عشرون وجها على فضل الخليفة أبي بكر من قوله تعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله
بكر البعداني
الوجه السادس: المعية:
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله في أحكام القرآن (٢/ ٥١٢): "ومنها: قوله: ﴿ إن الله معنا ﴾، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي بكر في الغار: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثها؟!))، وهذه مرتبة عظمى، وفضيلة شماء، لم يكن لبشر أن يخبر عن الله سبحانه أنه ثالث اثنين، أحدهما أبو بكر، كما أنه قال مخبرًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر ثاني اثنين".
وقال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/ ١٦) وهو يعدد شيئًا من هذه الوجوه: "في دلالة هذه الآية على فضل أبي بكر: قوله: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، ولا شك أن المراد من هذه المعية: المعية بالحفظ والنصرة والحراسة والمعونة، وبالجملة فالرسول عليه الصلاة والسلام شرك بين نفسه وبين أبي بكر في هذه المعية".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (٨/ ٤٧١): "والقرآن يقول فيه: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، فأخبر الرسول أن الله معه ومع صاحبه، وهذه المعية تتضمن النصر والتأييد".
الوجه السابع: أن باطنه رضي الله عنه على وَفق ظاهره:
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/١٦) وهو يعدد شيئًا من هذه الوجوه: "أنه عليه السلام لما ذهب إلى الغار لأجل أنه كان يخاف الكفار من أن يقدموا على قتله، فلولا أنه عليه السلام كان قاطعًا على باطن أبي بكر، بأنه من المؤمنين المحققين الصادقين الصديقين، وإلا لما أصحبه نفسه في ذلك الموضع؛ لأنه لو جوز أن يكون باطنه بخلاف ظاهره، لخافه من أن يدل أعداءه عليه، وأيضًا لخافه من أن يقدم على قتله فلما استخلصه لنفسه في تلك الحالة، دل على أنه عليه السلام كان قاطعًا بأن باطنه على وَفق ظاهره".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾، فهذا إخبار بأن الله معهما جميعًا بنصره، ولا يجوز للرسول أن يخبر بنصر الله لرسوله وللمؤمنين، وأن الله معهم، ويجعل ذلك في الباطن منافقًا، فإنه معصوم في خبره عن الله لا يقول عليه إلا الحق، وإن جاز أن يخفى عليه حال بعض الناس، فلا يعلم أنه منافق؛ كما قال: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾ [التوبة: 101]، فلا يجوز أن يخبر عنهم بما يدل على إيمانهم"؛ منهاج السنة النبوية (٨/ ٤٢٩).
الوجه الثامن: تخصيص أبي بكر رضي الله عنه بهذا التشريف دلَّ على منصب عال له في الدين:
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/١٦) وهو يعدد شيئًا من هذه الوجوه: "وهو أن الهجرة كانت بإذن الله تعالى، وكان في خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من المخلصين، وكانوا في النسب إلى شجرة رسول الله أقرب من أبي بكر؛ فلولا أن الله تعالى أمره بأن يستصحب أبا بكر في تلك الواقعة الصعبة الهائلة، وإلا لكان الظاهر ألا يخصَّه بهذه الصحبة، وتخصيص الله إياه بهذا التشريف دلَّ على منصب عال له في الدين".
الوجه التاسع: عدم مفارقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلافًا لغيره:
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/ ١٦) وهو يعدد شيئًا من هذه الوجوه: "أن كل من سوى أبي بكر فارقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما هو فما سبق رسول الله كغيره، بل صبر على مؤانسته وملازمته وخدمته عند هذا الخوف الشديد الذي لم يبق معه أحد، وذلك يوجب الفضل العظيم".
الوجه العاشر: وصفه بـ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ ﴾:
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/ ١٦): "أنه تعالى سماه ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ ﴾، فجعل ثاني محمد عليه السلام حال كونهما في الغار، والعلماء أثبتوا أنه رضي الله عنه كان ثاني محمد في أكثر المناصب الدينية"، ثم عد شيئًا يسيرًا منها، قلت (بكر): جمعت جملة طيبة منها سهل الله عز وجل نشرها.
وقال السيوطي رحمه الله في المحاضرات والمحاورات (ص: ٤٤٠): "فأما قوله: ﴿ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾، فوجه الدلالة على فضل أبي بكر في هذه الآية من ستة مواضع: الأول: أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر أبا بكر، فجعله ثانيه في الرتبة، فقال: ﴿ ثاني اثنين ﴾... إلخ، وانظر كلام القاضي أبي بكر بن العربي المالكي رحمه الله، وقد تقدم في الوجه السادس فأغنى عن الإعادة.
الوجه الحادي عشر: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/١٦) وهو يعدد شيئًا من الوجوه: "من التمسك بهذه الآية ما جاء في الأخبار أن أبا بكر رضي الله عنه لما حزن، قال عليه الصلاة والسلام: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟))، ولا شك أن هذا منصب عَلِيٌّ ودرجة رفيعة".
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدَّثه فقال: ((نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما))؛ أخرجه مسلم رقم: (٢٣٨١).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (٧/ ١١): "وفي الحديث منقبة ظاهرة لأبي بكر"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذا الحديث مع كونه مما اتفق أهل العلم بالحديث على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق، فلم يختلف في ذلك اثنان منهم، فهو مما دل القرآن على معناه يقول: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾"؛ منهاج السنة النبوية (٨/ ٣٧٢).
الوجه الثاني عشر: الشرف الحاصل من المعية:
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/١٦) وهو يعدد شيئًا من هذه الوجوه: "في تقرير هذا المطلوب أن قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾: يدل على كونه ثاني اثنين في الشرف الحاصل من هذه المعية، كما كان ثاني اثنين إذ هما في الغار؛ وذلك منصب في غاية الشرف".
وقال العلامة ابن حزم رحمه الله في الفِصَل (٤/ ١١٣): "فأوجب الله تعالى له فضيلة المشاركة في إخراجه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أنه خصَّه باسم الصحبة له، وبأنه ثانيه في الغار، وأعظم من ذلك كله أن الله معهما، وهذا ما لا يلحقه فيه أحد".
الوجه الثالث عشر: النهي عن الحزن:
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/١٦) وهو يعدد شيئًا من هذه الوجوه: "أن قوله: ﴿ لَا تَحْزَنْ ﴾ نهي عن الحزن مطلقًا، والنهي يوجب الدوام والتكرار، وذلك يقتضي ألا يحزن أبو بكر بعد ذلك البتة، قبل الموت وعند الموت وبعد الموت".
وقد كان "كمال محبته ونصره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الموجب لحزنه"؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (٨/ ٤٦٣).
وقال أيضًا: "وهذا يدل على أن صاحبه كان مشفقًا عليه، محبًّا له، ناصرًا له حيث حزن، وإنما يحزن الإنسان حال الخوف على مَن يحبه، وأما عدوه فلا يحزن إذا انعقد سبب هلاكه"؛ منهاج السنة النبوية (٨/ ٤٢٨).
وليس هذا الحزن نقصًا كما زعمت الإمامية عامَلهم الله بما يستحقون، وانظر لبيان الرد عليهم: أحكام القرآن (٢/ ٥١٥)؛ لابن العربي المالكي، وعنه القرطبي في تفسيره (٨/ ١٤٦١٤٧)، ومنهاج السنة النبوية (٨/ ٤٦٣٤٦٩)، والفصل (٤/ ١١٣١١٤).
فائدة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما الحزن فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نهى عنه في مواضع، وإن تعلق بأمر الدين؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] وقوله: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127]، وقوله: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، وقوله: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ﴾ [يونس: 65]، وقوله: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ﴾ [الحديد: 23].
وأمثال ذلك كثير؛ وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة، فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به، نعم لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرم.."؛ مجموع الفتاوى (١٠/ ١٦)، وانظر: طريق الهجرتين (ص ٢٧٨).
الوجه الرابع عشر: أن أبا بكر هو الذي اشترى الراحلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/ ١٦) وهو يعدد شيئًا من هذه الوجوه:
"إطباق الكل على أن أبا بكر هو الذي اشترى الراحلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أن عبدالرحمن بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر هما اللذان كانا يأتيانهما بالطعام".
عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلَّ يوم كان يأتي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا يأتي فيه بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، فلما أذِن له في الخروج إلى المدينة، لم يرعنا إلا وقد أتانا ظهرًا، فخبر به أبو بكر، فقال: ما جاءنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الساعة إلا لأمر حدث، فلما دخل عليه قال لأبي بكر: أخرج من عندك، قال: يا رسول الله، إنما هما ابنتاي يعني عائشة وأسماء، قال: أشعرتَ أنه قد أذِن لي في الخروج، قال: الصحبة يا رسول الله؟! قال: الصحبة، قال: يا رسول الله، إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج، فخذ إحداهما، قال: قد أخذتها بالثمن))؛ أخرجه البخاري رقم (٢١٣٨).
وفي رواية: (٣٩٠٥): ((فإني قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة بأبي أنت يا رسول الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله، إحدى راحلتي هاتين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بالثمن..)).
في صحيح البخاري رقم (٣٩٠٥): ((وتجهز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: على رِسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط، أربعة أشهر...)).
قال العلامة ابن بطال رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري (٦/ ٢٦٦): "وفي استعداد أبي بكر بالناقتين دليل على أنه أفهم الناس لأمر الدين؛ لأنه أعدهما قبل أن ينزل الإذن في الخروج من مكة إلى المدينة، كأنه قبل ذلك قد رجا أنه لا بد أن يؤذن له فأعد لذلك".
الوجه الخامس عشر: أنه رضي الله عنه وحدَه مَن دخَل المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
قال الرازي رحمه الله في تفسيره (٥٠/١٦) وهو يعدد شيئًا من هذه الوجوه: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين دخل المدينة ما كان معه إلا أبو بكر، والأنصار ما رأوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدًا إلا أبا بكر، وذلك يدل على أنه كان يصطفيه لنفسه من بين أصحابه في السفر والحضر، وإن أصحابنا زادوا عليه وقالوا: لما لم يحضر معه في ذلك السفر أحد إلا أبو بكر، فلو قدرنا أنه توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك السفر، لزم ألا يقوم بأمره إلا أبو بكر، وألا يكون وصيه على أُمَّته إلا أبو بكر، وألا يبلغ ما حدث من الوحي والتنزيل في ذلك الطريق إلى أمته إلا أبو بكر، وكل ذلك يدل على الفضائل العالية والدرجات الرفيعة لأبي بكر".
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((أقبل نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر..))؛ أخرجه البخاري رقم: (٣٩١١).
الوجه السادس عشر: أنه وحده من كان معه صلى الله عليه وآله وسلم حين نصره الله:
قال العلامة السعدي رحمه الله في القواعد الحسان (ص: ١٤٣١٤٤): "ولَمَّا نكص أهل الأرض عن نصرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتَمالَأ عليه أعداؤه، ومكروا مكرتهم الكبرى للإيقاع به، نصره الله ذلك النصر العجيب؛ فإن نصر المنفرد الذي أحاط به عدوه الشديد - حرده الغضب والغيظ - القوي مكره الذي جمع كل كيده؛ ليوقع به أشد الأخذات وأعظم النكبات، وتخلصه وانفراج الأمر له من أعظم أنواع النصر.
كما ذكر الله هذه الحال التي عاتب بها أهل الأرض، فقال: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40]".
قال المفسرون: "عاتب الله عز وجل جميع الناس بترك نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، سوى أبي بكر رضي الله عنه"؛ تفسير السمعاني، ونسبه البغوي (٢/ ٣٤٩) للشعبي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالذي كان معه حين نصره الله: ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: هو أبو بكر، وكانا اثنين الله ثالثهما، وكذلك لما كان يوم بدر، لما صُنِع له عريش، كان الذي دخل معه في العريش دون سائر الصحابة أبو بكر"؛ منهاج السنة النبوية (٧/ ٢٤).
وقال رحمه الله أيضًا (٨/ ٤٢٨): "ومما يبين من القرآن فضيلة أبي بكر في الغار أن الله تعالى ذكر نصرة لرسوله في هذه الحال التي يخذل فيها عامة الخلق إلا من نصره الله: ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ﴾؛ أي: أخرجوه في هذه القلة من العدد لم يصحبه إلا الواحد؛ فإن الواحد أقل ما يوجد، فإذا لم يصحبه إلا واحد، دل على أنه في غاية القلة".
الوجه السابع عشر: كمال موافقته رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحبته:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "كمال موافقته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبته وطمأنينته، وكمال معونته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وموالاته، ففي هذه الحال من كمال إيمانه، وتقواه ما هو الفضيلة"؛ منهاج السنة النبوية (٨/ ٤٦٣).
الوجه الثامن عشر: التنويه بقدمه وسابقته في الإسلام رضي الله عنه:
"إن هذه الآية منوهة بأبي بكر رضي الله عنه، حاكمة بقدمه وسابقته في الإسلام رضي الله عنه"؛ تفسير ابن عطية (٣/ ٣٦).
الوجه التاسع عشر: حبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
في صحيح البخاري رقم: (٣٩٠٥): ((وتجهز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: على رِسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر...)).
الوجه العشرون: أن أبا بكر رضي الله عنه أوثق الناس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ذلك أنه من المعلوم قطعًا حتى عند أضعف الناس عقلًا - أنه لا يمكن بحال أن يخفى عليه صلى الله عليه وآله وسلم حال مَن يصحبه في مثل هذا السفر الذي يعاديه فيه الملأ الذين هم بين أظهرهم، ويطلبون قتله، وأولياؤه هناك لا يستطيعون نصره.
ثم كيف يمكن أن يصحب أحدهم ممن يظهر له موالاته دون غيره، وهو مع ذلك عدو له في الباطن، والمصحوب يعتقد أنه وليه، فهذا لا يفعله إلا جاهل، فإذا ما تأمَّلنا هذا ولوازمه الباطلة، علِمنا يقينًا أن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما اختار أوثق الناس.
وفي الختام أشكر الله عز وجل وأحمده الذي أعانني على اختيارها وجمعها، فله الحمد والشكر، كما أسأله عز وجل أن ينفعني بها وناشرها وقارئها، وأن يجعلها في موازين حسناتنا، إنه بكل جميلٍ كفيلٌ، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.