عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 20-03-2019, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,047
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أثر التقنية الحديثة في الطهارة

أثر التقنية الحديثة في الطهارة
(4)
د. هشام بن عبدالملك ال الشيخ





المطلب الرابع: في حيض الحامل
وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: خلاف العلماء في إثبات الحيض للحامل.
الفرع الثاني: الأثر الفقهي لإثبات الحيض للحامل.
الفرع الثالث: ما أثبته الطب الحديث في أن الحامل لا تحيض.
الفرع الرابع: أثر الأخذ بقول الطب الحديث في حيض الحامل.

الفرع الأول: خلاف العلماء في إثبات الحيض للحامل
من سنة الله تعالى في هذا الكون، أن خلق الذكر والأنثى، قال تعالى:{وَخَلَقْنَاكُم ْ أَزْوَاجًا}[1]، وجعل بينهم مودةً ورحمةً، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[2]، ومن لوازم هذا السكن التكاثر والتناسل، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.[3]
والمرأة هي المسؤولة عن الحمل، وقد هيأ الله تعالى رحمها لسكنى الجنين فيه، وجعل سبحانه دم الحيض غذاءً له، فإذا تم التلقيح بين مادة الرجل ومادة المرأة، فإن النطفة الملقحة تستقر في الرحم، وجميع ما ينزل من الدم يجتمع حول الجنين، فيصير غذاءً له، ويدخل الغذاء عن طريق السرة، فيتغذى، وينمو الجنين.[4]
وعلى هذا فإن دم الحيض ينحبس لتغذية الجنين في الرحم، فإذا ما رأت المرأة الحامل دماً يصلح أن يكون دم حيضٍ، فإن الفقهاء - رحمهم الله - اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول:
أن الدم الذي تراه الحامل أثناء الحمل - سواءً كان في وقت الحيض أو كان على صفة دم الحيض - إنما هو دم استحاضةٍ، أي: دم علةٍ وفسادٍ، لا يمنع الصلاة والصوم، وحكم المرأة حكم الطاهرات، وإلى ذلك ذهب الحنفي[5]، والحنابلة[6]، والظاهرية[7]، وهو قول الشافعي في القديم[8]، وإليه ذهب سعيد بن المسيب[9]، وعطاء[10]، والحسن البصري[11]، وعكرمة[12]، والشعبي[13]، والثوري، والأوزاعي[14]، وأبو ثور، وابن المنذر.[15]
القول الثاني:
أن الدم الذي تراه الحامل موافقاً لوقت العادة، وصفته كصفة دم الحيض، يعتبر دم حيضٍ، فتدع المرأة الحامل الصلاة والصوم، وحكمها حكم الحائض في جميع الأمور، وإلى ذلك ذهب المالكية[16]، والشافعية[17]، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.[18]
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول لما ذهبوا إليه بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
قول الله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[19]
وجه الاستشهاد من الآية:
ذكر الله تعالى في هذه الآية عدة الحامل، بعد ذكر عدة غير الحامل من ذوات الاقراء، فدل على أنها ليست من ذوات الحيض؛ إذ لو كانت كذلك لما خصص لها حكم، ولما أفردت بالذكر، والمانع من حيضها هو انسداد فم الرحم بالحمل.[20]
الجواب عن هذا الاستشهاد:
قالوا: إن الآية سيقت لبيان عدة الحامل بالوضع[21]، وهذا لا نزاع فيه، والآية الكريمة لم تتعرض لحيض الحامل بنفي أو إثبات؛ فلا تصلح أن تكون دليلاً لنفي الحيض عن الحامل.
الاعتراض على هذا الجواب:
قالوا: أفرد الله تعالى في هذه الآية عدة الحامل بعد أن ذكر عدة ذات الإقراء في آيات أخرى، فلو كانت تحيض لجاز اجتماع العدتين في المرأة الواحدة: عدة حيض، وعدة حمل، وليس هناك ثمة فائدة من تخصيص حكم، إلا إذا قلنا: إنهما لا يجتمعان معاً.[22]
وظهور الحيض دليل على براءة الرحم من الحمل، فلو جاز أن تحيض لما كان الحيض دليلاً على براءة الرحم من الحمل.[23]
الدليل الثاني:
قول الله تعالى:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}[24]
وجه الاستشهاد من الآية:
أخبر الله تعالى أن الحيض يغيض مع الحمل، فدل على أن ما ظهر من دم للحامل ليس بحيض.[25]

الدليل الثالث:
عن سالم مولى ابن عمر، عن ابن عمر- رضي الله عنهما : "أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ حَائِضٌ - فَسَأَلَ عُمَرُ – رضي الله عنه - النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم -فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَ ا, ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً، أَوْ حَامِلاً" متفق عليه.[26]
وجه الاستدلال من الحديث:
أن النبي – صلى الله عليه وسلم - جعل الحمل علماً على عدم الحيض, كما جعل الطهر علماً عليه.[27]
الدليل الرابع:
ما روي عن رويفع بن ثابت - رضي الله عنه - قال سمت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يوم حنين يقول: "لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ".[28]
وما روي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في سبايا أوطاس[29] :"لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ, وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً".[30]
وما روي عن ابن عباس – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"نَهَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - عَنْ وَطْءِ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ".[31]
وجه الاستدلال من الأحاديث:
جعل الرسول – صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث وجود الحيض دليلاً على براءة الرحم من الحمل، ولو جاز الحيض على الحامل لم يكن دليلاً على براءته بعد الاستبراء بحيضة، ولا يحل بذلك الوطء لاحتمال الحمل، واحتياطاً في أمر الأبضاع.[32]
ثم إن في إجماع العلماء على أن الأمة إذا حاضت حلَّ وطؤها - مع إجماعهم على أن الحامل لا يحل وطؤها حتى تضع - دليلاً بيناً على أن الحامل مُحَالٌ وجود الحيض فيها؛ إذ لو جاز ذلك لبطل معنى ما اجتمعت عليه الأُمَّة من أن الحامل المطلقة أو المسبية لا توطأ، ولو وجد حيضٌ مع الحمل لما كان الاستبراء يدل على أن لا حمل بها.[33]
الجواب عن هذا الاستدلال:
أجاب أصحاب القول الثاني عن هذا الاستدلال بعدة أمور هي:
أولاً: أن الشارع إنما حكم ببراءة الرحم من الحمل بالحيض على الغالب، فإن وقوع الحيض من الحامل نادرٌ، فإذا حاضت حصل الظن ببراءة الرحم؛ إذ الظاهر عدم الحمل، فإن بان خلافه على الندور بأن ظهر أنها حائض عمل بالظاهر.[34]
الرد على هذا الجواب:
إن في هذا الكلام تناقضاً، حيث أثبتم الحيض للحامل في النادر، ثم ذكرتم أنه إذا حصل حيض حكم ببراءة الرحم من الحمل، وكيف تكون البراءة من الحمل بالحيض مع ثبوت الحمل عندكم؟ ثم كيف يكون كافياً في العدة بنزول الحيض مع وجود الحمل؟ وهذا الكلام منافٍ لصريح الآية التي ذكرت عدة الحامل بالوضع لا بالحيض، قال الله تعالى :{وأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }.[35]
ثانياً: هذه الأحاديث جاءت في بيان حكم استبراء السبايا لا في مطلق النساء[36]، وليس فيها إثبات لحيض الحامل أو عدمه.
الرد على هذا الجواب:
هذه الأحاديث و إن كانت واردة في أسباب خاصة، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.[37]
ثالثاً: الدم الذي تراه الحامل متردد بين كونه دم حيضٍ أو دم علةٍ وفساد، والأصل السلامة من العله.[38]
الرد على هذا الجواب:
أن العادة المستمرة هي عدم خروج الحيض من الحامل لانسداد فم الرحم، ثم يخرج الدم بخروج الولد، وخروج الدم من الحامل نادر، وقد لا تراه المرأة في عمرها، فيجب أن يحكم في كل حامل بانسداد رحمها، اعتداداً بالغالب من بنات جنسها.
وإذا رأت المرأة الحامل الدم حكم بأنه خارج من غير رحمها، فلا يكون حيضاً؛ ولذلك حكم الشارع بأن وجود دم الحيض دليلٌ على فراغ الرحم من الحمل.[39]
الدليل الخامس:
ما روي عن عائشة – رضي الله عنها - أنها قالت: "إِنَّ الحُبْلَى لاَ تَحِيض، فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ فَلْتَغْتَسِل وَتُصَلِي".[40]
وروي عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - أنه قال :"إِنَّ الله تَعَالىَ رَفَعَ الحَيْضَ عَنْ الحُبْلىَ، وجَعَلَ الدَّمَ مِمَّا تَغِيضُ الأَرْحَام".
وروي عن ابن عباس – رضي الله عنه - أنه قال: "إِنَّ الله رَفَعَ الدَّمَ عَنْ الحُبْلَى، وجَعَلَهُ رِزْقَاً للْوَلَد".[41]
وجه الاستدلال من الآثار:
هذه الآثار عن الصحابة – رضي الله عنهم - صريحة في أن الحامل لا تحيض، وهذا يدلُّ على أنه كان شيئاً معروفاً عندهم – رضي الله عنهم - ، أو سمعوا ذلك من النبي – صلى الله عليه وسلم - .
الجواب عن هذه الآثار:
قالوا: إن أعلم الأمة بمثل هذه المسائل نساء النبي – صلى الله عليه وسلم - وأعلمهن عائشة – رضي الله عنها - ، فقد صح عنها من رواية أهل المدينة "أَنَّهَا لا تُصَلِي"[42] أي الحامل إذا رأت الدم، وقد شهد لهذه الرواية الإمام أحمد بأنها أصح من الرواية الأخرى.[43]
وهذه الآثار، وإن صحت فهي مسألة نزاع بين الصحابة –رضي الله عنهم - ولا دليل يفصل.[44]
الرد على هذا الجواب:
لا شك أن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - أعلم الأمة، ولا يلزم من ذلك أنها تعلم كل شيء، وخصوصاً في هذه المسألة التي ليس لها سابق تجربه؛ لأنها لم تلد، والإمام أحمد يخالف رواية عائشة.
قال الموفق ابن قدامة[45]:"مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ, وَمَا تَرَاهُ مِنْ الدَّمِ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ"، ونَقَلَ عنه أيضاً أنه قال: "إنَّمَا يَعْرِفُ النِّسَاءُ الْحَمْلَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ, وَقَوْلُ عَائِشَةَ يُحْمَلُ عَلَى الْحُبْلَى الَّتِي قَارَبَتْ الْوَضْعَ, جَمْعاً بَيْنَ قَوْلَيْهَا, فَإِنَّ الْحَامِلَ إذَا رَأَتْ الدَّمَ قَرِيباً مِنْ وِلَادَتِهَا فَهُوَ نِفَاسٌ, تَدَعُ لَهُ الصَّلَاةَ".[46]
ثم إن الآثار الدَّالة على نفي الحيض عن الحامل مؤيدة بالأحاديث المرفوعة الثابتة، فالعمل بها والرجوع إليها أولى من غيرها.
الدليل السادس:
أن ظهور الحيض دليلٌ على براءة الرحم من الحمل، فلو جاز أن تحيض الحامل لما كان الحيض علامة على عدم الحمل[47]، وبالحمل ينسد فم الرحم، والحيض يخرج من قعر الرحم؛ لأن الله تعالى أجرى عادته بذلك؛ لئلا يخرج ما فيه لكون الثقب من أسفل، وليس بدم نفاس، لكونه يخرج بعد انفتاحه بخروج الولد، فظهر أنه دم علة وفساد، فتكون المرأة مستحاضة.[48]
الجواب عن هذا الدليل:
جعل الحيض دليلاً على براءة الرحم من الحمل ليس قطعياً، ولكن مع الاحتمال والظن، وإلا فالغالب أنها لا تحيض.[49]
الرد على هذا الجواب:
براءة الرحم بالحيض دليل ظاهر، ونحن مخاطبون بالظاهر لا باليقين، ثم إن الغالب عدم الحيض، وهو نادِرٌ وشاذٌ في حق الحامل، والشاذ لا حكم له، فيكون دم علةٍ وفساد.[50]

أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني لما ذهبوا إليه بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ}[51]
وجه الاستشهاد من الآية:
بين الله تعالى في الآية الكريمة حكم وطء الحائض في زمن الحيض وفي مكان الحيض، فذكر سبحانه أن فيه ضرراً وقذارة، وأمر باعتزال كل امرأة في هذه الحالة.
والآية مطلقة في إصابة كل امرأة حائض، ولم تخص امرأة دون امرأة، سواءً كانت حاملاً أو حائلاً.[52]
ودلت الآية الكريمة على أن الحامل، إن نزل معها الدم على هيئة الحيض يُعد حيضاً.
الجواب عن هذا الاستشهاد:
أن الآية الكريمة ليست مطلقة لإثبات الحيض لكل امرأة، بل الآية خاصةٌ في المرأة التي يمكن أن يأتيها الحيض، فتخرج الصغيرة دون تسع سنين، والكبيرة الآيسة التي زاد عمرها على الخمسين، وكذلك الحامل، وليس كل دم يخرج من قبل المرأة يكون حيضاً، وإنما الحيض ما ينزل حسب المعتاد لا مطلقاً.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]