عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-04-2019, 04:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي حكم استبدال الأوقاف في المذاهب الفقهية

حكم استبدال الأوقاف في المذاهب الفقهية([1])




د. محمد المهدي ([2])





ملخص البحث:


لعل أعظم ما يحز في النفس إنما هو فحش التهميش الذي طال فقهنا وتراثنا الإسلامي في كثير من الدول العربية والإسلامية، حيث نجد التشريعات الوضعية فيها تسير في اتجاه هجره وإبعاده، حتى في مجال الأحوال الشخصية، من منطلق أنه أصبح لا يساير عصرنا.
وفي هذا الإطار لا يسعني إلا أن أشكر مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بدولة الكويت على العناية الفائقة التي توليها لهذا التراث العظيم، من خلال نشر البحوث الفقهية التي تكشف - بحق - عن مدى رجاحة عقل أولئك الفقهاء، الذين بهم نهضت الأمة الإسلامية في ميادين شتى، عسى أن يخجل أولئك الذين ينكرون على فقهنا صلابته، ويصفونه بالعجز عن إيجاد حلول لمشكلات العصر.
وفي هذا السياق عالج البحث موضوع "استبدال الأوقاف" من ناحية فقهية بحتة، حيث تناول ثلاث قضايا مهمة.
القضية الأولى: تتعلق ببيان الحكم الشرعي لاستبدال الأوقاف، عقارات كانت أو منقولات، خاصة أو عامة، عامرة أو غامرة، مساجد كانت أو غيرها، وذلك في حالة وجود إذن من الواقف بالاستبدال، وفي حالة النهي عنه، وكذا في حالة السكوت عنه.
وقد تبين - كما سيتضح للقارئ - من البحث أن المسألة اجتهادية بشكل لا نجد له نظيرا في مسألة من مسائل الوقف، فالفقهاء ما بين مانع من استبداله إطلاقا، ومجيز له في بعض الموارد، ومتوقف عن الحكم، بل تعددت الأقوال والآراء حتى انفرد - أحيانا - كل فقيه بقول، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على خصوبة فقهنا، وأنه ثروة فقهية يمكن الاعتماد عليها في إيجاد الحلول الممكنة للمشكلات التي يتخبط فيها الوقف في كثير من المجتمعات الإسلامية.

والقضية الثانية: تتعلق بشروط صحة الاستبدال على القول بجوازه، وهي شروط تعد بمثابة ضوابط احتياطية، حتى لا يتخذ الاستبدال وسيلة لضياع الأوقاف وانطماس معالمها.. كما بينا في السياق ذاته أهم الأدلة التي استند عليها كل من مجيزي الاستبدال ومانعيه، وقد تبين بعد المناقشة أن أدلة جواز الاستبدال على وجه العموم أرجح من سواها، وأنها تحقق النفع العام للأمة الإسلامية.

وأما القضية الثالثة: فتتعلق ببيان الجهة التي لها صلاحية الاستبدال، فهذه المسألة أسالت بدورها الكثير من المداد، مادام الهدف هو توخي الحيطة والحذر في هذا الموضوع، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الحرص الشديد الذي أبانه فقهاؤنا بخصوص مصلحة الأوقاف، وقد تبين من النقاش أن الآراء لم تخرج في مجملها عن ثلاثة أقوال: فهناك من يقول: بأن الناظر هو الذي يقوم بالاستبدال، وهناك من يخول ذلك للموقوف عليه، وهناك من يسند الأمر للحاكم، وقد خرج البحث بترجيح الرأي الأخير؛ على اعتبار أن الحاكم هو ولي المسلمين العام، وأن التهمة لا تلحقه في ذلك.

ولم يغفل البحث الحديث عن مصير الأموال المحصل عليها من بيع الأملاك الموقوفة، إذ ساق في ذلك نقاش الفقهاء وآراءهم في هذا الموضوع، حيث أثار جملة من القضايا للنقاش، لعل أهمها تتمحور حول ثلاث نقط أساسية: هل لابد من شراء ما يقوم مقام العين المبيعة أم لا؟، ثم ما مدى صيرورة العين المشتراة وقفا بشكل تلقائي دون حاجة إلى تجديد للوقفية ؟، وهل من الضروري أن يكون المشترى من جنس المبيع، أم يكفي شراء أي شيء ولو من غير جنسه ؟.

كلها تساؤلات أجاب عنها الفقهاء، كل حسب اجتهاده ورؤيته للموضوع، وبلم ما قيل في هذا الشأن - مما سيجده القارئ الكريم بين ثنايا هذا البحث- ومناقشته يخرج البحث بترجيح القول بضرورة شراء ما يقوم مقام الوقف المبيع مع تجديد وقفيته.
أما بخصوص النقطة الثالثة: فقد توصل البحث إلى ترجيح رأي الحنفية الذي يفرق بين كون الموقوف مخصصا للسكنى وبين كونه مخصصا للاستغلال، حيث يشترط أن يكون المشترى من جنس المبيع في الحالة الأولى دون الثانية؛ للاعتبارات المذكورة في البحث.
ولعل هذا الملخص يجد تفاصيله في البحث وفق العناصر التالية:
المبحث الأول: الحكم الشرعي لاستبدال الأوقاف
أولا: في حالة وجود موقف من الواقف في موضوع الاستبدال
ثانيا: في حالة سكوت الواقف عن موضوع الاستبدال
المبحث الثاني: شروط صحة استبدال الأوقاف وأدلته
أولا: شروط صحة استبدال الأوقاف (على القول بجوازه)
ثانيا: الأدلة العامة في استبدال الأوقاف
المبحث الثالث: الجهة التي لها صلاحية استبدال الأوقاف
أولا: تحديد السلطة التي تملك حق استبدال الأوقاف
ثانيا: مصير أموال البدل.

توطئة


الاستبدال في اللغة: من استبدل الشيء بغيره، وتبدله به إذا أخذه مكانه([3])، وفي الاصطلاح نعني باستبدال الوقف: إخراج العين الموقوفة عن جهة وقفها في نظير عوض يكون وقفا بدلها، سواء بالبيع والشراء، أو بالمعاوضة، وهو نفس المعنى نجده في قولنا: "إبدال الوقف"، بدليل ما جاء في فتاوى ابن تيمية: "والإبدال يكون تارة بأن يعوض في الوقف بالبدل، وتارة بأن يباع ويشترى بثمنه المبدل"([4]).
غير أن الشيخ (محمد أبو زهرة)([5]) وكثيرا ممن نقلوا عنه([6]) اقتصروا في التعريف الشرعي لاستبدال الوقف على أن المراد به بيعه وشراء آخر يحل محله، ولم يذكروا أمر بيعه بعين أخرى، وقالوا: بأن الإبدال له نفس المعنى، وبهذا يكون التعريف الذي أوردوه غير جامع، إلا أن يقال: إنه للتمثيل.
أما إذا ذكر اللفظان معا، كقولنا: إبدال الوقف واستبداله صار المقصود بالإبدال هو إخراج العين الموقوفة عن جهة وقفها ببيعها، والاستبدال هو: شراء عين أخرى تكون وقفا بدلها([7]).

والمعاوضة بالوقف أخص من الاستبدال والإبدال، وان كان المآل في هذه التصرفات جميعها واحدا([8]).
* وبعد هذا التوضيح نتساءل: ما الحكم الشرعي لاستبدال الأوقاف؟ (المبحث الأول)، ثم ما هي شروط صحته والأدلة المعول عليها في القول بجوازه أو عدمه ؟ (المبحث الثاني)، وما هي الجهة التي لها صلاحية الاستبدال ؟ وما مصير أموال البدل ؟ (المبحث الثالث)، تساؤلات يجيب عنها هذا المقال .

المبحث الأول


الحكم الشرعي لاستبدال الأوقاف


إن استبدال الوقف يختلف حكمه عند الفقهاء باختلاف وثائق الواقفين، فقد يرد فيها بيان موقف الواقف من موضوع الاستبدال (أولا)، وقد لا يرد فيها أي موقف منه (ثانيا)، فهناك - إذن - حالتان، تعدان بمثابة المعالم العامة لقاعدة الاستبدال في الأوقاف، معقبة([9]) كانت أم عمومية، عامرة أم غامرة، عقارات أم منقولات .

أولا- في حالة وجود موقف من الواقف في موضوع الاستبدال"
وهذا الموقف لا يعدو أن يكون إذنا بالاستبدال أو نهيا عنه.

حالة الإذن بالاستبدال:

اختلف الفقهاء في إمكان استبدال الوقف في هذه الحالة على آراء نعرض لها فيما يلي:

في المذهب الحنفي: اختلف الحنفية في مدى صحة شرط الاستبدال أو عدمه على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: الشرط صحيح استحسانا، وبه قال أبو يوسف.

الرأي الثاني: الشرط باطل قياسا، غير أن هذا البطلان لا يؤثر على صحة الوقف، وهو لمحمد بن الحسن، وبه قال أهل البصرة ([10]).

الرأي الثالث: الشرط والوقف باطلان ([11]).
والرأي الأول[(*)] هو الصحيح رواية ودراية ([12]).

في المذهب المالكي: يرى المالكية جواز الاستبدال في هذه الحالة ([13])، جاء في المعيار نقلا عن بعض الشيوخ: "لا يجوز إبدال الحبس ولا بيعه، ويترك على ما كان عليه في السنين الماضية؛ إعمالا لقصد المحبس، واتباعا لشرطه، فلا يجوز بيعه، وإن ظهرت المصلحة في بيعه، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذن"([14])، ومنه يفهم أنه إذا وجد الإذن جاز الاستبدال.

في المذهب الشافعي: لا يخالف الشافعية في جواز أن يشترط الواقف لنفسه أو لغيره استبدال الوقف وما يشاء منه بما يراه من عقار أو حصة من عقار أو نقد، وأن يفعل ذلك المرة بعد الأخرى كلما بدا له ([15]).

في المذهب الحنبلي: ذهب الحنابلة إلى ما قال به أصحاب الرأي الثاني عند الحنفية، أي بفساد الشرط مع صحة الوقف، كما هو الشأن في الشروط الفاسدة في البيع ([16]).

ومحل ما ذكرناه عن هذه المذاهب: هو في غير المساجد، أما هذه فلا يجوز شرط استبدالها حتى ولو كانت خربة ([17]).

وبهذا العرض يتضح أن المالكية والشافعية وأبا يوسف من الحنفية على وفاق في وجهات النظر، حيث يرون جميعا أن شرط استبدال الوقف جائز، وفي المقابل نجد الحنابلة ومحمد بن الحسن على وفاق في أن شرط الاستبدال يفسد ويبقى العقد صحيحا، في حين انفرد رأي من الحنفية بأن الشرط والوقف يبطلان.

ويمكن توجيه ما ذهب إليه الفريق الأول من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن شرط الاستبدال يقتضيه العقد، لأنه قد تحصل الضرورة إلى استبدال الوقف، فالأراضي ربما لا يخرج فيها من الغلة ما يفضل عن المؤن فيؤدي إلى عدم وصول شيء إلى الموقوف عليهم لفساد يحدث بالأرض مثلا، وتكون الأرض الأخرى المراد الاستبدال بها أصلح وأنفع للموقوف عليهم، فلهذه الضرورة جاز اشتراط الاستبدال ([18]).

الوجه الثاني: وهو للإمام هلال ([19])، حيث رأى أن الواقف باشتراطه الاستبدال لم يشترط إبطال الوقف، وكل شيء في الوقف لا يبطل أصله فالوقف فيه جائز والشرط جائز، وقال: "ألا ترى أن رجلا لو استهلك أرضا موقوفة حتى لا يقدر على ردها، حكمت عليه بقيمتها، فاشتريت بها أرضا، فجعلتها صدقة موقوفة على مثل ما كانت عليه الأرض المستهلكة، وجعلت هذه بدل تلك الوقف، فإذا اشترط البيع جوزت ذلك وجعلت له أن يبيعها ويستبدل بها"([20]).

الوجه الثالث: إن شرط الاستبدال لا ينافي مقتضى العقد، إذ هو لا ينافي لزومه ولا تأبيده، لأن اللزوم والتأبيد لا يقومان بأعيان الوقف بل بغلاته وثمراته، فمادامت غلات الوقف تصرف على التأبيد، ومادام الوقف لازما في صرف غلاته على مصارفها فهو لازم أبدي، لأن العبرة في الوقف بمعناه لا بأعيانه، ومعناه هو: صرف الغلات أبدا على مصارف هي من أبواب البر، وشرط الاستبدال لا ينافي شيئا من ذلك.
واعتبارا بهذا التوجيه - الثالث - فقد رجح الشيخ أبو زهرة رأي هذا الفريق، مستبعدا القول بأن شرط الاستبدال فيه ضرر على المستحقين أو الوقف، لأنه يكون في أكثر أحواله منميا لثمرات الوقف، مدرا لخيراته، مكثرا لغلاته، خصوصا إذا كان من ناظر حكيم، عالم بتصريف الشؤون المالية والاقتصادية ([21]).

أما ما ذهب إليه الفريق الثاني من القول بفساد الشرط وبقاء الوقف صحيحا، فيمكن توجيهه بأن شرط الاستبدال لا يؤثر في بقاء الوقف، والوقف يتم بذلك ولا ينعدم به معنى التأبيد، فيتم الوقف بشروطه، ويبقى الاستبدال شرطا فاسدا، فيكون باطلا في نفسه، كالمسجد إذا شرط الاستبدال به، أو شرط أن يصلي فيه قوم دون قوم، فالشرط باطل، واتخاذ المسجد صحيح، فهذا مثله ([22]).

حالة النهي عن استبدال الوقف:

اختلفت وجهات نظر الفقهاء في حكم استبدال الوقف في هذه الحالة على النحو التالي:
في المذهب الحنفي: يصرح الشيخ الطرسوسي رحمه الله بأن هذه المسألة ليس فيها نقل في المذهب، ولذلك فقد خرجها على نقول العلماء فيما إذا شرط الواقف استبدال الوقف.

فأما تخريجها على نقل هلال فظاهر، إذ بالطريق الأولى ألا يجوز أن يستبدل بالوقف بعد النهي عنه، لأن الإمام هلال قال: لا يجوز الاستبدال إلا إذا شرطه الواقف، وإذا لم يشرطه فلا يجوز، فبقي بالطريق الأولى إذا نص على عدم الاستبدال به ألا يجوز الاستبدال.
وأما تخريجها على ما نقل عن أبي يوسف، فالظاهر أنه يجوز الاستبدال للقاضي إذا كان فيه مصلحة للوقف، وان كان الواقف نص على ألا يستبدل به، وذلك لأن أبا يوسف رحمه الله علل في جواز الاستبدال بعلة تصلح أن يخرج الجواب - هنا - عليها، وهي أن الضرورة قد تستدعي الاستبدال، لأن الأرض ربما لا تخرج من الغلة ما يفضل عن مؤنها، فيؤدي إلى عدم وصول شيء إلى الموقوف عليهم.

فالواقف إذا شرط ألا يستبدل بالوقف ورأى الحاكم المصلحة للوقف في استبداله، يكون قد اجتمع نص الواقف ورأي الحاكم، والمخالفة بينهما ظاهرة، فإن أخذ بما شرطه الواقف فقد تفوت مصلحة الوقف، وتتعطل مصلحة الموقوف عليهم، وان أخذ برأي الحاكم فقد تتحقق المصلحة، فيبقى شرط الواقف في معنى اشتراط شرط لا فائدة فيه للوقف، واشتراطه شرطا لا فائدة فيه ولا مصلحة للوقف غير مقبول [(*)]، كما قيل في اشتراط الواقف أن القاضي أو السلطان لا يكون له كلام في الوقف، فقد قيل: إنه شرط باطل، وللقاضي الكلام، لأن نظره أعلى، وهذا شرط ليس بموافق للشرع فلا يعمل به ([23]).

في المذهب المالكي: يرى المالكية أنه إذا اشترط الواقف في وثيقة الوقف عدم بيع الوقف واستبداله بغيره، كان شرطه جائزا، ووجب العمل به، فإن أقدم الناظر - والحال هذه - على استبدال شيء من الوقف كان تصرفه باطلا، ووجب عليه رده، فإن امتنع زجره الحاكم ([24]).

في المذهب الشافعي: إذا كان الشافعية يجيزون استبدال الوقف مع إذن الواقف به، فمن البداهة ألا يجوز عند النهي عنه، على اعتبار أن المسلمين على شروطهم.

في المذهب الحنبلي: يرى الحنابلة أنه إذا كان الوقف لا يرجى منه خير، كما إذا كان فرسا موقوفا على الغزو وقد كبر، ولم يعد صالحا للغزو وأمكن الانتفاع به في شيء آخر، مثل أن يدور في الرحى أو تحمل عليه البضائع، أو تكون الرغبة في نتاجه، فإنه يجب بيعه ولو شرط الواقف عدمه، ووجه ذلك أن الناظر يلزمه فعل المصلحة، ومن المصلحة: البيع هنا، وحجتهم في ذلك قوله عليه السلام: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله[(**)]؟([25]).

وبهذا العرض يتضح أن الحنفية - والمالكية في رأي - والشافعية لا يجيزون استبدال الوقف إذا نهى عنه الواقف، وفي المقابل نجد الحنابلة والحنفية - في رأيهم الآخر - يجيزونه إذا كان فيه مصلحة.

ثانيا- في حالة سكوت الواقف عن موضوع الاستبدال:
في هذه الحالة يميز الفقهاء بين استبدال المسجد وغيره، وفي غير المسجد بين منقطع المنفعة وتامها، على مسألتين:

- المسالة الأولى: استبدال الوقف غير المسجد.
والوقف غير المسجد قد يكون متعطلا غامرا[(?)] غير تام المنفعة، وقد يكون عامرا تام المنفعة، وحكم استبدال هذا يختلف عن حكم استبدال ذاك، ولهذا نقسم كلامنا في هذه المسألة إلى فقرتين، نتناول في الفقرة الأولى حكم استبدال الوقف منقطع المنفعة، ونتناول في الفقرة الثانية حكم استبدال الوقف تام المنفعة.

أ- حكم استبدال الوقف منقطع المنفعة:
ونفرق في بيانه بين استبدال العقار من جهة، واستبدال المنقول من جهة أخرى، على النحو التالي:

1- استبدال العقار منقطع المنفعة:
اختلف فقهاء الإسلام في حكم استبدال العقار الموقوف إذا انقطعت منفعته، بأن صار غير صالح فيما وقف فيه، اختلافا واسعا نعرض له مع الموازنة والترجيح.
* عرض الآراء الفقهية:
- في المذهب الحنفي: تحصل من اختلاف الحنفية في المسألة رأيان:
- الرأي الأول: يجوز استبدال العقار الوقف إذا انقطعت منفعته إذا كان بإذن القاضي ورأى المصلحة فيه([26]).
جاء في مجمع الأنهر: "وأما الاستبدال بدون الشرط فلا يملكه إلا القاضي بإذن السلطان حيث رأى المصلحة فيه"([27]).

وفي الخانية: "أما بدون الشرط، فقد أشار في السير أنه لا يملك الاستبدال إلا القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك"([28]).
والحجة التي ذكرها أبو يوسف - هنا - لجواز الاستبدال هي: ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه وقف على ابنيه الحسن والحسين، فلما خرجا إلى صفين، قال: إن نأت بهم الدار فبيعوها، واقسموا ثمنها بينهم [(*)]، ولم يكن شرط البيع في أصل الوقف ثم أمر بالبيع ([29]).


وهي حجة في غير محلها كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة، لأن كلام الإمام علي يدل على أنه يجوز بيع الوقف واقتسام ثمنه إن لم يؤد إلى الغاية المقصودة منه، في حين أن المسألة التي يراد الاستدلال عليها هي بيع الموقوف لشراء غيره يحل محله، وهذه دون ما يؤدي إليه الدليل ([30]).
- الرأي الثاني: لا يجوز استبداله ([31])، لأن الوقف لا يطلب به التجارة، ولا تطلب به الأرباح، وما سميت العين الموقوفة وقفا إلا لأنها تبقى لا تباع، وإنما جاز الاستبدال إذا اشترط في عقدة الوقف؛ لأن الناس على شروطهم، ولأن الواقف إنما وقف على مثل ذلك، ولو جاز بيع الوقف بغير شرط لأصبح الوقف يباع في كل يوم، وليس هكذا الوقف ([32]).
والقول بالجواز هو الأصح ([33])، و إن أنكره بعضهم، فقد جاء في البحر: "... ونحن لا نفتي به، وقد شاهدنا في الاستبدال من الفساد ما لا يعد ولا يحصى، فإن ظلمة القضاة جعلوه حيلة إلى إبطال أكثر أوقاف المسلمين، وفعلوا ما فعلوا"([34]).

- في المذهب المالكي: فرق المالكية في حكم بيع العقار منقطع المنفعة واستبداله بين ثلاثة أقسام:
قسم: أجازوا بيعه باتفاق، وهو ما انقطعت منفعته ولم يرج أن تعود، وفي إبقائه ضرر.
وقسم ثاني: لم يجيزوا بيعه باتفاق، وهو ما يرجى عود منفعته، ولا ضرر في بقائه[(**)].
وقسم ثالث: اختلفوا في بيعه والاستبدال به - وهو ما انقطعت منفعته ولا يرجى عودها، وليس في بقائه ضرر - على ثلاثة آراء:
- الرأي الأول: لا يجوز بيعه ولا استبداله، وهو المشهور عن الإمام مالك، وحجته ما يلي:
- عموم قوله عليه السلام: "لا يباع ولا يوهب ولا يورث "، ذلك أن بيعه أو استبداله هو خلاف هذا العموم .
- بقاء أوقاف السلف داثرة[(*)]، فلو كان البيع يجوز فيها لما أغفله من مضى، فبقاؤها خرابا دليل على أن البيع فيها غير مستقيم، لأنه لو استقام لما أخطا من مضى من صدر هذه الأمة، وما جهله من لم يعمل به حتى تركت خرابا ([35]).

- إن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطلها، كالمعتق.
- إن ما لا ينقل الوقف عن مقتضاه إذا لم يخرب لا ينقله عن مقتضاه وإن خرب، كالغصب ([36]).

وقد وجه القاضي عبد الوهاب المالكي هذا الرأي فقال: "الربع الموقف أو المحبس حبسا محرما لا يجوز بيعه إذا خرب، ولا الاستبدال به بوجه؛ لأن في بيعه إبطال شرط الواقف وحلا لما عقده، وذلك غير جائز، واعتبارا به إذا لم يخرب، ولأن العمارة تنتقل من مكان إلى مكان، فلم يكن في تبقيته إتلاف له، لجواز عودة العمارة إليه".
- الرأي الثاني: يجوز استبداله، وهو رواية أبي الفرج عن الإمام مالك ([37]).
ووجه الجواز اعتباره بالحيوان، ولأن الواقف إنما أراد وصول الانتفاع إلى الموقوف عليه من جهة هذا العقار الموقوف، فإذا لم يتحصل من جهته منفعة وجب أن تنقل إلى منفعة ما يقوم مقامه، وإلا كان في ذلك إبطال شرطه ([38]).
- الرأي الثالث: وهو للإمام اللخمي، حيث فرق بين ما إذا كان الربع العامر في المدينة وبين ما إذا كان بعيدا من العمران، فمنع بيع الأول، على اعتبار أنه لا يحصل اليأس من إصلاحه، فقد يقوم محتسب لله فيصلحه، وأجرى الثاني على الرأيين المتقدمين، مع اختياره الرأي الأول، حيث قال: "والذي آخذ به في الرباع المنع؛ لئلا يتذرع إلى بيع الأحباس"([39]).
والصحيح من هذه الآراء هو: الرأي الثاني، لا فرق فيه بين ما بعد عن العمران وما كان داخله، وهو ما رجحه ابن عرفة، وبه وقعت الفتوى والحكم ([40]).
- في المذهب الشافعي: إذا تعلق الأمر بأرض موقوفة، فإن الشافعية لا يرون جواز بيعها في أي حال من الأحوال، حتى ولو انقطعت منفعتها، لكنهم على خلاف في استبدال الدار الموقوفة إذا انهدمت، أو أشرفت على الانهدام على ثلاثة آراء ([41]):

- الرأي الأول: يجوز بيعها واستبدالها، سواء كانت موقوفة على المسجد أم على غيره .
- الرأي الثاني: يجوز ذلك في الموقوفة على المسجد دون غيرها.
- الرأي الثالث: لا يجوز ذلك مطلقا، وبهذا أفتى الشيخ أبو زكرياء، لبقاء الانتفاع بأرضها وإمكان عمارتها ([42])، وعليه أكثر الشافعية، فقد جاء في فتاوى الرملي: "ومما يتصل بهذا الأصل أن من وقف دارا فأشرفت على الخراب وعرفنا أنها لو انهدمت عسر ردها وإقامتها، ذهب الأكثرون إلى منع البيع وجوزه مجوزون"([43]).
وقال السبكي فيما نقله عنه الرملي بأن منع البيع هو الحق ([44]).
وقد حمل العلامة الرملي رأي القائلين بجواز استبدال الدار على البناء خاصة ([45])، فتعقبه محشيه وقال: "أي دون الأرض فلا يجوز بيعها"([46]).
- في المذهب الحنبلي: للحنابلة رأيان، الصحيح منهما القول بالجواز، وعليه أكثر الحنابلة، وجزم به كثيرون ([47])، وعلى هذا الرأي ذكروا وجهين:
- الوجه الأول: لا يباع العقار الموقوف إلا أن لا ينتفع منه بشيء أصلا، بحيث لا يرد شيئا.
- الوجه الثاني: إذا تعطل كثر نفعه جاز بيعه ([48]).
- في المذهب الشيعي: يرى الشيعة الزيدية جواز استبدال ما بطل نفعه في المقصود من وقفه ولو حصل الرجاء بعوده في المستقبل ([49]).
* موازنة وترجيح:
يتضح من خلال هذا العرض أن في حكم استبدال العقار الموقوف إذا انقطعت منفعته فيما وقف فيه رأيين على العموم، لا فرق فيهما بين الأرض والدار، إلا عند الشافعية، فقد فرقوا بينهما، حيث منعوا استبدال الأرض واختلفوا في شأن الدار.

واذا تأملنا هذين الرأيين وجدنا أن الأخذ بجواز استبدال الوقف الغامر كثر وجاهة من غيره، لاسيما إذا كان بإذن القاضي ورأيه المصلحة فيه، كما ذهب إلى ذلك رأي من الحنفية، لأن ترك الأوقاف خربة دون استبدالها هو من باب إضاعة المال المنهي عنها، فضلا عن أن ذلك قد يجر إلى مفسدة عظيمة، بأن تبقى دور الوقف خاوية خربة وأراضيه مهجورة ميتة، مما يترتب عليه ضرر بالموقوف عليهم وغيرهم من جهات البر والخير، وبالتالي ضرر على المجتمع وعلى التنمية العامة للبلاد، فإن الشرع الحكيم حث على كل ما من شأنه رفع مستوى الأمة ورغب فيه.

2- استبدال المنقول منقطع المنفعة:

إذا كان الموقوف من المنقولات، بأن كان غير أصل، كالعروض والحيوان والثياب والسلاح، وعدمت منفعته فيما وقف فيه، كالثوب يبلى، والفرس يمرض، فقد اختلف فقهاء الإسلام في حكم استبداله على آراء، نعرض لها مع الموازنة والترجيح على النحو التالي:
* عرض الآراء الفقهية:
- في المذهب الحنفي: سبق عن الحنفية أنهم لا يجيزون وقف المنقول إلا في بعض الصور، ومع ذلك فهم لا يفرقون بينه وبين العقار إذا انقطعت منفعتهما، حيث يرون أن حكم الاستبدال فيهما واحد. وهو نفس مسلك الشيعة الجعفرية.

- في المذهب المالكي: ذكر المالكية في حكم استبداله قولين:

- القول الأول: يباع [(*)]، ويشترى بثمنه مثله، مما ينتفع به فيما وقف فيه ذلك المبيع، وممن قال به: ابن القاسم ([50]).
جاء في المنتقى: "قال مالك في المجموعة في الفرس المحبس يضعف فلا يبقى فيه قوة للغزو: لا بأس ببيعه، ويجعل ثمنه في آخر. قال ابن القاسم: ... والثياب تباع إن لم تبق فيها منفعة، ويشترى بثمنها ما ينتفع به"([51]).

وتوجيه هذا القول من وجهين:

- الوجه الأول: إن في عدم بيع المنقول واستبداله إذا انقطعت منفعته ضياعا وفسادا واضحين، سيما وأنه في الغالب لا يرجى عودته إلى ما كان عليه، وليس كذلك الرباع، فإنها تعمر بعد الخراب، فلذلك لم يجز بيعها ([52]).

وفي هذا يقول القاضي عبد الوهاب: "فوجه قول ابن القاسم أنه إذا لم تبق فيه منفعة في الحال ولا في المترقب في الوجه الذي حبس عليه، لم يكن في تبقيته فائدة إلا تعريضه للتلف، وذلك غير جائز، لأن إضاعة المال منهي عنها"([53]).

- الوجه الثاني: إن تبقيته ومنع بيعه إنما يراد لئلا يبطل شرط الواقف، وتبقيته في هذه الحال تؤول به إلى ذلك من غير نفع، فكان إبطال الشرط بما يقوم مقامه ويسد بعض مسده أولى ([54]).

- القول الثاني: لا يباع، إلا أن يكون الواقف شرط ذلك، وهو قول ابن الماجشون ([55]).

ووجه هذا القول: قياس المنقول على الرباع، بعلة أنه عين أبد وقفها، فلم يجز بيعها؛ لعدم الانتفاع بها، كالرباع ([56]).
وأشهر القولين هو ما ذهب إليه ابن القاسم ([57]).
- في المذهب الشافعي: تحكي كتب الشافعية أنه إذا كان الموقوف منقولا كبهيمة[(*)] فزمنت، أو شجرة فجفت وانقطعت منفعتها، أو قلعها الريح، أو جرفها السيل أو نحو ذلك، ولم يمكن إعادتها إلى مغرسها قبل جفافها، ففي حكم استبداله رأيان:

- الرأي الأول: لا يجوز بيعه أو استبداله كالمسجد، لحديث عمر المشهور، وينتفع به على النحو الذي صار عليه، بإجارة وغيرها، إدامة للوقف في عينه، فلو لم يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه بإحراق ونحوه، صار ملكا للموقوف عليه على القول المصحح، ينتفع به دون أن يكون له حق بيعه، وهذا ما حذا ببعضهم إلى الاعتراض عليه، مدعيا أن القول بعدم بطلان الوقف والقول بعوده ملكا متنافيان.

لكنه اعتراض أجيب عنه بأن عود الوقف ملكا يعني أنه ينتفع به ولو باستهلاك عينه، ومعنى عدم بطلانه: أنه باق، لا يفعل به ما يفعل بسائر الأملاك من بيع ونحوه، وبهذا لا يبدو هناك أي تناف ([58]).
- الرأي الثاني: يباع، لتعذر الانتفاع به على وفق شرط الواقف، ولكيلا يضيع، فإدراك اليسير من ثمنه يعود على الوقف أولى من ضياعه ([59]).
والرأي الأول هو الأصح عند الشافعية ([60]).

- في الفقه الحنبلي: أجاز الحنابلة بيع المنقول الذي انقطعت منفعته فيما وقف فيه، حتى إنهم أجمعوا على جواز بيع الفرس الحبيس الموقوف على الغزو إذا كبر ولم يعد صالحا للغزو مع إمكان الانتفاع به في شيء آخر ([61])، بل وذكر بعضهم وجوب البيع، على اعتبار أن الناظر يلزمه فعل المصلحة، ومن المصلحة: البيع هنا ([62]).


* موازنة وترجيح:
يتضح من خلال هذا السرد لمختلف وجهات نظر الفقهاء في حكم استبدال المنقول منقطع المنفعة، أنهم على رأيين (الجواز وعدمه)، وأن القول بالجواز هو الأصح عند الحنفية، والأشهر عند المالكية. وهو ما عليه فقهاء الحنابلة، في حين أن القول بعدم الجواز هو الأصح عند الشافعية، مما يوضح لنا التشديد الذي انفرد به هؤلاء دون غيرهم في هذه المسالة.
ولاشك أن الأخذ بالجواز هو الأوجه، لأن في عدم البيع والاستبدال هنا ضياعا واضحا، سيما وأن المنقولات يتسارع إليها الفساد، كما أن إدراك اليسير من ثمنها يعود ببعض النفع على الوقف، وليس كذلك تركها دون استبدال.
ب- حكم استبدال الوقف تام المنفعة:

لم يخل الوقف العامر بدوره من الخلاف في حكم استبداله، ولذلك نعرض لهذا الخلاف مع الموازنة والترجيح على النحو التالي:

* عرض الآراء الفقهية:

- في المذهب الحنفي: لا يجيز الحنفية بيع الوقف إذا كان له ريع وغلات تفضل عن مؤنته وتصرف في مصارفه، غير أنهم استثنوا حالتين: تتعلق الأولى بوقف يجاور مسجدا ضاق بأهله، وتتعلق الثانية التي كانت محل نقاش، بما إذا وجدت عين أخرى أدر نفعا وأكثر غلة، وأكثر ثمرة، وأريد الاستبدال بها.

ففي الحالة الأولى يباع الوقف ليوسع به المسجد، فإن رضي مستحقوه فلا إشكال، وان أبوا أخذ منهم بأمر القاضي، جبرا بالقيمة، وهذا من الإكراه الجائز عندهم[(*)]([63])، ومحل ذلك ما لم يكن في البلد مسجد آخر، إذ لو كان فيه مسجد آخر لأمكن دفع الضرورة بالذهاب إليه، نعم فيه حرج، لكن الأخذ كرها أشد حرجا منه، ويؤيد ذلك ما ذكر من فعل الصحابة، إذ لا مسجد في مكة سوى المسجد الحرام ([64]).

أما في الحالة الثانية: حيث العين المراد الاستبدال بها أدر نفعا وأكثر غلة، فقد اختلفوا في حكم استبدال الوقف - تام المنفعة - بها على رأيين:
- الرأي الأول: لا يجوز استبداله، وبه قال هلال ([65])، وهو الأصح المختار ([66]).

وقد اختاره ابن الهمام؛ بحجة أن الواجب يقضي بإبقاء الوقف على ما كان عليه دون زيادة أخرى، لعدم الموجب لتجويزه، إذ الموجب إما الشرط وليس موجودا، أو الضرورة ولا ضرورة في هذه الحالة ([67]).
- الرأي الثاني: يجوز استبداله، وبه قال أبو يوسف في رواية عنه، وعليه الفتوى ([68]).

وقد ألحق الحنفية هنا حالتين جاز فيهما الاستبدال، وهما:
- الحالة الأولى: أن يغصب الوقف غاصب، ويعجز الناظر عن استرداده، ولا بينة له على الغصب، وأراد الغاصب أن يدفع قيمته، أو يصالح عنه بشيء، فإنه يجوز ولو كان الموقوف ذا ريع، ويشترى بما يؤخذ عقارا يكون وقفا بدل الأول.

- الحالة الثانية: أن يجري غاصب الأرض الموقوفة الماء عليها حتى تصير بحرا، يتعذر معه زرعها، فهنا يجب على الناظر أن يضمنه قيمة الأرض ثم يشتري بها عقارا يكون وقفا بدلها ([69]).
ولا يبدو عد هذه الحالة من الأحوال التي يستبدل فيها الوقف العامر، إذ الفرض أن الماء قد غلب على الأرض حتى صارت بحرا يتعذر معه زرعها، يؤكد هذا صاحب غمز عيون البصائر حيث قال:
"قوله: الثانية: إذا غصبه غاصب وأجرى الماء عليه الخ. قيل عليه: إن الوقف حينئذ يكون غامرا لا عامرا، فلا يحسن نظمه في سلك ما نحن فيه"([70]).
- في المذهب المالكي: يرى المالكية أنه لا يجوز بيع الموقوف إذا كان قائم المنفعة، سواء أكان عقارا أم منقولا- والحالة أن الواقف لم يذكر شيئا من أمر الاستبدال -، إلا إذا تعلق الأمر بمسجد ضاق بأهله أو بطريق أو مقبرة احتاجت إلى توسعة، فإن في بيع الوقف لأجل ذلك خلافا على آراء:
- الرأي الأول: يجوز بيع الوقف العامر، غير المسجد والطريق والمقبرة، لتوسيع هذه الأماكن الثلاثة أو واحد منها ([71]).

ووجهه أن توسيع هذه الأماكن هو من جملة مصالح الأمة، فإذا لم يبع الوقف من أجلها تعطلت تلك المصالح، وأصاب الناس عسر وضيق، والواجب الديني يحتم على كل امرئ إماطة الأذى عن الجميع، وتسهيل الحياة لهم، ولهذا جاز البيع في هذه الحال.
- الرأي الثاني: لا يجوز بيعه إلا لتوسيع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
- الرأي الثالث: إذا ضاق الجامع والى جنبه وقف للمساكين، فلا يباع لتوسعة الجامع، وان اشتري بثمنه مثله أو جزء منه، ولكن يكترى من مال الجامع، ويكون النفع للجامع في البقعة والملك لغيره، أما بيع وقف المساكين فلا، وبه قال أبو عمران.

- الرأي الرابع: لا يجوز بيع الوقف إلا لتوسيع المسجد خاصة، وبه قال ابن زرب ([72]).
وأكثر المالكية على الرأي الأول لما يلي:
- لأن السلف عملوا ذلك في مسجده عليه السلام، حيث زادوا فيه دورا موقوفة والناس متوافرون في ذلك الوقت، فلم ينكر ذلك أحد.
- ولأن منفعة المسجد والطريق والمقبرة أعم وأهم من نفع غيرها ([73]).
وعليه وقع الخلاف هل الأمر يتعلق بكل مسجد أم يختص بمساجد الجوامع فقط، على وجهين:

- الوجه الأول: يجوز بيع الوقف لتوسيع كل مسجد يحتاج إلى توسعة، وهو ما في النوادر عن الإمام مالك.
- الوجه الثاني: لا يجوز بيعه إلا من أجل توسيع مساجد الجوامع عند الاحتياج، أما مساجد الجماعات فلا، إذ ليست الضرورة في ذلك مثل الجوامع ([74]).

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.31%)]