عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22-07-2019, 08:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,749
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صراع الهوية لدى الشباب المظاهر والعلاج

صراع الهوية لدى الشباب المظاهر والعلاج


د. خالد بن محمد الشهري



تكوين الهوية فطرة أم صراع نفسي أم أزمة حضارية:



يقول أحد علماء النفس المسلمين المعاصرين: (إن المراهقة ليست بالضرورة مرحلة أزمة وعاصفة، إنها تتحول إلى عاصفة وشدّة إذا أراد لها المجتمع ذلك)[24].



وفي كتاب أشهر خمسين خرافة في علم النفس سجل المؤلفون الخرافة رقم 7 تحت عنوان: (المراهقة هي حتماً مرحلة اضطراب نفسي). وعزا هذا الفهم الخاطئ إلى ما أسماه علم النفس الشعبي الذي تتناوله الكتب التجارية والأفلام التي تعزف على السلوك الشاذ يقول في معرض هذا: (ولأن الكتب والأفلام تركز على حكايات المراهقين المضطربين أكثر بكثير من تركيزها على المراهقين الأسوياء إذ أنه من غير المحتمل أن يصنع فيلم من أفلام هوليوود يتحدث عن مراهق سوي تماماً قصة مشوقة، ناهيك عن أن يحقق إيرادات ضخمة.. )



(وقد ذكر بعض الباحثين أن مدرسة التحليل النفسي كانت سبباً في شيوع هذا الفهم لدفع المراهقين إلى وحل الجنس وتبعتها المدرسة السلوكية في مرحلة تالية.



إن الأدلة تتوافر على أن الكُتاب بالغوا في كثرة أزمات الهوية وخطورتها بين الشباب. كما قاله جمع من الباحثين النفسيين في جامعة هارفرد وجامعة كالفورنيا وجامعة كلورادو..



ولذلك توصل بعض الباحثين المسلمين إلى أن أزمة الهوية المنتشرة إنما هي أزمة المراهق الأمريكي في الدرجة الأولى.. تنتقل إلينا عبر وسائل العولمة والضخ الإعلامي وللأسف عبر بعض المختصين الذين لا يحسنون سوى النقل عن الدراسات الأمريكية.. ) [25]



ولهذا أؤكد في هذا البحث على أن مشكلات تكوين الهوية لدى الشباب هي مشكلات صراع حضاري قبل أن تكون صراعاً نفسياً وكلما كان المجتمع ذا مناعة أكبر كلما قلت معاناة الشاب في أثناء رسمه لملامح شخصيته وتكوين هويته.



وهنا قضية مهمة يجدر بنا أن نتنبه لها حينما نتحدث عن تكوين الهوية وأهمية بناءها بطريقة سوية أن بعض علماء النفس قد عدّها ضمن الدوافع النفسية: (بل ذهب بعضهم مثل إيرك فروم إلى القول بأن بعض الدوافع النفسية والتي يسميها فروم الحاجات النفسية مثل الحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى السمو والحاجة إلى هوية والحاجة إلى إطار للتوجيه هي حاجات فطرية أساسية في طبيعة الإنسان وهي ليست مكتسبة من المجتمع... ) [26].
العلاج


في ما سبق تناولت مشكلة تكوين الهوية وما يتعلق بها من مشكلات ووصفتها بالصراع لشيوع ذلك الوصف في أدبيات الدراسات النفسية وإن كنت شخصيا أفضل وصف القلق لأنه أدق تعبيرا في وصف المشكلة..



وعلى كلٍ فحين تناولت أسباب صراع تكوين الهوية فقد حاولت أن أفرق بين أقسامها إذ أن منها ما يتعلق بالمجتمع والصراع الحضاري وأثر العولمة ومنها ما يتعلق بالأسرة ومنها ما يتعلق بالشاب نفسه وما يتعلق بالجانب الغيبي من خبايا النفس وأثر الشيطان على سلوك الإنسان.



وهنا سأحاول أن أقيد ما ظهر لي من وسائل العلاج وفق نفس الأقسام كالتالي:

أولاً: وسائل العلاج على مستوى المؤسسات المجتمعية:

بدأت هنا في وسائل العلاج بالجانب الاجتماعي المؤسسي قبل الجانب الفردي للتذكير بواجبات مؤسسات المجتمع في الحياة المدنية الحديثة كما أود أن أذكر بضرورة العناية ببناء التصور الإسلامي الصحيح لدى النشء حول الإنسان والحياة والكون لأن هذا يختصر كثيراً من جهود العلاج المعرفي. كما يجب أن نعتني بالوسائل التالية التي تسهم في علاج ظاهرة صراع الهوية وبعضها يمنع حدوثها من الأصل بشكل وقائي فاعل:

1- العناية بالتنشئة الاجتماعية كهدف استراتيجي للمجتمع:إن التنشئة الاجتماعية التي لا تكتمل معها الشخصية ولا تتكون فيها الهوية بشكل صحيح ولا يتم بناء تقدير الذات فيها بطريقة متزنة تعني ظهور جيل ضعيف لا يعتمد عليه . ولهذا فإن التخطيط للتنشئة الاجتماعية الصحيحة يجب أن يكون إحدى اهتمامات التخطيط الاستراتيجي للمجتمعات لأنه سيوفر عليها الكثير في الجوانب الأمنية وجوانب الرعاية الصحية وبناء المجتمع المنسجم. والتخطيط للتنشئة الاجتماعية الصحيحة لابد أن يشمل كل المؤسسات المؤثرة فيها وعلى رأسها الأسرة والمدرسة والإعلام والمساجد لتسير جميعها في خطة متوازنة يخدم بعضها بعضاً ويتمثل فيها مبدأ الجسد الواحد. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنينَ: في تراحُمِهم، وتوادِّهم، وتعاطُفِهم، كمثلِ الجسدِ، إذا اشتَكى عضوًا، تداعى لَه سائرُ جسدِه بالسَّهرِ والحمَّى) رواه البخاري.. فهل يمكن في العصر الحديث أن يصبح المجتمع كالجسد الواحد دون تخطيط استراتيجي؟.



2- تفعيل دور التعليم: إن غياب التعليم العام والعالي عن دوره في عملية التنشئة الاجتماعية واقتصاره على التلقين والتركيز على الجوانب المعرفية فقط دون اهتمام بحاجات النمو ومطالبه في الجوانب الأخرى. فلا يوجد في مؤسسات التعليم بناء قيمي وإيماني عملي ولا سلوكي، نعم هنالك اهتمام بالقيم في الجانب المعرفي لكن أثره ينتهي بمجرد خروج الطلاب من قاعة الامتحان. وهنا يعجبني أن أستعرض تجربة حية قام بها أحد الصالحين وعرض دواعيها بنَفَسِ المسلم الصالح الحريص على جعل مؤسسات التعليم تتجاوب مع أهداف الحياة بشكل متناسق في كتاب "بعنوان لماذا نتعلم؟"[27]. وأنا أدعو المسئولين عن التعليم إلى الاطلاع على تجربته وهي حية تشع بالأمل وتُسخر نمط الحياة المدنية المعاصرة لخدمة عمارة الأرض.



3- المساهمة في بناء الأسرة بطريقة صحيحة:عدم بناء الأسرة بطريقة صحيحة له أثر في نشأة الشباب لأنها المحضن الأول وهي أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية على الإطلاق وعدم قيامها بدورها على الوجه الصحيح يضطر المجتمع لدفع ضريبة عالية في مستقبل الأيام.



وفي بعض الأحيان يتزوج الشاب والشابة وهما لا يعرفان شيئاً عن الحقوق الزوجية ولا طرق تربية الأبناء، فيكون نتاج مثل هذه الأسرة معرضاً لمشكلات صراع الهوية. أضف لذلك أن الأب والأم مشغولان بالوظيفة والسعي لتدبير وسائل العيش مما صنع فراغاً مهماً لا يستطيع أحدٌ ملئه وإذا عادا إلى البيت عادا منهكين متعبين يبحثان عن الراحة فماذا سيبقى للتربية وبناء هوية الأطفال؟



قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) رواه أبو داود



يقول شوقي:




لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن



هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا



فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما



وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا



إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ



أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا















4- دور الأسرة في تكوين هوية الأبناء:

كل الناس سواسية من حيث أصل خلقهم وتتداخل مؤثرات الوراثة والبيئة في تشكيل الناتج النهائي الذي يميز الفرد عن غيره حديث كل مولود المشهور أصل في بيان قوة أثر الأسرة في تشكيل هوية أبنائها وإذا صلحت الأسرة تبعها رقيٌّ بالفطرة؛ وإذا لم تصلح فإن انحرافاتها ستنعكس مباشرة على أبنائها .



قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٍ إلا يولَدُ على الفِطرَةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه، كما تُنتَجُ البهيمةُ بهيمةً جَمعاءَ، هل تُحِسُّونَ فيها من جَدعاءَ . ثم يقولُ أبو هُرَيرَةَ رضي الله عنه: ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ) رواه البخاري



إن "بناء الإنسان عمل مدهش وأخاذ وذو نمطية متنوعة وممتدة بشكل لا يكاد يتناهى. فكل فرد هو عالم قائم بذاته وبمقدار ما تحيط به القوانين تحف به الخصوصية ويشع من داخله الثراء. وبناء الأطفال بالذات عالم خصب ممرع كلما أجاد فيه المربي تألقت التحفة البشرية التي بين يديه .. ومن القضايا الكبرى في تربية الأبناء تكوين هويتهم وذلك من خلال العناية بخمسة أمور هي:

١- من أنا: تحديد الهوية.

٢- أُشبه من أنا: تحديد الانتماء.

٣- من أتّبع: تحديد القدوة.

٤- كيف أتصرف: تحديد الهدف المرحلي.

٥- ما قيمة ما أفعله: تحديد الهدف النهائي. "[28].



4- المسجد إحدى مؤسسات التنشئة الاجتماعية: وله رسالة سامية في بناء الهوية الإسلامية وربط الناس بالقرآن الكريم والسنة النبوية ولكن هل يمارسها القائمون على المساجد بطريقة مناسبة؟



حسب علمي إن القليل من يعتني بالتربية من خلال المسجد وللأسف فإن خُطبة الجمعة لم يستفد منها على الوجه الأكمل في بناء المجتمع المسلم؛ نُقل عن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أنه قال: (خطبة الجمعة لو أُحكم أمرها وجاءت على وجهها لحققت انقلاباً في الأخلاق والعادات في ثلاثة أشهر) وهذا صحيح وتخيل لو بذل هذا الجهد لزرع خلق الرقابة الذاتية ومراقبة الله عز وجل سراً وعلناً في الناس فكيف سينقل المجتمع نقلة بعيدة تعجز عنها مؤسسات أخرى. وتخيل لو ركزت على الاهتمام بالنظافة ووجوب المحافظة على نظافة البيئة فأي أثر يمكن أن تحققه خلال فترة وجيزة. والدليل على أهمية خطبة الجمعة أن المسلمين في صدر الإسلام لم تكن لديهم دورٌ للتربية ولا مؤسسات إعلامية ولم يكن هنالك وسيلة عامة للتربية والتعليم إلا خُطبة الجمعة ومن خلالها تم تعديل سلوك كثير من أعراب الجاهلية الذين يقتل بعضهم بعضاً ليصبحوا مؤمنين بررة يرحمون صغيرهم ويوقرون كبيرهم ويعرفون لعالمهم حقه ويدينون بالسمع والطاعة لأمرائهم في خلال عقد واحد من الزمن.



5- إبراز نماذج القدوة المؤثرة في الشباب في مؤسسات المجتمع وفي الإعلام: حدد الله عز وجل نموذجاً تاماً بلغ درجة الكمال الإنساني التي لم يصلها أحد غيره وهو نبينا عليه الصلاة والسلام وأمرنا ربنا تبارك وتعالى باتخاذه قدوة: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. ولاحظ أن الآية ربطت الاقتداء بالنبي مع اليوم الآخر ومع ذكر الله عز وجل ويوضح هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلُّ أمتي يدخلون الجنةَ إلا من أبى. قالوا: يا رسولَ اللهِ، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنةَ، ومن عصاني فقد أبى) رواه البخاري



لهذا فمن الواجب أن نبرز جوانب القدوة الصحيحة التي تدخل ضمن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتقريبها إلى النشء من خلال القصص والأفلام وسلوك الآباء وسلوك المعلمين إن أثر القدوة مهم للصغار حين يتمثلوها في سلوكهم فهم حين يرون تطبيقاً عملياً للقيم التي يُربون عليها يبادرون إلى تقليده ومحاكاته دون حاجة لأمرهم به كما في مراحل تشكل السلوك الأولى. إننا حين ننجح في هذا فإننا سنقدم خدمة للإنسانية كلها لأن ديننا قائم على الرحمة والرفق والحياء وغيرها من الأخلاق الفاضلة.



6- توفير وسائل وإمكانات ومؤسسات تساعد الشباب على الشعور بقيمتهم ودورهم الإيجابي في الحياة: من أسوأ المشاعر السلبية التي يُشعر بها الشباب هو الشعور بالتهميش وتركيز المجتمع والأسرة على تلبية حاجاتهم المادية فقط والغفلة عن حاجتهم لما يملأ أنفسهم وأوقاتهم بالمشاعر الإيجابية التي تُشعرهم بكينونتهم وتعطيهم تأكيداً على قيمتهم في الحياة من خلال توفر أدوار مناسبة لهم ومخطط لها بما يدعم المجتمع، وإلا كانت النتيجة ما نراه الآن من سلوك مضاد للمجتمع ولا مبالاة وافتعال صراع بين الأجيال؛ وهنا لا بد أن تتدخل مؤسسات رعاية الشباب والنوادي الرياضية والاجتماعية والثقافية والأدبية مع رؤوس الأموال ومؤسسات التربية لتملأ هذا الفراغ.



وإلى متى تبقى مؤسسات رعاية الشباب في مجتمعاتنا تنفق ميزانياتها المليارية لرعاية عدد قليل لا يُشكل 1% من شباب المجتمع للمشاركة في المسابقات الداخلية والدولية؟



أعتقد أنه حان الوقت لإعادة بناء خريطة اهتمامات الأندية الشبابية لأهدافها وخططها وفي ذلك فوائد صحية واجتماعية وأمنية لا تخفى على المهتمين بشؤون الشباب.



يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.31%)]