
22-07-2019, 08:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,348
الدولة :
|
|
رد: صراع الهوية لدى الشباب المظاهر والعلاج
صراع الهوية لدى الشباب المظاهر والعلاج
د. خالد بن محمد الشهري
مظاهر اضطراب الهوية لدى شباب العرب:
نحن في زمن العولمة وصراع الحضارات الذي نعيشه وزخم الإعلام وثورة الإعلام الجديد وشيوع مبادئ الرأسمالية وسيطرت الشركات عابرة القارات على الاقتصاد العالمي وتحول العالم إلى قرية صغيرة تتحكم فيها رؤوس الأموال فيما يعرف باقتصاد المعرفة ودخول وسائط ومواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية؛ كل ذلك مع تأخر العرب والمسلمين وضعفهم وبقائهم ضمن العالم الثالث في فئة المستهلكين كل ذلك غيّب التصور الإسلامي الواضح للإنسان والحياة والكون وجعل مبادئ الكثير من الشباب تهتز مما أثّر على هويتهم وجعلها عرضة للتشتت في كثير من الأحيان، والتمزق في أحيان أخرى.
وسأحاول هنا جمع مظاهر تدل على وجود صراع الهوية لدى الشباب من خلال عملي في مجال التربية والتعليم ومشاركتي في الاستشارات النفسية ومن خلال القراءة في الكتب ذات العلاقة، ومن خلال ما يُنشر في الإعلام وأود أن أذكّر بأن هذه المظاهر تختلف حدتها من مجتمع لآخر ومن وضع اقتصادي لآخر ومن أسرة لأخرى ومن شاب لآخر ومن مرحلة عمرية لأخرى كما هي طبيعة الاستجابة النفسية للمؤثرات؛ وأن بعض هذه الصراعات هي التي تستمر وتتطور لتشكل نوعاً من المرض الذي يحتاج إلى تدخل علاجي فيما أكثرها تخف حدته ويزول مع التقدم في العمر والاستقرار على نظرية واضحة في الحياة وغالباً ما يكون ذلك بعد تكوين أسرة وتحمّل المسئولية حيث تنتقل اهتمامات الشاب إلى الجوانب الإيجابية وهذا من رحمة الله بعباده فله الحمد والشكر؛ لكن يبقى دورنا في مجال الوقاية خيرٌ من التأخر حتى نحتاج إلى العلاج.
ومن هذه المظاهر التي رصدتها:
1- الخضوع للعولمة وشيوع السلوك الاستهلاكي: لاشك أن شركات التجارة العالمية بما تملكه من وسائل دعاية ضخمة وموجهة؛ مستمرةٌ في تحويل شبابنا إلى مستهلكين وتحاول أن تقلل ثقة الشباب بأنفسهم وقدرتهم على المشاركة في الإنتاج؛ نعم هذا خارج عن طاقة الشباب وقدرتهم لكن يجب تسجيله لأهميته في تشكيل أنماط سلوك الشباب.: وإن كانت هذه بالأساس إحدى مشكلات دول العالم الإسلامي بسبب ضعفها في الجانب الحضاري لكن تأثر الشباب بها واضح كون المقاومة الذاتية لدى الشباب تنخفض بسبب ضعف إعدادهم وتحولهم إلى مستهلكين وأرقام إحصائية أكثر منهم أفراداً ذوي رأي وقدرة على اتخاذ القرار في قبول أو رفض ما يعرض عليهم من منتجات العولمة وفي النهاية عجزهم أن يكونوا من ذوي القدرة أو التأثير في موجة العولمة مما يجرّ بعضاً من المظاهر التالية.
2- انبهار الشباب بالغرب وولعهم بكل ماهو غربي. وتأثير ذلك على سلوكهم اليومي. ومن مظاهر تأثر الشباب بها إغراق بعضهم في بناء الأجسام حتى يُشكلوا أجسامهم وقد أدى هذا إلى نشوء تجارة رائجة تخصصت في هذا المجال. وقد نسي كثير منهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) صحيح الجامع.. وقد ذكر بعض العلماء أن المشابهة في الظاهر يتبعها ولو بعد حين مشابهة في الداخل.
3- كذلك من المظاهر شيوع مراكز العناية بالجمال[11]: صحيح أن الإسلام يحب الجمال ويشجع الإنسان عليه كما في حديث: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه مسلم.
لكن الأمر تجاوز البحث عن الجمال المحبوب للنفوس؛ وظهر ولع الشباب وخاصة الإناث بتقليد مواصفات الجمال الأمريكي ونشأ لذلك تجارة ومستفيدين من هذا الولع بالجمال كما يظهر على عارضات الأزياء وفاتنات الشاشة؛ وتطور الأمر ليصل بكثير من الشباب إلى تغيير خلقة الله لهم عبر عمليات التعديل المختلفة التي لا تدعو إليها الحاجة وتخالف الشريعة الإسلامية التي تنهى عن تغيير خلق الله وتعده من التعدّي. ناسين أو متناسين أن هذا مجال تحدي الشيطان لعباد الله كما قال تعالى عنه: ﴿ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 119، 120].
4- الشهرة والسعي إليها بكل وسيلة من مظاهر صراعات الهوية لدى عدد من الشباب حيث تأثر بعضهم بما تروجه وسائل الإعلام ولاشك أن كثيراً من مركبات النقص والشخصيات الهستيرية تعززها مثل هذه الدعوات للحاق بركب المشاهير. وهو سلوك ينافي آداب الإسلام كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ لبس ثوبَ شهرةٍ إلا أعرض اللهُ عنه حتى ينزعَه)[12].
5- المبالغة في العناية باللغة الإنجليزية والحرص على تعلمها في سنّ مبكرة أكثر من تعلم لغة القرآن الكريم. غافلين عن أن (اللغة العربية لغة دين تستجيب لا للمتطلبات المادية والدنيوية للإنسان فقط؛ بل لمتطلباته الروحية والنفسية والأخروية)[13]. وتقول إحدى الأكاديميات بجامعة جورجيا الأمريكية: أرسلت أحد طلابي لممارسة اللغة العربية في بلد عربي، فعاد مستهزئا وهو يقول: لقد تعلمت الفرنسية بدلاً من العربية) [14]. وهي دلالة واضحة على زهد شبابنا في لغتهم العربية. نعم نحن نحتاج لتعلم اللغات المؤثرة اليوم ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب لغتنا وديننا.
6- إغراق الشباب في الروايات والأدب الغربي: ومع فرحنا بعودة الجيل الناشئ إلى القراءة وحب الكتاب إلا أنها اتجهت فيما يهدم بناء الهوية الصحيح ويحرفها عن مسارها الصحيح ولا يخفى على أحدٍ من المربين ماذا تؤسسه تلك الروايات والأدبيات التي تناقض الإسلام في نفوس الشباب وتسهم في تشكيل شخصياتهم بما يخالف المنهج.
7- الازدواجية السلوكية بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي: فتجد أن بعضاً من الشباب يحاولون أن يظهروا بغير صورتهم الحقيقية في وسائل التواصل الاجتماعي ليعوضوا مركبات النقص التي يشعرون بها على مثال تلك القصة الأدبية( أنا لا أكذب لكني أتجمّل). وإن كان علم النفس الحديث ينفي ازدواجية الشخصية كمرض لكن يبدو أنه إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن فسيصنف كمرض وذلك حين يتبدى الفرد لمن حوله بشخصيتين إحداهما واقعية والأخرى افتراضية وفي البداية يمكن أن يرواح بينهما بوعي لكن الإغراق في ذلك سيجعلهما تتداخلان ويدل على ذلك ما يظهر في سلوكيات من يُعرفون ب "نجوم الإعلام الجديد".
8- ضعف الثقة في النفس وعدم القدرة على تحمل المسئولية: من مظاهر صراع الهوية وهي ظاهرة يشتكي منها كثير من الآباء ويبدو أن ذلك عائد بالأساس لنمط الحياة المدنية وتهميش دور الشاب حتى يتخرج من الجامعة حيث لا يُعد إنساناً مستقلاً ذا قيمة إلا بعد سن الثالثة والعشرين وهنا يكون قد تعدى مراحل تكوين الشخصية المهمة ويصعب تعديل ذلك لفوات المرحلة العمرية المناسبة لتعلم الاعتمادية. [15]
9- عقوق الوالدين:وهو مظهر من عدم تشكل الهوية بطريقة سليمة. وصراع الأجيال مسألة يعرفها المختصون. والتهاون في ذلك نذير خطر على الشباب لأن الله عز وجل قرن رضا الوالدين برضاه. قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].
ومن خلال مشاركتي في العديد من الاستشارات الأسرية لاحظت زيادة الشكوى من عقوق الأبناء وصحيح أن أكثر هذه الحالات لم تبلغ الإيذاء الجسدي لكنها تصنف ضمن مشكلة العقوق.
10- السلوك المضاد للمجتمع:مثل إتلاف الممتلكات العامة والمرافق وهو دليل على ضعف الانتماء لمجتمعه حيث لم يتضح له التكامل في تكوين هويته بين دوره الحقيقي وعلاقته بما يتوقعه منه مجتمعه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) رواه البخاري
14-القلق العُصابي: (رغم أن القلق غالباً ما يكون عرضاً لبعض الاضطرابات النفسية إلا أنه قد يصبح هو مرضا في حدّ ذاته،وهو أشيع حالات العصاب.. ويمثل قرابة 30%-40% من الحالات العصابية وهو أشيع بين الإناث والطفولة والمراهقة وسن القعود والشيخوخة.. ومن أسبابه: مواقف الحياة الضاغطة والضغوط الحضارية والبيئة الحديثة ومطالب ومطامح ومطامح المدنية المتغيرة.. نحن نعيش عصر القلق.. )[16].
15-ومن المظاهر المرضية لصراع الهوية القلق الوجودي:وهو مركب من القلق والاكتئاب بسبب رؤية الشاب ما يعجز عن تفسيره من انحرافات في الحياة أو تضاد بين الأحداث المختلفة. ( والقلق الوجودي شكل آخر من الاضطرابات الانفعالية التي دخلت مسرح علم النفس حديثا. وهو مثل الاكتئاب من حيث أن الشخص تتملكه مشاعر بأن الحياة عبث ولا قيمة لها، ويفقد إحساسه بقيمة كل ما يفعله. وهو أيضا كغيره من أنواع العصاب الأخرى له اضطراباته الوجدانية، والفكرية والسلوكية. فمن الناحية الوجدانية، يكون الشعور الغالب هو الإحساس بالملل والفراغ ومشاعر بالاكتئاب المتقطع. ومن الناحية الفكرية تسيطر على الشخص أفكار بأن الحياة لا معنى ولا ضرورة لها. أما من الناحية السلوكية، فإن الشخص يصبح غير مكترث للقيام بأي نشاط، أو أن يمضي في حياته. ولكن أهم من هذا هو التبريرات الفلسفية التي يحيكها الشخص بمهارة مبرراً بها إحساسه ومشاعره وتقاعسه عن أداء نشاطاته المعتادة. والقلق الوجودي كالاكتئاب من حيث أن كليهما يحكمهما الإغراق في الحزن، ومشاعر الاغتراب، واللاجدوى. لكن ما يغلب في حالات القلق الوجودي هو اللاإكتراث وغياب المشاعر القوية، وفقدان الإحساس بوجود أي معنى للحياة.. )[17].
16- من مظاهر (صراع الهوية المرضي لدى الشباب الإدمان على الكحوليات، والمواد المخدرة: حيث يرجع ذلك إلى خلل الهوية الذاتية للفرد داخل منظومة الجماعة، خاصة داخل منظومة الأسرة، حيث القمع أو التدليل الزائد مما لا يعطى الفرصة إلى بناء هوية نفسية مستقرة فى المراهقة.. ) [18].
(وأسباب مُعاقرة العقاقير وإدمانها: قد يبدأ الشخص بمُعاقرة العقاقير لأسباب كثيرة، فقد يُجرّب الشخص العقاقير مثلاً لأنه يرغبُ بتغيير حالته العاطفيّة، أو كي "يشعر بالراحة". تعاطي العقاقير قد يجعل الشخصَ يشعرُ بالراحة لفترة قصيرة. وهذا هو أحد أسباب استمرار المُتعاطين بأخذ العقاقير؛ العقاقيرُ قد تمثلُ مَهرباً سهلاً من الواقع. فهي قد تُساعدُ الشخص على نسيان مشاكله الشخصية، غيرَ أنَّ الشعورَ بالراحة المُصاحبة لمعاقرة العقاقير لا يدوم. عندما ينتهي هذا التأثيرُ للعقار في نهاية الأمر، قد يترك المتعاطي في حالة أسوأ ممّا كان قبلَ مُعاقرة العقار.. )[19].
17- وكذلك من مظاهره المرضية اضطراب الهوية الجنسية[20]: وهو من الاضطرابات التى نتجت عن انقسام هوية الفرد بين شقى النوع أو الجنس، وقبول الدور الملائم لهذا النوع، خاصة داخل مجتمع الأسرة، فيفقد الابن نموذج الأب القدوة، فتختل هويته مع جنسه العضوى أو البيولوجى، فيتخذ سلوكاً لا يتفق ونوعه، وبالمثل الابنة حين يتساوى فى نظرها دور نموذج الأب مع دور نموذج الأم، بل وفى بعض الأحيان سيطرة نموذج الأم، فتختل هويتها..
18-انتشار وحل الجنس والهوس الجنسي:نلاحظ ذلك في سلوك الشباب والشابات وهذا مرتبط بصلة وثيقة بصراعات الهوية بين ما تعلمه الشباب من دينهم وبين ما يتعرضون له من مؤثرات وما لم يكن لدى الشباب رصيد من التأسيس الإيماني فإنهم عرضة للتلوث بوحل الجنس. لا سيما مع سهولة الوصول إليه وصعوبة الزواج وتأخره والعنوسة عند البعض.
19-انتشار الشباب المثليين:(يرى كثير من الباحثين، ان الانحرافات الجنسية هي نوع من حدوث خلل في عملية التعلم، والذي يتم فيه الربط بين تجربة جنسية جيدة مع فعالية منحرفة، الامر الذي من شانه ان يسبب حاجة داخلية للقيام بتجربة مماثلة... )[21] ومثل هذا السلوك المنحرف مسجل في الدراسات النفسية وانتشاره في دول العالم الأول من أهم أسباب شيوعه كظاهرة عالمية؛ وإن كان شبابنا مسلمون ويعدون من يفعل ذلك شاذاً لكن أثر العولمة ظاهر، لا سيما بعد إقرارها رسميا في الولايات المتحدة الأمريكية ولا يُجهل أثر الثقافة الأمريكية وتغلغل الإعلام الأمريكي وسطوته عالمياً؛ والمثلية لن تأتي وحدها بل ستصحب معها الظاهرتين الآتيتين:
20-الدعوة إلى ديانة العصر الجديد[22]: ديانة العصر الجديد إحدى الديانات الحديثة نسبيا وهي ديانة تلفيقية تجمع بين ديانات العالم أجمع الشرقية والغربية والأديان السماوية لكنها متأثرة بشكل كبير بالمذاهب الفلسفية والصوفية. ولهذا فإنك ستجد لديهم خليط وأمشاج من كل دين. وديانة العصر الجديد تأخذ من كل ديانة ما يعجبها ولا يحتكم أصحابها إلا إلى ذوقهم وأهوائهم وما تبلغه عقولهم-القاصرة- ويصدق عليهم قول الله عز وجل: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43]
21-ظهور الدعوة إلى الإلحاد[23]: بجميع أشكاله وألوانه ونتذكر جميعاً كيف صُدمنا لما نُشر في الإعلام عن عبدة الشيطان الذين قُبض عليهم في بعض البلاد العربية وهي إحدى إفرازات الإلحاد بمفهومه الواسع؛ إن الإلحاد ظاهرة عالمية بلا شك وحسب الدراسات الحديثة فإن نسبة الإلحاد بين سكان العالم تصل إلى السدس. إذ تفيد بعض الإحصاءات الغربية أن بين كل ستة أشخاص في العالم يوجد ملحد واحد وهذه نسبة كبيرة جدا وقد فرضت نفسها على المستوى العالمي في الوقت الراهن. ومع عدم وجود الممانعة المناسبة لتحجيم ضغوط العولمة وإغراءات الحياة المادية وتفشي الرأسمالية وزخمها الإعلامي القاهر أضف إلى ذلك أن مجتمعنا في غالبيته مكون من الشباب، فربما كان هذا سبباً كبيراً في تأثر شبابنا بالجوانب السلبية للعولمة ومن أشدّها خطر الانحلال الأخلاقي في جانب السلوك والانحلال الفكري في جانب المعتقد وفي الغالب أنهما وجهان لعملة واحدة إذ أن الإباحية تصاحب الإلحاد. لهذا فإن الوضع إن استمر على ما هو عليه فإن مجتمعنا رغم تدينه إلا أنه مرشح وبقوة لأن يصبح الإلحاد فيه ظاهرة بين الشباب.
وحين نتأمل في تلك المظاهر السابقة نجدها آخذ بعضها برقاب بعض وبعضها يجرُّ بعضاً لكن مربط الفرس فيها هي ضعف التربية الإيمانية وضعف الإعداد النفسي للشاب وقوة المؤثرات في الجانب الآخر مع فقد الثقة في النفس وضعف الدعم من قبل مؤسسات المجتمع وانشغال أكثرها عن حاجات الشباب وقوة نفوذ مفاهيم العولمة.
تكوين الهوية فطرة أم صراع نفسي أم أزمة حضارية؟
"أسباب المشكلة"
لم يكن تكوين الهوية يُعدّ مشكلة لدى الأجيال السابقة. فلماذا أصبح الآن مشكلة؟
ذلك لأن المجتمعات كانت بسيطة وصغيرة وشبه مغلقة على نفسها وكان مصدر التلقي في المجتمع واحد يخضع له جميع أفراد المجتمع ويدينون له بالطاعة وتشكل سلوك المجتمع كله بناءاً على ذلك المصدر، وكان كل فرد في المجتمع له قيمة ودور منوط به فيشعر بقيمته ويساهم بما يُوكل إليه من مهام ولم يكن هنالك فصلٌ في جوانب الحياة التي يعيشونها بين مؤسسات التربية والأسرة والاقتصاد والعبادة بكل كانت كلها موحدة وتمارس في وقت واحد ولم تتعرض تلك المجتمعات لضغوط المدنية الحديثة ولا وسائل الإعلام ولهذا لم تعرف مشكلة الصراع في تكوين الهوية فهويتهم كلهم ذات أصل واحد يشتركون فيه ولا يشذ عنه أحد ولو حدث ذلك فإن المجتمع يمارس قوانين ضبط لتعيده للتوافق مع مجتمعه، أو نفيه منه في حالات نادرة تأبى.
ومن هنا يتضح لنا عدة أمور في الإجابة وهي:
1- المجتمع كله متضامن ومتفق على هوية واحدة ومصدر التلقي لديه واحد.
2- كل فرد يشعر بقيمته وأنه يؤدي وظيفة في الحياة من خلال مشاركته في العمل والإنتاج مهما كان بسيطاً.
3-لم تتعرض تلك المجتمعات لضغوط الحضارة المدنية المعاصرة.
4- مؤسسات المجتمع كلها مجتمعة ولا يوجد فصل بين مؤسسات التربية عن الأسرة ويشتركون في النمط الاقتصادي.
أما في عصرنا الحاضر فإن مشكلة البحث عن الذات تُعدّ من أهم المشكلات التي قد يمر بها الشاب في ظل التغيرات التي تصحب مراحل نموه وتكوين نظرته للحياة مع الصراع بين ما يتعلمه من مبادئ وأخلاق وبين ما يواجهه في واقع الحياة وهذا قد يتطور لدى البعض ليصبح صراعاً يحتدم في نفسه ويبقى سنوات حتى يستطيع أن يتجاوزه خاصة إذا افتقد التنشئة الصحيحة ولم يُوفق بقدوة عملية تمثل مبادئ الإسلام ليراها واقعاً يمكن أن يعيشه.
وقد يتطور بفعل ضغط الإعلام لأزمة هوية وهي ضمن المشكلات المصنفة نفسياً التي يقوم التوجيه والإرشاد النفسي بوضع طرق لعلاجها وتجاوزها.
فما هي الأسباب التي جعلت هذه المشكلة الصغيرة التي يمر بها الشاب تتحول إلى أزمة،هنالك عدد من الأسباب من وجهة نظري يمكن أن نستخلص شيئاً منها من المظاهر السابقة مثل:
1- ضعف التربية الإيمانية وعدم معرفة كثير من النشء للتصور الإسلامي للحياة والوجود.
2- طبيعة تكوين النفس الإنسانية وعوامل الصراع مع الشيطان.
3- تأخر الأسرة عن القيام بدورها المنوط بها في تكوين شخصية أبنائها.
4- عجز المدرسة والمؤسسات التربوية في شكلها المعاصر عن إشباع حاجات النمو التي تهيئ التوازن لعناصر الشخصية.
5- عدم شعور الشباب بقيمتهم وأهميتهم في الحياة وتعطيل دورهم عن المشاركة في المسئولية حتى ينتهوا من التعليم الجامعي؛ مما يؤدي إلى شعورهم بالتهميش.
6- قوة الزخم الإعلامي وما يروجه من أنماط جديدة للحياة.
7- ضغط العولمة على المجتمعات النامية.
8- سرعة التحولات الاقتصادية.
9- ظهور ما يعرف باقتصاد المعرفة وما يتبع ذلك من أثر على سلوك الشباب وتوجهاتهم نحو مستقبلهم؛ وقد يتساءل بعضهم لماذا نتعلم ونتعب ونحن نستطيع من خلال نجومية الإعلام الجديد على أن نحقق أفضل مما نحققه في العمل الجادّ؟
10- سيطرة الشركات العالمية العابرة للقارات وممارستها الضغط على شعوب العالم.
11- عجز العالم العربي عن المنافسة وتشتته وعدم اجتماع كلمته.
12- انتشار الترف في بعض المجتمعات.
13- تدني مستوى المعيشة وزيادة الفقر في مجتمعات أخرى.
14- ارتفاع مستوى البطالة لدى الشباب بنوعيها الحقيقية والمقنعة.
15- انتشار التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الانفتاح على الآخرين وهذا التبادل الثقافي سلاح ذو حدين.
16- عجز كبار السن ومؤسسات التعليم في العالم العربي عن مواكبة التغيرات التقنية السريعة وظهور لغة جديدة لدى الشباب ومصطلحات يومية لا يستوعبها الكبار.
17- ظهور وسائل جديدة وسريعة للشهرة.
18- تحقيق بعض الشباب مصادر دخل والإثراء السريع من العمل في التقنية فتح باباً جديداً للطامحين وما قد يصاحب ذلك من إشكالات شرعية واجتماعية.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|