تيسير أحكام اللقطة
رأفت الحامد
2. اللقطة التافهة إذا كانت مما يؤكل، ويتسارع إليها الفساد كالتمرة، ونحوها لحديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بتمرة في الطريق فقال: ((لولا أني أخاف أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها))[رواه البخاري برقم 2431 5/103 الفتح، ومسلم 8/177 النووي)]، فظاهر الحديث يدل على عدم اشتراط التعريف، وهذا مذهب الحنابلة، والشافعية. [المغني 6/351)، (المجموع 16/146)، (السبل 3/116)].
3. اللقطة اليسيرة إذا لم تكن مما يؤكل، فهذه لا يجب تعريفها عند المالكية، والحنابلة، وهو مما لا تتبعه همة أوساط الناس لما رواه أحمد بسند ضعيف، ويحسنه بعضهم، [رواه أبو داود برقم 1717 في السنن 2/339، أنظر الفتح 5/103، و جامع الأصول 10/711)] عن جابر قال: " رخص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العصا، والسوط، والحبل، وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به "، ولكن يرد عليه ما رواه أحمد أيضا من حديث يعلى بن مرة مرفوعا: ((من التقط لقطة يسيرة حبلا أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام))، وزاد الطبراني: ((فإن جاء صاحبها، وإلا فليتصدق بها)).
قال الشوكاني: "وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد صرح جماعة بضعفه، فإذا صح هذا الحديث حمل هذا الحديث على الذي قبله فيكون تعريف اللقطة اليسيرة ثلاثة أيام حملا للمطلق على المقيد". [نيل الأوطار 5/337-338) بتصرف].
قال النووي: "أما الشيء الحقير فيجب تعريفه زمنا يظن أن فاقده لا يطلبه في العادة أكثر من ذلك الزمان ". [شرح مسلم12/22)، حاشية بن عابدين(6/436)].
تنبيـه: قول بعض الفقهاء بعدم وجوب تعريف اللقطة اليسيرة لا يعني المنع من تعريفها، وإنما يعني نفي الوجوب فقط، وعلى هذا إذا أراد الملتقط تعريفها ولو لمدة سنة جاز له ذلك إذا كانت مما لا يؤكل.
4. إذا خشي الملتقط من الاستيلاء على لقطته ظلما من قبل ذي سلطان جائر لم يجز له التعريف، وتكون أمانة عنده، و هذا قول عند الشافعية.
مدة التعريف:
الأصل في مدة التعريف سنة كاملة وهو ما دل عليه حديث خالد بن زيد في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((.. عرفها سنة..))[متفق عليه]، وهذا مذهب عمر، وعلي، وابن عباس، وابن المسيب، والشعبي، والحنفية [فتح القدير6/114)]، والمالكية [الشرح الكبير للدردير والدسوقي 4/120 زيدان)]، والشافعية (نهاية المحتاج للرملي 5/434 وما بعدها زيدان)، والحنابلة (المغني6/348)، قال ابن قدامة: "لا نعلم فيه خلافا "، وكذلك هو مذهب الظاهرية. [المحلى5/264)].
قال ابن الهمام: "واعلم أن الأمر بتعريفها سنة يقتضي تكرار التعريف عرفا، وعادة، وإن ظرفية السنة للتعريف يصدق بوقوعه مرة واحدة، ولكن يجب حمله على المعتاد من أنه يفعله وقتا بعد وقت، ويكرر ذلك كلما وجد مظنة". [فتح القدير6/115)].
- ويستثنى من هذا الأصل ما يلي:
1. إذا كانت اللقطة يسيرة فيعرفها ثلاثة أيام أو زمنا يظن أن فاقده لا يطلبه، وقد مر قبل قليل.
2. ما يخشى فساده إذا كان كثيرا أو يسيرا كالفاكهة والخضروات يعرفها مدة لا يخشى فيها عليه الفساد، وهذا قول الحنفية، والحنابلة.
زمن التعريف:
يكون التعريف في الأوقات المناسبة كالنهار مثلا-، ويتكرر بالقدر الذي يحصل به مقصود التعريف حتى يمكن وصول خبرها الى صاحبها. [المغني 6/349)].
الفورية في التعريف:
الراجح في التعريف أنه واجب على الفور، ولا يجوز تأخيره عن زمن تطلب فيه اللقطة عادة، و هذا يختلف باختلاف مقدارها. [المغني 6/349، النيل 5/340)].
مكان التعريف:
يجري التعريف في الأماكن التي يظن فيها بلوغ خبرها إلى صاحبها، وأولى هذه الأماكن مكان التقاطها [النيل 5/340)]، ويعرف في:
1-مجامع الناس كالأسواق، وأبواب المساجد [الفتح 5/98، شرح مسلم 12/22، المجموع 6/145، المغني 6/349، حاشية ابن عابدين 6/436)]، وفي عصرنا الحاضر في، 2- الصحف، 3- الإعلانات الكبيرة المعلقة.
4- الإذاعة.
من يتولى التعريف:
يتولى أمر التعريف الملتقط، أو نائبه [النيل5/340)]، ويشترط أن يكون عاقلا، فلا يصح تعريف السفيه عند الشافعية انما يجب على وليه [المجوع 16/173)]، ولا يعتد بعريف الفاسق لأنه يخون، وكذلك لا يعتد بعريف الصبي غير المميز، والمجنون، ويتولى ذلك وليهما، ويعتد بتريف الصبي المميز. [المجموع 16/175، المغني 6/350)].
مؤنة التعريف:
يتحمل الملتقط مؤنة التعريف عند الحنفية، والحنابلة [حاشية بن عابدين 6/349، السلسبيل 2/599)]، وعند المالكية يتحملها صاحب اللقطة [المدونة 4/457)]، وعند الشافعية لا يتحملها الملتقط إن كان قصده حفظها لصاحبها، ويجعلها القاضي من بيت المال قرضا أو يبيع قسما منها لنفقة تعريفها، وان كان التقاطها لتعريفها ثم تملكها إن لم يظهر صاحبها فمؤنة التعريف تكون على الملتقط، وإذا كان الملتقط صبيا أو مجنونا فيعرفها الولي، ولكنه لا يدفع مؤنة التعريف من مال الصبي، والمجنون إنما يرفع الأمر إلى القاضي ليبيع قسما من اللقطة أو ليقترض على حساب مالك اللقطة، ومال صاحب الأنصاف الحنبلي إلى قول الشافعية. [السلسبيل 2/599)].
قلت: ملخص مذهب الشافعية أنها على الملتقط إن كان ذلك بعد تملكه للقطة، وعلى صاحبها إن استردها قبل التملك.
مسألة: إذا قام الملتقط بالتعريف فيتصور أحد حالين:
1- أن يأتي صاحبها ويطالب بها أثناء مدة التعريف. أو
2- أن تنتهي مدة التعريف و لا يطالب بها أحد.
ففي الحالة الأولى: يجب دفع اللقطة إلى من يذكر أوصافها ولا يشترط إقامة البينة، ولا اليمين لوجوب الدفع في ظاهر الحديث، وهذا ظاهر مذهب الحنابلة، والظاهرية، والمالكية [المغني 6/363، المحلى 5/257)]، قال عليه الصلاة، والسلام: ((… فإن جاءك أحد يخبرك بعددها، ووعائها، ووكائها فادفعها إليه))[رواه البخاري عن أبي بن كعب، ومسلم عن سلمة بن كهيل، واللفظ له (شرح مسلم 12/23، النيل 5/342، السبل 3/117، السلسبيل 2/601، المدونة 4/456)]، ولا يضمن الملتقط إذا ظهر مستحق للقطة، ولهذا المستحق الرجوع إلى الواصف الآخذ فقط، وعند الحنفية، والشافعية لابد من البينة. [فتح القدير 6/121، المجموع 16/154)].
والصحيح قول من قال بوجوب الدفع بالصفة، وهذا قول المجد بن تيمية في المنتقى. [النيل 5/339)].
وأما الحالة الثانية: تدخل اللقطة في ملك الملتقط عند تمام مدة التعريف غنيا كان أو فقيرا، وتورث عنه فإن جاء صاحب اللقطة ضمنها له إن كان حيا أو ضمنه له الورثة إن كان الملتقط ميتا، هذا مذهب عمر، وابنه وعلي وابن عباس وابن مسعود وعائشة، وبه قال عطاء والنخعي وطاوس وعكرمة، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة [المجموع 16/150، المغني 6/354)]، واستدلوا بما رواه زيد بن خالد مرفوعا: ((فان لم تعرف فاستنفقها))، وفي لفظ: ((وإلا فهي كسبيل مالك))، وفي لفظ: ((فشأنك بها))، وفي لفظ: ((فاستمتع بها))، وفي لفظ: ((فاخلطها بمالك))، والمعنى واحد. قال الحافظ: "الأمر للإباحة فتكفي النية للتملك وهو الأرجح دليلا" [الفتح 5/99و101، شرح مسلم 12/23، السبل 3/118)].
وذهبت المالكية إلى أن الملتقط إذا كان فقيرا فان له أن يأكل، وإن كان غنيا فانه يتصدق بها، ويجوز أكلها بعد الحول [المدونة 4/455، بداية المجتهد 2/229)]، وذهبت الحنفية إلى أن الملتقط إذا كان فقيرا فانه يملكها، وإن كان غنيا، فإنه يتصدق بها ولا يأكلها [حاشية بن عابدين 6/438، السبل 3/118، البداية 2/229)].
قلت: الصحيح قول الشافعية، والحنابلة لقوة ما استدلوا به، والله أعلم ونسبة العلم إليه أسلم.
فائدة:
استحب بعض أهل العلم أن يتعرف الملتقط على اللقطة مرة أخرى إذا أراد أن يتملكها: "فيعرف العلامات أول ما يلتقط حتى يعلم صدق واصفها كما تقدم ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها فيعرفها مرة أخرى تعرفا وافيا محققا ليعلم قدرها، ووصفها، وهذا بناء على بعض الروايات في حديث زيد بن خالد التي تبيين تقديم التعريف على المعرفة كما عند البخاري: ((فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكائها))، وعند مسلم: ((فقال: عرفها سنة، فان لم تعرف فاعرف عفاصها..))[الفتح 10/533، شرح مسلم 12/26)].
هذا هو قول الإمام النووي في شرح مسلم، ورده الحافظ في الفتح فقال: "لاحتمال أن تكون "ثم" بمعنى "الواو" فلا تقتضي ترتيبا، ولا تقتضي تخالفا يحتاج إلى الجمع، و يقويه كون المخرج واحد والقصة واحدة ". [شرح مسلم 12/23، فتح الباري 5/98)]، وأما لقطة الحرم المكي فحكمها التعريف أبدا، ولا يحل للملتقط تملكها، وهذا قول جمهور الفقهاء [الفتح 5/106)].
ضمان اللقطة:
تعتبر اللقطة أمانة، أو مضمونة بيد ملتقطها حسب نيته.
1- فان كان قد التقطها بنية حفظها، وردها لصاحبها فهي أمانة فلا يضمنها إلا بالتعدي، والتقصير [المغني 6/366، شرح مسلم 12/24، النيل 5/343)].
2- وإن كان قد التقطها بنية أخذها لنفسه، وعدم ردها إلى صاحبها فهي مضمونة عنده لأنها بحكم المغصوب، وهذا قول الجماهير [المغني 6/361، فتح القدير 6/112)]، وتعرف نية الملتقط عند أبي حنيفة، وأبي يوسف بالتصديق، والإشهاد[فتح القدير 6/112)].
3- فإذا هلكت اللقطة، وجاء صاحبها، وصدق الملتقط بأنه أخذها للحفظ، والرد فلا ضمان عليه لثبوت أمانته بهذا التصديق، وإن كذبه المالك وكان الملتقط قد أشهد على التقاطه فلا ضمان عليه لظهور أمانته بالإشهاد، وإن لم يكن قد أشهد فثبت أمانته بيمينه؛ لأن القول قول الأمين مع اليمين، وهذا قول أبي يوسف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة [الإنصاف 6/421، الرملي 5/435، حاشية الدسوقي 3و8/121، الكاساني 6/201 زيدان)].
4 - وإذا التقطها بنية الحفظ، والرد ثم رد اللقطة إلى مكانها الذي أخذها منه لا ضمان عليه عند الحنفية [حاشية بن عابدين 6/435)]، والمالكية، وعند الشافعية، والحنابلة يضمن لأنها صارت أمانة في يده فلزمه حفظها [المجموع 16/158، المغني 6/368)]، ورد عليهم بأنه قد يأخذها على ظن قدرته على حفظها فتبين له عجزه فردها، أو يكون أخذها ليعرف صفاتها ثم يرشد صاحبها إلى مكانها.
أحـكـام الضـالـة:
اعلم أخي الكريم أن وصف الضالة لا يقع إلا على الحيوان، وما سواه يقال له لقطة [الفتح 5/99، شرح مسلم 12/21، السبل 3/117)]، وضالة الحيوان على نوعي:
النوع الأول: ضالة الإبل، وما شبهها، و..
النوع الثاني: ضالة الغنم، وما يشبهها.
فأما النوع الأول: وهو ضالة الإبل، وما يشبهها فوصفها كما يلي:
1- أن تصل بنفسها إلى المرعى، و الماء.
2- أن تمتنع على صغار السباع، إما:
أ- بقوة جسمها كالبقر والخيل،
ب- ببعد أثرها لسرعة عدوه كالضباء والأرنب،
ج- بجناحها لسرعة طيرانه كالحمام والدراج،
د- بنابها كالكلاب والفهود.
فهذا النوع لا يجوز التقاطه لأنه يقوم بحفظ نفسه. [المغني 6/396 و 397، المجموع 16/107)].
مسائل تتعلق بهذا النوع:
1- سبق معنا أنه لا يجوز لقط الإبل، وما في معناها، وهذا قول الجمهور، وحكمة النهي عن التقاط الابل: "أن بقاءها حيث فقدت أقرب إلى وجدان مالكها لها من تطلبه لها في رحال الناس "[الفتح 5/97)]. وقال بعضهم: لاستغنائها عن الحافظ والمتفقد. [إحكام الأحكام 2/160)].
2- لولي الأمر أو نائبه أخذ ضوال الإبل، وما شبهها في الامتناع من صغار السباع، على وجه الحفظ لصاحبها، ولا يلزمه تعريفها. [المجموع 6/158، المغني 6/398، النيل 5/345)].
3- على ولي الأمر أن يجعل لها حمى ترعى فيه حتى يأتي صاحبها، وإذا رأى أن المصلحة في بيعها وحفظ ثمنها لصاحبها جاز له ذلك. [المغني 6/399)].
4- ولو التقطها غير الإمام لم يجز له ذلك، ويكون ضامنا لها ولا يبراء إلا بردها إلى صاحبها، إذا ردها إلى مكانها لا يبراء ولا يمتلكها بعد مضي سنة إذا لم يحضر مالكها. [المغني 6/398)].
5- وعلى مدعي ملكيتها إقامة البينة، ولا يكتفي منه بالوصف؛ لأنها كانت ظاهرة بين الناس.
وأما النوع الثاني: وهو ضالة الغنم، وما شبهها فوصفها كما يلي:
1 - ويعجز عن الوصول إلى الماء والمرعى.
2- لا يمتنع من صغار السباع فلا يدفع عن نفسه افتراس الأذى، كصغار الإبل وهي الفصلان، وصغار البقر وهي العجول، وصغار الخيل وهي الأفلاء، والدجاج والإوز. [المجموع 16/159، المغني 6/390)].
مسائل تتعلق بهذا النوع:
1- سبق معنا أنه يجوز التقاط ضالة الغنم، وما في معناها، وحكمة أخذ ضالة الغنم: هي خوف الضياع عليها إن لم يلتقطها أحد، وفي ذلك إتلاف لماليتها على مالكها. [إحكام الأحكام 2/160)].
2- يخير ملتقط الغنم بين ثلاثة أمور:
أكلها، وعليه قيمتها إذا ظهر صاحبها، وهذا قول المذاهب الأربعة [المجموع 16/159، المغني 6/392)]، إلا أن الإمام مالك أجاز الأكل، ومنع القيمة على الملتقط، والصحيح الأول. [الفتح 5/99)].
ب - بيعها، وحفظ ثمنها حتى يظهر صاحبها بعد معرفة أوصافها. [المغني 6/392-394)].
ج- حفظها لصاحبها، والإنفاق عليها دون أن يتملكها، وتكون النفقة من قبل الملتقط على جهة التطوع عند الشافعية، والحنابلة، و في رواية أخرى عن مالك. [المجموع 16/159، المغني 6/394)].
3- وإذا تلفت ضالة الغنم فعلى الملتقط الضمان، وهذا قول الجمهور [الفتح 5/102)]، وعند الشافعية لا ضمان على الملتقط لأن يده يد أمانة [المجموع 16/159)]، وعند الحنابلة التفصيل فإن فرط فعليه الضمان، وإلا فلا. [المغني 6/395)].
4- يجب تعريف ضالة الغنم سنة كاملة عند الجمهور، وقال مالك: لا تعريف في ضالة الغنم [المجموع 16/159، المغني 6/390، شرح مسلم 12/23، السلسبيل 2/598، الفتح 5/99)]، قال ابن قدامة: "ولنا أنها لقطة لها خطر فوجب تعريفها كالمطعوم الكثير، وإنما ترك ذكر تعريفها؛ لأنه ذكرها بعد بيانه التعريف فيما سواها فاستغنى بذلك عن ذكره فيها، ولا يلزم من جواز التصرف فيها في الحول سقوط التعريف كالمطعوم. [المغني 6/394)].
نـماء الضـالـة:
ينقسم نماء الضالة إلى قسمين:
الأول: نماء متصل بالضالة كسمنها، و هذا يكون لمالكها إذا استردها،
الثاني: نماء منفصل عن الضالة كنسلها، وفي هذه الحالة ينظر إن حدث قبل التملك فهي للمالك، وإذا كان النماء بعد التملك فهو للملتقط لا للمالك لأنه نماء حصل في ملكه فيكون له. [المجموع 16/151 الفتح 5/120، شرح مسلم 12/22)]