عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-09-2019, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,603
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كيف نفهم المراهقين

كيف نفهم المراهقين (1)
د محمد إسماعيل المقدم


مرحلة المراهقة مرحلة بناء الشخصية:
مرحلة المراهقة من أخطر مراحل نمو الإنسان، بمعنى أنها تتطلب رعاية خاصة، فإذا تصورنا دائرتين متداخلتين، دائرة الطفولة ودائرة الرشد، فإذا تداخلت هاتان الدائرتان تولدت بينهما المسافة المشتركة، وهي مرحلة المراهقة، ويكاد المراهق إذا وقف على أطراف أصابعه أن يتطلع إلى عالم الرجولة، وفي نفس الوقت يريد أن يتخلص من آثار مرحلة الطفولة كما سنبين إن شاء الله - تعالى -. فخطورة هذه المرحلة بجانب مرحلة الطفولة؛ لأنها أساس بناء الشخصية، والشخصية يبدأ تكوينها مبكراً أكثر مما نتخيل؛ فنحن ننظر للطفل الرضيع على أنه مضغة لحم نلهو بها ونفرح بها فقط، لكن الجوانب التربوية نهملها مع الرضع ثم مع الأطفال بعد ذلك في المراحل المختلفة، على حين أننا نجهل أن بذور الخير أو الشر أو الصحة النفسية أو الأمراض النفسية كلها توضع في هذه المرحلة الأولى، ولا تلبث أن تنمو حتى تظهر فيما بعد، ثم إذا بلغ عمره ثمان عشرة سنة أو عشرين سألنا: أين التربية؟ ولم يعد هناك تربية في هذه السن؛ بل هو علاج؛ لأن التأسيس وبناء الشخصية ينتهي في مرحلة المراهقة، وكل ما يأتي بعد مرحلة المراهقة والطفولة يكون نتاجاً وثمرة لما تلقاه الإنسان من تربية في فترة الطفولة ثم المراهقة.
إذاً: لو تمكنت الصفات والخصائص من الشخصية في مرحلة البناء والتأسيس، فما بعد ذلك هو ثمرة لهذه التربية، والتربية لا تبدأ بعد اثنين وعشرين أو ثلاثة وعشرين سنة، ولكنه علاج للتربية الخاطئة، كما لو وجد إنسان فيه عاهات نفسية فإنه يحتاج إلى علاج وليس إلى تربية؛ لأن التربية قد فات وقتها، ونحن لا نيأس ولا نؤيس ولكن ننبه على أهمية الاهتمام المبكر بالتربية المبكرة منذ أول يوم يولد فيه الطفل، بل في الحقيقة منذ كان جنيناً في بطن أمه، بل أخص من ذلك منذ أن اختار أمه التي ستلده. أيضاً هذه المرحلة هي مرحلة تأسيس وبناء شخصية هذا الإنسان وتحديد ملامحها، كما أنها مرحلة مفترق الطرق بالنسبة للمراهق، ويكون له أحاسيسه المرهفة، وبالتالي يتخذ في هذه المرحلة قرارات مصيرية تؤثر في كل مستقبله فيما بعد، مثال: الطالب يحدد اتجاهه في الدراسة أو المهنة خلال هذه المرحلة، وتتخذ قرارات مصيرية ومستقبلية؛ إذاً: التوعية المبكرة بهذه الأمور تقي كثيراً من المخاطر، فالاهتمام بهذه القضية هو من باب أن الوقاية خير من العلاج، وكما يقولون: الدفع أسهل من الرفع، قبل أن تنزل المصيبة اتق حصولها من البداية، إذا جاءت سيارة أيهما أسهل: أن تدفع السيارة أم أن ترفعها في الهواء؟ لا شك أن الدفع أسهل من الرفع، وهذا هو نفس معنى: الوقاية خير من العلاج؛ ولذلك كلما زاد الإنسان وعياً كلما احتاط في اتخاذ الإجراءات الوقائية، ونتائجه تكون مضمونة وأقرب من الإجراءات العلاجية؛ لأنه قد يستجيب للعلاج أو لا يستجيب.
جهل الآباء بالتربية الصحيحة:
واقعنا الذي نعيشه مما يفرض علينا الاهتمام بهذه القضية، حيث يوجد من الآباء من يجهل أن هناك علماً اسمه: علم تربية، فمن الآباء من لا يلتفت أصلاً لشيء اسمه تربية، ولا مناهج تربوية، ولا أسس تربوية، وموضوع التربية عنده ينحصر في كيف أن يطعم ولده طعاماً جيداً، ويلبسه ملابس جيدة.. وغير ذلك من الاحتياجات الحسية، ولا تخطر على باله خطورة موضوع التربية، بالتالي تحصل ممارسات خاطئة من الآباء نتيجة ما ذكرناه من نسيان الأمية التربوية، حتى ربما كان الشخص أستاذاً في الجامعة، ويرتكب أخطاءً فادحة من الناحية التربوية، وأنا أعرف بعض النماذج من هؤلاء، فنتيجة الجهل بقواعد التربية أو القواعد الصحية أو النفسية يحصل كثير من الأخطاء، فنلاحظ الشخص الكبير الذي لا يفهم الأسس التربوية يضع عقله بموازاة عقل الطفل الصغير، فإذا أخطأ الطفل فإنه يوجهه طبقاً لقدراته العقلية هو! فإذا أخطأ الطفل وجد الضرب الشديد، وليس الضرب الذي هو نوع من أنواع العلاج بشروطه! بل الضرب للتشفي وللانتقام، فلذلك لا يتوقف الضرب حتى يفرغ كل شحنة الغضب من صدره، وهذا الضرب غير مشروع، ويعتبر إساءة بالغة! لأن الضرب إنما شرع كعلاج، وله شروط حتى يكون علاجاً، كذلك الأب الذي عنده الخبرة بالحياة، والنضج الكامل حينما يتعامل مع المراهق وتبرز مشاكل نتيجة الخلل سواء من المراهق نفسه أو من الأبوين -كما سنذكر أمثلة على ذلك- لكن الإنسان إذا أدرك كيف يفكر من أمامه، استطاع أن يتعامل معه؛ فالمراهق هذه المرحلة بالنسبة له مرحلة مؤقتة يمر بها، كالنزوع للتمرد، والنزوع للاستقلالية، وإثبات الذات ولو بأي طريقة، والتمرد على الكبار، هذه ظواهر تعتبر طبيعية في هذه المرحلة بالذات، وهذا أمر متوقع.
المهم: كيف يمر خلال هذه المرحلة بسلام وبأقل قدر ممكن من المشاكل والأضرار؟ كما ذكرت من قبل: كثير من الآباء يكون عنده منهج تربوي لكنه منهج تربوي خاطئ، فيتصور أن أحسن تربية هي التي رباه عليها أبوه: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) [الزخرف: 22]، فهذا المنهج الذي وجد عليه أباه هو أحسن تربية، فبالتالي يطبق نفس الأساليب التربوية التي سلكها معه أبوه، بغض النظر عن صحتها أو خطئها أو وضعها على معايير أو موازين التربية العلمية الصحيحة، لذلك نجد من بعض هذه الممارسات ما يترك أثراً سيئاً جداً، فبعض الآباء يطرد الابن من البيت، وهذا فيه إهانة لهذا الولد أو الشاب أمام أصدقائه، وكذا تحقيره كأن يقول له: أنت لست بنافع.. أنت فاشل.. أنت ليس فيك أمل؛ كل هذا الكلام في الحقيقة ليس علاجاً؛ لأن الاستبداد المطلق في التعامل مع المراهق بطريقة فيها غلو شديد يقضي على شخصيته، ويخرجه مشوهاً نفسياً.
قد توجد بعض التصرفات دقيقة جداً لا ينتبه الإنسان إليها، وفي نفس الوقت تترك أثراً غير حميد في نفسية المراهق في مرحلة المراهقة المبكرة خاصة، فإذا مرض الولد تجده يريد أن يثبت أنه رجل كبير، وليس طفلاً صغيراً، فقد يحمل في نفسه إذا وجد أن أباه يصطحبه إلى طبيب الأطفال، أو يذهب إلى المحل فيقول: هل عندك أثاث أطفال؟ وأمثال هذه التصرفات التي هي عفوية لكنها تنعكس في نفسية هذا الطفل وهو مهتم جداً بكيف يعامل، ويريد أن يعامل الآن على أنه رجل، وأن يودع مرحلة الطفولة.
أخطاء المدرسين التربوية:
أشرنا من قبل إلى أن من أسباب الخلل في هذا المجال: ما يصدر ممن كانوا فيما مضى يؤتمنون على التربية والتعليم والمناهج، والوزارة العلمانية الخبيثة لها دورها في تدمير وتجفيف منابع الإسلام في مناهج التربية، فلم يعد هناك تربية أصلاً، ولم يعد ذاك الاهتمام الذي كنا نلقاه من قبل في طفولتنا مع المدرسين، فكم من كلمة طيبة من مدرس غيرت مجرى حياة إنسان! وكم من سلوك خاطئ من مدرس قد يحرف حياة الشاب أو هذا الطفل طول حياته فيما بعد! فإذاً الأخطاء التي تقع من الذين يؤتمنون على مناهج التربية، كالمدرس الذي يناقش الأولاد مثلاً عن الأفلام.. مسلسل الليلة الماضية.. ما رأيك في أغاني فلان وفلان من المطربين؟ أو المدرسة التي تقول للأطفال: سأمتحنكم غداً! ثم في اليوم التالي لا تفعل، لماذا؟ تقول: أنا كنت أضحك عليكم من أجل أن تذاكروا، دون أن تلتفت إلى أن هذا فيه تدمير لشخصية المدرس، المدرس قد يثبت سلوكاً متناقضاً أمام التلاميذ! فيكذب، أو يغش، أو يحتال، وغير ذلك من هذه السلوكيات، ومن ذلك أن مدرس المادة قد يرى طالباً داخل لجنة الامتحان فيقول له: قابلني إذا أفلحت! فهل هذه تربية؟! والنماذج كثيرة جداً، وأغلب المدارس تقع فيها هذه الأخطاء.
الحماية أو الشدة الزائدة من الآباء:
بعض الآباء يسلك مسلك الحماية الزائدة، حتى إن ابنه يبلغ هذه السن وهو لا يسمح له بأن يعبر الطريق إلا وهو يمسك بيديه حتى لا تصدمه السيارات، وهذه حماية زائدة وتدليل زائد! وهذا فيه تحطيم لشخصية هذا الطفل، وبعض الآباء عنده إهمال تام، خاصة في حالة انفصال الأبوين، أو إذا سافر الأب عن البيت، فهذا أيضاً ينتج الانحرافات، وأضرارها ظاهرة كما ترون في هؤلاء الذين يعبدون الشيطان. فالذي يقع إما إطلاق العنان للمراهق بزعم أنه الآن في مرحلة ينبغي أن يعتمد فيها على نفسه، وهذا تأثر بالمناهج الغربية الفاسدة في التربية، وإما الكبت الشديد والاستبداد والقهر والبطش، وهذا أيضاً مما ينتج آثاراً سيئة، بعض الناس من نظرته الخاطئة للتربية يمدح من ينظر إلى ابنه نظرة بعينيه فيرتعد! فهو يرى أن هذه هي التربية السليمة، وهكذا كثير من الخطأ والخلل موجودة في المناهج التربوية.
المشاكل في حياة المراهقين وكيفية علاجها:
هناك الكثير من المشاكل الملحة التي يعاني منها المراهقون، ونحن حينما نتكلم عن المراهقين لا نقصد الذين يأتون إلى المساجد فقط؛ لأن هؤلاء أراد الله بهم خيراً بأن يأووا إلى بيوت الله، وأن يكونوا ممن قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله شاب نشأ في عبادة الله))؛ لكن نقول: كل من ينتسب إلى الإسلام من شباب المسلمين وأبناء المسلمين هم منا ونحن مسئولون عن إنقاذهم وانتشالهم من الضياع.
انتشار ظاهرة التدخين: معروف أن التدخين يبدأ في مرحلة المراهقة؛ لأن المراهق يريد أن يثبت أنه رجل؛ فيتشبه بالرجال، ويرى البطل في الأفلام يدخن، ويرى إعلانات التدخين، فيعتقد أن التدخين من خصائص الرجولة؛ فيبدأ التقليد والمحاكاة، فيقع فريسة لهذه العادة السيئة، والتدخين هو حضانة الإدمان؛ لأن نسبة كبيرة جداً من المدمنين لابد أن يكونوا مدخنين، وقليلاً ما تسمع عن شخص أدمن ويكون قد نجاه الله من التدخين مسبقاً، بل المرحلة الإعدادية للإدمان هي التدخين، ثم بعد ذلك يأتي الإدمان كما تعلمون.
الفواحش توجد أيضاً في مثل هذه المرحلة، وواضح تماماً أن الأولاد الذين يعبدون الشيطان ما فزعوا إلى ذلك إلا اتباعاً لشهواتهم، فالموسيقى التي هي من الخمر، لأنها تفسد الروح كما تفسد الخمر العقل والبدن؛ تحتاج إلى توعية بخطرها ومنافاتها للدين، ولا عجب أن كان من أهم مداخل هؤلاء الشباب لعبادة الشيطان الموسيقى، والسلف - رحمهم الله تعالى -سموها من قبل "مزمار الشيطان"، كما قال أبو بكر: وسماها العلماء: "قرآن الشيطان المضاد لقرآن الرحمن"، وأنها رقية الزنا، وغير ذلك من التعبيرات التي سموا بها هذه الموسيقى.
العادات القبيحة التي تنتشر أيضاً بينهم: رفاق السوء، وكيف يتخلصون منهم؟ عقوق الوالدين، ونلاحظ في قضية العقوق بالذات الفارق بين المنهج الإسلامي وبين المنهج الغربي الإلحادي، فالمنهج الإسلامي ينظر للمراهق على أنه مكلف مسئول عن تصرفاته، وهذا لا يأتي عبثاً، بل هو من حكمة الله - سبحانه وتعالى -.
أما المناهج الغربية فإنها تركز على عملية التبرير لما يقع، وأن الطفل ينبغي أن يطلق له العنان إلى حد ما، بل يعيبون على الإسلام إيجابه بر الوالدين، وأن يعطي الوالدين هذه السلطة وهذا الحق، مع أن بر الوالدين مما يجب بالعقل، ولو أن الله - سبحانه وتعالى - لم ينزل في القرآن والسنة نصوصاً توجب بر الوالدين لكان العقل موجباً لبر الوالدين، ولو وجد من عنده عقل سليم؛ فإنه سوف يصل بهذا العقل إلى وجوب بر الوالدين، فكيف إذا انضم إلى ذلك الشرع؟ فالمناهج التربوية الحديثة لا تعطي حيزاً كبيراً لقضية العقوق؛ أما المناهج الإسلامية فإنها تجعله مسئولاً، وتوجب عليه أن يكون حذراً في تصرفاته مع والديه حتى لا يقع في العقوق الذي هو أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله - سبحانه وتعالى -، ولا يسوغ ذلك ولا يبرره بأنه في مرحلة المراهقة التي فيها الاستقلالية والتمرد، لأن العقوق قد ينعكس بعد ذلك في كل حياته إذا غضب عليه والداه.
أيضاً نجد كثيراً من الشباب لا ينظر إلى الدراسة على أنها عبادة، وليست من أجل الاستقلال الاقتصادي فقط، والصحيح أنه ما دامت الدراسة على الأقل مباحة، وأبوك أو أمك يأمرانك بها؛ فينبغي أن تحتسب أجر هذه الطاعة، وتجتهد في هذه الدراسة، خاصة وأنه يفرغك ويعينك بماله للدراسة، فواجبه أن ينفق عليك، وأنت واجبك أن تستذكر في المقابل؛ والكثير من الشباب لا نجده مقتنعاً بذلك؛ مع أن هذه تنتقل إلى مجال العبادة، وهي طاعة للوالد فيما يهواه، وإذا كان هواه لا يصادم الشرع فأنت مطالب بأن توافقه في هواه.
قلنا من قبل: إن الملتزمين أحوج للاهتمام بهذه القضية من غيرهم، باعتبار أن انفتاح المجتمع يجعل الإنسان شخصية لا تشكلها الأسرة فحسب، فهناك المدرسة، والرفقة، ووسائل الإعلام.. إلى كثير جداً من المؤثرات التي أصبحت تشارك الأسرة وتنازعها، بل قد تستولي منها على زمام التربية تماماً كالتلفاز والفيديو والبث المباشر، وغيرها من الأمور التي زلزلت مركز الأسرة، وصارت كالأب الثالث المزاحم للأبوين في عملية التربية.
أيضاً صعوبة التكيف مع الأحداث التي نعيشها، وبخاصة مسألة اشتداد "غربة الإسلام" يوماً بعد يوم وفي العلوم النفسية أنه لابد أن تتكيف مع المجتمع الذي أنت فيه حتى تكون صحيحاً نفسياً؛ أما نحن فنتكيف مع المجتمع الإسلامي الذي هو في بيتنا.. في مسجدنا.. ونقيم ما يمكن أن نسميه المجتمع المصغر، حتى نحمي أنفسنا من فساد المجتمع الأكبر، فبالتالي لا شك أن الإنسان يتعرض لصراع بين البيت والمدرسة، وبين البيت والإعلام، فأقوى وسيلة وقائية بعد الاستعانة بالله - سبحانه وتعالى - أن يكون هناك توعية وإقناع للأبناء بمنهج الإسلام، لكي يتسلحوا بما يقنعهم؛ لأن الإقناع سلاح مهم جداً في مرحلة المراهقة، ويكون الإقناع عن طريق إقامة الأدلة بكل أنواعها، وذلك حتى يقتنع المراهق ويتحمل نفس الفكر، أما إذا انتظرت منه أن يخرج مثلك، وظننت أنه في مأمن، فقد أخطأت؛ لأنه يغزى من جوانب أخرى كثيرة خارج البيت، فبالتالي يحتاج إلى تكييفه بما يخرجه معتزاً بدينه، متمسكاً به، صابراً على غربة الإسلام.
المراهقة في نظر علم النفس الحديث: هي مرحلة نمو طبيعي، وإن كان المراهق في الحقيقة لا يتعرض لأزمة في هذه الفترة طالما أن النمو يسري ويجري في مجراه الطبيعي وفقاً لاتجاهاته الانفعالية والاجتماعية، أكبر مشكلة تبرز في حياة المراهقين اليومية، والتي تحول بينه وبين التكيف السليم، هي علاقته بالراشدين، وبالذات الآباء منهم؛ فهو يكافح بالتدريج كي يتحرر من سلطة الآباء؛ لأنه يريد أن يكون كالكبار من حيث المركز والاستقلال، فبالتالي يريد أن يصل بسرعة لمستوى الكبار ويتحرر تماماً من سلطتهم، وبالتالي تنشأ الصراعات. فالمراهق لا ينصت لأحد ممن يكبره، وهو يعتقد أن طريقة معاملته لا تتناسب مع ما وصل إليه من نضج، وما طرأ عليه من تغيير، وتجده يقول: لا يوجد من يفهمني أو يدرك ما عندي من خبرة وأني أستطيع أن أستقل بالأمور، وقد يجد أن الآباء قد يتدخلون في شئونه الخاصة، فيكثرون أسئلة من نوع: أين كنت؟ ومع من؟ ماذا تقرأ؟ ماذا استمعت؟ ماذا كان يقول لك فلان؟ فيتدخلون بصورة تفصيلية في هذه المظاهر الحياتية، وبالتالي يتمثل الأمر في صورة صراع بينه وبين الكبار، فيصبح الوضع في المنزل أو عمل الأبوين مثل عمل الشرطة التي تضبط الناس وتراقبهم وتتابعهم، فيصير البيت كأنه ثكنة عسكرية أو مركز شرطة بين هذا المراهق وبين الأبوين، لكن المنزل الصالح الذي يخرج شخصاً سليماً معافىً من الآفات النفسية هو الذي يتفهم حاجة المراهق إلى الاستقلال وصراعاته من أجل أن يحقق ذاته، ثم يساعده ويشجعه بقدر الإمكان، فينبغي أن يتعامل معه كرجل قادر على الاستقلال، كما يشجعه على تحمل المسئوليات، واتخاذ القرارات، والتخطيط للمستقبل؛ هذا الفهم لمركز المراهق لا يأتي دفعة واحدة، ولكنه يكون محصول سنوات من الاستقلال التدريجي المتزايد، وإبراز الذات، والأسرة هي التي ينبغي أن ترسم الخطط لمراهقها حتى يتعلم الاعتماد على نفسه في سن مبكرة، فبذلك تعمل أحسن ما في وسعها لتأكيد نضج الفرد، هذا النوع من التوجيه يجب أن لا يكون أمراً عرضياً، لكنه ينبغي أن يكون نتيجة تفكير عميق وواع من الآباء، فالآباء يجب أن يسألوا أنفسهم على الدوام: متى نستطيع أن نسمح لولدنا المراهق أن يفعل هذا أو ذاك؟ ومن ثم يحدد هو بنظرته ما هو السلوك السليم في كل مرحلة؟ ما هي الفرص التي نسمح له بها كي يمارس استقلاله ويكتسب خبرات جديدة في الحياة وتبرز نضجه وذاته؟ فأحسن سياسة تتبع مع المراهق هي: سياسة احترام رغبته في الاستقلال والتحرر، لكن بشرط عدم إهمال رعايته وتوجيهه؛ فهذه السياسة تؤدي من جهة إلى خلق جو من الثقة بين الآباء وأبنائهم، وبالتالي يستطيع الابن أن يستفيد من خبرات أبيه ويصغي إلى نصحه، وفي نفس الوقت تساعد المراهق نفسه على أن ينمو نمواً ناضجاً ومتزناً، وتتميز مرحلة المراهقة في خصائصها عن مرحلة الطفولة والصبا؛ مما يؤدي إلى تعقيد وتنوع مطالب هذا النمو الذي يطرأ على المراهق، وبالتالي تتنوع وظائف المراهق وواجباته، هذا التنوع عبارة عن عملية تمهيدية لاكتمال النضج، ولانخراطه في مجتمع الراشدين، ومجتمع الشباب، أعطى الإسلام هذه المرحلة أهمية تتناسب مع الواقع النمائي للمراهق، كما لفت النظر لهذا الحد الفاصل بين مرحلة الصبا ومرحلة المراهقة، فإن الصبي بمجرد أن يبلغ الحلم وتظهر عليه علاماته؛ فإنه في نظر الشرع لم يعد ذاك الطفل أو الصبي.. بل غدا فتىً مسؤولاً عن كل ما يصدر عنه من سلوك، ويصبح لحينه مكلفاً بكل واجبات العقائد والعبادات والأحكام التشريعية، كما أن من مظاهر أهمية هذا الموضوع أن أكثر الباحثين في هذا الموضوع يهملون إبراز المنهج الإسلامي في تربية المراهقين إبرازاً يظهر تميزه على المناهج البشرية الوضعية.
على الجانب الآخر نجد انتشار المزاعم الباطلة والمذاهب المنحرفة التي سادت ولا تزال تسيطر على تفكير الغالبية من علماء النفس، والتي تسربت إلينا من ترهات وضلالات أوروبا والغرب، والتي تطبع بصمتها وتترك تأثيرها السلبي على المراهقين المسلمين.
يتعامل الإسلام مع مرحلة المراهقة بحكمة بالغة، ويركز فيها بكثافة على استغلال القوى المتفجرة لدى المراهقين، وتكييفها وتوجيهها الوجهة الصحيحة؛ لتثمر الثمرة المرجوة التي سقيت بذرتها وهذبت شجرتها منذ الطفولة المبكرة، ولا يفصل الإسلام فصلاً تاماً ما قبل مرحلة المراهقة عما بعدها كما يفعل الغربيون، بل يتعامل معها كبناء يستحق أن توضع له الأسس الجسمية والروحية والنفسية والعقلية، حتى يتمكن الإنسان من اجتيازها دون مشاكل تحرف سلوكه، أو تؤثر في بدنه وعقله. فالتركيز على تربية المراهق في المجال النفسي والعقلي الذي يحظى باهتمام كبير في الإسلام أمر طبيعي يتطلبه النمو الجسمي السريع والنمو العقلي للمراهق، وذلك أنه كالسفينة التي تدخل منطقة أمواج عاتية؛ فإنها تحتاج من ربانها قيادة ماهرة حكيمة.
تعريف المراهقة وأقسامها:
أما من حيث اللغة، فيقال: رهقه أي: غشيه ولحق به، أو دنا منه سواء أخذه أم لم يأخذه، والرهق: السفه والنوك والخفة، وركوب الشر والظلم، وغشيان المحارم، وركوب المخاطر، والكذب والعجلة، وحمل الغير على ما يكره، وهذه المعاني قد تجتمع في المراهق الذي تسوء تربيته أو يهمل إهمال البهائم، ويقال: راهق الغلام، أي: قارب الحلم، ويقال: دخل مكة مراهقاً، يعني: دخل مكة آخر الوقت حتى كاد يفوته التعريف، أي: الوقوف بعرفة، ويقال: أرهقه عسراً: كلفه إياه، ويقال: أرهق الصلاة: أخرها حتى تدنو من آخر الوقت. أما في الاصطلاح فهو: المرحلة النمائية الثانية التي يمر بها الإنسان في حياته من الطفولة إلى الشيخوخة، وهي تتوسط بين الصبا والشباب، وتتميز بالنمو السريع في جميع اتجاهات النمو البدني والنفسي والعقلي والاجتماعي. ووردت مادة رهق بمشتقاتها في القرآن الكريم في أربعة مواضع، منها قوله - تعالى -: (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) [يونس: 26] أي: لا يغشى وجوههم قتر ولا ذلة، في حين قال في الكافرين: (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) [يونس: 27]، وقوله - تعالى -: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن: 6]، أي: ضلالاً وحيرة وقلقاً، (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا) [الجن: 13].
أما تعريف المراهقة عند علماء النفس؛ فهم يعتبرون المراهقة مثل الفاصل بين مرحلة ومرحلة، وفي نفس الوقت هي واصل بينهما؛ والمرحلتان هما الطفولة والرشد، فالمراهقة هي التدرج نحو النضج البدني والتناسلي والعقلي والانفعالي، أما البلوغ فيقتصر على ناحية واحدة فقط من نواحي النمو، إذاً: البلوغ يعبر به عن نوع واحد فقط من أنواع النمو وهو النمو من حيث القدرة على التناسل عن طريق الغدد التناسلية، واكتساب معالم جديدة تنتقل بالطفل من فترة الطفولة إلى فترة الإنسان الراشد.
إذاً: البلوغ هو بداية المراهقة، ولا يعني النمو في كل مجالات النمو، وعلماء النفس يعتبرون أن المراهقة مرحلة ميلاد جديدة للإنسان، وهو الميلاد النفسي للإنسان عندما يحس بذاته، ويقع بين البلوغ والرشد كما ذكرنا، وكون البلوغ هو بداية المراهقة وليس كل المراهقة أشار إليه القرآن الكريم في قوله - تعالى -: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) [النساء: 6]، هذا هو البلوغ: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) [النساء: 6]، ومما تجدر الإشارة إليه أنه فيما مضى كانت مرحلة المراهقة أقل مما هي عليه الآن، وذلك أن فترة المراهقة ليست من الأمور الثابتة، بل من الأمور المتفاوتة باختلاف الثقافات والبيئات والأفراد أنفسهم؛ فهناك فروق فردية سواء بين الذكور والإناث أو بين الذكور أنفسهم، وهناك تفاوت في البداية والنهاية كما سنبين، وفيما مضى كانت مرحلة المراهقة أقل؛ لأن التعليم الإلزامي كان ينتهي عند السنة الثانية عشرة مثلاً، وبعدها يدخل الشخص في دنيا العمل، والزواج قد يكون مبكراً جداً بالذات في البيئات الريفية، فقد يتزوج بعد سن ست عشرة سنة، ويستقل تماماً، أما الآن فامتدت فترة التعليم، وبالتالي امتدت فترة الطفولة من الناحية الاقتصادية، وليس هكذا فحسب، فقد تجد عند بعض الناس أنه لابد أن ينتهي من تعليمه ويدخل مهنته، ثم يتخصص فيها، فبالتالي امتدت هذه الفترة امتداداً كثيراً في المجتمعات المتحضرة، فامتدت فترة التعليم، وطالت فترة العزوبة، وتأخر سن الزواج، وبالتالي لا يستطيع الاستقلال عن أهله اقتصادياً واجتماعياً بسرعة، وبالتالي تمتد فترة المراهقة، فهي تبدأ من البلوغ إلى اكتمال نمو العظام حيث يستقر النمو العضوي عند الفرد، وذلك غالباً بين سن اثنتي عشرة إلى تسع عشرة سنة؛ تزيد أو تقل، تنقسم المراهقة إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: المراهقة المبكرة: ويربطونها بالمرحلة التي هي من اثنتي عشرة سنة إلى أربع عشرة سنة، وهي فترة التعليم، ثم المرحلة الثانية: من خمس عشرة إلى ثماني عشرة، وهي المراهقة المتوسطة، وهذه تكون غالباً في التعليم الثانوي، ثم المرحلة الثالثة: وهي من ثماني عشرة إلى اثنتين وعشرين، وهي مرحلة التعليم الجامعي. وكما أشرنا من قبل: إذا دخل الفرد مرحلة الشباب بعد سن العشرين دون أن تتم تربيته خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة فقد فات الأوان، ويصبح المطلوب حينئذ العلاج وليس التربية، فلا نقول: تربية الشباب، ولكن: علاج الشباب؛ إنما كانت تربية في المراحل التي هي قبل سن العشرين، فالتربية وقاية من الآفات، والعلاج يواجه الآفات ويحاول رفعها، ولا شك أن العلاج أشق من التربية؛ لماذا؟ لأن الشباب قد بلغ الأشد وبلوغ الأشد يتطلب الشعور بالذاتية، والشعور بالذاتية هو ما يشقى به الكثير من الآباء والأمهات والمجتمع؛ لأن الذاتية حين تحب أن تستقل قبل استكمال عناصر الاستقلال فذلك هو الفساد، يظل الواحد منا يوجه وليده إلى أن يبلغ سناً معينة، ثم يسمع منه معارضة لرأيه، فهل هذا الصغير مأمون على الذاتية، لو أنه أدب في مرحلة التأديب وربي لكان مأموناً على الذاتية، لكن إذا فات الأوان على المرحلة الأولى التي هي التربية، والمرحلة الثانية التي هي التأديب، وأعطيت له الذاتية، فإنه يحصل الفساد الكبير. والتربية التي يقصدها الإسلام هي أن يتعهد المربى تعهداً يبلغه الكمال المهيأ له، فالمربى تستقبله بيئاته لكنه يحتاج إلى المربي، فهو الذي ينقل له القضايا التي تشكل خميرة سلوكه في الحياة.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.83%)]