عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13-03-2019, 04:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,420
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتاوى الشنقيطى عن الحج

فتاوى الشنقيطى عن الحج



د. محمد بن محمد الأمين المختار الشنقيطي





السؤال الخامس عشر:
مَن كان مريضًا وأراد أن يحرم بالحج والعمرة، وهو شاكٌّ في قدرته على الإتمام، فما هي السنة في حقه، وما الدليل؟

الجواب:
السنة في حق المريض الذي يشك في قدرته على الحج، أن يشترط؛ لأن ضباعة - رضي الله عنها - لما اشتكت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "يا رسول الله، إني أريد الحج، وأنا شاكية!"، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أهلِّي واشترطي أن محلي حيث حبستني))، قال العلماء: في هذا دليل على أنه يشرع لك أن تشترط عند خوفك عن العجز عن إتمام حجك، وهذا مما دلت عليه السنة، وكان الشافعي - رحمه الله - يقول: إن صح حديث ضباعة؛ فأنا أقول به، قال أصحابه: وقد صح الحديث فهو مذهبه، والله - تعالى - أعلم.


السؤال السادس عشر:
مَن مرَّ بالمواقيت وهو جاهل بمروره بها، أو كان نائمًا ثم استيقط بعد مجاوزتها، فما الحكم؟

الجواب:
مَن مر بالمواقيت وهو لا يدري بها، وهو يريد الحج والعمرة، أو كان نائمًا في طيارة أو سيارة، ثم نُبِّه بعد مجاوزتها، فلا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: إن رجع وأحرم من الميقات سقط عنه الدم، وحينئذ حجه وعمرته معتبرة، ولا إشكال.
والحالة الثانية: إن لم يرجع ولبى من مكانه ومضى؛ فإن عليه دم الجبران، والله - تعالى - أعلم.


السؤال السابع عشر:
ما هي صفة التلبية؟ وهل تشرع الزيادة عليها؟ وهل هي واجبة؟ ومتى يشرع قطعها في العمرة والحج؟

الجواب:
أهلَّ النبي - صلى الله عليه وسلم – بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك))، هل تشرع الزيادة عليها أو لا تشرع؟
للعلماء قولان:
جمهور العلماء على جواز الزيادة، وقد جاء عن عبدالله بن عمر كما في الصحيح، كان يقول: "لبيك وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل"، قالوا فلا حرج، وجاء في حديث ابن ماجه: ((لبيك حقًّا حقًّا))، وهو حديث أنس: ((لبيك حقًّا حقًّا، لبيك تعبُّدًا ورقًّا))، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع الصحابة يزيدون في التلبية، ويقولون: "لبيك ذا المعارج"، والمعارج هي: السماوات؛ لأنه يعرج إليها، فلما أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة على الزيادة؛ دل على مشروعية الزيادة بالثناء على الله - عز وجل - ولكن الأفضل والأكمل والأعظم أجرًا أن تقتصر على الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كونه أقر الصحابة، فإنك إذا جئت بألفاظ فيها الثناء على الله والتمجيد له - عز وجل - فإن هذا يجوز، ولكنه خلاف الأولى، والأولى والأفضل والأكمل الاقتصار على تلبيته بأبي وأمي - صلوات الله وسلامه عليه - والقاعدة كما قرره العز بن عبدالسلام في كتابه النفيس: "قواعد الأحكام": أن الوارد أفضل من غير الوارد. تطبيق هذه القاعدة إذا كان المجال أو الوقت أو الحال يسمح بأن يذكر الإنسان ربه بأذكار مختلفة، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر مخصوص؛ فإن التقيد بالمخصوص أعظم أجرًا من غير المخصوص؛ لأنك إذا تقيدت بالمخصوص أُجرت بأجرين: أجر الذكر الذي تقوله، وأجر الائتساء والاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يكن في الائتساء به - صلوات الله وسلامه عليه - إلا أن صاحب السنة يُرحم ويُهدى ويُوفَّق، لكفى بذلك شرفًا وفضلاً، نسأل الله العظيم، أن يرزقنا التمسك بالسنة، والعمل بها، وتطبيقها.
أما متى يقطع التلبية؟ فإن كان في العمرة فالصحيح أنه يقطع التلبية عند استلامه للحجر، ففي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة الجِعْرَانة، لم يزل يلبي حتى استلم الحجر، قالوا: فدل هذا على مشروعية التلبية عند استلام الحجر، يختاره بعض السلف، وهو مأثور عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان إذا قدم من المدنية يقطع التلبية في الحرار؛ أي حرار مكة؛ أي: قبل أن يدخل المسجد، وهذا قول بعض السلف.
وإن كان الأقوى والأشبه أن يقطعهما في العمرة عند استلامه للحجر، ولا يلبي في عمرته في طوافه، ولا في سعيه بين الصفا والمروة ولا بينهما.
وأما في الحج فللعلماء أقوال، أصحها: أنه يقطع التلبية عند آخر حصاة يرمي بها جمرة العقبة، يقول به طائفة من السلف، منهم إسحاق بن راهويه، ورواية عن الإمام أحمد، وطائفة من أهل الحديث - رحمة الله عليهم - لحديث ابن خزيمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يلبي حتى رمى آخر حصاة من جمرة العقبة.
وقال المالكية: يقطعها إذا غدا إلى الصلاة يوم عرفة، وهذا مذهب مرجوح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت أنه لبى ليلة النحر؛ فإن ابن مسعود لبى بمزدلفة، فأنكر الناس عليه، فقال: "سمعت الذي أُنزلتْ عليه البقرة، يقول هنا: ((لبيك اللهم لبيك))"، فدل على مشروعيتها وأنها تقع، والله - تعالى - أعلم.


السؤال الثامن عشر:
مِن أين يُحرِم أهل مكة بالعمرة والحج، مع ذكر الدليل؟

الجواب:
أهل مكة يحرمون بالحج من ديارهم، ولا يلزمهم أن يذهبوا إلى البيت، كما يقوله البعض.
والصحيح أنه يلزمهم أن يحرموا من ديارهم، فدويرة أهليهم هي التي تعتبر ميقاتًا لهم، قال: ((حتى أهْل مكة يُهلُّون من مكة)).
أما في العمرة فيلزمهم الخروج إلى التنعيم؛ وذلك لحديث أم المؤمنين عائشة وهذا الحديث، وهو مذهب جماهير العلماء والسلف والخلف أن العمرة للمكي أن يخرج إلى الحِلِّ، ولذلك قالت عائشة: "والله ما ذكر التنعيم ولا غيره"؛ أي أنه أمرها أن تخرج إلى الحل، فاجتهدت فخرجت إلى التنعيم، وكان أرفق بها - رضي الله عنها - كما في الرواية الصحيحة عنها.
أما الدليل على أنه يحرم من أدنى الحل: فلأن عائشة مكية؛ أي أنها أخذت حكم أهل مكة، إذ لو كانت غير مكية؛ للزمها أن تحرِم من ميقات المدينة، والدليل على أنها مكية أنها أنشأت عمرتها بعد الحج، ولما أنشأت عمرتها بعد الحج؛ فقد أنشأتها وهي في مكة، وهذا نص واضح جدًّا، ويقول به جمهور العلماء من السلف الصالح والأئمة الأربعة، على أن ميقات المكي هو خارج الحل.
وهناك قول ضعيف أن ميقات المكي للحج والعمرة من بيته؛ ولكنه مرجوح، وظاهر السنة أنه يحرم من أدنى الحل، والله - تعالى - أعلم.


السؤال التاسع عشر:
هل يشرع تكرار العمرة في السَّنة الواحدة؟ وما الدليل؟

الجواب:
تَكرار العمرة في السنة واحدة اختلف السلف الصالح - رحمة الله عليهم – فيه، فقال الجمهور: يجوز تكرار العمرة ولا حرج في ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العمرة إلى العمرة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، ما اجتنبت الكبائر))، فدل على فضيلة العمرة للاعتمار والإكثار منها؛ لأنه لم يقيد، وفي حديث الترمذي: ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر كما ينفي النار خبث الحديد))، قالوا: فهذا يدل على فضيلة التكرار.
ومِن ألطف الأدلة وأعجبها في الاستنباط قولُ بعض العلماء: مما يدل على جواز تكرار العمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء كل سبت، وقباء لا يؤتى إلا من أجل أن الصلاة فيه بعمرة، قالوا: فدل على مشروعية التكرار؛ لأنه قصد فضيلة العمرة، فإذا كانت فضيلة العمرة بالبدل مقصودة ومطلوبة، فلأن تشرع بالأصل من باب أولى وأحرى، ولا دليل للمالكية على كراهية تكرار العمرة، والله - تعالى - أعلم.


السؤال العشرون:
ما الذي يحظر على المحرِم من الملابس؟ وهل يجوز لبس الإحرامات المفصلة؟ وهل يشرع وضع المشابك والحزامات ونحوها في الإزار والرداء؟

الجواب:
أما ما يَحرُم على المُحرِم، فقد بيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في حديث ابن عمر في الصحيحين: ((لا تلبسوا القُمُص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف))، الأربع الأول من كمال بلاغته وحسن إيجازه - صلوت الله وسلامه عليه - فإن الملبوس إما أن يغطي أعلى البدن الرأس؛ كالعمامة، وإما أن يغطي الصدر؛ كالقميص، وإما أن يغطي الأسفل؛ كالسروال، فقال: ((لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات)) ،وإما أن يكون جامعًا لغطاء جميع البدن؛ كالبرانس ((ولا البرانس))، فهذا من بديع كلامه - صلوات الله وسلامه عليه - وهذا يدل على أن كلمات الشرع في الكتاب والسنة قصدت، وأنها تتضمن المعاني، ولذلك كأنه منع من تغطية أعلى البدن، وكذلك أوسطه، وأسفله، وجمع في الغطاء بين الجميع، فلا يجوز للمحرِم أن يغطي رأسه بعمامة أو طاقية، قالوا وكذلك لو حمل المتاع على رأسه، قالوا لأنه في حكم التغطية، فالتغطية تكون حقيقة، وتكون حُكْمًا، فذلك إذا حمل المتاع يبينه عن رأسه ما يجعله متصلاً بالرأس؛ لأنه إذا اتصل بالرأس صار مغطيًّا.
والدليل على ذلك: أنه لو قال قائل: أنه ليس بمغطي حقيقةً، فسألته عن الرجل قال: والله لا أغطي رأسي، ثم وضع على رأسه الكرتون أو نحو ذلك، قالوا إنه يعتبر حانثًا من هذا الوجه.
وقال بعضهم: لا أعتبره حانثًا؛ لأن الغطاء في الأيمان ينصرف إلى العُرْف، فالكرتون ليس بغطاء في العرف، هذا قول بعض العلماء - رحمة الله عليهم - لكن الصحيح والأَوْلى والمنبغي للإنسان أن يبينه من الرأس؛ لأن الشبهة موجودة، وقد لامس الرأس وغطاه، كذلك - أيضًا - لا يغطي أوسط البدن؛ كالصدر بلبس الكوت أو الفنيلة أو نحو ذلك، هذا كله محظور على المحرِم لا يجوز له لبسه، وهكذا لو كان مفصلاً على أجزاء البدن؛ كاليدين، فإن المخيط لا يشترط فيه الخيط، فليس مراد العلماء بالمخيط أن يكون مخيطًا؛ إنما مرادهم أن يكون محيطًا بالعضو؛ كالعمامة، فإن العمامة تحيط العضو، وكذلك لو أخذ القماش ولفه على العضو؛ كالإحاطة المفصلة؛ فإنه يعتبر في هذه الحال في حكم المحظور، وبناءً على ذلك يتقي هذه الملبوسات كلها، والله - تعالى - أعلم.


السؤال الحادي والعشرون:
وهنا تقدم في السؤال الذي قبله وضع المشابك والحزامات ونحوها في الإزار والرداء؟

الجواب:
وضع المشابك، الآن توجد بعض الإحرامات فيها بعض التفاصيل التي تأخذ حكم المخيط، فيزررونها بأزارير من حديد، هذه مَن لبسها عليه الفدية، مَن لبس هذا النوع من الإحرامات عليه الفدية، ويفصلون الإحرام كالفوطة، فيجعلون له أزارير من حديد، هذه ينبه الناس عليها، وإذا رأيت محرِمًا تنبهه، وتقول: هذه لا يجوز لبسها؛ لأنها في حكم المخيط، ولذلك لو أنه فصل الفوط، فإنه تجب عليه الفدية، ولا يجزئ أن يكون الملبوس مفصلاً على العضو، ولا بد أن يكون مباشرًا للبدن بإزار ورداء على الصفة المعتبرة، وهكذا المشابك الشبك، وقد شدد السلف - رحمة الله عليهم - في ذلك.
وأما الحزام فعلى صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون لحمل النقود، وهو الكمر ونحو ذلك، فهذا رخص فيه بعض السلف، قالوا لأن الكمر يقصد للمال، ولا يقصد للإحاطة بالعضو؛ فرخصوا فيه، والشبهة موجودة.
وقال بعضهم: إنه إذا لبس السير، وهو الحزام الذي لا كمر فيه؛ فإنه يقصد الإحاطة بالعضو؛ أي شد الإزار، وبناءً على ذلك تلزمه عليه الفدية، وقد نص طائفة من السلف من أئمة التابعين - رحمة الله عليهم - على التشديد في ذلك، ويحكى عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في السيور، وهي الحزامات الموجودة التي يقصد منها شد الإزار، فهذه تتقى به، بخلاف ما يقصد به حمل النقود ونحو ذلك، لوجود الحاجة، والله - تعالى - أعلم.


السؤال الثاني والعشرون:
هل يجوز استخدام الصابون المطيَّب للمحرِم، وكذلك الشامبو إذا كانت فيه رائحة عطرية؟

الجواب:
الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر: ((ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه الزعفران ولا الورس))، وفي الصحيح من حديث صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه، في الرجل الذي لقي النبي - صلى الله عليه وسلم – بالجِعْرَانة، وقد لبس عليه جبة عليها أثر الصفرة، قال: "ما ترى في رجل أحرم بالعمرة وعليه ما ترى؟"، قال: ((انزع عنك جبتك، واغسل عنك أثر الطيب، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك))، فلما قال له: ((اغسل عنك أثر الطيب)) دل على أن المحرِم لا يتطيب ولا يستصحب الطيب، وفي الصحيح من حديث ابن عباس في الرجل الذي وقصته دابته، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه.. إلى أن قال: ولا تمسوه بطيب))، فدلَّ على أنه لا يجوز أن يباشر المحرِمُ الطيبَ لا في ثوب ولا بدن، وبناءً على ذلك فإن الصابون المطيب يتقى في حال الإحرام بالحج والعمرة، وهكذا الشامبو، ونحو ذلك من الأدهان المطيبة، فإنه لا يجوز له أن يستعملها؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الطيب للمحرم، والله - تعالى - أعلم.


السؤال الثالث والعشرون:
هل يجوز استلام الحجر من المحرِم إذا رأى عليه أثر الطيب؟

الجواب:
إذا كان على الحجر أو على الركن طِيب، فلا يمسه المحرِم؛ وذلك لأن تقبيل الحجر واستلامه سُنة، والمنع من الطيب يعتبر في مقام المنهيات، ومقام المنهيات مقدَّم على الواجبات، فضلاً عن السنن و المندوبات، وبناءً على ذلك لا يتأتى أن يصيب السنة، ويخل بما يجب عليه تركه؛ وعليه فإنه يتقي استلام الحجر، ويكتب الله له أجر الاستلام بوجود العذر الشرعي، والقاعدة: "أن العذر الشرعي كالعذر الحسي"، وبناءً على ذلك ينال أجره لوجود العذر، والله - تعالى - أعلم.


السؤال الرابع والعشرون:
هل يجوز للمحرم إذا أراد النوم أن يغطي رأسه وقدميه؟ وما الحكم إذا رأيت المحرم قد غطى رأسه وهو نائم؟

الجواب:
أما بالنسبة للمحرم فإنه لا يغطي رأسه، والنص في ذلك صريح في حديث العمائم، حديث ابن عمر في الصحيحين، وكذلك لا يغطي قدميه للنهي عن الخفاف، وبعض العلماء يقول: القدمان متسامح فيهما أكثر من الرأس والوجه؛ فيقولون إن القدمين إنما يمتنع عليه لبس الخفاف، أما كونه يسترها فلا حرج عليه؛ ولكن لا يخلو هذا القول الثاني من النظر.
بناءً على ذلك فإنه لا يشرع له أن يغطي؛ لكن المشكلة لو مررت على محرم نائم، وقد غطى رأسه وغطى قدميه، فهل يشرع لك أن توقظه، أو تزيل ما عليه من غطاء الرأس، هذه المسألة ذكرها الأصوليون، وهي هل المكلف مكلَّف بغير المكلَّف؟ هو نائم ومعذور أثناء نومه، ومن أمثلتها: لو أذن المؤذن، فإنه إذا لم يسمع النداء والأذان غير مكلَّف ولا يأثم؛ لكن هل أنت آثم بعدم إيقاظك له؟ فبعض العلماء يقولون: المكلَّفُ مكلَّفٌ بغير المكلَّف، ويلزم بإثم غير المكلف إن قصَّر في أمره بما كلف به.
وأكدوا ذلك بحديث الأمر للوِلْدان والصبيان لسبع، فإنهم غير مكلفين؛ فكلَّفَ المكلف بغير المكلف، فدل على أنه يعتبر مكلفًا من هذا الوجه، وبناءً على ذلك قالوا: إذا رأيته نائمًا فإنك تزيل الغطاء عن رأسه وعن وجهه، على القول بأنه لا يشرع له تخمير الوجه، وهكذا بالنسبة للقدمين، وهذا أولى وأحرى، وإن كان نائمًا وخشيت إزعاجه فإنك تزيلها برفق؛ لأن المقصود يتحقق بذلك، والله - تعالى - أعلم.


السؤال الخامس والعشرون:
هل يجوز أكل الطعام المطيب بالورد والزعفران؟

الجواب:
أكل الطيب منع منه جمهور العلماء - رحمة الله عليهم - في الإحرام؛ لوجود الترفُّه، وقصد الشرع من المحرم أن لا يترفه؛ فإن مقصود الإحرام أن يذكره بالآخرة، بعيدًا عن ترفهه وفضوله الذي كان فيه من محاسن الدنيا ومتاعها، وقد نص الجماهير على أنه لا يأكل الطيب إذا كان من المطعومات التي يقصد بها تطييب الأطعمة، أما لو كان غير مقصود بأن وجد في أصل المادة مثلاً؛ كالهيل في القهوة ونحو ذلك، فهذا طيبه تبعي لا مقصود؛ لكن الزعفران مقصود، فإنه يوضع في الطعام من أجل تطييب رائحته، وكذلك الورد يوضع في الماء من أجل تطييب رائحته؛ ولكن القهوة من حيث هي لو صنعت في الهيل، فالهيل فيه الرائحة الزكية والطيبة؛ لكنه لا يعتبر من الطيب المحظور، ففرقوا بين المقصود وبين التبع، فقالوا في هذه الحالة: ما كان مقصودًا؛ كالزعفران والورد، فإنه على حالتين:
الحالة الأولى: إن وضعته في مطعوم أو مشروب، إن وضعته في المطعوم والمشروب وغلى؛ بمعنى كان تحت نار وأصابته النار، قالوا يجوز لك أن تأكله، ولو كنت محرِمًا بالحج والعمرة، وهذا مذهب الجمهور؛ لكن في فرق بين المالكية، والشافعية حيث قالوا: مجرد الإصابة بالنار تجيز لك الأكل، حتى لو بقيت رائحة الطيب، والشافعية، والحنابلة يشترطون استنفاذ الرائحة وذهابها بعد بالطبخ، فيفرقون بين مذهبهم؛ لكن بالنسبة للجميع يقولون في الإدخال ذات الإدخال يعتبرونه إذا أدخلت إلى النار مؤثرة، فإن استنفذت أجازت عند الجميع، وإن لم تستنفذ يقع الخلاف بين المذهبين اللذين ذكرناهما، وعلى هذا فإنه يتقي المطعومات التي تطيب ويقصد الطيب فيها، والله - تعالى - أعلم.


السؤال السادس والعشرون:
إذا وضع المحرِم الطيب ناسيًا ثم تذكر، أو غطى رأسه ناسيًا ثم تذكر، فما الحكم؟

الجواب:
هذه المحظورات التي يمكن تداركها: الطيب والتغطية، بخلاف المحظورات التي لا يمكن تداركها، فالعلماء يقسمون المحظورات إلى قسمين في الحج والعمرة:
القسم الأول: ما يمكن التدارك فيه عند الإخلال بالنسيان ونحو ذلك.
القسم الثاني: ما لا يمكن التدارك فيه.
الذي يمكن التدارك فيه؛ كالطيب تغسله، وكتغطية الرأس تزيل الغطاء، فيرجع الأمر إلى حالته وتتدارك؛ لكن الذي لا يمكن تداركه؛ كتقليم الأظفار، وحلق الشعر؛ فإن هذا محظور، ولو أن إنسانًا حلق شعره، لا يمكنه أن يرد هذا المحظور، ولا يمكنه أن يتدارك، وكالجماع فإنه إذا جامع لا يمكن أن يتدارك اللذة ويعيدها، وهكذا بالنسبة لتقليم الأظفار إذا زال ظفره؛ ففرقوا بين ما يمكن التدارك فيه وما لا يمكن، فما يمكن التدارك فيه؛ كتغطية رأس وطيب - كما ورد في السؤال - فإنه لا حرج عليه في ساعته يغسل، وفي ساعته يزيل، ولا إثم عليه، والله - تعالى - أعلم.


السؤال السابع والعشرون:
قال الله - تعالى -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
والسؤال ما معنى قوله - سبحانه -: {فَلاَ رَفَثَ}، وقوله: {وَلاَ فُسُوقَ}، وقوله: {وَلاَ جِدَالَ}، وهل يدخل في ذلك البيع والشراء والمراجعة فيهما؟

الجواب:
أما الرفث: فهو الكلام الذي يكون عند النساء للإثارة والغزل، وكذلك الأفعال التي يقصد منها الإثارة بعين ونحو ذلك، هذا الذي ذكره أئمة السلف، وفرَّق بعضهم، كما هو مذهب ابن عباس - رضي الله عنهما - فأجاز أن يتكلم بأبيات الشعر الغزلية ونحوها، إذا لم يكن عنده نساء، وجعل الرفث خاصًّا بما كان يقصد منه إثارة النساء، فكان يأتي بأشنع الأبيات في غزل العرب وهو محرِم بالحج والعمرة، ويُنكَر عليه - رضي الله عنه وأرضاه - فيقول إنما الرفث عند النساء؛ أي إذا كان هذا عند النساء، وإن كان الأولى والأفضل أن يتقى؛ لأن النهي ورد بصيغةٍ تدل على الإطلاق، هذا بالنسبة للرفث أنه ما يكون للإثارة من مقدِّمات الجِماع، سواء كان من الأقوال، ومما يحث على الجماع، حتى قال بعض العلماء: من الرفث لو قال لامرأته: إذا تحللتِ أصبتُك، قالوا: إن هذا يعتبر من الرفث، والمشكلة أنه إذا رفث حُرِمَ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق؛ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، قد تحجبه كلمة واحدة يقولها من الغزل لنسائه، فيحرمه الله - عز وجل - من هذا الفضل العظيم - نسأل الله السلامة والعافية! – بسبب الرفث.
{وَلاَ فُسُوقَ}: الفسوق: أصل من قول العرب: فَسَقَتِ الرُّطَبة، إذا خرجت من قشرها، وهذا الحرف لا تعرفه العرب في إطلاقه على المعاصي، ما كان يسمون المعاصي فسقًا، كما قرره غير واحد، وأشار إليه الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - في تفسيره؛ ولكنه أدخل اصطلاحًا شرعيًّا، فالفسوق يصطلح في الشرع بثلاثة معانٍ: إما أن يقصد به مطلق العصيان لله - عز وجل - فيشمل جميع المعاصي صغيرها وكبيرها، وإما أن يقصد به كبائر الذنوب، وإما أن يُقصد به كبائر الذنوب المخرجة من الملة.
أما إطلاق الفسوق على المعاصي صغيرها وكبيرها، فهو قول طائفة السلف في هذه الآية، يحكى عن بعض تلامذة ابن عباس - رضي الله عنهما - كعطاء وغيره أن الفسوق المعاصي كلها، ويحكى حتى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الفسوق: هي المعاصي كلها، فيشمل الصغائر والكبائر، فمن أساء إلى أخيه ولو بصغيرة؛ فإنه يعتبر خارجًا من هذا الفضل في قوله: ((مَن حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق)).
وأما الحال الثانية: أن يطلق الفسوق بمعنى كبائر الذنوب، وهذا في آية الحجرات: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7]، فأشار أن للذنوب ثلاث مراتب: العصيان للصغائر، والفسوق للكبائر، والكفر للمخرج من الملة.
وقد يطلق الفسق بمعنى الكفر؛ كقوله - عز وجل -: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]، فقالوا: إن الفسق هنا بمعنى الكفر - والعياذ بالله - إذا استحل ذلك واعتقد حِلَّه، فيطلق الفسق بهذه المعاني الثلاثة: إما أن يراد به عموم الذنوب؛ لأن قول العرب فسقت الرطبة؛ بمعنى خرجت من قشرها، قالوا: فالعاصي لله خارج عن أمره ونهيه، قالوا فيوصف بكونه فاسقًا من هذا الوجه، وإما أن يراد به كبائر الذنوب، وإما أن يراد به المخرج من الملة، والمراد هنا عموم الذنوب صغيرها وكبيرها؛ أي يجب وينبغي على الحاج أن لا يصيب صغائر الذنوب وكبائرها ويتقي ذلك.


وأما قوله: {وَلاَ جِدَالَ} الجدال: إما أن يكون على وجه مشروع، وإما أن يكون على قصد ووجه ممنوع، فالوجه المشروع الذي يكون بالتي هي أحسن؛ لأن الله وصف المجادلة بالتي هي أحسن، فأمرنا بمجادلة أهل الكتاب: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]، فوصف الجدال بالتي هي أحسن، فما كان من الجدال بالتي هي أحسن؛ كطالب علم تناقشه في مسألة، تريد الوصول فيها إلى الحق، بنفسٍ زكية طيبة مطمئنة، وأسلوب هادف، وهو كذلك يبادلك الشعور؛ فهذا لا حرج فيه.
وإما أن يكون بأسلوب ممنوع، وهذا الذي فسر به طائفة من السلف، وهو أن يجادل الغير من أجل أن يحنقه، وأن يغيظه، وأن يجعله يخرج عن طوره، ولربما إلى درجة الغضب والضيق، قالوا هذا هو الممنوع: {وَلاَ جِدَالَ} أي: ما أوصل إلى هذا الحد الممنوع، وأما إذا كان بالمشروع فلا حرج، وكان بعض السلف يكره الجدال حتى في البيع والشراء، قالوا إذا أراد الإنسان أن يشتري لا يجادل، يحرص قدر المستطاع على أن لا يجادل؛ إلا في أحوال مستثناة؛ كأن يُظلم في حقه، فهذا مستثنى أن يقول بالمعروف، والله - تعالى - أعلم.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]