عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-09-2019, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,320
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأدب الذي نريد

الأدب الذي نريد

الشيخ محمد المجذوب

ولن يقل عن هذا وذلك تلك الحملة الطائشة التي تنطلق اليوم في وجه السنة النبوية حيث يقحم رجل نفسه في مالا صلة له بعلمه، فينكر، ويفتي، ويسفه، ويريد بذلك أن يجد جيلاً من المنتفعين بما لديه من مال المسلمين يصلح لإفساد الإسلام، وهو يظن، إذا أحسنا الظن، أنه يعمل كل ذلك في خدمة الإسلام..

أجل.. إن العقبات التي تريد تثبيط المد الإسلامي لأكبر وأكثر من أن تُحصى ولكنها على رغم من هولها، ومن النكال الذي ينزله طواغيتها بحملة الفكر الإسلامي، مما يتجاوز بفظاعته حدود التصور، لا تزيد ذلك المدَّ المقدَّسَ إلاَّ اندفعاً وانتشاراً وعمقاً، وإنها للصورة التي تبدوا أكثر ما تكون تكاملاً في ألوان الأدب الإسلامي، الذي يطالعنا صباح مساء في أكداس المنشورات، التي تدفع بها المطابع، مصنفاتٍ ودواوينَ وصحفاً ومجلاتٍ، تتعدَّدُ تخصصاتها، وتلتقي في إطاراتها المميزة على خدمة الفكر النقي في الكلمة الجميلة البلغية..

* وأخيراً.. إن عشرات الصفحات تسطر في هذا الموضوع لن تستوعب الأفكار التي تثيرها في صدور الذين أوتوا العلم، ولذلك لا نرى مندوحة عن ضغطها في فقرات محدودة تنم بالقليل عن الكثير، وتعدل عن الهامِّ والأَهَّم، عملاً بالحكمة القائلة (ما لا يدرك كله لا يترك جله).

(1) إن منطلق الرؤية الإسلامية هي العقيدة السليمة كما أوحى بها الله وتلقيناها عن رسوله الأعظم (صلى الله عليه وسلم) دون تأويل ولا تعطيل، وما لم تتركز هذه العقيدة في قلم الأديب، حتى تسيطر على كل تصوراته، فسيظل أدبه بعيداً عن سبيل المؤمنين، وأبعد من أن يكون أدباً إسلامياً، ومن البدائه أن منبع العقيدة الصحيحة والوحي الماثل في كتاب الله وسنة نبيه، فالتزامهما إذن أساس لا مُنصرفَ عنه لتثبيت الرؤية الإسلامية السليمة في قلب الأديب وطالب الأدب على السواء، ثم الاتصال بالمؤلفات الموثوقة في نطاق الثقافة الإسلامية المبنية على هذا الأصل. ومن هنا كان فرضاً على من يريد العمل في نطاق الأدب الإسلامي أن يتشبع بهذه المناهل، كي يظل في مسيرته على طريق اللاحب فلا يزيغ بصره عنها ولا يطغى..

(2) لقد كثر الذين يتكلمون في الإسلام، وكثر ما يكتبونه وما يذيعونه وما ينشرونه في هذا المضمار، ولكن قليل منهم الذين يلتزمون أصول هذه الحقائق الإسلامية، فهم يقولون الكثير في كتاب الله دون أن يعتمدوا في ذلك على أساس سليم، متناسين أن أي عمل يُراد تحقيقه لابد من العدة المتعلقة به. وقد وجد هؤلاء بعض الإقبال على ما يذيعونه من قبل البسطاء، فتمادوا في جرأتهم على هذه الحمقات، يحسبون، أو بعضهم، أنهم يحسنون صنعاً، وقد أُخِذَ قراؤهم ببعض الطرائف التي وُفِّقُوا إليها فتوهموا أن كل ما يقولونه حق لا مرية فيه. وفي هذا ما فيه من تغرير بالجيل الذي لم يزود بالعواصم من القواصم، وعلى هذا فلا بد من حوار مع هؤلاء، يُذَكِّرُهم ويعظهم ويوجههم إلى الحق، وينوه في الوقت نفسه بالمصيب السديد من أعمالهم، ولقد جربت ذلك مع بعضهم فوجدت نية حسنة واستجابة طيبة وإقراراً بالأخطاء ووعداً بالعدول عنها، فمثل هؤلاء لا يكتبون أدباً إسلامياً خالصاً، ولكن بالإمكان تسديد خطاهم حتى يكون ما يكتبونه من الأدب الإسلامي المنشود.

(3) لابد من تعاون الأدباء الإسلاميين على حماية الإسلام من تسرب الأفكار الدخيلة إلى حقائقه، وذلك بإيضاح استقلالية الإسلام الكاملة عن كل فكر أو مذاهب آخر، كالاشتراكية والماركسية والديموقراطية وما إلى ذلك من مُدَّعيات كثر القائلون بها في هذه الأيام، حتى يعلم القارئ أيًّا كان أن الإسلام هو دين الله المصفَّى، فلا مساومة ولا ترقيع، بل شعاره الخالد أبداً هو: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.

(4) كذلك لا بد من قصر دلالة (الأدب الإسلامي) على معناه الحق، فإذا وجدنا لكاتب أو شاعر نتاجاً متفقاً مع روح الإسلام اعتبرناه من الأدب الإسلامي، وكل إنتاج له شذ عن ذلك الخط أعطيناه حقه من تعربف منفصلاً عن الجانب الإسلامي، وأضرب مثلاً على ذلك بالدكتور محمد إقبال فهو في الذؤابة من شعراء الإسلام، ولكنه في فلسفته بعيد عن الخط الإسلامي، لأنه أخذ بمفهومات الفلاسفة الوثنيين والصليبيين، وأثَّر بطريقته هذه على غير واحد من مفكري المسلمين في هذا الجانب، ومثله في ذلك كتَّاب قدموا للإسلام خيراً كثيراً، فهم من هذا الجانب ذوو أدب إسلامي أصيل، ولكنهم في جانب آخر من إنتاجهم خرجوا حتى على نصوص الوحي المتواترة في القرآن والحديث، فأنكروا ما هو معلوم بالضرورة، وبذلك التقوا مع المؤوِّلة على من الباطنية الذين قامت نحلهم على صرف المعاني عن وجوهها التي أجمعت عليها الأمة على توالي القرون، فأدبهم من هذه الناحية مجانب للمعنى الإسلامي ومرفوض بمقياس الإسلام.

(5) من مهام الأديب الإسلامي مناقشة هذه الانحرافات بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، حتى يستقيم أمر أهلها على الجادة، وإذا أصروا على شذوذهم كان في ذلك النقاش خير للقراء إذ يصبحون هم الشهداء عليه. ومثلُ ذلك يقال في كل محاولةٍ لتشويه الوجه الإسلامي، سواء جاءت من الخارج أو الداخل، حتى لا يصل إلى أعين القراء إلا وبإيزائها التفنيد الكفيل بتزييفها.

(6) من العقبات التي تواجه الأدب الإسلامي في أوساط المسلمين، قلة قرائِه، إذا قيسوا بغيرهم من الشعوب المتحضرة، والكثرة من هذه القلة تتجه في اختيارها إلى المجلات الملغومة والمسمومة مأخوذة بجاذبية الإخراج، وهي علة لا مندوحة عن معالجتها بالدواء، الناجع، وهو محصور في المضمون المشوِّق والإخراج الجميل، وبازاء الجمهور الأكبر من محسني القراءة طلاباً أو عمالاً نرى أفضل ما يقدم إليهم متمثلاً في القصة التي يجب أن تمدهم بالمتعة والفائدة من خلال المنظور الإسلاميّ، الذي لا يضيق بأي جانب من الزاد الفكري الخيِّر، وفي عناية دقيقة بالإخراج المنافس بل المتفوق على سواه.

(7) لقد أدى تدهور الثقافة في أوساط الشعبية -في البلاد العربية- إلى شيوع اللحن ومجانبة العربية السليمة، ومن ثم انتشار الأدب العامي الذي زاد في تشتيت المجموعة العربية، حتى لا يكاد يفهم العربيُّ العربيَّ إلا على طريق اللسان الوسيط، ومع أن التقدم الواسع في نطاق التعليم والنشر، قد ساعد على تفتيت الكثير من تلك الحواجز، فلا يزال لذلك الأدب العامي سوقة الرائجة في مختلف بلاد العرب، وهو منافس خطير للأدب الإسلامي الذي نريده، والذي نراه أن أفضل مقاوم لهذا الواغل هو العناية بتفصيح العامية، وأعني بها إقبال الأديب الإسلامي على تتبع المفردات الفصيحة في لغات العامة، واستعمالها في عرض مناسب خلال تعابيره، دون أن يُقيم وزناً لمقاييس البلاغيين الذين يرون ذلك من معايب البيان العربي، وبذلك نكسب المزيد من القراء في الوقت الذي نربح الرشيق الجميل الذي كان محجوبا من لغتنا الحبيبة، وبذلك يقترب أولو المواهب الشعبية من لغتهم الأم، حتى يأتي اليوم الذي يلجئون فيه إلى الأسلوب الفصيح في الإعراب عن مشاعرهم. بيد أن هذا التدبير سيظل مشلولاً حتى يمسك المدرسون وأولو العلم عن هجرهم الفصحى خلال الدروس وفي المواقف الأخرى، فيرفعوا بذلك أسلوبهم التعبيري، ويرفعوا مستويات مَن حولهم ممن لا يجدوا مفراً عن محاكاتهم والتأثر بهم من الأهلين والطلاب والإخوان.

(8) الطفل المسلم هو إنسان الغد الذي سيتعهد البناء الاجتماعي بالإعلاء أو التدمير، وقد أهملناه طويلاً فلم نسعفه بالتوجيه الإسلامي الحافظ، ولم نقدم إليه من المنشورات ما يحبب إليه القراءة، والقراءة الإسلامية بوجه خاص، ومن المؤسف القول بأن ما تقوم به بعض المجلات الإسلامية من محاولات لسد هذه الثغرة قلما يراعي استعداده الفطري والبيئي، وبذلك يظل عرضة للمؤثرات غير الإسلامية، ولا سيما بعد تسلط التلفاز والفيديو والوسائل الإعلامية الأخرى على جو المنزل، وهذا يقتضي من كتاب القصص الإسلامي بوجه خاص إعادة النظر في هذا الجانب، وبذل الوسع لإيجاد البديل الإسلامي الجذاب، الذي يجب أن يأخذ سبيله إلى الطفل والبيت عن طريق هذه الأجهزة الحديثة بأي ثمن، ولئن كان بعض هذه الأجهزة مغلق النوافد والأبواب بوجه الإسلاميين فإن بعضها الآخر مفتوح ولله الحمد، وقد بدأ يبذل رعايته لهذا النوع المنشود من الأدب الرفيع في مسلسلات معتبر من التجارب الناجحة في هذا الميدان. فما على القاصّ الإسلامي إذن إلا إبداع الروائع لتأخذ طريقها إلى تلك الميادين، محفوقة برعاية المؤمنين من ذوي النفود الفعال في تلك الأجهزة.

(9) للقلم المسلم جولاته المشرقة في كل جانب من عالم الإسلام، فهناك القصة الجيدة، والمقالة البارعة، والبحث النافع، والمؤلف الفخم العميق، ومن الظلم لهذا الإنتاج الكريم أن يُحبس في نطاق اللغة التي أنشئ فيها. ومن فضل الله أن كثيراً من هذه الكرائم قد أخذت سبيلها للترجمة إلى مختلف لغات المسلمين، وكان لها الفضل الكثير في توثيق عرى الأخوة بين أعضاء الجسم الإسلامي، وهذا ما يؤكد الحاجة إلى المزيد من هذا المجهود المحمود.

وطبيعي أن لذلك تكاليف تنوء بها كواهل الأفراد من الناشرين، اللذين لا مندوحة لهم عن إقامة أعمالهم على أساس الربح والخسار، ومن هنا كان أثرهم في إشاعة هذا الخير محدوداً في نطاق قدراتهم الشخصية، ويمكن تدارك ذلك عن طريق الاستعانة بإعانات المحسنين من ميسوري المسلمين، الذين لمسنا آثارهم في كل مكان ولله الحمد، وكثير منهم على أتم الاستعداد للإسهام في نشر المؤلفات التي يتقرر نفعها للناس، لو أتيح من يقنعهم بأهمية هذا النوع من الإحسان. وإني لأعرف رجالاً يبذلون الآلاف المؤلفة في بناء المساجد تقرباً إلى الله، ولكنهم لم يقتنعوا بعد بفضلية الإسهام في نشر الثقافة الإسلامية، ولن يترددوا في تقويم نظرتهم إلى هذا الجانب إذا قرؤوا في الموضوع فتوى الثقات من العلماء.

(10) إن العناية بنشر العربية على المستوى العالمي واجب يسهم بحمله كل مسلم مستطيع، وهو أكثر توكيداً بالنسبة للعالم الإسلامي، الذي يفتح ذراعيه لاحتضان لغة القرآن بلهفة المحب إلى لقاء حبيبه الأثير، وقد رأينا دول الغرب الصليبي تبذل أكداس الملايين لإشاعة لغاتها في كل مكان، تثبيتاً لمصالحها السياسية والاقتصادية، ومما لا شك فيه أن مصلحة الدول العربية بإذاعة لغة القرآن في الشعوب الإسلامية، غير الناطقة بالعربية، أكثر وأعظم وأعمق، ومن فضل الله أن بعض هذه الحكومات قد تنبهت لهذه القضية الهامة، فهي تبذل الكثير لنصرتها، ولكن الذي نراه أن يرفع اقتراح إلى مجموع الدول العربية وعن طريق جامعتهم بتخصيص نصف بالمئة على الأقل من ميزانية كل منها لتمويل هذا العمل الجليل، بواساطة النادي الذي نرجوا أن ينبثق عن هذه الندوة الموقرة، وفي ذلك خير لا يُقَّدر لأنه سيزيد عرى الأخوة الإسلامية قوة، ويقرب بين الأفكار، ويسهل سبيل التفاهم بين أبناء الإسلام، ويعيد للعربية مكانتها التي سبق أن احتلتها في عالم الإسلام أيام ازدهار الحضارة الإسلامية.

* وحتى الآن نكاد نقتصر في فقراتنا الآنفة على مجرد العرض النظري، ومن حق الناظر فيها أن يسأل: وأخيراً ما السبيل إلى ترجمة هذه المقترحات إلى الأعمال؟

وهنا ننتهي إلى الغاية التي نعتقد أنها أهم الوسائل إلى تحقيق ذلك وأكثر منه بفضل الله.

في نهاية البحث ختمتُ به محاضرتي في موضوع الأدب الإسلامي قبل عشر سنوات قلت: "إن أقرب السبيل لإخراج هذا الحلم إلى حيز الواقع تأليف لجنة تحضيرية تتولى الدعوة إلى مؤتمر للأدباء الإسلاميين يخطط لمستقبل الأدب، الذي لابد منه في هذه الفترة الحرجة من حياة العالم الإسلامي، وعن هذا المؤتمر ينبثق النادي الدائم باسم (نادي القلم الإسلامي) وإلى عضويته ينتسب كل مؤمن بأهدافه، التي يجب أن تحدَّد في دستور مستوحى من التصور الإسلامي المحض، بحيث يصبح كل عضو منتسب ملتزماً بإقامة أدبِه على أساس من ذلك الدستور، حتى إذا انحرف عن سبيله نُزعت عنه عضويته، ومفروض في هذا النادي أن يضم شمل أدباء الإسلام في سائر أقطارهم، ويجمعهم في مؤتمرات دورية لدراسة ما جدَّ وما ينبغي أن يجدَّ من العمل، وبديهي أن هذا يقتضي وجود مكتب دائم للنادي يظل في انعقاد دوري، ليعمل على متابعة مقرراته واستطلاع آراء أعضائه في كل طارئ، ويتولى تنسيق مجهوداتهم، ليتمكنوا من أداء واجبهم في توعية الشعوب الإسلامية توعية تُبَصِرها بما يراد لها، وما يجب عليها، ويُحَصَّنُها من السقوط من حبائل الختالين من أصحاب الشمال واليمين".

وها نحن أولاء في هذه الندوة المباركة نحقق الجانب الأول من هذه الأماني، ويبقى الجانب الآخر وهو تكوين (نادي القلم الإسلامي) ووضع دستوره المحكم.

أما مقر هذا النادي فيقرره المؤتمرون، وإن كنت من الموقنين أن مقره الطبيعي هو الجامعة الإسلامية في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث وضع القدر أول لبنة في بناء الأدب الإسلامي العظيم.

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم وبارك على قائد الفكر الإسلامي في الطريق القويم محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.



الشيخ محمد المجذوب

كلية الدعوة وأصول الدين
بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]