هجمات قراصنة الغرب ضد دولة المماليك البحرية
د. يوسف بن نصرة الله محمد[·]
الدوافع الدينية:
لما كانت الدول العربية الإسلامية تحتكر تجارة التوابل بصفة خاصة والتجارة الشرقية بصفة عامة في الجزء الشرقي في الوقت الذي كانت البورجوازية الأوربية تعمل فيه لإقصاء الاحتكار العربي الإسلامي عن التجارة الشرقية، فإن الصراع المادي بين البورجوازيتين قد اصطبغ بالعامل الديني حيث قامت البورجوازية الأوربية برفع شعار القضاء على المسلمين بتجريدهم من أملاكهم في الشام ومصر وانتزاع تجارة الشرق من أيديهم. فقام الفرنج بحمل لواء حركة دينية جديدة، بهدف تعقب القوى الإسلامية وتطويقها، والقضاء على مصدر قوتها المتمثلة في تجارة الشرق والسيطرة على طوق الملاحة المؤدية إلى مصادر هذه التجارة. ولا أدل على الطابع الديني من أن ما قاله دالبوكيرك- قائد بحري وسياسي برتغالي- في خطاب ألقاه على جنده في ملقا إن إبعاد العرب عن تجارة التوابل هو الوسيلة التي نرجو بها أضعاف قوة الإسلام. ([36])
هكذا نجحت البابوية في استغلال الدين والصراع التقليدي بين الإسلام والمسيحية في ذلك الوقت، للوصول إلى غايتها وهي السيطرة على تجارة الشرق في كل مراحلها. ومن ذلك تتجلي مهارة البورجوازية في المزج بين مصلحتها الخاصة والمصلحة العامة، لأن رفع شعار احتكار التجارة وخصوصا التوابل وانتزاعها من يد العرب لا يبعث الحماس الكافي لتنفيذ مخططات البورجوازية الأوربية إلا في صدور كبار التجار وحدهم. أما رفع شعار إضعاف الإسلام فإنه يبعث الحماس في الغالبية العظمي من شعب الفرنج الذي كان على مقربة من الوجود الإسلامي في أوربا. وقد أثمر نجاح الفرنج في المزج بين مصالحها الخاصة والمصلحة العامة عن مباركة البابوية للحركات الاستعمارية المبكرة، ليس هذا فحسب، بل أنها بادرت بالتدخل لفض النزاع بين كل بريطانيا وفرنسا عندما احتدم الصراع بينهما على الطرق التجارية. وقد قدم البابا اقتراحا لمنع التعامل مع التجار المسلمين، وهو أن من يريد الحصول على منتجات الشرق فإنه يذهب بنفسه ويحضر ما يريد. وبذلك يكون بعيدا عن الحظر الذي تفرضه الدول الأوربية على دولة المماليك. ([37])
وقد كانت البابوية على إطلاع كامل بأعمال القرصنة وهجمات الفرنج على البحر المتوسط ضد السفن الإسلامية، ويصل الأمر إلى أنها تشجع حركة القرصنة ضد المسلمين لتحقيق مصالحها.
تأثير القرصنة على العلاقات الدولية:
لم يقتصر دور القرصنة ضد النشاط التجاري الإسلامي في حوض المتوسط، بل اعتمدها الغرب الأوربي وقبرص ([38]) ورودس ([39]) لبعض عمليات القرصنة ضد المسلمين على طول الشريط الساحلي، من شواطئ آسيا الصغرى شمالا إلى الشواطئ المصرية جنوبا مرورا بشواطئ الشام وفلسطين.
وقد لجأ ملك فرنسا إلى عمليات القرصنة والاعتداء على السفن والمدن الساحلية والقلاع، للكسب السريع، وعندما سمع ملك إنكلترا بنجاحات الملك الفرنسي أرسل إلى سادة الموانئ الخمسة للاعتداء على التجار وخاصة العائدين من المملكة الفرنسية فتحولوا إلى قراصنة مارسوا أعمال النهب والسلب بوحشية على سواحل فرنسا وسواحل إنكلترا ومن جاورهم، وتعرضوا للسفن التجارية الإسلامية. ([40])
وكانت أولي العلاقات الجدية بين المماليك ومملكة قبرص قامت بعيد استيلاء السلطان بيبرس على انطاكية. فقد سارع هوغ الثالث ملك قبرص إلى عقد هدنة مع بيبرس نصت على ضمان السلطان لسلامة أراضي الجزيرة مع احتفاظ عاهلها بحق نقض الهدنة في حال وصول صليبية جديدة إلى الشام. ولكن الهدنة لا تستمر إذ تنقض بسب أعمال القرصنة، وبنفس الطريقة تسوء العلاقات بين المماليك وباقي الدول الأوربية بسبب مساندتها لأعمال القرصنة في البحر المتوسط. ومعلوم أن القراصنة يغيرون على الممتلكات والأراضي والسواحل والمملوكية في كل سوريا ومصر ويستولون على السفن المحملة بالبضائع المتوجهة إلى الموانئ المملوكية بدعم من الحكومات الموالية لهم في قبرص وأرواد ([41]) ورودس والدول الأوربية. ولم تقف قبرص عند هذا الحد بل أخذت تشارك في عمليات الهجوم مع القراصنة على الشواطئ المصرية والشامية، فقد أنفذت بعض السفن الحربية للإغارة على صيدا في ذو القعدة سنة 770هــ/ يونية 1369م ودارت معركة عنيفة بين الطرفين، وما لبثت أن انسحبت السفن القبرصية. ثم عادت السفن القبرصية ومعاونيها من القراصنة في ذو الحجة سنة 770هــ/ يوليه 1369م وأغارت على السواحل المصرية في ميناء الإسكندرية ثم اتجهت نحو رشيد ([42]) فبيروت ومنها إلى قبرص. ([43])
وخلاصة القول يتبين لنا أن هجمات القراصنة كان لها دور في العلاقات الدولية وقد يصل إلى حد التأثير على الحكومات، فقد جعلت قبرص تتجرأ في القيام بحملات ضد دولة المماليك، وجعلت باقي الدول تشارك ولو بالمال في تلك الحملات، وكانت النتائج وخيمة جدا على قبرص أو رودس كما سنتعرف على ذلك لاحقا.
- القوى الأوروبية (البابوية والكنيسة) وموقفها من القرصنة:
كانت العلاقات الودية بين مصر والدولة البيزنطية طيبة، وتصل أحيانا إلى الفتور وتعود إلى الود والمحبة، وأما علاقة مصر بالقوى الأوروبية (البابوية والكنيسة) في حوض البحر المتوسط فقد اتسمت بالعلاقة التجارية وتصل أحياناً إلى العلاقة العدائية وقد اتسمت علاقة الجنوية مع السلطنة المصرية بالقرصنة في أغلب الأحيان، وعلى حين ازدادت هجمات القراصنة الجنوبية على السواحل المصرية.
إن كل تلك العلاقات مع القوى الأوروبية (البابوية والكنيسة) تتغير بحسب مصالحها، فعندما تسوء العلاقة نجد أن القوى الأوروبية تميل لحركة القرصنة وتشجع وتبارك تلك العمليات التي يقوم بها القراصنة، ويصل الأمر إلى أنها تساند القراصنة، وهذا الأمر على مر التاريخ، فمنذ قيام الدولة الإسلامية وسيطرتها على البحر المتوسط كانت البابوية والكنيسة تعملان على هذا الاتجاه. ومن أجل تغطية عمليات القرصنة نلاحظ أن الكنيسة تدعو لحملات صليبية تبشيرية عامة لاحتلال مصر والقضاء على المماليك، فيكون ذلك بمثابة القناع على عمليات القرصنة. ([44])
ويتضح لنا مما سبق أن الباعث الديني هو الدافع الرئيس للقوى الأوروبية المتمثلة في البابوية والكنيسة لمساندة عمليات القرصنة في البحر المتوسط ضد دولة المماليك، إضافة إلى بعض المصالح الشخصية والأطماع التوسعية ومحاربة الإسلام بشتى الوسائل وهذا مصداق لقوله تعالي: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة: 120]
موقف القوى الإسلامية من القرصنة:
يقول الله عز وجل: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].
من خلال استعراض الآية نلاحظ أن القوى الإسلامية وتحديدا دولة المماليك البحرية قد امتثلت لهذه الآية، فسلاطين المماليك كانوا يعدون ويجهزون القوى بكافة أنواعها سواء كانت القوة البحرية أو جيش المشاة، وقد زاد اهتمامهم بسبب هجمات القراصنة في البحر المتوسط ضد المسلمين أن أجبروا على إعداد أسطول قوي، لمواجهة تلك الهجمات، ولحماية السفن التجارية الإسلامية في حوض البحر المتوسط، وعندما ظهر الأسطول الإسلامي على البحر قلت أعمال القرصنة، وعندما ضعف الأسطول كثرة الهجمات، وهنا لابد لنا من استعراض استعدادات المماليك البحرية لمواجهة أعمال القرصنة.
كان السلطان الظاهر بيبرس 658- 676هــ/ 1260- 1277م أول من اهتم بإنشاء قوة بحرية يستعين بها في حرب أعدائه الذين يغيرون على بلاده من جهة البحر المتوسط فيروي المقريزي: (أنه نظر في أمر الشواني الحربية، واستدعي برجال الأسطول، وكان الأمراء قد استعملوهم في الحراريق وغيرها، وندبهم للسفر وأمر بمد الشواني وقطع الأخشاب لعمارتها وإقامتها على ما كانت عليه في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب، واحترز على الخراج ومنع الناس من التصرف في أعواد العمل، وتقدم بعمارة الشواني في ثغري الإسكندرية ودمياط، وصار ينزل بنفسه إلى الصناعة بمصر ويرتب ما يجب ترتيبه من عمل الشواني ومصالحها، واستدعي بشواني الثور إلى مصر فبلغت زيادة على أربعين قطعة سوى الحراريق والطرائد، فإنها كانت عدة كثيرة). ([45])
كذلك أهتم بيبرس بتحصين الثغور وحفظ السواحل وتعمير الجسور المؤدية إليها، فأمر بردم مصب النيل عند دمياط ورمي فيه صخورا عظيمة، ليحول دون مرور سفن الفرنج، كما شيد برجا للمراقبة في ثغر رشيد، وعمر أسوار الإسكندرية ونصب عليها مائة منجنيق ([46]) لدفاع عنها، وجدد بناء المنار الذي بها. ([47])
وقد اتسمت سياسة السلطان بيبرس نحو الفرنج والقراصنة بطابع العنف والقسوة. والسبب في ذلك يرجع إلى أن القراصنة يعتدون على سواحل البلاد الإسلامية والسفن التجارية، إضافة إلى ذلك تعاونهم مع أعداء دولة المماليك، فنجده يرد على من اعتدي على المسلمين في البحر مباشرة دون تردد. ([48])
أما السلطان المنصور قلاوون 678- 689هــ/ 1279- 1290م فكان موقفه ليس ببعيد عن بيبرس حيث اتسمت سياسته بطابع القسوة ضد القراصنة والحذر والحيطة فمن ذلك أنه عندما استولي على طرابلس دمرها بالأرض ونقلها إلى سفح جبل خوفا من تهديد سفن قراصنة الفرنج. ([49])
كذلك أشار المقريزي إلى اهتمام السلطان الأشرف خليل بن قلاوون 689- 693هــ/ 1290- 1293م بإنشاء أسطول قوى في عام 693هــ/ 1293م، لمواجهة عمليات القرصنة والاعتداء على السواحل الإسلامية. ([50])
وما سبق يتضح لنا أن دور القوى الإسلامية البحرية ضد القراصنة كان بارزا إلى حد ما من خلال اهتمام سلاطين المماليك بالأسطول الإسلامي، لذب هجوم القراصنة عن سفن التجار المسلمين وحماية السواحل الإسلامية، إضافة إلى أنهم كانوا يهتمون بوسائل الدفاع عن سواحلهم خصوصا بعد أن تركز خطر القراصنة في الجزر المجاورة في مياه البحر الأبيض المتوسط.
المبحث الثاني
حوادث القرصنة الأوربية في بحار المسلمين
القراصنة في سواحل الشام:
يمكن القول بأن سواحل الشام تشمل العديد من المدن فهي من الشمال إلى الجنوب: اللاذقية- جبلة- بانياس المرقب- طرطوس- طرابلس- بيروت- صيدا- صور- عكا- حيفا- عثليت- قيسارية- أرسوف- يافا- عسقلان. ([51]) وبعد أن سقطت الإمارات الصليبية في الشام أخذ الفرنج يفكرون في طرق أخرى لاستردادها والعودة ثانية إلى بلاد الشام، وكان من ضمن محاولاتهم أن قاموا بهجمات بحرية على العديد من المدن الساحلية في بلاد الشام، وقد صاحب تلك الهجمات القراصنة الذين كانوا يساندونهم في كل تحركاتهم وسنعرض بعض هجمات القراصنة فيما يلي:
في سنة 665هــ/ 1266 قدمت حملة مع بعض القراصنة من قبرص بقيادة هيو ومعه 1100 فارس وشن هجوما على طبرية وكان يقود الفرنسيين جيفري سارجنس، فلحق بهم جيش المسلمين على الساحل وقتلوا منهم عددا فاضطر هيو إلى الانسحاب. ([52]) وذكر العيني أنه في نفس السنة قام أخو ملكة بيروت بعملية قرصنة ضد تجار المسلمين الذين كانوا متوجهين إلى قبرص، حيث قام بنهبهم وسلب أموالهم وأسرهم، فطالبهم السلطان برد مال التجار، فالتزموا به وأطلقوا سراح التجار وتقرر الصلح. ([53])
وفي سنة 668هــ/ 1269م وردت الأخبار بأن حملة بحرية خرجت من الغرب في سفن كثيرة يصاحبهم مجموعة من القراصنة، فبعث الله على تلك السفن ريحا أتلفت عدة منها، ولم يسمع بعدها خبر لمن بقي. ([54])
ويذكر المقريزي أن فرنج عكا ركبوا سفنهم عندما سمعوا بتلك الحملة وأرادوا الاعتداء والسلب والنهب على مدينة جنين وصفد، ولم يعلموا بهلاك الحملة فخرج إليهم جيش المسلمين وهزموهم وأسروا عددا منهم. ([55])
وفي نفس السنة أي سنة 668هــ/ 1269م خرج جيمس الأول ملك أراغون في حملة مع بعض القراصنة لمهاجمة سواحل الشام وتحديدا مدينة عكا، ولكنه عاد لسوء الأحوال الجوية، بينما واصل السير ولداه غير الشرعيين على رأس أسطول صغير، ووصلا إلى عكا متشوقين لقتال المسلمين وللنهب والسلب، وبعد عدة أيام أغاروا على المدن المجاورة، وقد تصدى لهم الجيش الإسلامي ووضع لهم كمين، فما كان من الولدين إلا أنهما عادا إلى أراغون بدون نتيجة. ([56])
كما يذكر لنا صالح بن يحيي ([57]) أن القراصنة تعاونوا مع الفرنج في عام 698هــ/ 1299م فقاموا بحملة ثلاثين سفينة في كل سفينة 700 مقاتل يريدون بيروت، فلما قربوا من الساحل أرسل الله عليهم ريحا شديدة فغرقت بعض السفن وتكسر بعضها ورجع من سلم منهم على أسوا حال وكفي الله المسلمين شرهم، وحكي عن رئيس بيروت أنه قال: والله لي خمسون سنة ألازم هذا البحر فما رأيت مثل هذه الريح التي جرت على هذه المراكب وليست هي من الرياح المعروفة عندنا. ([58])
وقام قراصنة قبرص بغارة على الدامور الواقعة إلى الشمال من صيدا في سنة 702هــ/ 1302م حيث نزلت جماعة مسلحة من الفرنج على نهر الدامور، فاشتبك معها عسكر المسلمين في معركة انتهت بتغلب الفرنج وأسروا جماعة من المسلمين، وفك أسرهم بمبالغ مالية. وبعد أربع سنوات 706هــ/ 1306م تعرضت صيدا إلى غارة بحرية عنيفة، فأخذوها وقتلوا منها جماعة وأسروا جماعة، ونهبوا منها شيئا كثيرا، وكذلك المسلمون قتلوا من الفرنج جماعة وبعثوا برؤوسهم إلى دمشق. ([59])
ومن أعمال القرصنة على سواحل الشام أنه في سنة 705هــ/ 1305م هاجم أسطول للفرنج مدينة صيدا وهي على الساحل، وأخذوها وقتلوا من أهلها وأسروا جماعة ونهبوا منها الكثير. وكذلك المسلمون فإنهم قتلوا من الفرنج جماعة وبعثوا برؤوسهم إلى دمشق فعلقوها على القلعة، وتوجه الجيش الإسلامي مع نائب صفد شهاب الدين بن صبح إلى ذلك الأسطول ولكن بعد فوات الأوان، فاشتري الأسرى من المسلمين كل نفر بخمسمائة درهم. ([60])
ويروى الدويهي (ت 1111هــ/ 1699م) عن ابن سباط أن مراكب الفرنج قصدت صيدا في سنة 756هــ/ 1355م وهاجموا المدينة وقتلوا طائفة من أهلها وأسروا طائفة أخرى، فقاتلهم أهل صيدا قتالا شديدا وقتلوا منهم عددا كبيرا، ودمروا مركبا من مراكبهم، وعند ذلك وصلت العساكر من دمشق بعد انتهاء المعركة، وبادر المسلمون بافتداء الأسرى على أساس 500 درهم لكل أسير، وأنفقوا في ذلك مبلغ 30 ألف درهم من مال ديوان الأسري. ([61])
وفي سنة 767هــ/ 1363م قام بطرس ملك قبرص بمساندة مجموعة من القراصنة القبارصة والروادسة بغارة على طرابلس ونجح في إضرام النار على أبنيتها، وهاجم اللاذقية وأنطرطوس، وكان ذلك بمعاونة النصارى الذين يسكنون تلك المناطق، وعندما رحل بطرس انتقم المسلمون من النصارى الذين اشتركوا في تلك الجريمة. ([62])
ويروي لنا النويري أن ملك قبرص بطرس لوزنيان قاد حملة إلى طرابلس الشام في سنة 768هــ/ 1364م وقد أرسل الله ريحا أهلكت بضع عشر مركبا فغرق من فيها وتفرقت بقية المراكب فمنها سالم وعاطب. ولما كان أوائل سنة 769هــ/ 1365م أتي ثانية إلى طرابلس، وقتل المسلمون من رجاله كثيرا وعائد إلى بلده خائبا. ([63])
وفي سنة 768هــ/ 1366م جهز بطرس ملك قبرص أسطولا بمعاونة القراصنة يتألف من مائة وستة عشر سفينة للإغارة على سواحل الشام، ولكن عاصفة عاتية فصلت وحدات هذا الأسطول، فلم يصل منه إلى طرابلس سوى 15 سفينة، وأطلق رجالها يد النهب والسلب في المدينة، ثم عادوا إلى قبرص. ([64])
وعاد بطرس ثانية في أول عام 769هــ/ 1365م إلى طرابلس في مائة وثلاثين مركبا، ويبدو أنه قد عرف ضعف المسلمين، وفي المرة شارك مجموعة قراصنة البندقية والجنوية والقبارصة والروادسة والفرنسيين والهنغاريين وبلغ عددهم 16 ألف فارس وشارك ملك رودس في هذه العملية، فنزلوا إلى البلدة، فتصدي لهم جماعة من أهل طرابلس ومن كان من عسكرها، وترامي الفريقان بالسهام، ثم اشتبك المسلمون معهم في قتال شديد فتراجع المسلمون إلى داخل المدينة، فما كان من القراصنة إلا أن نهبوا الأسواق، واستمر القتال بين الطرفين نتج عنه استشهاد 40 شهيد وقتل نحو 1000 رجل من الفرنج، ثم انسحب القراصنة إلى سفنهم، وحاولوا النزول في جبلة، ولكن ريحا عاصفا فرق سفنهم في البحر وصرفهم عن جبلة، واتجهوا إلى اللاذقية ولم يستطيعوا الدخول لقوة التحصينات، فاتجهوا إلى بانياس وأحرقوا السفن الراسية بها وخربوا وأخيرا أغاروا على بلدة إياس، وعندما علموا بمقدم نائب حلب بجيشه عادوا إلى بلادهم. ([65])
وفي سنة 770هــ/ 1369م توالت غارات القراصنة على مدينة صيدا بشكل متواصل من قبرص، ففي هذه السنة أغار إبراهيم بن الخبازة القبرصي أحد قواد القبارصة البحريين في غيبة ملك قبرص بسفينتين على بلدة الصرفند الواقعة على بعد 15كم جنوبي صيدا، بنية خطف نسائها ونهبها، ولكنه لم يخرج من هذه الغارة التي قتل فيها ثلاثين من أهل الصرفند إلى بعدد قليل من الأسرى يصل إلى 13 أسيرا. ([66])
وعندما تولي بطرس الثاني الحكم في قبرص 1369- 1382م أرسل حملة في سنة 771هــ/ 1369م بمساندة القراصنة إلى سواحل الشام في أربع سفن فتوجهت إلى صيد والبترون جنوبي طرابلس ثم توجهت إلى أنطرطوس واللاذقية وقاموا بالسلب والنهب والأسر ثم عادوا إلى قبرص. وبعد شهر من هذه الغارة قاموا بعملية قرصنة ثانية وأغاروا على صيدا ونهبوا ثم رجعوا إلى بلادهم. ([67])
وقام الجنويون بمساندة القراصنة القطلان والروادسة والقبارصة بغارة في سنة 780هــ/ 1378م على سواحل طرابلس، ولكنهم ردوا عنها خائبين. ([68])
وقد خرج صاحب قبرص في جماعته عام 782هــ/ 1283م مع بعض القراصنة عازما على قصد بلاد الساحل، وركب البحر، فرمته الريح إلى جهة بيروت، فخرج منها، وقصد الإغارة على تلك الجهات، وكان السلطان لما بلغه حضوره قد تقدم أمره إلى النواب بتلك البلاد لحفظ جميع الأماكن عليه، فقتلوا وأسروا من جماعته ثمانين رجلا، وأخذوا له شيئا من مال وخيل وبغال، فركب البحر وتوجه إلى صور، ولم يلبث أن هلك وأراحنا الله منه. ([69])
هاجمت سفينة جنوية أخرى صيدا في جمادي الآخرة 784هــ/ 1382م وقام الغزاة بأعمال السلب والنهب والاعتداء ثم توجهوا إلى بيروت، وقد سمعوا بخبرها في دمشق فقال أمير الأمراء: لم نلحق صيدا لكننا نتوجه إلى بيروت، فوافق حضور العساكر الشامية بيروت وصول السفينة الجنوية، فلم يتجرأ أحد من القراصنة على النزول إلى ساحل بيروت، وتوجهوا سريعا إلى قبرص. وتعتبر هذه الحادثة آخر أعمال القرصنة والتعدي على سواحل الشام في الدولة المملوكية الأولي. ([70])
ومما سبق يتضح لنا أن أعمال القراصنة شملت الاعتداء على النفس والمال والأملاك والسفن، ونلاحظ أيضا أن أساليب القرصنة قد تطورت إلى حد كبير، فقد كانت في الماضي تقتصر على السفن في البحر فقط، أما الآن فقد تجرأ القراصنة بوصولهم إلى الساحل والنزول إلى الأرض والقيام بأعمال السلب والنهب والأسر ثم الهروب. ونلاحظ أيضا أن القراصنة إذا أسروا أحد من الساحل فسرعان ما يطلبون الفدية قبل ذهابهم من الساحل كما مر بنا سابقا أن المسلمين دفعوا 500 دينار عن كل أسير. كما نرصد مدى ضعف جيش المسلمين من خلال هذه الهجمات، وكيف وصل بهؤلاء القراصنة والمعتدين أن يتنقلوا في سواحل المسلمين دون حسيب أو رقيب، مما يدل على ضعف الأسطول الإسلامي أواخر دولة المماليك الأولى.
القراصنة في سواحل مصر:
تعد مصر من أهم المواقع الاستراتيجية التي يأمل الفرنج الاستيلاء عليها فهي رأس الأفعى كما يصفها بعض الفرنج. أما المدن الساحلية لمصر فأهمها من الشرق إلى الغرب كالتالي: العريش- بورسعيد- دمياط- رشيد- الإسكندرية. ([71])
وقد حاول القراصنة وكثير من الغزاة أن يحققوا آمالهم بالاستيلاء على مصر أو بعض مدنها ولكنهم فشلوا، وسنتعرف على بعض الهجمات التي وجهت إلى سواحل مصر:
قام القراصنة بعملية في شهر شوال 668هــ/ 1296م فقد هاجموا ساحل الإسكندرية وأسروا مركبين فخرج السلطان سريعا من دمشق ولكن دون جدوى. ثم ورد الخبر بأن اثنا عشر مركبا للقراصنة هاجموا الإسكندرية في نفس السنة وسلبوا ونهبوا وأسروا مركبا تجاريا وقتلوا من فيه. ثم استفاضت الأخبار بقصد الفرنج بلاد الشام في حملة مكونة من الفرنسيين والإنكليز ومجموعة من القراصنة، وجهز السلطان العساكر لقتالهم، وهو مهتم بمدينة الإسكندرية، وقد حصنها، وعمل جسور إليها إن دهمها العدو، وورد الخبر بأنهم توجهوا إلى تونس. ([72])
وهاجم القراصنة ثغر الإسكندرية سنة 765هــ/ 1363م وأخذت تعبث في الثغر فخطفت ما قدرت عليه بين المينائيين الشرقي والغربي، ثم اشتبكت مع سفينة تركية قادمة إلى الإسكندرية وعليها بعض التجار المسلمين حتى اضطر الرماة المسلمون إلى الخروج في قوارب وابعدوا السفينة إلى خليج السلسة حيث أرست بالقرب من الباب الأخضر. فغادرت سفينة القراصنة ميناء الإسكندرية وقابلت سفينة قادمة من الشام أمام أبي قير فوثب رجالها عليها وسلبوا ونهبوا وألقوا برجالها في خليج أبي قير ومضوا بها. ([73])
واعتدي القراصنة على الجزيرة المقابلة لرشيد في عام 765هــ/ 1363م وذلك أنهم رسوا بمركبهم على الساحل واتجهوا إلى السكان وأسروا خمسة وعشرين رجلا، وحدثت معركة بين قراصنة السفينة وأهالي الجزيرة انتهت بفرار المعتدين. ([74])
وفي نفس السنة 765هـــ/ 1363م هاجم القراصنة أبي قير بثلاث سفن واعتدوا على السكان وأسروا أكثر من ست وسبعين من السكان ما بين رجال ونساء وصبيان، وأخذوا غنائم كثيرة ومضوا بهم إلى مدينة صيدا حيث افتداهم المسلمون وأعادوهم إلى أبي قير. ([75])
وهاجم قراصنة البندقية ميناء أبي قير ليلا في أواخر سنة 765هــ/ 1363م بستة سفن ضلوا الميناء، فبدلا من الإرساء بأبي قير أرسوا برشيد، ونزل جماعة منهم إلى الساحل، ففطن إليهم المسلمون، فهرب القراصنة إلى سفنهم، فسبقهم بعض المسلمين وأخذوا يرمونهم بالسهام، فترامي الفرنج في البحر ليعوموا إلى سفنهم فغرقوا، وكان عددهم قرابة ثمانين رجلا، فقذف البحر بجثثهم، فأحرقها أهل رشيد، فلما بلغ البنادقة ما فعله أهل رشيد بأصحابهم ساعدوا ملك قبرص على غزو الإسكندرية. ([76])
وفي سنة 767هــ/ 1365م تعرضت الإسكندرية لحملة بقيادة بطرس الأول لوزنيان ملك قبرص، وقد اختار هذه المدينة لتكون هدفا لعدوانه، نظرا لأهميتها كثغر تجاري عالمي تنتهي عنده طرق التجارة الشرقية لتبدأ منه الطرق التجارية المتجهة إلى الغرب، إضافة إلى ذلك أن الضرائب التي تجبي على مرور البضائع خلالها تمد السلطان بمورد مالي ضخم يساعده في محاربة الصليبيين. فسقوط الإسكندرية في أيدي الفرنج سوف يمدهم بمركز اقتصادي كبير فضلا عن مركزها الاستراتيجي الذي يمكن استخدامه كنقطة ارتكاز لغرض حصار بحري على مصر ونجاح مبدأ التحريم التجاري المنشود. ([77])
وقد جمع الملك بطرس عددا من السفن بمشاركة مجموعة من الدول فكان من البنادقة أربعة وعشرين سفينة، ومن الجنوية سفينتين، ومن رودس عشرة سفن، ومن فرنسا خمسة سفن، والبقية من قبرص، إذا بلغ عدد السفن جميعها أكثر من سبعين سفينة، وقد تهيأت كل الظروف له وكان قبل ذلك جمع معلومات كاملة عن أحوال الإسكندرية فاختار الوقت المناسب عند انشغال العسكر كما ذكر ذلك النويري. ([78])
اتجهت السفن الصليبية إلى الميناء الغربي لمدينة الإسكندرية، فظنها الأهالي أول الأمر سفنا للبنادقة جاءت للتجارة على عادتها كل سنة ففرحوا وخرجوا لاستقبالها، وعندما اتضح الأمر أغلق المسلمون أبواب المدينة وركبوا الأسوار بآلة الحرب وباتوا يتحارسون، وخرجوا بكرة يوم الخميس للقاء العدو، فلم يتحرك الفرنج طول يومهم وليلة الجمعة، فتقدم بكرة يوم الجمعة جماعة إلى الساحل لمواجهة العدو، وكان قد نزل من الفرنج جماعة من الليل بخيولهم وكمنوا في الترب التي بظاهر المدينة، فلما تكاثر جمع المسلمين وأهل الثغر، برز لهم غراب -سفينة- إلى بحر السلسلة حتى قارب السور، فقاتله المسلمون قتالا شديدا، قتل فيه عدد من الفرنج، واستشهد جماعة من المسلمين، واجتمع كثير من المسلمين على السفينة، فعند ذلك ضرب الفرنج نفيرهم، فخرج الكمين وحملوا على المسلمين حملة منكرة، وانهزم المسلمون ولحق بهم الفرنج بالسيوف، فاستشهد خلق كثير من المسلمين، ثم دخل ملك قبرص وشق المدينة، واستلم الفرنج الناس بالسيف ونهبوا ما وجدوه من صامت وناطق، وأسروا خلائق كثيرة، وأحرقوا عدة أماكن، وهلك في الزحام بباب رشيد مالا يقع عليه حصر، وانضم النصارى إليهم ودلوهم على دور الأغنياء فأخذوا ما فيها، واستمروا يقتلون ويأسرون وينهبون ويحرقون إلى بكرة نهار الأحد، ثم خرجوا بالأسري والغنائم ثم أقلعوا ومعهم خمسة آلاف أسير. وتلك هي أعمال القراصنة وليست أعمال الملوك وإنما هي أعمال اللصوص، فقد مارس الملك بطرس ومن معه كل أساليب القرصنة من قتل ونهب وسلب. ([79])
وفي السنة التالية أي سنة 769هــ/ 1366م هاجم القراصنة الإسكندرية ثانية فقد جاءت عدة مراكب في هيئة مراكب تحمل البضائع، فدخل منها إلى المدينة نحو مائة وخمسين رجلا، فعوقهم الأمير حتى يتبين أمرهم، فسارت المراكب مقلعة وعادت من حيث أتت، وقبض على أولئك الرجال وأرسلوا إلى السلطان. ([80])
وتكررت الحادثة في عام 770هــ/ 1369م حيث أغار قراصنة قبرص على الإسكندرية، فرد عليهم الجيش بالمنجنيق، ثم توجهوا إلى رشيد، وحاولوا النزول، ولكن الرياح منعتهم فاتجهوا إلى سواحل الشام. ([81])
وخلاصة القول أن عمليات القرصنة في بلاد مصر تكررت وأصبحت هدفا سهلا للقراصنة والفرنج على حد سواء، فقد لاحظ القراصنة ضعف وسائل الدفاع البحري عند شواطئ الإسكندرية وأبي قير ورشيد، لذا كثرت الهجمات على تلك السواحل، وكثرت مطامع القراصنة والفرنج في الحصول على الأسرى ليحصلوا على الفدية، وقد يكون هناك سبب ثالث وهو الضغط على السلطان لتلبية شروطهم، ولا ننسي أن هناك سبب مباشر ألا وهو محاولة القضاء على الإسلام والمسلمين وإضعاف قوتهم أملا في إعادة بناء المستوطنات الصليبية في بلاد المسلمين.
القراصنة في أواسط البحر المتوسط:
البحر المتوسط هو البحر الذي يطل على غرب بلاد الشام، وشمال مصر وتونس والجزائر والمغرب، وغرب جنوب شرق الأندلس، وجنوب أسيا الصغرى وبيزنطة وإيطاليا. وفي البحر المتوسط عدد من الجزر أهمها: رودس- قبرص- صقلية، وهناك قلعة في جزيرة رودس اسمها قلعة روسو تتميز بأنها عالية جدا، ويمكن رؤية كل سفينة تبحر إلى أي جهة من جهات البحر لمسافة 50 ميلا. وترسل الإشارات باستخدام الدخان نهارا، واللهب ليلا ويخبرون قواتهم المنتشرة في أماكن متفرقة في البحر بعدد السفن. ([82])
ومن أهم الأحداث التي وقعت في البحر المتوسط أن الملك هيو الثالث لوزجنان ملك قبرص أنه قبض على رسل السلطان بيبرس سنة 669هـــ/ 1270م وهم على سفينة في البحر المتوسط متوجهين إلى سلطان سلاجقة الروم بآسيا الصغرى رغم الأمان المعطي لهم. ([83])
إن النجاحات التي حققتها الدولة المملوكية في مصر ضد الفرنج، والتي انتهت بطرد آخر المستعمرات الصليبية في الشام بإسقاط عكا عام 690هــ/ 1291م كان سببا قويا جعل البابا نيقولا الرابع يصدر مرسوما حرم فيه على العالم المسيحي التجارة مع مصر مع توقيع قرار الحرمان الكنسي على كل من يخالف هذا القرار فضلا عن مصادرة جميع أمواله وممتلكاته، والمعلوم أن القرار كان موجها بالأساس ضد التجار الأوربيين المتعاملين مع الدولة المملوكية والذين أمدوها ببعض المواد الحربية الأساسية مثل الحديد والأخشاب والقار والكبريت. ويبدو أن هذه القرارات لم تردع التجار وتحملهم على إيقاف تعاملهم مع مصر، الأمر الذي ألجأ البابا إلى اتخاذ أسلوب أكثر حزما فأمر بتجهيز عشر سفن حربية تجول في البحر المتوسط وآسيا الصغرى ومصر، وهي التي صارت تعرف باسم فرسان القديس يوحنا وقد ازداد عددها حتى وصلت إلى خمس وثلاثون سفينة في نهاية فترة الحظر، وقد قامت هذه السفن بمهمة إرهاب السفن المسيحية التي تخرق الحظر التجاري على مصر، وكذلك مهاجمة السفن المسلمة التي تجوب البحر المتوسط وسرقة ونهب محتوياتها، وقد اتسع نشاط هذه السفن مع نهايات الحروب الصليبية وتكررت اعتداءاتها على الموانئ المصرية وبخاصة مينائي الإسكندرية ودمياط، وكانت تقوم بالسطو على السفن الراسية فيهما واقتيادها في بعض الأحيان إلى قبرص مقر قوات فرسان القديس يوحنا. ([84])
ولم يذكر لنا المقريزي إلا حادثتين في فترة الحضر التجاري على البحر الأبيض المتوسط في مدة الحضر العشرين سنة، ما بين سنتي 723- 743هــ/ 1323- 1344م، أولها في سنة 727هــ/ 1327م، حيث قدم إلى ميناء بيروت تجار الفرنج بمائة وأربعين من أساري المسلمين، وعرضهم على الأمير، وادعي أنه اشتراهم من الجزائر، ففداهم الأمير، ودفع عن كل أسير مائة وعشرين درهما، وكساهم وزودهم وحملهم إلى مصر. ويبدو أن هؤلاء من ركاب السفينة التي كانت تسير في البحر المتوسط، فقبض عليهم القراصنة وباعوهم، ووجد تجار الفرنج فوائد مالية في البحث عن أسرى القراصنة. ([85])
وثانيها أنه في سنة 735هــ/ 1335م قدم مركب للقراصنة الفرنج إلى سواحل طرابلس، فركب العسكر إلى الميناء، فدفعت الريح المركب عن الميناء، ثم أخذ الأمير مركبا وركبه مع عسكره، وقاتلوا الفرنج، وقتلوا منهم جماعة وغنموا مركبهم بما فيها. ([86])
ولم يرض كثير من تجار الغرب بالحظر الاقتصادي على مصر، لأن ذلك سيعود عليهم بالضرر البالغ في تعاملاتهم التجارية. ويبين لنا المقريزي هذا الأمر فيذكر أن رسل البنادقة من الفرنج قدمت ومعها الهدايا للسلطان، وسألوا الرفق لهم، والمنع من ظلمهم، وألا يؤخذ ما جرت به عادتهم، وأن يمكنوا من بيع بضاعتهم على من يختارونه. ([87])
وخلاصة القول أن كل محاولات الفرنج السابقة، من إصدار قرارات، والتحكم في البحر المتوسط، كان الداعي له هو محاولة السيطرة على طرق الملاحة العالمية ومحطاتها بكلفة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لأن الصليبيين قد تم طردهم من بلاد الشام. ([88])
المبحث الثالث
يتبع