
17-09-2019, 12:53 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,994
الدولة :
|
|
رد: يا صاحب الرسالة؟!
يا صاحب الرسالة؟!
د. خالد أبو شادي
1. الاعتذار للأعذار:
قال الله عز وجل في سورة النور أنار الله قلبك: ï´؟إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَ كَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [ النور: 62]
جاء في التفسير أنها نزلت في غزوة الخندق، حين تألب الأحزاب على المسلمين، فأقرَّ النبي ^ فكرة سلمان الإبداعية في حفر الخندق، وبدأ التحدي حين قطع النبي ^ لكل عشرة من الصحابة حفر أربعين ذراعا، ليستمر العمل شهرا كاملا، وكان العمل شاقا في شدة جوع، وقلة زاد، ورعب زلزل الأفئدة، وتسابق مع الزمن قبل أن يصل الأحزاب المدينة وإلا فشلت الخطة من الأساس، وفي خضم هذه المشغلة النفسانية العنيفة كان البعض يتسلل إلى بيته بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم تاركينه وأصحابه يحفرون!! فنزلت هذه الآية، وأمرهم الله أن يستئذنوا، ليكون الاستئذان علامة فارقة بين المؤمنين الصادقين والمنافقين المتخاذلين.
والعجيب في الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِر بالاستغفار لمن استأذن مع كونه صاحب عذر!! فكيف بمن تخلف دون استئذان ولعله بغير عذر؟!
إنها تربية الصف المؤمن على أن يراجع كل منا نفسه، فكل تخلف عن فرصة خير هو في حقيقته حرمان من شرف خدمة الدين، ولعله كان عقوبة على ذنب سلف أو تقصير فرط، أو لعله بعذر غير قاهر كان يمكن التغلب عليه، وكل هذا يوجب الاستغفار . قال الألوسي وغيره: «فإن الاستئذان وإن كان لعذر قوي لا يخلو عن شائبة تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة»( ).
ولوضوح المعنى فقد رأى نفس الأنوار الإمام الرازي فقال: «أن يستغفر لهم تنبيها على أن الأولى أن لا يقع الاستئذان منهم وإن أذن، لأن الاستغفار يدل على الذنب»( ).
وفارق شاسع يا إخوتاه بين من تخلَّف عن فرصة خير فتألم وتفطَّر قلبه وزاره الأرق بالليل فخرَّ مستغفرا ، وآخر تخلَّف دون أن يشعر بشيء أو قائمة أعذاره سابقة التجهيز، الأول ينال أجره كاملا غير منقوص والثاني لا شيء له بل عليه!!
الأول فرد في طائفة «إن بالمدينة أقواما ما سِرتُم مسيرا، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فيه وهم بالمدينة، حبسهم العذر»( ).
أما الثاني عضو في فريق: ï´؟ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ï´¾ [ التوبة: 46]
وإن كانت هذه الآية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ذلك يصلح أن ينسحب على غيره ممن تولى مسئولية أو إمارة دعوية لا نهضة للإسلام اليوم إلا بها، ولهذا قال الحسن: «وغير الرسول ^ من الأئمة مثله في ذلك لما فيه من أدب الدين وأدب النفس»( ).
ومن هنا ذهب الطاهر بن عاشور إلى استنباط هذه القاعدة الإدارية الهامة فقال في ألفاظ سالت حروفها من العسل: «وهذه الآية أصل من نظام الجماعات في مصالح الأمة، لأن من السنة أن يكون لكل اجتماع إمام ورئيس يدير أمر ذلك الاجتماع، ومن السُنَّة أن لا يجتمع جماعة إلا أمَّروا عليهم أميرا، فالذي يترأس الجمع هو قائم مقام ولي أمر المسلمين، فهو في مقام النبي ^ فلا ينصرف أحد عن اجتماعه إلا بعد أن يستأذنه، لأنه لو جعل أمر الانسلال لشهوة الحاضر لكان ذريعة لانفضاض الاجتماعات دون حصول الفائدة التي جُمعت لأجلها».
بئست التركة!!
إن كثرة الاعتذارات هي ميراث أهل النفاق، وفي نظر صاحب الرسالة هي نذير خطر داهم يقترب، أو هي بمثابة قمة جبل الجليد الذي يظهر مقدار عُشره على سطح الماء بينما يختفي تسعة أعشاره، وكذلك كثير الأعذار لا يظهر من عيوبه إلا العُشر، وتسعة أعشار مساوئه متواري، ويظل الشيطان يقتات على البقية الصالحة من قلبه، لتظل عيوبه تتوالد مع تتابع قعوده، وسيئاته تتكاثر بتوالي اعتذاراته حتى يصل إلى النهاية الحتمية المؤسفة: تفتر همته الدعوية وتبرد عزيمته الإيمانية، فيقعد عن السير مع القافلة المباركة.
2. الرباط الرباط:
أصغِ إلى هذا الموقف في مغازي الواقدي: في رجوع الصحابة من غزوة ذات الرقاع قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رجلٌ يكلؤنا الليلة؟ فقام عمار بن ياسر وعبَّاد بن بِشر، فقالا: نحنُ يا رسول الله نكلؤك، وجعلت الريح لا تسكن، وجلس الرجلان على فم الشعب،فقال أحدهما لصاحبه: أيُّ الليل أحب إليك أن أكفيك أوله فتكفيني آخره؟ قال: اكفني أوله، فنام عمار بن ياسر وقام عبَّاد بن بشر يصلي، وأقبل عدو الله، ففوَّق له سهما فوضعه فيه فانتزعه، ثم رماه بآخر فوضعه فيه فانتزعه، ثم رماه الثالث فوضعه فيه، فلما غلب عليه الدم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: اجلس فقد أتيت، فجلس عمار، فلما رأى الأعرابي أن عمارا قد قام علم أنهم قد نذروا به، فقال عمار: أي أخي .. ما منعك أن توقظني به في أول سهم رمى به؟ قال: كنت في سورة أقرؤها وهي سورة الكهف، فكرِهت أن أقطعها حتى أفرغ منها، ولولا أني خشيت أن أُضيِّع ثغرا أمرني به رسول الله ^ ما انصرفت ولو أُتِي على نفسي!!
وكلنا اليوم وقوف على نفس الثغر الذي وقف عليه عبَّاد، ونشهد نفس الموقف بحذافيره، في ظل هجمة شرسة على رسول الله وحرب سافرة على الإسلام وحملة عدوان ممنهجة تستهدف زلزلة ثوابت الأمة وتمييع عقيدتها ونهب ثرواتها، وكأنَّ صوت رسول الله يهتف بيننا اليوم مستصرِخا: من رجلٌ يكلؤنا اليوم؟!
فهل شعرنا ونحن في حقل الدعوة بما شعر به هذا الصحابي الجليل، وهل استحضرنا نية المرابطة على الثغور ولو كان العمل الموكل إلينا بسيطا، وهل صاحبتنا هذه الروح حتى في الأعمال التي يَسُدُّ فيها الثغر سوانا، وفي كل مساراتنا الدعوية وتحركاتنا اليومية في سبيل نصرة الدين؟!
يا صاحب الرسالة .. انهض بعزم لا تنم .. وإذا أردت لهمتك أن تعلو ولعجزك أن يخبو ولأعذارك أن تتوارى ولقلبك أن يصحو ، فاستنشق عبير الرباط المبارك وكأنك وحدك الذي أنيط به التكليف وتلقى الأمر، وكأنك وحدك الذي يملك الجرعة الشافية لمريض أشرف على الهلاك، وأشرِب قلبك –وأنت تتحرَّك في دعوتك- أنك إن لم تقم بأي واجب من واجباتك الدعوية أصيب الدين في مقتل، وأنت السبب!!
عوتب الإمام أبو الأعلى المودودي في كثرة اجتهاده، وطالبه تلامذته يوما أن يستريح جالسا، فقال: «إذا جلستُ أنا، فمن عساه يبقى واقفا!!».
الوقوفوحيدا!!
يدفعك إلى ذلك ويحثك عليه وقوفك غدا للحساب عاريا إلا من عملك، لا يدفع عنك ملائكة العذاب سوى بذلك، ولا يتكلم عنك إلا صحيفة حسناتك، ولا يحجب وجهك عن حرارة جهنم مثل حرارة السعي على مصالح الدعوة، وعندها تشهد الجوارح لتُعرّي كل من ارتدى ثوب السلبية القبيح يوم تتوالى الاعترافات وتتقدَّم الشهادات.
وكأن الحسن البصري لمح نفرا من الدعاة ازدحم الناس حولهم واحتفوا بهم، فانطلق يعظهم موعظة من ارتدى ثيابهم واحترف حرفتهم، فخبر عيوبهم وأمراضهم ثم انطلق يدعوهم:
«رحم الله رجلاً لم يغره كثرة ما يرى من كثرة الناس، ابن آدم إنك تموت وحدك، وتدخل القبر وحدك، وتُبعث وحدك، وتحاسب وحدك .. ابن آدم!! وأنت المعني وإياك يُراد»( ).
3. ذاتية الانطلاق والاستمرار: صاحب الرسالة لا يحتاج إلى سماع صرخة استغاثة ضحية تحتضر بين يديه لينتفض، ولا يحتاج إلى من يذكِّره بدوره بل هو من يذكِّر غيره، فما نزل بالأمة يوقظ الأموات ويطرد السبات.
يا صاحب الرسالة .. إذا وجدت صفا معوجا فقوِّمه، وإن لم تجد صفا فكن أنت الصف، ولك -إن فعلت- أجر السبق وثواب الأوائل وحسنات كل من اصطف خلفك وحذى حذوك!!
يا صاحب الرسالة .. لا تحتاج مني أن أذكِّرك بأنك لست حامل رسالة بل صاحب رسالة، وفارق شاسع بين الاثنين.
• أنت الذي تخاف على دعوتك وتبذل في سبيلها فوق ما تستطيع.
• أنت الذي تستفرغ كل ذرة جهد لها لا تبخل أو تدَّخر.
• أنت الذي تنام وتستيقظ على هَمٍّ وحيد: أن تنتصر الدعوة وتسود.
• أنت الذي تستشعر أجَلَّ نعم الله عليك: أنك قمت ونام غيرك، وبذلت وبخل غيرك، وسهرت ونام غيرك، وتألمت فعملت وتبلدت مشاعرهم فاستراحوا.
أخي صاحب الرسالة ..
لست موظفا حكوميا يؤدي عمله في أوقات العمل الرسمية ثم ينصرف، حاشاك.. بل أنت صاحب عمل تؤرِّقه خسارته فلا يهدأ حتى تشرق على دعوته شمس الأرباح، ويحتال لها ويصل الليل بالنهار من أجلها حتي يبلغ غايته ويحرز هدفه، ويظلُّ يُفكِّر ويسهر ويجرِّب ويتعب حتى يربح دينه ويُقبِل الناس على فكرته، أنت من قال فيه البحتري: متقلقلَ الأحْشاءِ في طلب العُلا... حتَّى يكونَ على المعالي قيمِّا
خير الكلام ما قلَّ ودلَّ: أنت صاحب هَمٍّ جليل وأمل نبيل لا يقطعه عنك سوى الموت.
يا ذاتي الانطلاق والحماس..
أنت ما كنت يوما إمعة ولن تكون .. وأنا واثق أنك لن تنجرف مع تيار الغفلة المحيط بك إحاطة السوار بالمعصم، ولن يكون أقصى طموحاتك ومنتهى آمالك أن لا تتأثَّر به بل أن تُزيله من الوجود.
أنت ضوء لا يسُبُّ الظلام بل يُبدِّده .. لذا لا تُلقي باللائمة على غيرك .. فقد تربَّيت على أن الشكوى علامة ضعف واعتراض على الخالق مما لا يليق بصاحب دعوة مثلك!!
يا حامل الأمانة .. لا يتحرَّك بمُحرِّك إلا خامل، وهذا لا يقوم إلا إذا سمع صيحة: قم يا فلان، ولست من هؤلاء، لذا لا تنتظر الخطط لتتحرك، ولا يعوزك التحفيز لتنطلق.
وأخيرا .. لا يفهم هذه المعاني إلا من يعاني، وصاحب الرسالة ما كان يوما على الدعوة عالة بل شامة، فأرنا التصدي للبذل؟! وأظهِر الشوق للتعب؟! وارتدِ ثوب العمل.
4. الإبداع الدعوي:
من علامات أن تكون مهموما بدعوتك أن تُبدِع في سبيلها كما أبدع أهل الباطل في سبيل باطلهم، ونحن أولى بالإبداع منهم، وقل لي بربك: لماذا نرى الإبداع اليوم وكأنه حِكر على الكفرة وخُدَّام الدنيا؟ ونبحث عن المبدعين من أجل الدين فنجدهم ندرة.
إن الإبداع الدعوي اليوم صار فريضة لازمة لأن زمن الرتابة انتهى وبدأ زمن السرعة والتجديد، وناشئة القرن الحادي والعشرين تترعرع في ظل شهوات دنيوية تغيِّر ثيابها الزاهية كل يوم، وتتلون بألوان الطيف، وتتجدَّد على مدار الساعة لتخلب الأبصار وتُدخِل الناس النار فماذا فعلنا نحن لإنقاذهم؟!
قلِّب الأنظار حولك: إبداع دنيوي يجيده أهل الباطل يتعالى كل يوم ويتطور كل لحظة، مما يجعل تقديم الهداية اليوم في ثوب قديم وأسلوب تقليدي لا يواكب العصر ويراعي المتغيِّرات صادٍّا للأجيال الجديدة لنبوء نحن بالإثم ونرجع بوزر الصد عن دعوة الله!!
وتشتمل مجالات التفكير الإبداعي على:
* إيجاد البديل لكل رذيل وِفْق الضوابط الشرعية.
* ابتكار حلول للمشاكل التي تواجهها الدعوة على طريقة الماء الجاري!! وتأمل ماذا يفعل الماء إذا جرى ووجد أمامه عقبة؟!
يمُرُّ من اليمين أو الشمال، فإن لم يكن هناك يمين أو شمال؟! علا الماء الصخرة رويدا رويدا حتى يغمرها ثم يجتازها ماضيا في طريقه، ومع مرور الوقت يحفر الماء عمق الصخرة ليُحطِّمها في النهاية، فكن ماء جاريا لا تستسلم لعقبة زرعوها أمامك ليُقعدوك.
* فتح أبواب جديدة لم تطرقها الدعوة من قبل: عن طريق غزوات دعوية جديدة، وانتشارات في ميادين وساحات ظلت أبوابها زمنا مغلقة وأبوابها مؤصدة تنتظر الفاتح يا فاتح!!
* عدم الرضا بالواقع الدعوي والتطلع دوما للأفضل في ظل تطوير مستمر للعمل حتى لا يكاد يُؤدى العمل نفسه بذات الطريقة مرتين.
وأسألك في ضوء ما قرأت: الإبداع وليد المعاناة وحمل الهمِّ فماذا أبدعت من مشاريع لدينك وأفكار لدعوتك؟ حصيلة الهمِّ: إبداع، فأين حصيلتك؟!
الفشلأبو الإبداع
ذكروا عن قصة نجاح إبراهام لنكولن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أنها استُهِلَّت بفصول من الفشل متتالية:
• فشل في مجال الأعمال وهو في الحادية والعشرين من عمره.
• هزم في انتخابات تشريعية وهو في الثانية والعشرين من عمره.
• بعد تجربته الأولى .. فشل أيضا في مجال الاعمال وهو الرابعة العشرين.
• تغلب على موت حبيبته وهو في السادسة والعشرين.
• أصيب بانهيار عصبي وهو في السابعة والعشرين .
• خسر في انتخابات الكونجرس وهو في الرابعة والعشرين.
• خسر مرة أخرى في انتخابات الكونجرس وهو في السادسة والثلاثين.
• خسر في انتخابات مجلس الشيوخ وهو في الخامسة والأربعين.
• خسر في انتخابات مجلس الشيوخ مرة أخرى وهو التاسعة والأربعين.
ومع ذلك لم تنل هذه الانتكاسات من عزيمته شيئا، ولم ينقطع كفاحه حتى بلغ منصب الرئاسة، ومع أنه رجل كافر لا يرجو ثوابا كالجنة أو يخشى عقابا كالنار، لكنه مع ذلك ما يأس من تكرار فشله، وصاحب الرسالة يستحي أن يكون عزمه أوهن وصبره أرق ويخاطب نفسه: كيف أيأس و لي في كل خطوة اغتراف أجر جزيل ورضا رب جليل ï´؟ وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَآءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماًï´¾ [ النساء: 104]
أخي صاحب الرسالة .. هل لي أن أقول لك: لا يمكن أن تمر الحياة دون لحظات ألم، لكن الذكي من يستعمل هذا الألم في صقل مهاراته وتربية ذاته، فأخبرني: كم مرة حاولت؟ وبعد كم محاولة يأست؟! وكيف تيأس من فشل أنت مأجور عليه؟! وكيف لا تستغله ليكون جسرك إلى نجاح دعوي عاجل وفوز أخروي آجل؟! أخشى أن تكون نظرتنا إلى المشكلة هي أصل المشكلة، فاحفظ معي وردِّد:
ولا أدرك الحاجات مِثلُ مثابرٍ *** ولا عاق منها النَّجح مِثل تَوانِ كلمة الفشل لا وجود لها في قاموس صاحب الرسالة، وأي تعثر دعوي اليوم إن سُمِّي فشلا فعلى سبيل المجاز، أما هو في حقيقته فهو ذروة النجاح لأنه سلم نحو النجاح، فالبس ثوب التجربة والمحاولة، ودع عنك قول: لست لها، واجعل مكانها: أنا لها.
وإن حدثتك النَّفس أنك قادر على ما حوت أيدي الرجال فجرِّبِ ماذا عليَّ أن أفعل؟!
* اعقد جلسات العصف الذهني المُوجَّه مع إخوانك في الهمِّ وزملائك في حمل الرسالة.
* لا تستعجل في الحكم على الأفكر الجديدة ورفضها بل رحِّب بالأفكار الجديدة، ثم ابْنِ عليها لتصبح مع التطوير والتعديل مناسبة.
* اجعل بصرك حادا في مشاهداتك اليومية لتلتقط الأفكار الجديدة حولك وتسخِّر مثلها وأفضل منها لدعوتك.
* أهم من الفكرة تنفيذها، ويمكنك استخدام محصلة ضرب التكلفة في الفائدة لتعرف أسس التعامل مع الفكرة:
- تكلفة قليلة + فائدة كبيرة= نفِّذ على الفور
- تكلفة قليلة + فائدة قليلة= نفِّذ على الفور
- تكلفة كبيرة + فائدة قليلة= ارفض الفكرة
- تكلفة كبيرة + فائدة كبيرة= ادرس الفكرة بعمق لقبولها أو رفضها.
* وأرى أنه لا مناص من أن ينظِّم الدعاة جائزة دورية؛ شهرية أو ربع سنوية، لأفضل فكرة أضافت للدعوة جديدا، أو قرَّبت بعيدا، أو أزاحت عقبة، أو أخرجت ثمرة، وذلك تشجيعا للعقول المبدعة ، وإثارةً لغيرة العقول التقليدية الجامدة، افعلوها-إخوتاه- وسترون العجب!!
البحثعن الكنز!!
يا صاحب الرسالة .. يا صاحبة الرسالة:
وهبكما الله مواهب دفينة وطاقات هائلة، لكنها اليوم دفينة مغمورة في بئر الإهمال والنسيان، مجهولة تنتظر من يُنقِّب عنها بمعول العزيمة، وعندها تظفران بالجواهر وتعرفان سِر قوتكما ومفتاح تميزكما، فتسخِّرانها لخدمة الدعوة.
وما أكثر حاملي الرسالة الذين لم يكتشفوا المواهب الربانية التي حباهم بها الله، ومن ثم لم يستخدموها الاستخدام الأمثل لنصرة الحق والدفاع عنه؟! وهل يظن أحدٌ أن النعم لا تبعات من ورائها؟! أو أن العطاء لا يؤاخَذ عليه؟! أو يظن الغني أن حسابه عند الله مثل حساب الفقير؟! أو أن حساب الذكي مثل حساب الغبي؟! أو حساب الفصيح كالعيي؟! أو العالم كالجاهل؟! تعالى الله عن ذلك: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌï´¾ [ الأنعام: 165]
والدَّرجات هنا استعارة لتفاوت النِّعم بين الناس، مبنيَّة على تشبيه المعقول بالمحسوس لتقريبه إلى الأفهام، وتشمل الدرجات جميع أنواع التميز والاختلافات بين الناس اليوم في الأرزاق والأخلاق والأفهام والمحاسن والمواهب والمناصب .. وهي سنة إلهية محكمة .. الحكمة منها: ï´؟ ï´¾.
فهذه الدرجات الهدف منها إذن: الابتلاء، فكل ما رزقكم الله من النعم الظاهرة أو الخفية فإنما يبلوكم الله به، فهل تنجحون في الاختبار فتسخِّرون هذه المواهب في طاعة الله وخدمة دينه؟ أم تضيِّعونها هدرا؟
ثم يأتي ختام الآية: ï´؟ • ï´¾، ليفرض السؤال: ما العلاقة بين أول الآية وآخرها؟!
والجواب: إن عقاب الله سريع الإتيان لمن لم يراع حقوقه في ما آتاه من مواهب وملكات فلم يشكره، أما من حباه الله النعم فبذلها في سبيل الله تجاوز الله عن كل ما بدر منه بمغفرته ورحمته، والله أعلم.
وصية ماسية أخيرة تلمع عندما تسقط عليها أشعة ذكائك الإيماني: ركِّز على نقاط قوتك أكثر من نقاط ضعفك.
قد تقضي الأعوام في معالجة نقاط ضعفك، وقد تنجح في ذلك قليلا أو كثيرا، لكنك لو نظرت في ما أنت متميِّز فيه وعملت على تسخيره لدينك لكان ذلك أيسر عليك وأربح لدعوتك.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|