين: عن ابن سيرين عن أنس، والبراء بن مالك أخو أنس.
[15] قال محققو الزاد: في المطبوع «مرزبان المرازبة»، وكذا في هامش ز مصدرًا بـ «لعله»، وهو خطأ، والزارة: قرية بالبحرين، وهي اليوم تقع في محافظة القطيف بالمملكة العربية السعودية، والمرزبان: رئيس القوم عند الفرس، وهو دون الملك.
[16] في السنن وغيره: أتى أبا طلحة، وهو زوج أم سليم أم البراء وأنس.
[17] قال محققو الزاد: سبق أن المشهور عنه أنه من جملة الخمس دون تحديد خمس الخمس.
[18] في سننه برقم 2718، وأخرجه أحمد برقم 12236، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[19] زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم رحمه الله (3/ 592-617)، بتصرف واختصار.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|