عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-04-2019, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مجتمعنا بين الثقافة والتعليم

مجتمعنا بين الثقافة والتعليم


أ.د.. سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود

فكثرتها وطبيعتها، وأسلوبها تعمل لهدف واحد، هو اجتيازها بأية صورة وعلى أي كيفية.
و) عدم أهلية كثير من المعلمين والمعلمات، مما يجعل دورهم مقصوراً على عملية نقل المعلومة بحرفية من الكتاب المقرر إلى الطالب، دون أن يكون لهم دور يعين على الثقافة؛ وما ذلك إلا لأن أمثال هؤلاء انخرطوا في سلك التعليم حين لم يجدوا لهم طريقاً آخر.
قال شوقي:
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة
جاءت على يده البصائر حولاً
وهكذا فقد التعليم بمراحله جميعها دوره الثقافي، حين حصر اهتمام الطالب في الحصول على الشهادة التي هي آخر المطاف للتحصيل العلمي، والثقافي، والفكري بالنسبة للكثيرين، دون أن يكون لمثل تلك الشهادات المضمون الذي نرتجيه ونأمل في نتائجه، فأصبح العلم كما يقول "مالك بن نبي": "مسخاً وعملة زائفةً غير قابلة للصرف، وهذا النوع من الجهل أدهى وأمر من الجهل المطلق؛ لأنه جهل حجرته الحروف الأبجدية، وجاهل هذا النوع لا يقوم الأشياء بمعانيها، ولا يفهم الكلمات بمراميها. وإنما بحسب حروفها، فهي تتساوى إذا ما تساوت حروفها، وكلمة(لا) تساوي عنده كلمة(نعم) لو احتمل أن حروف الكلمتين متساوية".
للإعلام بمختلف وسائله: المسموعة، والمرئية، والمقروءة، دوره البارز في توجيه الأفراد فكرياً، وحضارياً، وأخلاقياً، من خلال نقل الثقافات، والتقريب بين الحضارات، بل لنقل إن عصرنا الحاضر يتميز بانفجار معرفي، زادت معه وسائل الاتصال العلمي، والثقافي، وكثرت وتنوعت بصورة مذهلة أدت إلى أن انتزع الإعلام من البيت والمدرسة دورهما في تربية الفرد وتثقيفه! فهي تملك من الوسائل والمشوقات ما لا يملكه البيت أو المدرسة.
ومع ذلك فإن الإعلام عجز عن أن يقوم بدوره المأمول في تنمية الثقافة، وتوسعة المدارك، واستشراف آفاق المعرفة!
بل إنه أحدث التمزق النفسي، والتناقض العقلي، وتضارب القيم بين ما يراه الفرد في بيته، ويلقن له في مدرسته، وما يقدمه له الإعلام.
ومن ثم فهو إعلام عبثي صغير، والسبب في ذلك: إفلاسه بصورة عامة من الفكر الموجه، والهدف المحدد، والارتباط الواقعي بحياة الأفراد، وتلمس مشكلات المجتمع، والعمل على حلها.
فالأفكار المطروحة لا تناسب البيئة، والمشكلات المناقشة لا تمت إلى الواقع بصلة؛ فهو إعلام مسطح يدغدغ الغرائز والاهتمامات الصغيرة.
وفوق هذا وذلك، نجد فكراً ضحلاً، وثقافة غثة، وعرضاً مملاً، وتركيزاً على توافه الأمور.
وبالتالي فبدل أن يكون للإعلام دوره الفعال في بناء الثقافة ونشرها بين مختلف شرائح المجتمع، والعمل الجاد على فع مستوى التفكير والتوجيه، أصبح في كثير مما يقدمه أداة تدميرية للقيم والمبادئ والأخلاق والأفكار.
وهكذا نجد أن كلاً من البيت والمدرسة والإعلام قد قام بدور مختلف في إضعاف الثقافة وتضييق دائرة المثقفين، والمساهمة الفعالة في إيجاد أزمة ثقافية تربوية حادة.
وأنا هنا لا أريد أن أبث الروح التشاؤمية، ولكن معرفة المشكلة، وتحديد أسبابها أنجع وسيلة للوصول إلى العلاج المناسب، والحل الصحيح.
يكون الحل بإعادة صياغة العقل، وتشكيل الشخصية من خلال إعادة بناء البيت والمدرسة والإعلام من جديد وفق المنهاج الإسلامي الصحيح الذي تربي عليه سلفنا الصالح فبنوا حضارة رائعة استقت منها الأمم قروناً طويلة.
وهذا يستلزم وجود نوع من التكامل والتعاون بين البيت والتعليم والإعلام في عملية التوجيه الثقافي.
1) أن يعود البيت للقيام بدوره الأساسي ومسؤوليته الأولى في عملية الإرشاد العقدي، والتوجيه الفكري والثقافي، والتربية الأخلاقية وفق القيم والمبادئ الإسلامية التي لم تترك خيراً إلا دعت إليه، ولم تترك شراً إلا حذرت منه، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذا المجال كثيرة متنوعة شملت جوانب الإنسان الروحية والعقلية، والأخلاقية، والمادية.
2) مراعاة نظام التعليم ووسائله، ومناهجه، وإعادة صياغته من جديد، وبالصورة التي تحقق الوصول إلى إيجاد الفرد المسلم الواعي المفكر، والمبدع، المنتج الذي يعمل على بناء حضارة مجتمعه وفق أصول راسخة ومبادئ قويمة في إطار علمي ثقافي بناء من خلال تهيئة الجو العلمي الصحيح الذي يربط فيه التعليم بهدف ثقافي يفعل مناهجه ووسائله، ويفعل طلابه، فيشحذ هممهم لخدمة الهدف الأسمى.
وهكذا تتمركز جميع المعطيات في خطة عمل لتحقيق أهداف ثقافية، وهذا بدوره يوجد ظروفاً موضوعية تخدم العملية الثقافية للمجتمع من خلال تكامل عناصره من حيث:
أ) النظام الدراسي المناسب، الذي يعود الطالب على استخدام ملكاته العقلية، وتنمية حصيلته الثقافية، ولا يحصره في كتاب مقرر، أو مذكرة ملزمة، وإنما يربي فيه الإحساس بالمسؤولية والاعتماد على الذات، ويذكي فيه روح البحث العلمي الجاد القائم على أسس سليمة، وحب المعرفة، ولذة المطالعة، وحب العلم لذاته لا للشهادة.
- والمنهج المفيد، الذي يغذي العقل ، ويشبع الروح، ويرتبط بواقع الحياة اليومية المعاصرة بالأسلوب المناسب، واللغة الواضحة التي تخاطب كل مرحلة دراسية بما يلائم أعمار طلبتها وعقولهم، مع الاهتمام بالجوانب العملية والتجريبية في توصيل المعلومة وترسيخها في الأذهان.
ب) استخدام الوسائل التعليمية الحديثة من بصرية، وسمعية، وبصرية سمعية، تشد انتباه الطالب، وتثير حماسه، وتعينه على سهولة الفهم، وتذكر المعلومات وتقبل المادة الدراسية والإقبال عليها والمشاركة الإيجابية فيها.
فتتنوع خبرة الطالب، ويتعلم التأمل والتفكير الذي يساعد على النمو، فتعدد الاتجاهات مما يثري الخبرة، ويرسخ المعلومة، وينمي القدرة على دقة الملاحظة واتباع التفكير العلمي للوصول إلى حل المشكلات.
ج) المعلم المؤهل الصالح القادر على "تحويل المنهج الصالح، والكتاب الملائم إلى واقع ملموس، يتمثل في بشر يفهمون ويهضمون، ويتذوقون، ويعملون وفقاً لما تعلموه. وذلك بما لديهم من كفاية ومقدرة فنية، وما يحملون في صدورهم من ضمائر مؤمنة، فهم في الحقيقة معلمون ومربون ودعاة في الوقت ذاته".
فالتعليم يفتقد المعلم الجيد الذي يحب مهنته، ويتقي الله في الأجيال التي يعلمها.
وكل الحلول التي ذكرناها قد نص عليها في السياسة العامة للتربية والتعليم في المملكة العربية السعودية لكن حدث الخلل في التطبيق.
3) أن يعي الإعلام دوره التربوي الفعال المؤثر في حياة المجتمعات فيهتم بإعادة صياغة وسائله في إطار إسلامي صحيح واضح المنهاج، محدد الأهداف، مدروس الخطوات يعمل على تحديد الاتجاهات السليمة، والعادات المرغوبة، والتدريب العقلي، والمعرفة المتنامية، والتخطيط المرتبط بفلسفة التربية والثقافة، ولا يمنع التخطيط مراعاة تحقيق أهداف الإعلام في الترفيه عن الناس، وتثقيفهم بجعل الترفيه هدفاً يحلم مضموناً للسامع والمشاهد والقارئ.
وذلك بتسخير وسائله كلها لمعرفة أهداف الإسلام في إيجاد الفرد المسلم القوي بإيمانه، المعتز بشخصيته، الراسخ بثقافته.
ولأجل بناء البيت المثالي، والتعليم القويم، والإعلام الموجه، فلا بد من معرفة أصول المنهاج الإسلامي، وأهدافه في التربية، التي لم تترك جانباً في الإنسان إلا واهتمت به، ورسمت له الطريق الذي يحقق وجوده كمسلم استخلفه الله، واستعمره في الأرض.
لكني هنا، ولضيق المقام سأقتصر على جانب واحد منها وهو ما يتعلق بموضوع محاضرتنا.
عملية التغيير تبدأ من عالم الأفكار؛ لأن جميع الأنشطة الحيوية للفرد والجماعة تنبثق من أفكارهم وثقافتهم ووعيهم. فغير الفكر تغير الواقع.
من هنا نفهم السر في منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغير التغيير، فقد بدأ بالعقيدة فقط، فهي عالم الأفكار، ولم يبدأ بالسياسة، ولا الاقتصاد، ولا الأخلاق، ولا العسكر.... وهكذا.
فهو عندما أعاد ترتيب العقل العربي وصيره عقلاً مسلماً بدأت عملية الحضارة الإسلامية بالدوران، واصطبغت الحياة الإسلامية بكل مظاهرها بالثقافة والإسلامية؛ لذلك اعتنى الإسلام بالمنهاج التربوي للعقل الإسلامي.
وما ذلك إلا لأن الإسلام قد اهتم بالعقل نفسه، وكرمه حين جعله مناط التكليف في الأمور العملية.
والمقصود هنا بالتربية العقلية: هو تكوين فكر الفرد المسلم بكل ماهو نافع من العلوم الشرعية، والثقافية، والعلمية، والحضارة العصرية، حتى يكون على مستوى عال من النضج الفكري،والتكون العلمي والثقافي الذي يحقق من خلاله دوره الفعال في إعمار الأرض تحقيقاً لقوله تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُ مْ فِيهَا}.[هود:61].
ومسؤولية التربية العقلية لا تقل أهمية عن التربية الإيمانية، والخلقية، والجسمية، فالتربية الإيمانية تأسيس، والتربية الجسمية إعداد وتكوين، والتربية الخلقية تخليق وتعويد، أما التربية العقلية فإنها توعية وتثقيف وتعليم.
وتبدأ علمية التربية العقلية بخطوة أولى هي:
وقد اهتم الإسلام بهذا الأمر وحيث على تعهد العقل بالعلم واستخدامه في الكشف عن آلاء الله في الكون، وهو أمر مطلوب من المسلمين بصورة لا جدال فيها؛ لأنه يقودهم إلى الإيمان الحقيقي، الإيمان الصادق.
قال تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[المجادلة:11].
وقال عز من قائل في تفضيله المتعلم على الجاهل: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الألباب}.[الزمر:9].
وقال صلى الله عليه وسلم:
"من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب. إن العلماء ورثة الأنبياء. إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" (رواه ابن ماجه).
والعلم المقصود بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية لا يقتصر معناه على طلب الحصول على الشهادات، والإجازات العلمية، لكنه العلم الإيماني الذي يحقق لصاحبه الثقافة بكل أبعادها من فهم، واستيعاب، ومعرفة، وأحكام متزنة، وذهن متفتح، وإدراك ناضج صحيح، ونضج عقلي يظهر التميز والعبقرية في قدرته على الموازنة بين دينه ومعتقده وظروف مجتمعه من جهة، ومتطلبات عصره من جهة أخرى، دون إفراط أو تفريط.
والتعلم المطلوب شرعاً لا يقتصر على طلب العلوم الشرعية فقط ـ التي يعد طلبها والعلم بها فريضة على كل مسلم ومسلمة فيما يحتاجه من شؤون دنياه وأخراه ـ، لكن المقصود هو أن يسعى المسلم إلى التزود من العلوم الحديثة جميعها، كلٌّ في مجال تخصصه، وجعل هذا التخصص في خدمة العقيدة الإسلامية، والدعوة إلى الله.
ذلك أن التخصص في المجالات النادرة حين يتحصن صاحبه بالدين القويم هو المطلب الضروري لهذه الأمة في هذا العصر. وطلب العلم له شروطه التي لا مجال لذكرها هنا.
ومن ثم فقد كان اهتمام الإسلام بالعقل وحثه على طلب العلم هو وسيلة لتعويد العقل وتربيته أصولَ التفكير السليم، وقد رسم القرآن الكريم لعقل طالب العلم خطوات الوصول إلى الأسلوب الصحيح في التفكير والاستفادة من العلم:
أ) التوجيه إلى معرفة الله من خلال الأدلة الفطرية والعقلية، والنظر في ملكوت السموات والأرض؛ لأن الإنسان كلما ازداد معرفة بأسرار الكون ازداد معرفة بالله.
قال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر:28].
ب) التوجيه إلى إدراك الحكمة من خلق المخلوقات؛ ليعرف الإنسان مكانته عند الله، ومن ثم يذكره فيشكره.
قال تعالى {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ* وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ* هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ* وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُو اْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ* أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ* وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}[النحل:5-18].
وغيرها من الآيات التي تناولت هذا الموضوع؛ وما ذلك إلا لأن الله سبحانه وتعالى قد فضل الإنسان وكرمه على غيره من المخلوقات.
قال عز من قائل: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُم ْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[الإسراء:70].
جـ) توجيه العقل إلى الربط بين الأسباب والمسببات، والمقدمات والنتائج والعلة والمعلول.
د) تعويد العقل على الموازنة بين الأمور فلا ينجح باتجاه معين إلا إذا كان عنده من الدلائل والقرائن ما يبين له الاتجاه الصحيح.
هـ) تربية العقل على النظرة الشمولية تجاه الحضارات، ورفض التجزئة، وإقامة الحواجز بين مساحات التجربة الإنسانية.
قال تعالى: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }[آل عمران:138،137].
و) تعويد العقل العمل الجاد، والبحث المستقصي، والإبداع الخلاق؛ لتحقيق دور الإنسان في استخلافه في الأرض، وأعمارها بالوسائل المعنوية والمادية جميعها، اتباعاً لمنهاج الله، وتطبيقاً لشرعه. والتوفيق بين مسلمات الدين، ومستلزمات الحياة.
ز) تربية العقل على التفكير الحر الذي يعد أعظم نعم الله التي تفضل بها على خلقه، فالفكر هو بوابة العقل التي يستقبل منها المعرفة التي عليها تقوم الحضارات، ضمن ضوابط الوحي الإلهي، الذي رسم الحدود التي يلزم التفكير الوقوف عندها وإلا تردى في هاوية الضلال، وتحول إلى قوة مدمرة فتاكة.
بحيث يعود الطفل منذ صغره القراءة، والاطلاع، وتوفر له مكتبة خاصة به تحوي الكتب النافعة، بدءاً بالقرآن الكريم، وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسير الأبطال، وحكايات الأبرار، وأخبار الصالحين؛ بما يناسب سنه وقدراته العقلية والاستيعابية.
ويُتدرج في ذلك مع نموه، بحيث تضاف إليها الكتب الفكرية بما تحتويه من أمور عقدية، وأخلاقية، واقتصادية، وسياسية، وكل ما يمكّنه من الحصول على تصور واضح سليم عن دينه ومجتمعه وأمته وعصره الذي يعيش فيه.
ولا يمنع هذا أن يطلع على الصحف والمجلات ولكن تحت رقابة الوالدين حتى يستطيع أن يميز بين ما هو خير فيعلمه ثم يعمل به، وما هو شر فيعلمه ثم يبتعد عنه.
3) الاستعانة بوسائل الإعلام المتاحة (التلفاز، الإذاعة، الأشرطة، والحاسب الآلي)، وغيرها مما يمكن الاستفادة منه في تثقيف الأولاد وتوسيع دائرة اهتمامهم، وشد انتباههم، وتحريك مشاعرهم، حين يعرض عليهم ما يبين لهم قدرة ربهم، وتعاليم دينهم، وأوامر رسولهم صلى الله عليه وسلم، وواقع أمتهم، بصورة عملية ترسخ في الأذهان ما قرؤوه أو سمعوه. وهي من أهم الوسائل الحديثة.

من الأمور المهمة في إيجاد أجيال واعية مثقفة لها عقل تفكر به، وفكر تتعلم به، وعلم تنتفع به وتعمل به طاعة لله، واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. هو تربيتها على تحمل مسؤولية ذلك كله.
فالعقل مسؤولية، والفكر مسؤولية، والعلم مسؤولية، والعمل مسؤولية؛ لأنه مصداق ذلك كله ونتيجته النهائية.
والتقصير في تحمل مسؤولية ذلك تقصير في حمل الأمانة التي حملها الله الإنسان بمحض اختياره.
قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً}[الأحزاب:72].
وحين يستشعر الفرد عظمة المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه ربه ودينه وأمته؛ فإنه سيسعى حينئذ إلى الجد في طلب العلم، والصدق في العمل به، واستزادة النهل من منابع الثقافة بكل ما يناسب هدفه الذي رسمه له خالقه عز وجل، وحدده هدي نبيه صلى الله عليه وسلم؛ من أجل إعمار هذا الكون تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" بكل مقوماتها وخصائصها التي صنعت خير أمة أخرجت للناس، وتكاملت فيها جوانب العقل، والروح، والنفس، والجسد، والمادة؛ فتفاعلت مع حاضرها وبنت مستقبلها على أرسخ قاعدة.
وهكذا ننتهي إلى أن تحقيق الشخصية المسلمة الواعية المثقفة المتكاملة يستلزم تربيتها وتنشئتها وفق المنهاج الإسلامي الصحيح الذي يتعاون كل من البيت والمدرسة، والجامعة، والإعلام، بكل وسائلها ومقوماتها في تحقيقه؛ لأن أي تضاد أو تناقض أو اختلاف فيما بينها سيؤدي حتماً إلى وجود خلل نفسي، أو فكري أو أخلاقي، في بنيان شخصية الفرد التي تعمل هذه المؤسسات جميعها على التأثير فيه.
إننا لو قصدنا بكلمة "ثقافة": "الحصول على مستوى معين من التأهيل العلمي"؛ فسنجد شريحة عريضة من المجتمع يمكن أن توافق القصد.
أما لو قصدنا بالثقافة: "معرفة شيء عن كل شيء، وكل شيء عن شيء"؛ فإن الدائرة ستضيق كثيراً.
لكن لو أدرنا بكلمة "ثقافة": "القدرة على التوفيق بين ما لدينا من تراث عظيم، وما نعاصره من حضارة مذهلة، مع الاستيعاب الكامل له ومعرفة كيفية التعامل معه، والإفادة منه، والتفاعل مع الواقع المعاش والبيئة المحيطة، بصورة متزنة، دون إفراط أو تفريط"؛ فإن الدائرة تضيق حتى تكاد تصبح نقطة!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]