عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-03-2019, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفردات الإمام أبي حنيفة في القصاص في النفس

مفردات الإمام أبي حنيفة في القصاص في النفس (1)
صلاح الدين حكمتيار









المسألة الثانية : لا قصاص بالقتل بالإبرة[38]



اختلف الفقهاء في القتل بالإبرة هل يُعْتَـبـَـرُ عمداً موجباً للقصاص أم لا ؟ على قولين:



القول الأول:أن القتل بالإبرة وما يشبهها لا يعتبر عمداً وبه قال أبو حنيفة – رحمه الله - في رواية ؛ لأنها لم تُعَدَّ للقتل ولا يُقْصَدُ بها إزهاقُ الروح عادة .



وفي رواية أخرى عنه إن غرز الإبرة في المقتل فعليه القود وهو مذهب الصاحبين[39] ؛ لأن الغرز في المقتل دليل على قصد القتل لا التأديب[40] .



القول الثاني : ذهب الإمام مالك[41] – رحمه الله - إلى أن الموت الذي ينتج عن تعمد غرز الإبرة قتل عمد؛ لأن الإبرة يحتمل أن تكون قاتلة وغير قاتلة ، فتعمد الغرز بها يبعد كونه من قبيل الخطأ مما يدل على أنه عمد لا غير .



ويرى الإمامان الشافعي[42] وأحمد[43] – رحمهما الله - أن الموت إن نشأ من غرز الإبرة في المقتل كالعين والفؤاد والخاصرة والصدغوأصل الأذن فهو عمد، وإن كان في غير مقتل كالإلية والفخذ ، فإن بقي المجني عليه زمناً إلى الموت فهو عمد موجب للقصاص ، وإن مات في الحال ففيه قولان : قول بأنه عمد ؛ لأن العبرة بالجرح، والإبرة حديدة لها مور في البدن ، فهي كالمسلة؛ ولأن في البدن مقاتلَ خفيةً لا تُعْلَمُ عادة و قول : إنه ليس عمداً وهو الراجح؛ لأن الإبرة لا تقتل في الغالب، والظاهر أنه لم يمت منه، وإن صادف وقت غرز الإبرة في إنسان وقت موته فإنه يكون قد مات بأجله[44].



الترجيح:



الراجح – والله أعلم- ما ذهب الإمامان الشافعي وأحمد – رحمهما الله - وهو أن القتل بالإبرة يكون عمداً إن غرزها في المقتل كالعين والفؤاد والخاصرة والصدغ وأصل الأذن؛ لأن الغرز في المقتل دليل على قصد القتل لا التأديب، وإن كان في غير مقتل كالإلية والفخذ، فإن بقي المجني عليه زمناً إلى الموت فهو عمد موجب للقصاص، وإن مات في الحال فليس بعمد على الراجح من قولي الشافعي وأحمد؛ لأن الإبرة لا تقتل في الغالب، والظاهر أنه لم يمت منه .



المسألة الثالثة: لا قصاص بالقتل بالخنق[45]



إذا خنق شخصٌ آخرَ وقتله خنقاً هل يجب القصاص على الخانق أم لا ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :



القول الأول : أن الخنق ليس موجباً للقصاص وبه قال الإمام أبو حنيفة[46] رحمه الله .



دليله :



أنه يشترط في آلة القتل أن تكون قاتلة ومُعَدَّة للقتل ، والخنق ليس مُعَدّاً للقتل[47] .



وخالفه الصاحبان أبو يوسف ومحمد – رحمهما الله - وقالا : إذا كان الخنق مما يقتل مثله غالباً يجب فيه القصاص وإلا فلا[48] .



القول الثاني : ذهب الإمام مالك – رحمه الله - إلى وجوب القصاص على القاتل بطريق الخنق إذا كان القتل على وجه العداوة والغضب ، وأما إذا كان على وجه اللعب والمزاح فلا قصاص[49] .




وأما الإمامان الشافعي وأحمد فقد ذهبا إلى التفصيل التالي :



الخنق هو أن يمنع الجاني خروج نفس المجني عليه بأي وسيلة كانت وهو على ضربين :



الضرب الأول: أن يجعل الخانق في عنق المخنوق خراطة أو حبلاً ثم يعلِّقه على خشبة أو غصن شجرة بحيث ترتفع قدماه عن الأرض، فيختنق ويموت، وهذا الضرب عمد يجب به القصاص عند الجمهور القائلين بوجوب القصاص إذا حصل القتل بغير المحدد ؛ لأن هذا أشد أنواع الخنق، وهو الذي جرت العادة بفعله من الولاة في اللصوص وأشباههم من المفسدين .



الضرب الثاني: أن يخنقه وهو على الأرض بيديه أو منديل أو حبل أو يَغُمَّه بوسادة أو شيء يضعه على فمه وأنفه أو يضع يديه عليهما فيموت، فهذا إذا استغرق مدة يموت المخنوق في مثلها عادة فهو عمد يجب به القصاص، وأما إذا استمر مدة لا يموت المخنوق في مثلها عادة فليس بعمد وإنما هو شبه عمد ، وإن خنقه وتركه متألماً حتى مات ففيه القود؛ لأنه مات من سراية جنايته ، أما إن تنفس وصح ثم مات فلا قود عليه؛ لأن الظاهر أن موته لم يكن بسبب الخنق فأشبه ما لو اندمل الجرح ثم مات[50] .



الترجيح :



الراجح – والله أعلم – التفصيل الذي ذهب إليه الإمامان الشافعي وأحمد من أن القتل بالخنق لا يخلو:



إما أن يحصل عن طريق وضع الخانق في عنق المخنوق خراطة أو حبلاً ثم تعليقه على خشبة أو غصن شجرة بحيث ترتفع قدماه عن الأرض ويختنق فيموت، فهذا الضرب عمد يجب به القصاص؛ لأنه أشد أنواع الخنق، وهو الذي جرت العادة بفعله من الولاة في اللصوص وأشباههم من المفسدين .



وإما أن يحصل عن طريق خنقه وهو على الأرض بيديه أو منديل أو حبل أو غمه بوسادة أو شيء يضعه على فمه وأنفه أو يضع يديه عليهما حتى يموت، فهذا إن استغرق مدة يموت المخنوق في مثلها عادة فهو عمد موجب للقصاص، وأما إذا استمر مدة لا يموت المخنوق في مثلها عادة فليس بعمد وإنما هو شبه عمد .



ولا شك أن حصر وسائل القتل في المحدد ومن ثَمَّ القول بعدم جريان القصاص في القتل بالخنق - كما انفرد به الإمام أبو حنيفة رحمه الله - يؤدي إلى أن كل من يريد قتل غيره فإنه سيلتجئ إلى وسائل قاتلة أخرى غير السكين والخنجر حتى ينفلت من القصاص ، وقد شُرِعَ القصاص في الإسلام لحكمة الحياة ، قال الله تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ... }[51]، فلا شك أن إقامة القصاص على هؤلاء المجرمين الذين يلجأون إلى قتل الأبرياء بوسائل معذبة كالخنق وغير ذلك تؤدِّي حتماً إلى ردعهم وزجرهم وتقليل الجرائم في المجتمع.



المسألة الرابعة: لا قصاص بالقتل بالإغراق[52]



إذا أغرق شخصٌ آخرَ في الماء حتى مات المغرَق فهل يجري القصاص على المغرِق أم لا بمعنى هل الإغراق في الماء عمد يوجب القصاص أم لا ؟ اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في هذه المسألة على قولين:



القول الأول: لا قصاص على القاتل إذا قتل شخصاً بالتغريق في الماء وإليه ذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله .



دليله :



أن القصاص لا يكون إلا في العمد المحض ، وهو أن يقتل بآلة جارحة تعمل في نقض البنية ظاهراً وباطناً ولم يُوْجَدْ ، والقود يُسْتَوْفَى بالسيف ، وفيه جرح الظاهر والباطن فلا يتماثلان[53].



وذهب الصاحبان أبو يوسف ومحمد بن الحسن إلى أن الإغراق مدة يموت فيها الغريق عــادة قتــل عمـد يوجب القصـاص واستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم : من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه [54] رواه البيهقي[55] .



المناقشة :



نوقش الاستدلال بالحديث من وجهين :



1. أن هذا الحديث لم يثبت مرفوعاً ، وإنما هو من كلام زياد أحد رواة الحديث ذكره في خطبة وقد قال فيه : ومن قتل عبده قتلناه ، ولا شك أن من قتل عبده لا يُقْتَلُ على الصحيح من أقوال العلماء[56] .



2. الماء ليس في معنى السلاح ؛ لأنه لا يؤثِّر في تفريق الأجزاء في الظاهر فهو بمنزلة الحجر والعصا يوضِّحه أن الغريق يجتذب الماء بنفسه فيكون كالمعين على نفسه ، فيكون ذلك شبهة في إسقاط القصاص[57] .



القول الثاني:أن من طرح شخصاً في نهر وهو لا يحسن السباحة في نفس الأمر على وجه العداوة والغضب فإنه يُقْتَلُ به وبه قال مالك رحمه الله[58] .



ويرى الشافعي[59] وأحمد[60] أن القتل بالإغراق قتل عمد إن ألقى الجاني المجني عليه في مكان مُهْلِك من الماء ، ولا يمكنه التخلص منه إما لكثرة الماء أو لعجزه عن التخلص منه لمرض أو ضعف أو صغر أو كونه مربوطاً ، أما إذا لم يكن الماء مهلكاً بأن كان يسيراً يقدر على الخروج منه ولم يحاول المجني عليه الخروج منه إلى أن غرق ومات فليس بعمد ولا قصاص على الجاني[61]؛ لأن الموت حصل بترك الغريق محاولة التخلُّص من الغرق ، فالقتل حصل بفعل نفسه لا بفعل غيره فلا يُؤْخَذُ به غيرُه، وإذا كان الماء لـُجَّةً لا يمكنه التخلُّص منها لكنه لم يغرق فالتقمه حوت فلهم فيه قولان: قول بأن الجاني عامد في هذه الحالة؛ لأنه ألقى المجني عليه في مهلكة هلك بسببها فكان القصاص واجباً عليه، وقول بأنه غير عامد ؛ لأن المجني عليه لم يهلك بالإلقاء في الماء، وإنما هلك بسبب آخر وهو التقام الحوت فلم يجب القصاص على الجاني .



ويرى ابن حزم – رحمه الله - أن الإغراق قتل عمد إن تعمد الجاني إلقاء المجني عليه في ماء يهلك مثله وإن لم يتعمد الإغراق[62] .



الترجيح :



الراجح – والله أعلم – أن القتل بالإغراق في الماء قَتْلٌ عمد موجِب للقصاص وهو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني مالك والشافعي وأحمد – رحمهم الله - على تفصيل بينهم في ذلك؛ لأن الإغراق وسيلة من وسائل القتل لا سيما في حق من لا يعرف السباحة أو يعرف السباحة إلا أن الماء كثير جداً بحيث لا يقدر أن ينجي نفسه من الغرق كما لو رماه في وسط البحر بعيداً عن الساحل .



ولا يصح حصر العمدية في الآلات الجارحة؛ لأن ذلك خلاف المعقول والواقع؛ لأننا نشاهد ونسمع أن كثيراً من الجرائم تقع في عصرنا الحاضر من غير أن يُسْتَخْدَمَ فيها سكينٌ أو خنجرٌ، وإنما أساليب أخرى قاتلة يسلكها المجرمون للوصول إلى هدفهم، ولو حصرنا القتل في الآلات الجارحة فقط لأدَّى ذلك إلى انفلات كثير من المجرمين من عقوبة القصاص؛ لكونهم لم يقتلوا ذلك الشخص بما يسيل دمه ويجرح بدنه، ولا شك أن ذلك مدعاة للتلاعب بدماء الناس والاجتراء على سفكها بلا زاجر أو رادع يردعهم. ولا يصح قول الحنفية بأن الغريق اجتذب الماء بنفسه فصار كمن قتل نفسه بنفسه؛ لأنه لم يجتذب الماء شوقاً ورغبة منه وإنما هو مدفوع إلى ذلك لا محالة، ولو لا الشخص الذي رماه في الماء لم يكن ليجتذب الماء ويقتل نفسه بنفسه؛ لأنه لو كان كذلك فلماذا لم يقتل نفسه لما كان على سطح الأرض قبل أن يُطْرَحَ في الماء بأن يأخذ سطلاً من الماء، ويدخل فيه رأسه، ويقطع على نفسه التنفس حتى يموت مما يدل دلالة قوية على أن القول بعدم جريان القصاص في القتل بالإغراق قول ضعيف يرده العقل والواقع .



المسألة الخامسة : لا قصاص إذا قتل شخصا بالإلقاء من مكان شاهق[63]



إذا قتل شخص آخر بالإلقاء من مكان شاهق عالٍ فهل يقام القصاص على الْـمُلْقِي؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:



القول الأول: لا يجري القصاص بالإلقاء من مكان شاهق وبه قال أبو حنيفة – رحمه الله - حيث لا يجب القصاص عنده إلا إذا وقع القتل بالمحدَّد [64].



القول الثاني :أن الإلقاء من مكان عال مهلك عادة كالإلقاء من جبل شاهق أو عمارة عالية أو شجرة كبيرة عمد يجب به القصاص إذا مات بسببه الشخص المرمي وبه قال الأئمة الثلاثة مالك والشافعي[65] وأحمد[66] ؛ لأن هذا الإلقاء من جنس ما يقتل غالباً .



أما الإلقاء من مكان منخفض لا يموت به الإنسان في الغالب فليس بعمد ولا يجب به قصاص، وإنما هو شبه عمد تجب فيه دية مغلَّظة على عاقلة القاتل، والكفارة في ماله؛ لأنه لا يقتل في الغالب، والقصاص لا يجب إلا إذا وقع القتل بوسيلة تقتل في الغالب.



الترجيح :



الراجح – والله أعلم – ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني القائلين بأن الإلقاءَ من مكان عالٍ مهلكٍ عادةً عمدٌ مُوْجِبٌ للقصاص؛ لقوة ما استدلوا به وضعف دليل القول الأول الذي لا يرى القصاص إلا إذا وقع القتل بالمحدَّد فقط مما يضيِّق دائرةَ إقامة القصاص، ويجعلها محصورةً في طائفة معيَّنة من الوسائل وهي المحددة فقط دون غيرها، القول الذي يتنافي مع الحكمة من مشروعية القصاص من استتباب الأمن وتقليل جرائم القتل .
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]