نية الصوم
اللجنة العلمية
العلاقة بين النِّيَّة والإخلاص
حتى يكون خالصاً وصواباً:
لكل عمل صالح ركنان لا يقبل عند الله إلا بهما:
أولهما: الإخلاص وتصحيح النية.
وثانيهما: موافقة السنة ومنهاج الشرع.
وبالركن الأول تتحقق صحة الباطن، وبالثاني تتحقق صحة الظاهر، وقد جاء في الركن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فهذا هو ميزان الباطن.
وجاء في الركن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردودٌ على صاحبه، وهذا ميزانُ الظَّاهر.
وقد جمع اللهُ الرُّكنين في أكثر من آيةٍ في كتابه، فقال تعالى:
(ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى)،
(ومن أحسنُ دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن).
وإسلام الوجه لله: إخلاص القصد والعمل له ..
والإحسان فيه: أداؤه على الصورة المرضية شرعا، ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
وقد مر بنا قول الفضيل بن عياض: "إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا وصوابا، والخالص: أن يكون لله! والصواب: أن يكون على السنة .. ثم قرأ الفضيل قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحد).
ما هو الإخلاص؟
الإخلاص: عمل من أعمال القلوب، بل هو في مقدمة الأعمال القلبية، لأن قبول الأعمال لا يتم إلا به.
والمقصود بالإخلاص: إرادة وجه الله تعالى بالعمل، وتصفيته من كل شوب ذاتي أو دنيوي، فلا ينبعث للعمل إلا لله تعالى والدار الآخرة، ولا يمازج عمله ما يشوبه من الرغبات العاجلة للنفس، الظاهرة أو الخفية، من إرادة مغنم، أو شهوة، أو منصب، أو مال، أو شهرة، أو منزلة في قلوب الخلق، أو طلب مدحهم، أو الهرب من ذمهم، أو إرضاء لعامة، أو مجاملة لخاصة، أو شفاء لحقد كامن، أو استجابة لحسد خفي، أو لكبر مستكن، أو لغير ذلك من العلل والأهواء والشوائب، التي عقد متفرقاتها هو: إرادة ما سوى الله تعالى بالعمل، كائنا من كان، وكائنا ما كان.
أساس الإخلاص: تجريد النيّة:
وأساس إخلاص العمل: تجريد "النية" فيه لله تعالى.
والمراد بالنية: انبعاث إرادة الإنسان لتحقيق غرض مطلوب له.
فالغرض الباعث هو: المحرك للإرادة الإنسانية لتندفع للعمل!
والأغراض الباعثة كثيرة ومتنوعة، منها، المادي والمعنوي، ومنها: الفردي والاجتماعي، ومنها: الدنيوي والأخروي، ومنها التافه الحقير، والعظيم الخطير، منها ما يتعلق بشهوة البطن والجنس!
ومنها ما يتصل بلذة العقل والروح! منها ما هو محظور، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو واجب!
وإنما يحدد هذه البواعث: عقائد الإنسان وقيمه التي يؤمن بها، ومعارفه وأفكاره
ومفاهيمه التي كونها بالدراسة أو بالتجربة، أو بتأثير البيئة، وبالتقليد للآخرين.
والمؤمن الحق هو الذي غلب باعث الدين في قلبه باعث الهوى، وانتصرت حوافز الآخرة على حوافز الدنيا، وآثر ما عند الله تعالى على ما عند الناس، فجعل نيته وقوله وعمله لله، وجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، وهذا هو الإخلاص.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء:
"قد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان، وأنوار القرآن: أن لا وصول إلى السعادة، إلا بالعلم والعبادة، فالناس كلهم هلكى إلا العالِمون، والعالِمون كلهم هلكى إلا العامِلون! والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، فالعمل بغير نيةٍ عناء! والنية بغير إخلاصٍ رياء، وهو للنفاق كفاء، ومع العصيان سواء، والإخلاصُ من غير صدقٍ وتحقيقٍ هباءٌ، وقد قال الله تعالى في كل عمل كان بإرادة غير الله مشوباً مغموراً: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا).
الإسلام يرفض الثنائية المقيتة!
إن الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين: وجه لله، ووجه لشركائه، ولا أن تنقسم حياته إلى شطرين: شطر لله وشطر للطاغوت، الإسلام يرفض الثنائية المقيتة? والازدواجية البغيضة، التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم، فنجد الرجل مسلما في المسجد أو في شهر رمضان، ثم هو في حياته، أو في معاملاته، أو في مواقفه إنسان آخر، إنَّ الإخلاص هو الذي يوحد حياة المسلم، ويجعلها كلها لله، كما يجعله كله لله، فصلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين!
يتبع