
01-04-2019, 05:07 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة :
|
|
رد: آثار الربا الاقتصادية
آثار الربا الاقتصادية
د. عبدالمجيد عبدالله عبدالمجيد دية ([*])
المبحث الثالث
ضعف التنمية الاقتصادية والاستثمار([41])
من مقاصد النظم المالية الإسلامية والمؤسسات المصرفية الإسلامية المساهمة في التنمية وتحقيقها، وتمويل المشروعات الإنتاجية بنظام المشاركة وفقا لقاعدة الغنم بالغرم. فالصيغ الإسلامية - كالمضاربة الإسلامية، والمشاركات، والاستصناع والسلم، والمرابحات وغيرها- تتميز بأنها تتفاعل مع السلع؛ لتولد مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي توظف اكبر عدد من عوامل الإنتاج، منها: عنصر العمل، وتساعد في علاج مشكلة البطالة والفقر وتحقيق الأمن الاقتصادي ([42]).
ومشاركة مؤسسة التمويل للمقترضين في نشاطهم الإنتاجي مدعاة لأن تجند المؤسسة خبرتها الفنية في البحث عن افضل مجالات الاستثمار وارشد اساليبه، وبذلك يتعاون رأس المال وخبرة العمل في التنمية الاقتصادية ([43]).
ويرى علماء الاقتصاد ان النقود لا تلد نقودا، بل لابد من تدويرها في حلبة النشاط الاقتصادي، ثم تنقلب إلى سلع وخدمات، وتتفاعل مع عوامل اخرى لتحقيق النمو والتطور ([44]).
إن الفائدة المباحة (المشاركة مثلا) مشجعة على الاستثمار أكثر من الفائدة المحرمة (الربا)؛ لأن الاستثمار لا يعود خاضعا إلى ضغوط آثار المقارنة بين معدل الفائدة ومعدل مردود الاستثمار. وفي ظل نظام المشاركة وعدم تحديد الفائدة مسبقا، فإن العلاقة بين رجل الأعمال وأصحاب المال هي علاقة شركة وتضامن وتعاون بالنسبة للنتائج، لا علاقة انانية واستئثار وصراع كما في نظام الفائدة الثابتة التي يزداد معدلها كلما زاد الطلب على المال، واحتاج رجل الأعمال إلى القيام باستثمارات ([45]).
وكذلك فإن عدم اعتماد مؤسسة التمويل في النظام الإسلامي على الفرق بين سعر الفائدة الدائنة والمدينة مدعاة لتنشيط عمليات التنمية في المجتمع، إذ ليس امامها غير بذل اقصى طاقاتها وامكاناتها في استخدام اموالها في مشروعات تساهم في التنمية الاقتصادية ([46]).
أما الإقراض بنظام الفائدة: فإنه يؤدي إلى تضييق دائرة التمويل؛ لأنه يعتمد على ضمانات لا يقدر عليها إلا الأغنياء. ورب المال في نظام الفائدة أقل اهتماما بنجاح المشروع، ولا تهمه الأمانة والخبرة والمقدرة في العمل؛ لأن أكثر ما يهمه أن يكون المقترض غنيا ومليئا، وأن تكون فائدته ثابتة، ورأس ماله مضمونا ([47]).
وبناء عليه فكلما توسع الناس في الضمانات انخفض التمويل، وهذا يعني تقليل الاستثمار، والذي يأخذ فائدة مضمونة لا يهتم بنجاح المشاريع الاقتصادية، وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف التنمية الاقتصادية.
وإن تقلص دور الضمانات في نظام المشاركة - مثلا - يساعد على توسيع دائرة التمويل بحيث يشمل الفئات الأقل غنى من العمال المهرة ([48]).
وتوسيع دائرة التمويل يؤدي إلى زيادة الاستثمار وتشجيعه، بحيث يشمل العمال المهرة كالحدادين والنجارين واصحاب المعامل الصغيرة - على اختلاف حرفهم - الذين لا يملكون مالا إن الإقراض بنظام الفائدة يقوم على تحديد سعر الفائدة مسبقا، وهذا يؤدي إلى حجب بعض المشروعات التي يقل مردودها عن الفائدة الواجب دفعها، او يساويها، او لا يزيد عنها إلا قليلا ([49]).
فتحديد سعر الفائدة مقدما - قبل ان يعلم احد قيمتها الحقيقية بالضبط- ظلم للمقرض او المقترض، فإذا ازدادت نسبة صافي الربح الفعلي عن سعر الفائدة وقع على المقرض ظلم بحرمانه من هذه الزيادة، وإذا قلت نسبة صافي الربح الفعلي عن سعر الفائدة وقع على المقترض ظلم بإلزامه بسداد الفائدة بالكامل رغم زيادتها على الربح المحقق فعلا ([50]). وهذا بيان للظلم الذي يقع على المقرض او المقترض بسبب الإقراض بفائدة.
وفي المقابل فإن صاحب المال الذي يودع ماله في مؤسسة مالية توظف اموالها على اساس المشاركة، سوف يحصل على ربح عادل يكافئ ما اداه ماله في التنمية الاقتصادية، وهذا مدعاة إلى إقبال المسلمين على الاستثمار والبعد عن الاكتناز ([51]).
هذا بالنسبة إلى تحديد سعر الفائدة مسبقا، اما ارتفاع سعر الفائدة فإنه يؤدي إلى إعاقة التنمية الاقتصادية؛ لأن رجل الأعمال عندما يفكر في توسيع مصنعه او إنشاء مصنع جديد يرى ان سعر الفائدة سيلتهم ثمرة عمله فيحجم عن هذه المخاطرة؛ بل قد يؤثر الكثيرون السلامة والكسل فيودعون أموالهم في البنوك او شهادات الادخار قانعين بما تدره عليهم من فوائد معرضين عن الخوض في مجال التنمية وإيجاد الرزق الحلال والعمل الطيب للناس ([52]).
ويؤكد هذه المعاني الاقتصادي المشهور كينز فيقول: إن معدل سعر الفائدة يعوق النمو الاقتصادي؛ لأنه يعطل حركة الأموال نحو الاستثمار في حرية وانطلاق، فإن امكن إزالة هذا العائق فإن رأس المال سيتحرك وينمو بسرعة ([53]).
وبرهان ذلك: انه من المقرر محاسبيا احتساب الفائدة ضمن تكاليف الإنتاج، فتعتبر كأي نفقة من نفقات الإنتاج، مثل الإيجار والنور والمياه.
وبناء على هذا تزيد النفقات كلما زادت الفائدة، وتقل كلما قلت، وبالتالي فإن الأرباح تقل كلما زادت الفائدة وتزيد كلما قلت الفائدة، فارتفاع سعر الفائدة يؤدي إلى انخفاض صافي الربح، وهذا بدوره يؤدي إلى انكماش حجم الاستثمار، والى توقف التكوين الرأسمالي، والى هبوط الدخل القومي، وانخفاض القوة الشرائية، والعكس صحيح، ومن هنا يتضح ان من مصلحة الاقتصاد القومي: القضاء نهائيا على الفائدة ([54]).
ومما يعيق التنمية الاقتصادية ويضعف الاستثمار: ما تفرضه السياسة النقدية للبنوك المركزية على البنوك الأخرى الخاضعة لها من ضرورة الاحتفاظ بنسبة معينة من إجمالي الودائع الخاصة بكل بنك في حساب خاص به لدى البنك المركزي فيما يعرف بالاحتياطي القانوني؛ بهدف حماية اموال المودعين من ناحية، وتحجيم دور البنوك في زيادة العرض النقدي من ناحية اخرى، هذه السياسة النقدية - التي تلائم المصارف التي تعتمد على نظام الفائدة – تؤدي إلى تعطيل جزء من الأموال التي قدمها اصحابها لتلك المؤسسات بغرض استثمارها ([55]).
وهذه السياسة النقدية غير ملائمة للطريقة الإسلامية، فمثلا نظام المضاربة لا يترتب عليه رد الأموال في اي وقت لارتباطها بمشروعات استثمارية موظفة بها من ناحية، وارتباطها بمبدأ المشاركة في الربح والخسارة من ناحية اخرى. وقد ادت هذه السياسة إلى تعطيل جزء من اموال البنوك الإسلامية مما يؤثر سلبا على ربحية هذه الاستثمارات ([56]).
ويتلخص لدينا مما سبق ان نظام الفائدة يعيق التنمية الاقتصادية للأسباب التالية:
التوسع في الضمانات للقرض الربوي توسعا لا يقدر عليه إلا الأغنياء، وهذا يمنع عاملين مهرة من الاستثمار لعدم وجود ضمانات كافية.
اهتمام المقرضين باسترجاع رأس مالهم مضافا إليه الفائدة اكثر من اهتمامهم بنجاح المشروع.
زيادة تكاليف الإنتاج مما يؤدي إلى انخفاض صافي الربح، وهذا بدوره لا يشجع على الاستثمار. وتزداد تكاليف الإنتاج بزيادة معدل الفائدة، وهذا يضعف التنمية الاقتصادية، بخلاف ما لو زال هذا العائق، فإن رأس المال سيتحرك بسرعة لكثرة الإقبال على الاستثمار، واذا قلت الفائدة تقل تكاليف الإنتاج، فيزداد الربح، ويزداد الاستثمار. والمقبول عندنا شرعا ان تنعدم الفائدة.
الاحتفاظ بالاحتياطي القانوني لكل بنك في البنوك المركزية يعطل جزءا من المال عن الاستثمار والإنتاج والمشاركة في التنمية.
عدم حرص المؤسسات المالية التي تقوم على اساس نظام الفائدة على البحث عن افضل مجالات الاستثمار، وعدم حرصها على إعطاء الخبرة العلمية والفنية اللازمة للمقترض مما يؤدي إلى تبديد المال في مشاريع لا تعود بمنفعة حقيقية على المجتمع.
إن نظام الفائدة لا يعطي الربح الحقيقي العادل لرأس المال المستعمل في التنمية الاقتصادية مما يؤدي إلى اكتنازه خلافا للمبادئ الإسلامية.
فالذي يعطي الربح الحقيقي العادل لرأس المال - المستعمل في التنمية الاقتصادية - هو المشاركة؛ فرأس المال المستعمل قد يربح اكثر من الفائدة او اقل، فقد تكون الفائدة 10، والربح 50، أو الربح 5 وكل هذا ظلم.
وبالتأمل فيما سبق فإن البنك امام صنفين من الناس هما:
أصحاب خبرات عالية جدا لا يستطيعون تقديم ضمانات للقروض.
أغنياء ليس عندهم خبرات ومهارات، لكنهم يستطيعون تقديم ضمانات للقروض.
فيختار البنك الصنف الثاني؛ لأن الذي يهمه ان يعود له رأسماله مع الربح، وهؤلاء بسبب جهلهم وقلة خبرتهم، لا يقدمون شيئا للاستثمار والتنمية. واما الصنف الأول فلا يختاره البنك بالرغم من المهارة والخبرة والقدرة على تحقيق التنمية؛ لأنه ليس لديه ضمانات.
أما في النظام الإسلامي فيحدث العكس، فيعتمد على الخبرات والمهارات أكثر من الضمانات؛ لأن العملية مشاركة ونحوها.
وإضافة إلى ما سبق، فإن الاستثمار عن طريق الاقتراض بفائدة يزيد من تكاليف الإنتاج، ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ومن ثم انخفاض حجم الاستثمار الكلي، فالعلاقة بين حجم الاستثمار الكلي وسعر الفائدة علاقة عكسية.
إن الاستثمار المالي عن طريق الاقتراض بفائدة، وما يتم في الأسواق المالية، لا يؤدي إلى توليفة بين عناصر الإنتاج، وبالتالي لا يؤدي إلى تنمية، واما الاستثمار الحقيقي فهو الذي يؤدي إلى الاستخدام الأمثل لعناصر الإنتاج مما يؤدي إلى إنتاج السلع والخدمات التي ئشبع الحاجات البشرية.
المبحث الرابع
التضخم
يدور معنى التضخم حول المفاهيم التالية ([57]):
الزيادة في كمية النقود مما يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار.
انخفاض القوة الشرائية للنقود المقترضة.
الميل العام إلى ارتفاع اسعار السلع والخدمات.
ومن اسباب هذه الظاهرة: زيادة كمية النقود نتيجة زيادة حجم الائتمان واقراض الحكومة ([58]).
وتأييدا لهذا يرى عالما الاقتصاد السويدي فيكسل والإنجليزي كينز ان التضخم يحدث عندما تزداد كمية النقود، حيث يزيد الطلب الكلي على السلع والخدمات اكثر من العرض الكلي لها؛ مما يؤدي إلى زيادة الأسعار ([59]).
ويفسر فيكسل ظاهرة ارتفاع الأسعار بالمقارنة ما بين سعر الفائدة النقدي الذي تمارسه البنوك عند الإقراض، اي نفقة الاقتراض من البنوك مثلا والعائد الذي يمكن ان يحققه رأس المال المستثمر (اي سعر الفائدة الحقيقي).
وتوضيح ذلك:
لنفرض ان سعر الفائدة = ر، فإن المديونية = ك (1+ر) في نهاية الفترة، ولنفرض ان العائد = ز، فتصبح قيمة الناتج = ك (1+ ز)، ك = كمية النقود، والتوازن النقدي يحصل عندما تكون ر= ز، ويتحقق ثبات الأسعار، ولو قامت البنوك التجارية بتخفيض سعر الفائدة النقدية بالمقارنة بسعر الفائدة الحقيقية، فإنه يؤدي إلى ارتفاع الأسعار؛ لأنه يؤدي إلى زيادة الاستثمار ومن ثم زيادة الطلب على عناصر الإنتاج، وارتفاع اسعارها، فتزداد نفقات الإنتاج وترتفع الأسعار، ويؤدي - ايضا - إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ولو قامت البنوك برفع سعر الفائدة فإنه يؤدي إلى ارتفاع في كلفة رؤوس الأموال؛ مما يؤدي إلى رفع الأسعار ([60]).
ودليل آخر على أثر الفائدة في التضخم: إن صاحب المال لا يرضى إذا استثمر ماله في صناعة او زراعة او شراء سلعة ان يبيع سلعته او الشيء الذي انتجه إلا بربح اكثر من نسبة الربا؛ لأنه يفكر انه استثمر المال وبذل الجهد واستعد لتحمل الخسارة، فلابد ان تكون نسبة الربح اكثر من نسبة الربا، وكلما ازدادت نسبة الربا غلت الأسعار اكثر منها بكثير، هذا إذا كان المنتج او التاجر صاحب مال، واما إذا كان ممن يقترض بالربا فرفعه للأسعار امر بدهي، حيث سيضيف إلى نفقاته ما يدفعه من الربا ([61]).
ويمكن تعليل ما سبق، وتحليله تحليلا اقتصاديا يبين أثر سعر الفائدة في التضخم بما يلي:
من عيوب النظام النقدي المعاصر وجود خلل بين كمية النقود وكمية السلع والخدمات؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهذا - بدوره - يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة كمحاولة من الحكومة لامتصاص النقود من السوق، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع والخدمات ثم ارتفاع الأسعار مرة اخرى، وهكذا تدور الدورة من جديد وتسبب مضاعفاتها ([62]).
ويمكن توضيح ذلك في الشكل التالي:
وبالتأمل في هذا الشكل يتبين ما يلي:
إن كمية النقود كثيرة وكمية السلع والخدمات محدودة، ولذلك فإن الحكومات تطبع من الأوراق النقدية كميات كثيرة جدا، مما يؤدي إلى زياد كمية النقود في السوق ويؤدي إلى الخلل.
هذا الخلل يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهذا يدفع الدول إلى رفع سعر الفائدة؛ لإغراء أصحاب المال كي يدفعوها لهم؛ من أجل امتصاص النقود من السوق، وهذا - بدوره - يؤدي إلى ارتفاع تكاليف السلع والخدمات، ويؤدي إلى غلاء الأسعار، وهكذا تدور الدورة من جديد، وتبقى الأسعار في دوامة لا تستقر.
وأما دور البنوك في إيجاد التضخم: فيؤكده الاقتصاديون الغربيون فيقولون: "البنوك تخلق النقود"، وهذه حقيقة فعلية في البنوك الربوية التي تخلق نقودا حسابية بأن تفتح للعميل اعتمادات يسحب منها دون ان يودع لدى البنك نقودا، وبذلك تسهم في إيجاد التضخم؛ لأننا نراها عندما تحاول الحكومة امتصاص الزائد من النقود في السوق برفع سعر الفائدة على الودائع، تقوم هذه البنوك بإعادة الأموال للسوق بل وزيادتها بما تمنحه من اعتمادات ([63]).
وكلما ارتفعت الفائدة تدهور النقد، وتعد الفائدة عالية إذا زادت عن معدل الإنتاجية، وانخفاض قيمة النقود يعني تضخم ([64]).
وبناء على ما سبق فإن نظام الفائدة الربوية جعل التضخم ظاهرة عامة تخضع لها جميع الاقتصاديات الصناعية المتقدمة، فالأسعار في ارتفاع مستمر، وقيمة العملات الوطنية في تناقص مستمر، ونفقات المعيشة واسعار التجزئة تتجه إلى اعلى دائما ([65]).
ويتلخص مما سبق ان من اسباب ارتفاع الأسعار: ما يلي:
زيادة عرض النقود في السوق: إننى ارى ان نظام الإقراض بفائدة يؤدي إلى زيادة عرض النقود في السوق، وهذا بدوره يؤدي إلى غلاء الأسعار. ولذلك سنت السلطات النقدية في معظم الدول النامية رفع الفائدة كجزء من برنامج مكافحة التضخم، لتخفيض طلب المقترضين على القروض، فتحديد الإقراض عامل من عوامل مكافحة التضخم ([66]).
سعر الفائدة: إن زيادة سعر الفائدة يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ومن العجيب ان خفض سعر الفائدة يؤدي ايضا إلى ارتفاع الأسعار من وجه، فالأسعار في ازدياد مادام هنالك فائدة، ولا تستقر الأسعار إلا بانعدام الفائدة.
وتفسير ذلك هو ان زيادة الإقراض تؤدي إلى زيادة عرض النقود؛ مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق، والطلب على السلع، فترتفع اسعارها، فيحدث التضخم، ودليل ذلك قانون العرض والطلب.
ومن جانب آخر فإن صاحب المال إما ان يضع ماله بفائدة (7%) مثلا، او يضع ماله في مشروع استثماري، فإذا استثمر ماله في مشروع استثماري فإنه لا يرضى بربح اقل من سعر الفائدة بل اكثر، واذا كان صاحب المال مقترضا فإنه يضيف نسبة الفائدة إلى ربحه، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، فيحدث التضخم ايضا.
ومن زاوية اخرى، فالإقراض بفائدة يزيد من كلفة إنتاج السلع مهما كانت نسبة الفائدة، وارتفاع نسبة الفائدة يزيد من الكلفة ايضا بوجبما من الوجوه، ويؤدي إلى ارتفاع اسعار السلع، فيحدث التضخم كذلك.
وهذا كله نشاهده اليوم في عالمنا المعاصر، حيث ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيم النقود، والتضخم الذي يملأ الأرض كلها، وقد اصبح مشكلة عالمية قاسية.
المبحث الخامس
البطالة
أكبر مشكلتين يواجههما الاقتصاد الرأسمالي: البطالة والتضخم، وتزيد معدلات البطالة مع ارتفاع معدلات التضخم، فارتفاع الأسعار دون زيادة متناسبة في الأجور سوف تؤدي إلى الإقلال من الطلب على السلع، وبالتالي إلى انخفاض حجم الاستثمار والإنتاج، ومن ثم زيادة معدلات البطالة ([67]).
لقد ساعدت الفائدة على وجود طبقة من البطالة المقنعة تتمثل في هؤلاء المدخرين الذين يقعدون عن العمل اكتفاء بما توفره لهم الفائدة من دخل ثابت مما يحرم كثيرا من المشاريع من عمل هؤلاء المدخرين، ويعمق النزعة السلبية عندهم، وكذلك فإن اصحاب الأموال يفضلون إقراض أموالهم بالربا على استثمارها في إقامة مشاريع صناعية او زراعية او تجارية، ولهذا يقلل فرص العمل، فتنتشر البطالة في المجتمعات التي يسود فيها التعامل الربوي ([68]).
ويؤيد هذه الفكرة الاقتصادي المشهور كينز فيقول: (إن العمالة الكاملة هي الواجب الأول للدولة ولا تتحقق إلا إذا انزل سعر الفائدة إلى الصفر، او ما يقرب من ذلك، والعمالة الكاملة هي أن يجد كل راغب في العمل فرصته) ([69]).
فيرى الاقتصادي كينز ان علاج مشكلة البطالة يكون بانعدام الفائدة او بتخفيضها إلى ادنى حد ممكن، وهذا راي علماء الاقتصاد الذي لا يدينون بالإسلام، مما يدل على ان الإسلام في تشريع تحريم الربا معجز.
وأما تعليل ذلك فإن الفائدة تؤدي إلى زيادة أسعار السلع، فينقص الطلب عليها، وينحسر الاستهلاك، مما يؤدي إلى فائض في المنتجات، وقد يلجأ المنتجون في سبيل تخفيض الأسعار إلى تخفض أجور العمال أو الاستغناء عن بعضهم ([70]).
أقول: إن استقراء المعاملات المالية في الواقع يؤيد ما ذهب إليه الاقتصاديون من ان الإقراض وسهولة المداينات يؤدي إلى زيادة عرض النقود، فزيادة الأسعار، فيحدث التضخم، وبالتالي يقل الطلب على السلع " فيؤدي إلى تخفيض الإنتاج، والاستغناء عن العمال.
ومن ناحية ثانية: فإن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي إلى قلة عرض النقود، وزيادة تكلفة السلع، فينخفض الطلب عليها، مما يؤدي إلى تخفيض الإنتاج والاستغناء عن العمال.
وفي المقابل فإن انخفاض سعر الفائدة حتى تؤول إلى الصفر يزيد من عرض النقود؛ فيزداد الطلب على السلع؛ فيزيد الإنتاج من وجه، ويؤدي إلى زيادة تشغيل الأيدي العاملة.
ومن ناحية ثالثة: فإن ارتفاع سعر الفائدة عن عائد الاستثمار يؤدي إلى ان يضع صاحب المال ماله بفائدة، او يضع ماله بفائدة مهما بلغت نسبتها؛ لأنه ليس عنده القدرة على الاستثمار، وهذا حال اغلب المدخرين، وبالتالي لا يضطر إلى العمل، وهذا لا يؤدي إلى استخدام امثل لعناصر الإنتاج، فلا يقوم على تشغيل واسع، فيؤدي إلى البطالة.
وبناء على ما سبق فإنني استنتج ان اي عاملي يؤدي إلى تخفيض الإنتاج يؤدي إلى البطالة.
وبرهان اغلب هذه الآثار في التطبيقات التالية:
تطبيقات:
لبيان آثار الفائدة اذكر هذا المثال التطبيقي للدلالة على مفاسدها الكثيرة، وللمقارنة بينها وبين نظام المشاركة في الاقتصاد الإسلامي:
رجل يملك (100.000) دينار، وضعها في بنك رقم (1) بفائدة مقدارها 5%، والبنك رقم (1) وضعها في بنك رقم (2) بفائدة مقدارها 6%، والبنك رقم (2) اقرضها لمستثمر بفائدة مقدارها 8%، ويريد هذا المستثمر فتح مصنع بدلات رجالي.
كيف يكون سعر السلعة التي يتم تصنيعها وبيعها؟
لنفرض ان تكلفة تصنيع السلعة - 20 دينارا.
مصاريف إدارية - 25%.
ربح السلعة = 40%.
إذن يكون سعر بيع البدلة = 20 + 5 + 10 = 35 دينارا.
يضاف إليها خدمة الدين بمقدار 8% = 8/ 100 × 25 = 2 دينار.
فيصبح سعر بيع البدلة = 35 + 2 = 37 دينارا.
وأخذ الخبراء في المصنع بمبدأ الاحتياط من وجود الكساد والطوارئ وخدمات الدين كل سنة، ونحوها، فباعوا البدلة إلى السوق بسعر (50) دينارا.
وبعد سنة تصبح البضاعة قديمة، فما المخرج من ذلك؟
الحل هو التخفيضات:
بعد مرور عام مثلا التخفيض 40%، فيصبح سعر البدلة = 50- (40/100×50)= 30 دينارا.
بعد مرور عامين، التخفيض 60%، فيصبح سعر البدلة = 50 - (60/ 100× 50)= 20 دينارا.
نلاحظ مما سبق ان المتضرر من هذا الغلاء الشديد هو المستهلك.
وإذا باع الصانع البدلة ب (37.8) دينارا، فإنه سيضطر في السنة التي تليها إلى رفع السعر بمقدار الفائدة لخدمة الدين، فتكون الفائدة سببا في رفع الأسعار.
لنتصور معا انه تم إلغاء نظام الفائدة في هذه المعاملة.
فيصبح الرجل صاحب المال هو صاحب المصنع في صورة من صور الاستثمار في الإسلام، وسيبيع البدلة بسعر= 35 دينارا. وما يتأخر من هذه السلعة يتحمل نفقات التخزين فقط. وبالتالي تنخفض الأسعار إذا تم الاستثمار دون نظام الفائدة. وانخفاض الأسعار يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع، ومن ثم إلى زيادة الإنتاج. وتكون النتيجة نفسها لو دفع صاحب المال ماله مشاركة كشركة مضاربة مثلا.
وإذا كان صاحب المال هو صاحب المصنع او شريكا فيه فإنه سيحتاج إلى عاملين، وهذا يحد من البطالة. فالنزول بالمال إلى السوق وتشغيله يحتاج إلى عدم من العاملين، ويمكن إدارة اضعاف هذا المبلغ من المال في البنوك من خلال شخصين مثلا. فنلاحظ ان تشغيل المال في مشاريع استثمارية يؤدي إلى حل مشكلة البطالة.
وأيضا في نظام الفائدة - الذي تقوم عليه معظم البنوك اليوم – تفرض المصارف المركزية على المصارف التقليدية والإسلامية الاحتفاظ لديها بنسبة معينة من ودائع العملاء دون تمييز بين الحسابات الائتمانية والحسابات الاستثمارية، وهذا يضر بأصحاب الحسابات الاستثمارية والمساهمين في المصارف الإسلامية على السواء، لما له من أثر سلبي على قدرة المصارف الإسلامية على الاستثمار ([71]).
وبالتالي فإن هذا النظام يؤدي إلى تعطيل جزء من الأموال التي قدمها أصحابها إلى تلك البنوك لاستثمارها، وهي الأموال المحتجزة في البنوك المركزية، وهذه السياسة النقدية التي تتبعها البنوك المركزية غير ملائمة للطريقة الإسلامية.
فيتبين لنا مما سبق كيف يؤدي نظام الفائدة إلى رفع الأسعار، والبطالة، وضعف التنمية والاستثمار. وهذا هو الظلم الذي يلحق بالأفراد والمجتمعات والدول، وهذه حرب الله على المرابين.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|