عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-03-2019, 05:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,352
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفردة (مثل) في القرآن الكريم، دراسة تطبيقية لعلم الوجوه والنظائر

مفردة (مثل) في القرآن الكريم،


دراسة تطبيقية لعلم الوجوه والنظائر




د. يوسف مرزوق الضاوي (*)



4-(المثلى، أمثلهم):

قال تعالى: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) (طه: 63) المُثْلى تأنيث الأَمْثَل ([89]) والأَمثل ذو الفضل الذي يستحق أن يقال له: هو أَمْثَلُ قومه ([90]) والطريقة المثلى التي هي أشبه بالحق ([91])، وقال تعالى: (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)) (طه: 104) قال الفراء: أجودهم قولاً عند نفسه ([92])، وقيل أعدلهم وأشبههم بالحق ([93]).

المبحث الثاني
الوجوه الواردة في القرآن الكريم لمفردة (مَثَل)

تكاد تتفق كتب الوجوه والنظائر على أن مفردة مثل في القرآن الكريم لها أربعة أوجه، ما عدا الإمام يحيى بن سلام (ت200هـ) والإمام إسماعيل الحيري النيسابوري (ت431هـ) فقد عدوا لها وجهاً خامساً ([94]).
وأما مقاتل بن سليمان (ت150هـ) فقد ذكر أن لها أربعة أوجه ([95]).
وعد لها هارون بن موسى الأعور (ت170هـ) أربعة أوجه ([96]).
وذكر الدامغاني (ت478هـ) أن لها أربعة أوجه ([97])، وكذلك الإمام أبو الفرج ابن الجوزي (597هـ) ([98]).
وعلى هذا فإن مفردة (مثل) تأتي على أربعة أوجه في القرآن الكريم:
الوجه الأول: (الصفة)
تأتي مفردة (مثل) بمعنى: الصفة كثيراً في القرآن، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما جاء في قوله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)) (الرعد: 35) يعني صفتها، قال الدامغاني: يعني صفة الجنة([99])، قال القرطبي: "مثل الجنة التي وعد المتقون "أي صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار... والمثل بمعنى الصفة موجود، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)) (النحل: 60) أي الصفة العليا([100]).
وأنكر أبو علي الفارسي ورود المثل بمعنى الصفة، وقال: (لم يُسمع "مَثَلٌ" بمعنى الصفة، إنما معناه الشبه) ([101])، ورد عليه المفسرون بوقوع ذلك في القرآن، قال أبو حيان في البحر المحيط: (لا يظهر لي فرق بين كلامه هنا وكلام من جعل المثل بمعنى الشأن والحال، أو بمعنى الصفة، وفي "ري الظمأن" قيل: المثل بمعنى الصفة، وقولك صفة عيسى كصفة أدم ([102]) كلام مطرد، على هذا جل المفسرين واللغويين، وخالف أبو علي الفارسي الجميع) ([103]).
وقال الواحدي في التفسير البسيط: "(ولله المثل الأعلى": الصفة العليا من تَنَزُهِه وبراءته عن الولد، وهذا قول صحيح، و"المَثَلُ" يَرِدُ كثيراً بمعنى الصفة... وإن أنكر ذلك بعض المتأخرين، فقد روي عن المتقدمين من أئمة اللغة المَثَلُ بمعنى الصفة) ([104]).
وهذا قول أئمة كبار من أئمة اللغة والتفسير، مثل: يونس بن حبيب (ت182هـ)، والفراء (ت207هـ)، ومحمد بن سلام الجمحي (ت231هـ)، وإليه ذهب كبير المفسرين محمد بن جرير الطبري ([105])، ومال إليه الأزهري في تهذيب اللغة ([106]).
ونظير ذلك ما جاء في قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)) (الفتح: 29).
وقال الزجاج في معاني القرآن: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) أي ذلك صفة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة، ثم اعلم أن صفتهم في الإنجيل أيضاً.
وهو قول عامة المفسرين ([107])، قال الدامغاني: المثل بمعنى الصفة: قوله تعالى في سورة الفتح: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) يعني صفتهم ([108]).
وقال ابن قتيبة: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) أي: صفتهم ([109]).
هذا ولم يذكر مقاتل هذا الوجه من ضمن الأوجه التي ساقها لمفردة مثل ووافقه يحيى بن سلام أيضاً وذكرا بدلاً عنها معنى الشبه ([110]).
الوجه الثاني: المثل بمعنى العبرة
وتأتي مفردة مثل في القرآن أيضاً بمعنى العبرة، وذلك في قوله تعالى: (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)) (الزخرف 56)، وقوله: (وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)) (الزخرف 59).
قال مقاتل بن سليمان: مثل يعني عبرة، فذلك قوله في الزخرف (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (الزخرف :59) يعني: عبرة للآخرين، يعني لمن بعدهم، وقال لعيسى عليه السلام: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (الزخرف:59)، يعني: عبرة ([111]).
وتابعه في ذلك هارون بن موسى الأعور، ويحيى بن سلام، والحيري، وابن الجوزي، والدامغاني([112])، وهذا تفسير مجاهد لآية الزخرف الثانية كما نقله عنه يحيى بن سلام([113]).
وقال ابن قتيبة: "فجعلناهم سلفاً": قوماً تقدموا، "ومثلاً": عبرة ([114]).
وهو قول عامة المفسرين كما قال ابن جرير الطبري: "ومثلاً للآخرين": أي عبرة وعظة يتعظ بهم من بعدهم من الأمم، فينتهوا عن الكفر بالله، وبمثل الذي قلنا قال أهل التأويل ([115]).
الوجه الثالث: المثل بمعنى السنن ([116])
وهذا يردد كثيراً في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)) (البقرة: 214).
قال مقاتل: مَثَل: يعني: سُنَن، فذلك قوله في البقرة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ) يعني: سُنَن الذين من قبلكم من الملأ، يعني: مؤمني الأمم الخالية، وقال في الزخرف (وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)) (الزخرف: 8)، وقال في النور: (وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)) (النور: 34) يعني: سنن العذاب في الأمم الخالية ([117]).
وهذا التفسير مأثور عن مجاهد، رواه عنه الطبري بإسناده عن (وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)) قال: سننهم ([118]).
وأورد مكي ابن أبي طالب في تفسيره قولاً آخر بأن "مَثَل هنا بمعنى صفة، وساق هذا القول مساق التضعيف بعد أن ذكر المعنى الأول "سُنَن"، فقال: (وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)) أي ومضي لهؤلاء المشركين المستهزئين بك يا محمد مِثْلُ ما مضى للأمم قبلهم من العقوبات إن أقاموا على شركهم وتكذيبهم لك، قال قتادة: "مثل الأولين" عقوبتنا لهم، وقال مجاهد: سنتنا فيهم، وقيل: "مثل" هنا بمعنى صفة أي: صفتهم بأنهم أهلكوا على كفرهم ([119]).
الوجه الرابع: مثل بمعنى عذاب
وردت مفردة "مثل" بمعنى عذاب في موضعين من القرآن الكريم
الأول: في قوله تعالى: (وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)) (الفرقان 39).
والثاني: في قوله تعالى: (وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)) (إبراهيم 45).
قال مقاتل: "مثل" يعني عذاباً، فذلك في قوله تعالى في الفرقان: (وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)) (الفرقان 39)، يعني: وصفنا له العذاب، إنه نازل بهم في الدنيا يعني الأمم الخالية، نظيرها في إبراهيم، حيث يقول: (وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)) (إبراهيم: 45)، يعني: وصفنا لكم العذاب، يعني: عذاب الأمم الخالية، يُخوِّف كفار أهل مكة ([120]).
وبمثله قال هارون بن موسى، ويحيى بن سلام، والحيري، والدامغاني، وابن الجوزي ([121]).

(وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)) يعني: وصفنا لكم عذاب الأمم الخالية ([122]).
الخاتمة

في نهاية هذا البحث الذي تناولت فيه شيئاً من علم الوجوه والنظائر في القرآن من حيث التعريف لغة واصطلاحاً، والأصل في هذا العلم، واهتمام السلف به، ونشأته، وأهميته، وأهم مصادره، وأهم المؤلفات فيه، وتطرقت إلى العلاقة بينه وبين علم التفسير وعلم اللغة، ودراسة مفردة (مثل) من الجانب اللغوي لبيان الأصل الجامع لمعاني هذه المفردة، ومن الجانب الموضوعي، وهو يتناول ورودها في القرآن الكريم، ودراسة الأوجه التي وردت فيها هذه المفردة، من خلال كتب الوجوه والنظائر، وكتب التفسير.
فإنه من الأهمية بمكان أن أذكر أبرز نتائج هذا البحث، وهي:
أن علم وجوه القرآن ونظائره، علم قديم نشأ من عهد الصحابة رضوان الله عليهم.
أن مرجع معرفة الوجوه هو كتب التفسير واللغة بشكل عام، والكتب المصنفة في الوجوه والأشباه والنظائر بشكل خاص.
أن معرفة الوجوه يترتب عليه أثر كبير في التفسير.
أن مفردة (مثل) جاءت بعدة وجوه في الكتاب العزيز.
استعمال المفردة الواحدة في عدة معانٍ –يحددها السياق-يدل على الثراء في اللغة العربية.

ومن توصيات البحث:


دراسة مفردات القرآن دراسة موضوعية، وبيان علاقتها باللغة العربية، مع تطبيق ذلك على نماذج من القرآن.
تصنيف مؤلف يختص بجمع جميع الوجوه والنظائر، ليكون موسوعة معاني مفردات القرآن الكريم.

الابتعاد قدر الإمكان عن التعسف في حمل اللفظ على معان بعيدة لا يحتملها.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]