عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-07-2019, 09:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقدمة كتاب شرح النجم اللامع في نظم أصول ورش عن نافع



عالٍ علي والرفيع بشأنه
متعالٍ استعلى بعرشه في العلا

وبه الرجاء مُحقَّقٌ وهو الذي
يمحو ويثبت ما يشاء محولا

وإذا قضى أمرًا فأمره نافذ
وبه يُوفق من عليه توكَّلا

والله أسأل أن يبلغ طالبًا
منه استقى أو عالمًا به عللا

أعلى الجنان وطيب عيش قبله
ولباسَ تاجٍ والوقارِ منَ الحُلا

ويثبت الأجر المراد بنظمها
قصْدَ اللحاقِ بأهلهِ أعْلى العلا

والحمد لله الذي أجرى لها
سبل التمام بنظمها وتقبَّلا

ثم الصلاةُ على نبينا أحمد
والآل والصَّحْبِ الكِرامِ ومَنْ تَلا



شرح الأبيات:
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، فهذا كتاب شرح النجم اللامع في نظم أصول ورش عن نافع، كتبتُه بتوفيق الله وعونه وقوَّتِه؛ تسهيلًا لتعلُّم رواية ورش عن نافع، وإليك شرح الأبيات:
(ولقد روى) الإمام (ورش) وهو عثمان بن سعيد بن عبدالله بن عمرو بن سليمان بن إبراهيم المصري وكنيته: أبو سعيد، لقَّبه شيخُه نافع بورش؛ لشدَّة بياضه،ولد سنة عشر ومائة، وتوفي بمصر سنة سبع وتسعين ومائة، رحل إلى الإمام نافع بالمدينة، وقرأ عليه زمنًا، ثم رجع إلى مصر، وكان إمام القراءة فيها بلا منازع، كان حسن الصوت بالقرآن، واختار مما قرأه على نافع قراءة من أوجه ما تعلَّمه، فصارت رواية خاصة به، عرفت منها خلال الاستقراء (أصوله) في القراءة التي تطَّرد أحكامُها على الغالب،وقراءته ليست من صناعته أو اختراعه؛ وإنما هي اختيارات اختارها ورواها(مسندًا) في ذلك إلى شيخه الإمام نافع؛ وهو إمام المدينة ومقرئُها، كنيته: أبو رويم، ويُقال: أبو الحسن، واسمه: نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم الليثي، ولد سنة سبعين، وتُوفِّي سنة تسع وستين ومائة.


قال سعيد بن منصور: سمِعتُ مالك بن أنس يقول: قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع، قال: نعم.

وروى رجال وهم الرواة عن ورش، وأشهرهما الأصبهاني والأزرق (ما رواه) الإمام ورش (تحمُّلًا) عن نافع.

(فنظمتها) والضمير هنا يعود على أصول ورش عن نافع (من) البحر الـ (كامل) قاصدًا و(متوخيًا) (إيجازها) (وموضِّحًا) ما يتطلبه المقام من التفصيل والبيان بالمثال (ومسهِّلًا) مسائل أصول قراءة ورش بحسن التقسيم، وبساطة العبارات دون إخلال أو استطراد إن شاء الله، فليس النظم مقصودًا هنا لذاته؛ وإنما هو وسيلة حفظ وتقريب للعلم، والمقصود من الأشياء النفع لا ذاتها.

(وقد اقتفيت) أثر منظومة الإمام الشاطبي: (حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع المتواترة) فانتقيتُ منها (قوافيًا)؛ حيث احتوت جُلَّ القوافي اللامية المناسبة في نظم أصول القراءات ومسائلها؛ لاتِّفاق قافية اللام مع أكثر الاصطلاحات المتداولة في علم القراءات، ولقد وُفِّق الإمام الشاطبي في صياغة تلك القوافي توفيقًا بديعًا فريدًا، جعله مرجعًا لكل من نظم بعده، فما تجد ناظمًا نظم على غير بحر الرجز إلا وهو عالة على الشاطبي في قوافيه، وأنا ممن هو عالة عليه في ذلك، فهو أستاذٌ حيًّا وميتًا رحمه الله، وأكرم به (من) معلم، وهو الإمام (قاسم) بن فِيرُّه بن خلف بن أحمد الشاطبي الرعيني الأندلسي (وبوفقه)؛ أي: بتوافق معه (صغت) من الصياغة (المسائل) التي هي أصول الإمام ورش؛ حيث جئت بها كما هو طريق الشاطبية من طريق الأزرق (مكملًا) تلك الأصول بذكر ما خالف فيه ورش حفصًا من الكلمات المطردة؛ ليكون عونًا للطلبة على التأهُّل للدخول في علم القراءات؛ إذ التمييز بين اختلاف رواية ورش وحفص هو بوابة فهم منهج تعلُّم القراءات، وتغايُر الحرف بين القرَّاء.

(وهو الإمام الشاطبي المجتبى)؛ حيث كان إمامًا في علم القراءات في عصره، وإمامًا في الحديث؛ حيث له نظم كامل لتمهيد ابن عبدالبر، وكان إمامًا في اللغة، حُجَّةً ثقةً ثبتًا، رفيع الخلق والديانة، شديد الذكاء، وقويَّ الإدراك والحفظ، وكان بصيرًا من صغره، ومن شيوخه في القراءات أبو عبدالله محمد بن أبي العاص، تُوفِّي سنة 590 هـ، ودفن بمقبرة القاضي الفاضل بالقاهرة رحمه الله، وله بعد الله فضل ٌكبيرٌ في حفظ علم القراءات بمنظومته البديعة الجامعة للقراءات السبع؛ لذلك فهو (شيخ الأئمة والقراءة أولًا)؛ إذ نظْمُه أوَّلُ نظْمٍ جمع القراءات على منهجية فريدة، معينة على الحفظ والاستذكار؛ لذلك ذاع صيتُها، وتلقَّتْها الأُمَّةُ بقبول حسن، وحفظتها حفظًا حسنًا بسندها إلى مؤلِّفها.

(فأتت) منظومتي (النجم اللامع في نظم أصول ورش عن نافع) متواضعةً في نسقها وبلاغتها وصياغتها، وإن كانت (شبيهته)؛ أي: شبيهة الشاطبي في (القوافي)؛ أي: في (جُلها) فتُحقُّق الشبه في القوافي لا يعني بالضرورة تحقُّقه في البلاغة والنسق، فشتان ما بين الثرى والثُّريَّا!

ومع التشابُه في القافية، فقد جاءت منظومتي (بخلاف بحره)؛ أي: بحر الشاطبي (إذ أتى به أطولا)؛ أي: البحر الطويل، فهو البحر الذي جاء عليه وزن منظومة الشاطبي (فاجعله ربي) عندك (في الجنان) جنان الخلد (مكرمًا) في دار كرامتك.

(يرقى بعلِّيين) بما حفظ به كتابك تعليمًا وإقراءً وتأليفًا وإسنادًا و(طابت منزلًا) ومستقرًّا، (ومن اقتفى أثر الكرام تيمُّنًا) وسار على دربهم مُتشبِّهًا بخصالهم الصالحة الموافقة للسنة، (بلغ) ما بلغوه وحقَّق (المنى) كما حقَّقوه (وأصاب منهم) الخير الذي أصابوه، وحاز من شمائلهم (أشمُلًا) وهو جمع تكسير من الشمائل.

فما بالك بـ (مجزى البضاعة) مثلي لكنه مع ذلك (طامع) بحُسْن ظنِّه بالله وتوكُّله عليه (يرجو بها) على ما هي عليه من القلة أن تُؤهِّله، وتُمكِّنه ليُحقِّق (لحقًا) ودركًا (بركب) القرَّاء المتقنين (الصالحين) ورثة الكتاب المصطفين الأخيار و(مؤملًا) في الله عنايته وتوفيقه بلوغ ذلك بحوله وقوته، فهو الذي رفع السماء بلا عمدٍ ترونها.

(وبستر ربِّه يحتمي) من قبيح الفعال وسيِّئ الأحوال مما ظهر وخفي (وبلطفه) الذي يلطف به عباده (يمضي)، ولولا لطف الله لما كان شيئًا مذكورًا (ويرجو) منه فوق ذلك (الجاه) والمكانة والعز ومنزل الأخيار، فإن القوة والعزة لله جميعًا، وبيده الملك وحده، تباركَ وتقدَّسَ.

(أوليس كلب نال ذكرًا خالدًا) وهو كلب أصحاب الكهف؛ حيث ذكره الله في القرآن، وما غفل عنه؛ تأكيدًا منه سبحانه على أن رفقة الصالحين تُعلي شأن أهلها، فذكر حال الكلب في كهفه في تصوير بديع في القرآن عدة مرات؛ تارة بوصف حاله: ﴿ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ﴾ [الكهف: 18]، وتارة باعتباره فردًا من أهل الكهف، وجزء من جماعتهم وعددهم﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ [الكهف: 22]، وهذا لا شك ذِكْرُ تشريف وتكريم لبركة صحبة الأخيار؛ إذ نال هذا الكلب ذلك التشريف بسبب رفقته (ذوي الهدى) فتية الكهف (فتنبَّلَ) بذلك، وأصابه من النبل والشرف؛ إذ ذكره الله في التنزيل على وجه التكريم، وكفى بذلك خيرًا ورحمةً.

(فاصحب خيار الصالحين)؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، فمن كان معهم انتفع ببركة صحبتهم (فمسكهم) عبير فوَّاح وهو كناية عن سديد الأعمال والسمات التي هم عليها وهو (أبدًا) ودائمًا (شذى) لا يزول أثره، و(من مسَّه) بصحبتهم أحياء، والسير على منهجهم، ولو كانوا أمواتًا فـ (بهم) نال الرفعة التي نالوها و(اعتلى)، وفي الحديث: ((مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير))، وفي الحديث الصحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)).

(ولنافع) اللام هنا للتأكيد، هو واحد من الأئمة الأخيار الذي تنال بصحبتهم والانتفاع ببركة علمهم في القرآن بركات وخيرات ومغانم وهو (ذو الطيب)؛ حيث قيل: إن رائحة المسك كانت تفوح من فمه، فسُئل عن سبب ذلك، فقال: إنه رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في فمه القرآن، فمن يومها تشمُّ رائحة المسك من فمه، وهو (ساكن طيبة) وهي المدينة المنورة، وقد تقدمت ترجمته.

(ومورث القرآن) فهو من ورثة الكتاب الأخيار حفظًا وإتقانًا (فيه تبجلا) فكان إمام أهل المدينة في القراءات؛ حيث قرأ على سبعين من التابعين، منهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، وشيبة بن نصاح، ومسلم بن جندب، ويزيد بن رومان، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وعبدالرحمن بن هرمز الأعرج.


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]