هوس الشراء .. إدمان كيف تنجو منه المرأة؟
د. زيد بن محمد الرماني
من أمراض النفوس:
بينما ترى الأستاذة هند الخريجي معلمة ومدربة تنمية بشرية أن الفخر والمباهاة بالدنيا من أمور الجاهلية المذمومة، تجد صاحبة القلب المريض بالمباهاة تبذل الجهد وتضيع الوقت وتنفق المال الكثير من أجل اقتناء الملابس الفاخرة والمفروشات الغالية والأواني والسفر.. إلى غير ذلك من متاع الدنيا فيدخل على القلب العُجب والكبر ويظهر على البدن الخيلاء وينطق اللسان بالكلمات الدالة على الفخر ويزداد المرض كلما كانت النفس تطلب الرفعة.
لذلك وللأسف فلا تحقق الارتياح وتسعد حياتها لأنها في سباق وجري لئلا يسبقها أحد فتظل تلهث دون توقف على ماذا؟ على دنيا تافهة لا تساوي عند الله جناح بعوضه فهي كالطاووس فسرعان ما ينتفش وسرعان ما يعود لحجمه الطبيعي وللأسف بدأنا نرى بعض الظواهر التي لا تمت إلى شكر النعمة بصله إنما هو الفخر العقيم والمباهاة المقيته.
هذه العادة أو السلوك لا تنسجم لا مع تعاليم الدين ولا مع التحضر والرقي. التفاخر بالماديات ليس إلا دليلاً على التخلف، أيضاً مؤشر على نقص يعاني منه الشخص، وكأن التجوف في داخله يملأ بالتفاخر.
التعلق بالدنيا:
المدربة وفاء الفالح تُرجع هذه التصرفات اللامسؤولة والتفكير المنحصر بالسوق وما يدر على النساء من ملابس أوروبية ومجوهرات واكسسوارات باهظة الثمن ناهيك عن الأواني وأدوات المنزل وديكور المنزل لعدد من الأسباب منها:
الفراغ وطول الأمل والتعلق بالدنيا وعدم الرضا بالقدر، حب التقليد وضغوط العادات، التربية الخاطئة والدلال الزائد وعدم تحمل المسئولية منذ الصغر، لقلة ثقافة بعض النساء، الإعلام م المفتوح، المستوى الاجتماعي والمادي الذي تعيش فيه المرأة، نقص وحاجة المرأة لعاطفة مفقودة من قبل زوجها. كذلك عدم تفعيل دورها في المجتمع قبل وبعد الزواج.
هروب من الواقع:
ويوضح الأخصائي النفسي د. صالح الشويت السبب في اتجاه المرأة إلى الإسراف ويقول: إن هوس الشراء يعد جزءاً من مرض الاكتئاب خاصة بالنسبة إلى الذين يتعرضون لنوبة اكتئاب عظمى يقوم الفرد فيها لا شعوريا بتصرفات سلوكية تضره فيما بعد.
وأشار إلى أن هوس الشراء لدى المرأة يعتبر نتيجة للتوتر وهروب المرأة من واقعها ومشاكلها إلى اللذة والمتعة ولرفع روحها المعنوية في حالة غير سارة تعيش بها إلى اصطناع حالة سارة تعيش بها من خلال قيامها بالتسوق بين المجمعات التجارية لتشعر بسعادة وقتية، كما أنه لا تكون أهمية لما تشتريه.
توتر واضطراب نفسي:
وبين أن هوس الشراء لدى المرأة يعتبر نوعاً من الاضطراب النفسي والذي يدفع المرأة إلى الإتيان بأشياء قد تندم عليها فيما بعد، مشيراً إلى أن من سمات هذه الشخصية من النساء هو الاندفاعية وعدم تقدير عواقب الأمور، وهذا السلوك عند بعض النساء قد يرجع إلى سعي الزوجات إلى تفريغ جيوب أزواجهن لاعتبارات تتعلق بخوف بعضهن من أن جمعه للمال قد يجعله يفكر بالزواج الثاني أو السفر إلى الخارج، وهذا التصرف من وجهة نظر الزوجة ليس مرضياً بل هو تكتيك لحماية نفسها من تفكير الزوج بالزواج من أخرى.
مغرمات بالتسوق:
خالد محمد "كاشير" في أحد الأسواق المركزية يقول: جميع الناس تتسوق وتشتري، ولكن من خلال عملي ألاحظ أن النساء عموماً يشكل التسوق لهن متعة كبيرة إضافة إلى أنهن يحملن في عرباتهن وسلالهن مشتريات متعددة.
حقائق وملاحظات:
الدكتور زيد الرماني عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود يقول: تفشت في الآونة الأخيرة سلوكيات شرائية ضارة تمثل عبئاً اقتصادياً على الاقتصاد الأسري وكذا الاقتصاد الوطني. ومن هذه السلوكيات؛ الاستهلاك الشره وهوس التسوق وحمى الإسراف وإدمان الشراء والترف الاستهلاكي.
وهناك على سبيل المثال مجموعة من الحقائق والملاحظات التي يجدر التوقف عندها، ومنها أولاً فيما مضى، كان كل شيء يقتنى ويشترى موضع رعاية وعناية واستخدام إلى آخر حدود الاستخدام. وكان شعار ذاك الزمان "ما أجمل القديم"، أما اليوم فقد أصبح التأكيد على مجرد الاستهلاك وليس الحفظ، وأصبحت الأشياء تشترى كما ترى وصار شعار هذا الزمان "ما أجمل الجديد".
ثانياً: أصبح المستهلك المدمن على الشراء "فأراً" لتجارب المصانع ذات الأهداف الاقتصادية البحتة بكل المعايير والمقاييس.
ثالثاً: أصبحت المصانع تنتج آلاف السلع الكرتونية التي لا يتجاوز عمرها الافتراضي بضع سنوات قليلة، بينما يدفع الفرد ثمنها المرتفع برضا تام.
رابعاً: أصبحت الخسارة الاقتصادية الناجمة عن الجهل والخرافة في شراء الضروريات، من أهم أشكال الضياع في الموارد الاستهلاكية والهدر في المواد الأساسية. فالعادات الشرائية تميل عادة لأن تكون ثابتة مهما كانت خاطئة.
وللأسف، فإننا لا نملك إحصاءات دقيقة أو أرقاماً واضحة حول هذه الأمور، وهذا يؤكِّد أننا بحاجة لمركز معلومات يوثق المعلومة ويتابع الإحصاءات ويحدثها ويبين الأرقام الفعلية لقضايانا الاقتصادية.
روشة للعلاج:
ومن ثم يؤكد الدكتور زيد الرماني أن أول ما ينبغي مراعاته أثناء عملية الشراء هو عدم الشراء أكثر من الحاجة. فالمستهلك الرشيد هو الذي يراعي قرارات الشراء والاستهلاك، بحيث تكون في الوقت المناسب وللحاجة المطلوبة ومن المكان المناسب وبالسعر المناسب وبالجودة المطلوبة وبالقدر اللازم والحجم المناسب والنوعية المطلوبة. وعليه، فإنه يمكن القول إن استهلاك الفرد يعد مرتفعاً وكمالياً في معظمه، والسبب الرئيسي في ذلك ما يعانيه المجتمع والسوق من مأزق استهلاكي، ناتج من عوامل رئيسية منها - افتقاد السلوك الرشيد لدى الأفراد المستهلكين. - عزوف الأفراد المنتجين عن مؤازرة الاقتصاد الوطني. - الافتقار إلى وجود تخطيط أو تنظيم للعملية الاستهلاكية.
انظروا لمن أسفل منكم:
كما ترشد المدربة هند الخريجي إلى العلاج بقولها أولاً العلاج لهذه الظاهرة:
• الخوف من الله والنظر للأسفل وعدم النظر للأعلى قوله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم" معنى "أجدر" أحق، و"تزدروا" تحقروا. قال ابن جرير وغيره: هذا حديث جامع لأنواع من الخير; لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه. هذا هو الموجود في غالب الناس. وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه، فشكرها، وتواضع، وفعل الخير.
الابتعاد عن استهلاك المنتجات المحرمة: ويعني هذا أن تكون المنتجات من الطيبات المتصفة بالحسن والنقاء والطهارة، فقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث. والقاعدة الفقهية تقول: "لا ضرر ولا ضرار". والتربية على العطاء. جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة رواه مسلم. ومعنى ذلك رفع المستوى الاقتصادي للمجتمع، بحيث يكثر فيه المعطون، ويقل فيه الآخذون. وهذه تربية مطلوبة وخاصة في عصرنا الحاضر في ظل هذا الزخم من الملهيات والترف المذموم.
تصحيح المفاهيم:
وتشاطرها الرأي المدربة نوره عبدالرحمن بقولها أيًّا كانت دلالات التباهي والتفاخر سواء دل على مظهر من مظاهر النقص في الشخصية أو تعويض عن حاجات ورغبات مكبوتة، أو كان نوع من أنواع الغرور الذي يعزل المرأة في برج عاجي عن واقعها ومجتمعها؛ فإن العلاج يتنوع ويتشعب إلى عدد من المحاور لعل من أبرزها تصحيح المفاهيم؛ فنحن في زمن اختلطت فيه المفاهيم وأول ما يتم من خلاله تصحيح المفاهيم هو أن تعمد المرأة إلى الرجوع إلى أصلها وحقيقتها لترى أنها لا تملك شيئاً ملكية حقيقية وأن كل ما تملكه هو من فضل الله عزَّ وجلَّ عليها فالأصل أن تؤدي حق شكر هذه النعم بدلاً من التباهي والتفاخر المبني على الزيف وادعاء خلاف الواقع، وأيضاً من تصحيح المفاهيم أن تميز المرأة بين ما يصح أن يفتخر المرء به من دين وخلق وعلم وأدب رفيع وبين ما لا يقبل العقل والمنطق السليم أن يكون مصدراً للمباهاة وللتفاخر؛ ومن التصحيح للمفاهيم أن تعلم المرأة أن قيمتها الحقيقية في الحياة هي في ذاتها وفيما تقدمه هذه الذات لحياتها وليس فيما تملك المرأة من ماديات؛ فما قيمة الملبس إن كان من يلبسه لا قيمة حقيقية له في هذه الحياة، ونختم بأن المسئولية تقع على المرأة ذاتها في أن تبحث عما يزيل زيف المباهاة والتفاخر لتنعم بسعادة حقيقية دائمة.