عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 20-03-2019, 04:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أثر التقنية الحديثة في الطهارة

أثر التقنية الحديثة في الطهارة
(4)
د. هشام بن عبدالملك ال الشيخ
















الدليل الثاني:



قول الله تعالى:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}[53]



وجه الاستشهاد من الآية:



دلَّت الآية الكريمة على أن الحامل تحيض، قال ابن عباس – رضي الله عنهما - في تأويل{تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}: (إِنَّهُ حَيْضُ الحُبْلىَ)، وكذا روي عن عكرمة[54]، ومجاهد[55]، رحمهم الله.[56]



الدليل الثالث:



ما روي عن عائشة – رضي الله عنها - :"قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم - فِي حَجِّهِ لَا نَرَاهُ إلَّا الْحَجَّ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفٍ[57], أَوْ قَرِيباً مِنْهَا حِضْت، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا بَالُكَ أَنَفِسْتِ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي الْحَجَّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي" متفق عليه.[58]



وما روي - أيضاً – عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش – رضي الله عنها - :"إِذَا كَان الْحَيْضُ فَإِنَّهُ أَسْوَدَ يُعْرِف[59]، فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةْ، وإِذَا كَانَ الآخَرَ فتَوَضَئِي وصَلِّي؛ فَإِنَمَا هُو دَمُ عِرْق".[60]



وجه الدلالة من الحديثين:



أن النبي – صلى الله عليه وسلم - ذكر أن الحيض يأتي عموم النساء والحامل من جملتهم، إذ تشترك مع عموم النساء في ذلك، كما يشترك الرجال والنساء في إخراج الفضلات من البول والغائط[61]، والدم إذا خرج من الحامل على صفة الحيض يكون حيضاً في زمن إمكانه[62]، والحكم عام يشمل جميع النساء: الحامل وغيرها.[63]



الجواب عن هذا الاستدلال:



يجاب عن هذا الاستدلال بأمور هي:



أولاً: حديث عائشة- رضي الله عنها - لا يدل على حيض الحامل؛ لأن الحامل ينسد فم رحمها، فيمنع نزول دم الحيض منها، والحديث في من ليس عندها مانع من حمل ونحوه.[64]



ثانياً: أن زمن الحمل لا يرى فيه دم الحيض غالباً، فلم تكن ما تراه من الدم حيضاً كالآيسة، فإنه دم فساد، وهكذا الحامل.[65]



ثالثاً: أن صفة دم الحيض أسود في الغالب، بدليل أن الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض، والحيض اسم للدم الخارج من الرحم، ودم الحامل لا يخرج من الرحم، ولأن الله تعالى أجرى العادة في النساء إذا حملن أن ينسد فم الرحم، فلا يخرج منه شيء، وإذا كان كذلك فلا يكون الدم النازل من الحامل حيضاً بحال.[66]



الدليل الرابع:



ما روي عن عائشة – رضي الله عنها - قالت: "فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ[67]، وفي رواية (إنَّهُ حَيْضٌ).[68]



وروي عـن الإمام مـالك بن أنـس[69]:"أَنَّهُ سَـأَلَ ابْنَ شِـهَابٍ الزُّهْرِي[70]



عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ، فَقَالَ: تَكُفُّ عَن الصَّلَاةِ".[71]



وروي عن عكرمة أنه قال في قوله تعالى:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ }[72]، قال: "هُو حَيْضٌ عَلى الحَبْلِ".[73]



وجه الاستدلال من الآثار:



أن هذه الآثار تدلُّ على وجود الحيض من الحامل، وأنه يمنع الصلاة وغيرها من العبادات التي تمنع الحائض.



الجواب عن هذا الاستدلال:



الأثر عن عائشة - رضي الله عنها - معارض بأثر آخر يدل على عدم حيض الحامل، قالت :"إِنَّ الحُبْلَى لاَ تَحِيض، فَإِذَا رَأَت الدَّمَ فَلْتَغْتَسِل، وَتُصَلِي".[74]



ويمكن الجمع بين الأثرين، بما رواه الموفق ابن قدامة عن الإمام أحمد أنه قال: "قَوْلُ عَائِشَةَ يُحْمَلُ عَلَى الْحُبْلَى الَّتِي قَارَبَتْ الْوَضْعَ , جَمْعاً بَيْنَ قَوْلَيْهَا".[75]



ويحمل كذلك أثر الزهري وعكرمة – رحمهم الله – على الحامل التي قاربت الوضع، فإنها تأخذ حكم الحائض، وهو النفاس، ويؤيد ذلك ما روي عن الحسن البصري أنه قال: "فِي المَرْأَةِ الحَامِلِ إِذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ، وَرَأَت الدَّمَ عَلَى الوَلَد فَلتُمْسِك عَن الصَّلاَة".[76]



الدليل الخامس:



أن الدم الذي تراه الحامل في أثناء الحمل، إن وافق العادة وكان على صفة دم الحيض فهو حيض؛ لأن الحمل لا يمنع نزول الحيض، كما لا يمنع الرضاع من نزول الحيض، وإن كانت المرضعة لا تحيض غالباً، وكذلك الحكم في الحامل.[77]



الجواب عن هذا الدليل:



هناك فرق بين نزول دم الحيض من المرضعة ونزوله من الحامل، فالمرأة إذا حملت انسد فم رحمها، فلا يخرج منه شيء، بل يتحول دم الحيض غذاءً للجنين في البطن، وما ينزل من المرأة الحامل يقيناً ليس من الرحم، فلا يسمى حيضاً، أما المرضعة فلا يوجد مانع من نزول دم الحيض منها.[78]







الفرع الثاني: الأثر الفقهي لإثبات الحيض للحامل



هذه المسألة من المسائل الخلافية الكبيرة عند العلماء – رحمهم الله –، والتي أنتجت أثراً فقهياً في العبادات والمعاملات، فالقائلون بحيض الحامل يرون ترتب أحكام الحيض على الحامل التي ترى الدم في وقت العادة، على صفة دم العادة، فتدع الصلاة والصيام، ولا يجامعها زوجها، ولا تمس المصحف، ولا تطوف بالبيت.



إلا أن هذا الدم الذي تراه الحامل لا تنقضي به العدة، ولا يحصل به الاستبراء؛ إذ انقضاء العدة وحصول الاستبراء يكونان بوضع الحمل، فقد اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على أن عدة الحامل بوضع الحمل لا بالحيض ولا بغيره[79]، وقد جاء النص القرآني بذلك قال الله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }.[80]



أما على القول بعدم اعتبار الدم النازل من الحامل حيضاً، فإن المرأة الحامل عندهم التي رأت الدم في زمن العادة على صفة دم العادة، يحكم عليه بأنه دم فساد وعلة، فلا تدع الصلاة ولا الصيام، ويجامعها زوجها، بل هي في حكم الطاهرات، تتوضأ لكل صلاة.



والطلاق في زمن الدم للمرأة الحامل ليس ببدعي، بل هو طلاق السنة عند أصحاب هذا القول[81]، معتمدين في ذلك على حديث ابن عمر- رضي الله عنهما: "أَنَّهُ طَلَّقَ - امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ - فَسَأَلَ عُمَرُ – رضي الله عنه - النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَ ا, ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً، أَوْ حَامِلاً" متفق عليه.[82]



أما الذين يثبتون الحيض للحامل، فإن طلاقها زمن نزول الحيض ليس ببدعي أيضاً؛ لأن عدة الحامل بالوضع كما عند أصحاب القول الأول.[83]



قال الإمام الشافعي في كتابه الأم: "وَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ عَلَى الْحَمْلِ تَرَكَت الصَّلَاةَ، وَاجْتَنَبَهَا زَوْجُهَا، وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ، إنَّمَا أَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا".[84]



فيكون الأثر المترتب على الخلاف في هذه المسألة منحصراً في الصلاة، والصيام، والجماع، ومس المصحف، والطواف، والمكث في السجد، لا في العدة والاستبراء؛ لأن الفقهاء – رحمهم الله – متفقون على أن عدة الحامل بوضع الحمل لا بغيره.[85]







الفرع الثالث: ما أثبته الطب الحديث في أن الحامل لا تحيض



لم تختلف كلمة الأطباء قديماً وحديثاً في نفي الحيض عن الحامل، فقد جاء عن الطبيب اليوناني أبقراط[86]: "أن المرأة إذا حبلت، لم تألم من اجتماع الدم الذي ينزل ويجتمع حول رحمها، ولا تحس بضعف كما تحس إذا انحدر الطمث؛ لأنها لا يثور دمها في كل شهر، لكنه ينزل إلى الرحم في كل يوم قليلاً قليلاً، نزولاً ساكناً من غير وجعٍ، فإذا أتى إلى الرحم اغتذى منه الجنين ونما".



ثم قال: "وعلى غير بعيد من ذلك، إذا خلق للجنين لحم وجسد، تكون الحجب، وإذا كَبُرَ كَبُرَتْ الحجب - أيضاً - وصار لها تجويف خارج من الجنين، فإذا نزل الدم من الأم جذبه الجنين، واغتذى به، فيزيد في لحمه، والرديء من الدم الذي لا يصلح للغذاء ينزل إلى مجاري الحجب، وكذلك تسمى الحجب التي إذا صار لها الدم المشيمة".



وقال: "إذا تم الجنين، وكملت صورته، واجتذب الدم لغذائه بالمقدار، اتسعت الحجب، وظهرت المشيمة التي تكون من الآلات التي ذكرنا، فإن اتسع داخلها اتسع خارجها؛ لأنه أولى بذلك، ولأن له موضعاً يمتد إليه".[87]



ثم قال الإمام ابن القيم رحمه الله - معقباً على كلام الطبيب اليوناني أبقراط: "ومن ها هنا لم تحض الحامل، بل ما تراه من الدم يكون دم فسادٍ، ليس دم الحيض المعتاد".[88]



وقد أثبتت التقنية الطبية الحديثة أن الحامل لا تحيض؛ لأن بويضة المرأة إذا تم تلقيحها في قناة فالوب أعلى الرحم، تسير هذه اللقيحة عبر قناة فالوب، حتى تصل إلى الرحم، فتنغرس في جدار الرحم، وتتغذى من الغشاء المبطن للرحم، ويتحول هذا الغشاء بكامله لتغذية النطفة.[89]



ونزول دمٍ من الرحم حال الحملِ قد يدل على أن غذاء الجنين قد انقطع، أو فسد الحمل فلم يتوجه له الغذاء، ويخرج الدم من مكانه الطبيعي بعد أن انصرف لتغذية اللقيحة.



لكن على فرض نزول دم من الحامل - والحمل صحيح معافى - فقد ذكر بعض الأطباء أن هذا الأمر راجع لأسباب عصبية وظيفية فحسب.



ويطلق على الدم النازل حال الحمل في العلم البيولوجي، بالحيض الكاذب، حتى ولو كان في موعده، ويحال نزول الدم إلى أسباب عصبية وظيفية كثيرة.[90]



وقد يحدث في بعض حالات الحمل أن يظهر الحيض في موعده بالرغم من وجود الحمل، وقد يتكرر نزوله من مرتين إلى ثلاث مرات، ولكن النزيف في كل مرة منها شحيح، ولا يستمر أكثر من يومين اثنين فقط، فهو حيض كاذب، لا يؤذي صحة الحمل.[91]



ثم إن هرمون (البروجسترون) يجعل انقباضات الرحم بطيئة وممتدة، ويحافظ على انغلاق العضلة المحيطة بفم الرحم، فتكون مغلقة طول فترة الحمل، فلا ينزل منها دم، ولا غيره.[92]



ويمكن بالفحص بجهاز (دوبلر) للموجات فوق الصوتية على المرأة التي تعاني من خروج دم العادة في فترة الحمل، أن يبين مصدر الدم النازل معها، ومن خلال مشاهدة صورة الرحم والجنين، يتبين للطبيب المعالج حالة الجنين والمشيمة المحيطة به، والرحم بوجه عام.



ومن ثم يتم تحديد سبب نزول الدم مع المرأة الحامل، ومصدر هذا الدم.



ويكاد الأطباء يجمعون على أن الحامل لا تحيض، وأن ما تراه من دم إنما هو دم علةٍ وفساد، فلا يخرج حيض بعد حصول الحمل، كما سبق بيانه، بل إن انقطاع دم الحيض عن المرأة من أقوى الأدلة على وجود الحمل، ولا يمكن أن يجتمع حمل صحيح وحيض صحيح؛ لأن ذلك من الجمع بين المتناقضات.



ومن خلال جهاز (دوبلر) للموجات فوق الصوتية[93]، أصبح بالامكان معرفة سبب نزول دم مع الحامل.[94]



وقد أظهرت الدراسات المجراة على الكثير من النساء اللواتي يريْنَ دماً مع الحمل - من خلال الفحص بجهاز (دوبلر) للموجات فوق الصوتية - أن مصدر هذا الدم غير الرحم، وهذا في حالة كون الجنين صحيحاً معافى، أما في حالة كون الجنين عَرَضَ له عارِض، بأن انقطع عنه الغذاء، وخرج دم الحيض، فهذا دليل واضح على فساد الحمل في البطن، أو هو دليل على خروج الجنين من البطن بحثاً عن الغذاء، فيكون النازل دم نفاس، لقرب الولادة، وانتهاء فترة الحمل.[95]



وقد دلَّت الدراسات الطبية الحديثة على أن نزول الدم أثناء الحمل يعود إلى أسباب عديدة منها:



أولاً: نزيف ينذر بالإجهاض في الشهور الأولى للحمل، وقبل الأسبوع الثامن والعشرين.



ثانياً: الحمل خارج الرحم يكون مصحوباً بآلام بالبطن، وهبوط بالضغط، وهي حالة في حاجة للتدخل الجراحي فوراً.



ثالثاً: الحمل العنقودي، وهو حمل غير طبيعي، يكون عبارة عن كتل من الخلايا، لها قدرة على الانتشار في داخل الرحم، ولها خطورة على حياة الأم، ويجب التخلص من هذا الحمل بأسرع ما يمكن، حفاظاً على صحة الأم، كما يجب إجراء الفحوصات باستمرار بعد ذلك.



رابعاً: أسباب تعود إلى الجهاز التناسلي، ومن هذه الأسباب:



1. وجود زوائد لحمية بعنق الرحم.



2. حصول التهاب في عنق الرحم أو المهبل.



3. وجود دوالٍ في عنق الرحم أو المهبل.



خامساً: وجود مشيمة متقدمة.[96]



كما أن هذه الدراسات تؤكد استحالة نزول الدم أثناء فترة الحمل؛ لأن الرحم يكون في حال الحمل واقعاً تحت تأثير الهرمونات التي تفرزها المشيمة لاستمرار الحمل، ولا يمكن أن يحدث نزيف إلا إذا حدث إجهاض.[97]














يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]