
23-07-2019, 02:37 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة :
|
|
رد: إشكالية زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى / دراسة تطبيقية على السين وسوف في
إشكالية زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى
/ دراسة تطبيقية على السين وسوف في القرآن الكريم
د. محمد ذنون يونس فتحي
وقد التفت اللغويون إلى إمكانية تطبيق هذا الأساس عند حدوث ما اصطلحوا عليه بـ(الانحراف) عن أصل الصيغة، فذكروا أن:" من تكثير اللفظ لتكثير المعنى المعدول عن معتاد حاله، وذلك(فعال) في معنى(فعيل) نحو طُوال فهو أبلغ من طويل وعُراض أبلغ من معنى عريض وكذا خُفاف من خفيف، ففُعال وان كانت أخت فعيل في باب الصفة فان فعيلا أخص بالباب من فُعال لأنه أشد انقيادا منه، تقول: جميل ولا تقول جُمال وبطيء ولا تقول بُطاء... فلما كانت فعيل هي الباب المطرد وأُريدت المبالغة عدلت إلى فُعال فضارعت فُعال بذلك فعّالا، والمعنى الجامع بينهما خروج كل واحد منهما عن أصله، أما فعّال فبالزيادة وأما فعال الخفيف فبالانحراف عن فعيل"([24])، وبهذا الفهم لا تكون القضية مجرد عدد الحروف في اللفظتين اللتين تتم المقارنة بينهما، إذ جميل ووضيء مساوية في عدد الحروف لجمال ووضاء، لكن الانحراف عن الأصل الذي هو(فعيل) – كما تدل على أصليته كثرة الاستعمال- إلى (فعال) كان لأجل التشبيه بباب أكثر حروفا ودالا على المبالغة وهو باب(فعّال)، فهذا الانحراف لأجل التشبيه ببنية أكثر حروفا جعلت هذه الصورة داخلة تحت هذا الأساس اللغوي العام، فكما أن اللفظ إذا زيد فيه شيء:" أوجبت القسمة به زيادة المعنى له، فكذلك إن انحرف به عن سمته وهديه كان ذلك دليلا على حادث متجدد له"([25])،ونبه الحريري على هذه الظاهرة اللغوية عند توقفه على التفرقة بين المذكر والمؤنث حيث بيّن أن:" من أصول كلام العرب إدخال الهاء في صفة المؤنث وحذفها في صفة المذكر كقولهم: قائم وقائمة وعالم وعالمة، إلا أنهم عمدوا إلى عكس هذا الأصل عند المبالغة في الصفة فألحقوا الهاء بصفة المذكر في المبالغة فقالوا للكثير العلم: علاّمة، وللمتسع في الرواية: راوية، وللمطلع على حقائق النسب: نسّابة، وحذفوا الهاء من صفة المؤنث في المبالغة فقالوا للمرأة الكثيرة الصبر والشكر: امرأة صبور وشكور، وللكثير الكسل والتعطّر: مِكسال ومِعطار، ليدلوا بتغيير الصفة عن أصلها الموضوع لها على معنى حدث فيها وهو المبالغة"([26]) نخلص من هذا إلى أن الصرفيين الأوائل فهموا قانون( زيادة المبنى ودلالته على زيادة المعنى) أي عند إرادة المبالغة والكثرة والقوة والقرب والبعد، وليست حالات التفرقة بين الصيغ الصرفية والمشتقات الخالية من معنى المبالغة والزيادة، ولذا يكون (العدول) في باب التصغير عن القول(رجل حقير) إلى القول(رُجَيْل) يكون هذا العدول والانحراف عن الأصل ليس لزيادة المعنى والمبالغة فيه، وإنما لإرادة الاختصار كما نبّه عليه بعضهم بقوله:" الغرض من التصغير وصف الشيء بالصغر على جهة الاختصار"([27]).
بقي في هذا التأسيس المفهومي لهذه القاعدة اللغوية أن هناك خلافا بين اللغويين في مدى قياسية هذه القاعدة، فذهب قسم إلى أن هذه القاعدة مطردة بمعنى: كلما زاد المبنى زاد المعنى وكلما كثر المبنى كثر المعنى وكلما قوي المبنى قوي المعنى([28])، حتى لا يلزم العبث في كلام الفصحاء، بينما كان ابن هشام الأنصاري يرى خلاف ذلك عندما أشار إلى رأي القائلين بان(سوف) أكثر مبالغة من(السين) في الدلالة على المستقبل لأنها أكثر حروفا بقوله:" وكأن القائل بذلك نظر إلى أن كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى وليس بمطرد"([29])، وتكفّل الدسوقي ببيان عدم الاطراد بان:"(حاذر) اسم فاعل و(حذِر) صيغة مبالغة فإنها تدل على الكثرة دونه، مع أن الثاني أقل حروفا من الأول"([30])، وهذا فهم ظاهري لهذه القاعدة لان الأمر ليس متوقفا على عدد الحروف فقط - كما مر- بل قد يكون بين اللفظين تساو، أو يكون الدال على معنى المبالغة اقل حروفا من الآخر؛ لان الانحراف عن أصل الصيغة الصرفية الدالة على اسم الفاعل يكون دليلا على حصول معنى جديد أكثر مبالغة من أصله استدعى ذلك المعنى الجديد لفظا منحرفا عن وضعه الأصلي، ولا احسب أن ابن هشام كان يريد هذا التمثيل بل ربما قصد الزيادة المؤدية إلى معنى التفرقة بين الصيغ الصرفية التي تحدث فيها زيادة على المبنى من غير زيادة على المعنى الأصلي، بل تغيير دلالة المعنى الأصلي كتحويل الماضي إلى مضارع وأمر...الخ، ولهذا تكون هذه القاعدة كلية مطردة وليست أغلبية إذا قيدناها بالشروط المذكورة سابقا، ومن ثم أجاب الدسوقي مدافعا عن كلية هذه القاعدة:" باشتراط أن يكون اللفظان من نوع واحد بان يكون كل منهما اسم فاعل كصَدٍ وصَدْيان أو فعلا ماضيا كقطَعَ وقطّعَ أو صيغة مبالغة كرحيم ورحمان"([31])، فالقاعدة كلية إن كانت بين لفظين من نوع واحد وأغلبية إن كانت بين لفظين من نوعين مختلفين، ولكن الانحراف عن صيغة صرفية كثيرة الاستعمال مطردة القياس إلى صيغة أخرى كان أمرا مذهولا عنه عند كتابة هذه الحاشية.
ومن مراعاة هذا الأساس اللغوي أجهد المفسرون للقرآن الكريم أنفسهم في بيان أثر الزيادة الحاصلة في بعض الصيغ على صعيد المعنى، وعندما يعجزون عن إثبات ذلك في بعض الصور يقولون بأن هذا الأساس اللغوي أغلبي وليس كليا كما ظنه الرضي فيما تقدم من كلامه، فقد ذكر الصبان أن الفعل(فرّق) بالتضعيف والتخفيف في الأجرام والمعاني، وذكر أن أهل اللغة متواطئون على أن(كسّرته وكسرته) في المعاني والأجرام مطلقا، ولكنه يجد في نفسه القدرة على التفرقة بين الفعل(فرّق) بالتضعيف الوارد في قوله تعالى إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا/ الأنعام- آ:159) والفعل(فرَق) بالتخفيف في قوله تعالى وإذ فرَقنا بكم البحر فانجيناكم وأغرقنا آل فرعون/ البقرة- آ: 50) بأنه:" أريد في الآية الأولى إفادة التكثير وإنما يؤتى بالمخفف إذا لم ترد تلك الإفادة، وفي الثانية: لما كان الماء جسما لطيفا شفافا فهو كالمعاني أتى فيه بالمخفف"([32])، وكأن القاعدة الجارية تقول: مهما أمكن التأويل يعمل بهذا الأساس وإلا يحمل على عدم وجود الفرق بين الصيغتين عند العجز والقول بان القاعدة أغلبية وليست كلية.
وبعد الانتهاء من بيان هذه القاعدة اللغوية وذكر شروطها والخلاف الدائر حول اطرادها وعدمه نشرع في مقصود هذه الدراسة موضوعة البحث لنرى مدى انطباقها بعد مراقبة الصور والسياقات الواردة فيها كافة.
المطلب الثالث: معاني السين وسوف
لهذين الحرفين معان عدة يمكن سردها فيما يأتي:
1- الدلالة على الاستقبال، يقول سيبويه:" وتقول سيفعل ذلك وسوف يفعل ذلك فتلحقها هذين الحرفين لمعنى كما تلحق الألف واللام الأسماء للمعرفة"([33])، فدل هذا التشبيه على أن هذين الحرفين لا يدلان على معنى إلا عند اقترانهما بالفعل الصالح لقبولهما ، كما أن الألف واللام لا دلالة لهما على التعريف إلا عند سبكهما بالاسم القابل لهما، وفائدة التسوية أن الألف واللام تعرّف مدخولهما للسامع، وكذلك السين وسوف فعندما تدخلان على المضارع تخلصانه لزمن الاستقبال، فإذا كانت (أل) مؤدية لغرض تعريفي في الأسماء، فالسين وسوف تؤديان غرض التخصيص للأفعال المضارعة،لأن المضارع قبل دخولهما عليه يكون صالحا للحال والاستقبال، فإذا دخلتا عليه اختص بزمن المستقبل وانقطعت دلالته الحالية بسببهما، ويعبر عن هذا المعنى بـ(التنفيس) حيث يقولون: حرفا التنفيس، وفسّره ابن هشام بأنه: "حرف توسيع، وذلك أن السين نقلت المضارع من الزمن الضيق وهو الحال إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال"([34]).
2- الدلالة على الوعد والوعيد: فإذا قلت: سأدرس أو سوف ادرس فانك تقدم وعدا للمخاطب بالقيام بهذا الحدث، وكذا إن قلت: سأحطمك أو سوف أحطمك فهذا وعيد وتهديد تعد بوقوعه في المستقبل أيضا([35])، وكان الأنسب الاكتفاء بدلالة الوعد كما سيأتي توضيحه.
3- التوكيد: وقد ذكر الزمخشري أن السين وسوف إذا دخلا على فعل محبوب أو مكروه أفادا أنه واقع لا محالة([36])، وبيّن ابن هشام الأنصاري وجهه بان: السين وسوف يفيدان الوعد بحصول الفعل، فدخولهما على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه، وأشار إلى ذلك الراغب في الحديث عن(سوف)([37])، ولكن أبا حيان كان مترددا في قبول هذا المعنى ، فتارة يوافق الزمخشري وتارة ينفي وينكر ظنا منه ارتباط بعض الآيات التي فسرها الزمخشري بمواقف عقدية وآراء كلامية، حيث يفيد الزمخشري من هاتين الأداتين لنصرة مذهبه الاعتزالي القائل بوجوب إثابة الطائع وعقوبة العاصي على الله تعالى عقلا، في حين يرى أهل السنة جواز ذلك على الله تعالى([38])، كما نجده عند تفسير قوله تعالى ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله/ التوبة- آ: 71)، ففي الكشاف أن:" السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في قولك: سأنتقم منك، تعني انك لا تفوتني وان تباطأ ذلك"([39])، ولكن أبا حيان ينكر هذه الدلالة بقوله:" وفيه دفينة خفية من الاعتزال بقوله: (السين مفيد وجود الرحمة لا محالة)، يشير إلى انه يجب على الله تعالى إثابة الطائع كما تجب عقوبة العاصي، وليس مدلول السين توكيد ما دخلت عليه، إنما تدل على تخليص المضارع للاستقبال فقط"([40])، ولكنه يوافق الزمخشري عند تأويله لقوله تعالى سيصلى نارا ذات لهب/ المسد- آ : 3)، حيث يرى أن:" السين للاستقبال وان تراخى الزمان وهو وعيد كائن انجازه لا محالة"([41])، وهذا التردد الحاصل من أبي حيان برهان على أن كلام الزمخشري لا يدل على موقف كلامي بقدر ما يتحدّث عن وظيفة السين في الآية وخارج النص، ويدل على ذلك الذوق وشهادة الوجدان، فان من قال لمن يعده بالخير أو الشر: سأكرمك أو سأنتقم منك فان التوكيد ظاهر فيه، ويدل على ذلك أيضا دخول اللام المؤكدة في قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى/ الضحى- آ: 5)، حتى يقوى المعنى ويثبت في ذهن المخاطب، وأما عدم دخول اللام على السين فلكونها على حرف واحد، في حين أن(سوف) لها طابع الكلمة وخواصها وليس طابع الحرفية الموضوعة غالبا على حرف واحد أو حرفين.
وقول الزمخشري (إن ذلك كائن انجازه لا محالة وان تأخر) ليس فيه أية إشارة لمسألة وجوب الإثابة والعقوبة، وإنما يدل على أن الله تعالى إذا وعد فان انجازه كائن ووعده متحقق ، وتوكيد ذلك يتناسق مع مذهب أهل السنة وليست في الكلام أية دفينة خفية للاعتزال.
4- الاستمرار: وحكاه ابن هشام الأنصاري عن بعضهم بأنها تأتي للاستمرار وليس للاستقبال، بمعنى أنها تجعل الفعل المضارع مستمرا ومتجددا وقتا بعد وقت وان كان قد مضى، فإذا كان (زيد) قد أكرمك، وقيل له: زيد سيكرمك، فمعناه أن الإكرام الذي سبق لك مستمر ولا ينقطع في المستقبل([42])، واستند هذا القائل إلى نصين كريمين، وهما قوله تعالى ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم/ النساء- آ: 91) حيث أتى بالسين إشارة إلى أن لعبهم بالمؤمنين هذا أمر مستمر وان كان قد مضى، وذلك أن رجالا من الكفار كانوا إذا أتوا المدينة اسلموا لأجل أن لا يقاتلوهم وإذا أتوا لقومهم كفروا، فأتى بالسين إشارة إلى أن حالتهم هذه مستمرة ولم يتركوها وان كان ذلك وقع فيما مضى([43])، كما استدل بقوله تعالى سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها/ البقرة- آ: 142)، مدعيا أن ذلك إنما نزل بعد قولهم(ما ولاهم) قال:" فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال"([44])، ولكن ابن هشام لم يرتض هذا المعنى ونقده بأنه قول لما لا يعرفه النحويون من مجيئها للاستمرار لا للاستقبال والمشهور خلافه، ثم ردّ الاستدلال بالآية الثانية بجوابين:
1- الجواب التمنيعي: بمعنى عدم تسليم نزول(سيقول... الآية) بعد قولهم( ما ولاهم) لأنه غير متعين، بل ذكر الزمخشري أن الفائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه من أنهم سيقولون ذلك وسيصدر عنهم؛ لان:" المفاجأة للمكروه أشدّ والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع"([45])، لان قولهم إذا وقع بغتة قبل أن يخبرنا الله تعالى به يحصل منه كرب شديد واختلال للنفس، فإذا نزلت الآية قبل ذلك اطمأنت النفس وبعدت عن الاضطراب([46]).
2- الجواب التسليمي: بمعنى تسليم نزول(سيقول) عقيب قولهم(ما ولاهم)، لكن نمنع دلالة السين على الاستمرار، وإنما استفيد الاستمرار من المضارع، كما يقول: فلان يقري الضيف ويصنع الجميل، تريد أن ذلك دأبه وعادته والسين مفيدة للاستقبال؛ إذ الاستمرار إنما يكون في المستقبل([47])، وبهذا الجواب اندفع الاستدلال بالآية الأولى اعني(ستجدون آخرين... الآية)، بان الاستمرار مفهوم من المضارع والسين باقية على معنى الاستقبال.
والراجح من الرأيين - فيما يبدو- أن المضارع هو الدال على الاستمرار، وإذا دخلت السين أو سوف عليه أفادت الاستمرار للفعل في الزمان المستقبل، ولو أن القائل ذكر الاستمرار دون نفي دلالة الاستقبال لكان كلامه مقبولا، بل السين للاستقبال لكن ليس في ابتداء الفعل بل في استمراره ودوامه.
وختاما لهذا المطلب أنبه على مسالة مهمة، وهي أن أم معاني السين وسوف الدلالة على الاستقبال، وأما التأكيد والوعد والوعيد والاستمرار الاستقبالي إنما يكون بقرائن قولية وحالية بين المتكلم والمخاطب لا تتضح إلا بعد التأمل والتعرف إلى السياقات وظروف الخطاب، فالاستمرار الاستقبالي إنما يكون عند الإخبار بتكرر أمر قد سبق وقوع أمثاله، إذ يأتي شخص فيخبرك بأمر عن تلون الناس أمامه فتقول له: ستجده كثيرا، أي انه مستمر في المستقبل لأنه حالة باقية موجودة في الأزمنة الآتية.
المطلب الرابع: الفرق بين السين وسوف دلاليا
رأينا في المطلب السابق نقاط الالتقاء بين السين وسوف في دلالتهما على الاستقبال والتوكيد والوعد والوعيد والاستمرار، وسنركز الحديث هنا عن الافتراق بين الأداتين من الناحية الدلالية، حيث وجدنا تصريحا واضحا بالفرقين الآتيين:
1- نقل الزركشي والسيوطي عن ابن بابشاذ تفرقته بين السين وسوف بان:" سوف تستعمل كثيرا في الوعيد والتهديد وقد تستعمل في الوعد، والأكثر في السين الوعد وتأتي للوعيد"([48])، ولقد دعا هذا النص الشيخ عبد الخالق عضيمة للقيام باستقراء دقيق لمواضع السين وسوف في القران الكريم، فتبين له:" أن مواضع استعمال السين في الوعيد تزيد عن مواضع استعمالها للوعد"([49])، وعلى التفصيل الآتي:
- 45 نصا في السين للوعيد.
- 33 نصا في السين للوعد.
ولكنه وافق على أن سوف تستعمل كثيرا في الوعيد وقليلا في الوعد، وعلى التفصيل الآتي:
- 28 نصا في الوعيد
- 10 نصوص في الوعد.
وختم استقراءه بان هناك نصوصا وردت فيها(السين) خالية من معنيي الوعد والوعيد معا، حيث وجد(38) موضعا وردت فيها السين في غير الوعد والوعيد.
ومما يستحسن ذكره هنا بيان أن استقراء مواضع السين وسوف في القران الكريم قد بلغ(38) موضعا وردت فيها(سوف) و(114) موضعا وردت فيها السين.
ولنا في هذا الفرق وجهة نظر نؤخرها إلى المطلب السادس إن شاء الله.
2- ذهب جمهور البصريين إلى أن السين وسوف يدلان على الاستقبال عند الدخول على الفعل المضارع، إلا أن (سوف) أشد تراخيا في الاستقبال من السين وأبلغ تنفيسا([50])، واعتقد أن هذا الإطلاق قد نشأ بمجيء ابن جني(ت392هـ) وكثرة ترداده لقضية زيادة المبنى، ويؤيد هذا الظن قول السيوطي(ت 911هـ) إن :" سوف كالسين وأوسع زمانا منها عند البصريين؛ لان كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى ومرادفة لها عند غيرهم"([51])، وأضاف ابن اياز أن هذا الحكم معتمد على استقراء كلام العرب([52])، ولأجل ذلك تبارى المفسرون ببيان أسرار التعبير بالسين دون سوف في مواضع كان الأصل فيها التأخير والتراخي، حيث وجدوا في الآيتين الواردتين في سورة النساء وعدا ووعيدا للمؤمنين والكافرين بالجنات والنار مع أن كليهما متأخر زمانا إلا انه جرى التعبير بسوف مع الكافرين وبالسين مع المؤمنين في قوله تعالى إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب/ النساء- آ: 56)، وقوله تعالى والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار/ النساء- آ: 57)، حيث فرق أبو حيان بين التعبيرين بقوله:" جاءت جملة الكفار مؤكدة بأن على سبيل تحقيق الوعيد ولم تحتج إلى ذلك في جملة المؤمنين، واتى فيها بالسين المشعر بقصر مدة التنفيس على سبيل تقريب الخير من المؤمنين وتبشيرهم به"([53])، بمعنى أن استعمال السين كان على خلاف الأصل، فاحتاج إلى بيان وجهه بان المراد التبشير وذلك مقتضى أسلوب التقريب، بينما كان استعمال(سوف) على وفق الأصل من تأخر زمان الوعيد فلم يتساءل عن علته؛ لان الشيء إذا جاء على أصله لا يسال عن سبب مجيئه على ذلك بخلاف الخارج عن أصله وحقيقته، ولهذا الفهم استشعر أبو حيان اعتراضا موجها عليه بأنه استعملت(سوف) في السورة أيضا مع المؤمنين، وذلك في قوله تعالى: ( فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما/ النساء- آ: 146)، لأنه على وفق تعليله كان التعبير الأنسب السين لصحة إرادة التبشير المستدعي التقريب، فقال:" أتى بسوف لان إيتاء الأجر هو يوم القيامة وهو زمان مستقبل ليس قريبا من الزمان الحاضر، وقد قالوا: إن سوف أبلغ في التنفيس من السين"([54])، فقد علّل ذلك بان النص جاء على الأصل فلا يسال عن سبب أصالته، فالظاهر من كلام أبي حيان في التفرقة بين السين وسوف، أن السين تدل على قرب المستقبل، فإذا دلت على ذلك كان الاستعمال حقيقيا، بينما لو دلت على تراخي الزمن فيحتاج إلى بيان نكتة الخروج عن الأصل، وكذلك(سوف) فان الأصل فيها الدلالة على تراخي الحدث في المستقبل، فلا يسال عن علة ذلك لأنها جارية على الأصل، فإذا دلت على القرب الزماني احتاج الأمر إلى التعليل وبيان الثمرة، ولا يخفى أن معرفة الخروج عن الأصل في كل من السين وسوف يكون عند مقابلة النصوص بعضها مع البعض الآخر كما تقدم من التمثيل له بالآيات السابقة وكالنصين الآتيين، حيث فسروا التشابه الواقع بين قوله تعالى فقد كذّبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون/ الشعراء- آ: 5)، وقوله تعالى فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون/ الشعراء- آ: 6)، فعند مقارنة النصوص وتقابلها يتساءل الدارس عن سر التفاوت بين الاستعمالين، فإذا كان الأصل التراخي فما سر التعبير بالسين؟ والعكس صحيح؛ لان كليهما يدل على حالة من الوعيد والتهديد واحدة بحسب الظاهر، وذلك ما استدعى قريحة أبي حيان للتأويل بأنه:" جاء في الأنعام التنفيس بسوف وفي الشعراء بالسين؛ لان الأنعام متقدمة في النزول عن الشعراء، فاستوفى فيها اللفظ وحذف بالحق من الشعراء وهو مراد إحالة على الأول، وناسب الحذف الاختصار في حرف التنفيس فجاء بالسين"([55])، ونحن نتفق مع أبي حيان على سلامة المنهج القائم على المقارنة بين النصوص المتشابهة لمعرفة سرّ العدول عن الأصل، ولكننا نختلف معه في خصوص التعليل المذكور القائم على أن الحذف من النص المتأخر نزولا يناسبه تقليل الاستقبال؛ لان الاختصار يستدعي الاختصار في المتأخر نزولا؛ لان هذا التعليل يراعي المستوى اللفظي في حين كان الكلام في التفرقة على المستوى المعنوي، فالأنسب القول إن النص المتأخر نزولا اقترب النزول فيه من تحقق الوعيد والتهديد، على حين كان النص المتقدم نزولا أبعد عن حصول الوعيد لتقدمه.
وسيأتي لنا وجهة نظر في هذا الفرق نؤخرها إلى المطلب السادس إن شاء الله.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|