عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 20-03-2019, 04:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أثر التقنية الحديثة في الطهارة

أثر التقنية الحديثة في الطهارة
(3)
د. هشام بن عبدالملك ال الشيخ





المطلب الثالث: في الصفرة والكدرة قبل الحيض
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: ما قرره العلماء في الصفرة والكدرة قبل الحيض.
الفرع الثاني: إمكان التفريق بين الصفرة والكدرة وبين الحيض من خلال التقنية الطبية الحديثة.
الفرع الثالث: الأثر الفقهي للأخذ بقول الطب الحديث في الصفرة والكدرة قبل الحيض.
الفرع الأول: ما قرره العلماء في الصفرة والكدرة قبل الحيض
الصفرة والكدرة من المسائل المهمة التي يعم وقوعها، وتكثر الحاجة إلى معرفة حكمها قبل الحيض وبعده؛ لما يترتب على ذلك من أثر بيِّن في العبادات والمعاملات وغيرها من أبواب الفقه.
ولما كانت الإفرازات التي تخرج من قعر رحم المرأة الصحيحة، والتي ليست من صفات دم الحيض، ولا من صفات دم الاستحاضة، وهي ما يسميه الفقهاء بالصفرة والكدرة[1]، لما كانت هذه الافرازات تشابه دم الحيض من جهة، وتشابه دم الاستحاضة من جهةٍ أخرى؛ اختلف الفقهاء في تكييفها الفقهي على أربعة أقوال:
القول الأول:
مذهب الحنفية، وهو قول عند المالكية، وهو: أن الصفرة والكدرة حيض، سواءً رأتها قبل دم الحيض، أو بعده.[2]
القول الثاني:
مذهب أبي يوسف[3] من الحنفية، وأبي ثور[4]، واختاره ابن المنذر[5]، وهو: أن الصفرة والكدرة لا تكون حيضاً إلا إذا سبقها دم.[6]
القول الثالث:
مذهب جمهور أهل العلم من المالكية[7]، والشافعية[8]، والحنابلة[9]، وهو اختيار الثوري[10]، والأوزاعي، وهو: أن الصفرة والكدرة إن كانتا في زمن الحيض فهما حيض، وإن كانتا في غير زمن الحيض فليستا بحيض.[11]
القول الرابع:
مذهب الظاهرية، وهو: أن الصفرة والكدرة لا تكونان حيضاً بحال.[12]
أدلة القول الأول:
استدل الحنفية لما ذهبوا إليه بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
ما قالت أم علقمة مولاة عائشة- رضي الله عنها - :"كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ[13] فِيهَا الْكُرْسُفُ[14] فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ؟ فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ[15]. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ".[16]
وجه الاستدلال من الأثر:
قالوا: إن عائشة – رضي الله عنها - جعلت ما سوى البياض الخالص حيضاً، فالصفرة والكدرة حيضٌ، سواءً كانا قبل الحيض أو بعده، وقول عائشة – رضي الله عنها- هذا لا يعرف إلا سماعاً، أي سمعته من النبي – صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن العقل لا يهتدي لمثل هذا.[17]
الدليل الثاني:
أن الصفرة والكدرة من ألوان الدم، وسواءً كانت أولاً أو آخراً فهي كغيرها من الألوان.[18]
ولون الدم يختلف باختلاف الأغذية، فلا معنى للقصر على لون واحد، فالصفرة والكدرة حيض.[19]
الدليل الثالث:
استدلوا بالقياس فقالوا: لما كان السواد حيضاً، وكانت الحمرة جزءاً من أجزاء السواد، وجب أن تكون حيضاً, ولما كانت الصفرة جزءاً من أجزاء الحمرة، وجب أن تكون حيضاً, ولما كانت الكدرة جزءاً من أجزاء الصفرة، وجب أن تكون حيضاً, ولما كان كل ذلك في بعض الأحوال حيضاً وجب أن يكون في كل الأحوال حيضاً.[20]
الجواب عن هذا الدليل:
يجاب عن دليلهم هذا بأنه قياس مع الفارق؛ لأنه لما كانت القصة البيضاء طهراً وليست حيضاً بالإجماع, ثم كانت الكدرة بياضاً غير ناصع, وجب أن لا تكون حيضاً, ثم لما كانت الصفرة كدرة مشبعة وجب أن لا تكون حيضاً, ثم لما كانت الحمرة صفرة مشبعة وجب أن لا تكون حيضاً, ولما كان ذلك في بعض الأحوال ليس حيضاً، وجب أن يكون في جميع الأحوال ليس حيضاً, فهذا أصح من قياسهم.[21]
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني لما ذهبوا إليه بعدة أدلة وتعليلات منها:
الدليل الأول:
الأثر عن أم عطية – رضي الله عنه - قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ شيْئَاً"[22]، وفي رواية قالت:"كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً".[23]
وجه الدلالة من الحديث:
قالوا: إن العمل في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم - على أن الصفرة والكدرة بعد الطهارة لا تُعدان شيئاً، فدلَّ على أنه لو رأت قبله دم حيضٍ فإنه يلحق به، ويحكم بأنه حيض.
الجواب عن هذا الدليل:
يمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال فيقال: ليس في الحديث ما يدل على مقصدكم، بل هو دال على أن الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض، وفي زمن الطهر طهر، وقول أم عطية- رضي الله عنها - :"كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً" يدلُّ التقييد (بَعْدَ الطُهْرِ) على أنهم كانوا يعدون الصفرة والكدرة قبل الطهر وفي زمن الحيض حيضاً.[24]
الدليل الثاني:
ما روي عن عائشة- رضي الله عنها - في قصة فاطمة بنت أبي حبيش – رضي الله عنها - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَقْبَلَت الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ, فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ, وَصَلِّي" متفق عليه.[25]
وجه الدلالة من الحديث:
أن الصفرة والكدرة في آخر الدم من الدم؛ لأن الدم إذا كان دماً سائلاً كان حكمه حكم الدم حتى ترى النقاء، وكذا الصفرة والكدرة حكمها حكم الدم، إذا كانت بعده لا قبله.[26]
الدليل الثالث:
علَّلوا قولهم بأن الكدرة ما يتكدر، وأول الشيء لا يتكدر، والكدرة من الشيء تتبع الصافي، فلو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، فإذا تقدمه دم أمكن جعل الكدرة حيضاً تبعاً، وأما إذا لم يتقدم الكدرة دمٌ فلو جعلناها حيضاً كانت مقصودةً لا تبعاً.[27]
الجواب عن هذا الدليل:
أن هذا الكلام يكون صحيحاً، إذا لم يكن المخرج من أسفل، وفم الرحم من أسفل لا من الأعلى، فيخرج الكدر أولاً، ثم الصافي، كالجرة إذا ثقب أسفلها فإنه يخرج الكدر أولاً، وإن من خاصة الطبيعة أنها تدفع الكدر أولاً كما في الفصد والبول والغائط.[28]
أدلة القول الثالث:
استدل أصحاب القول الثالث لما ذهبوا إليه بعدة أدلة منها:
الدليل الأول:
قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}[29]
وجه الاستشهاد من الآية:
أن الآية الكريمة تتناول دم الحيض والصفرة والكدرة.[30]
الدليل الثاني:
ما روي عن أم علقمة مولاة عائشة - رضي الله عنها - قالت:"كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ، فِيهَا الْكُرْسُفُ، فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ، يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ؟ فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ".[31]
وما روي عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ شيْئَاً"[32]، وفي رواية قالت: "كُنَّا لاَ نَعُدُّ الكُدّْرَةَ والصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُهْرِ شيْئَاً".[33]
وجه الاستدلال من الأحاديث:
أن الصفرة والكدرة زمن الحيض حيض، فلو رأيّْنَ الصفرة والكدرة بعد رؤية الطهارة لم تُعَد من الحيض.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]