فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بشأن الهدي والكفارات
الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين
س 1496: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من قصد الحج ثم منع منه فماذا يلزمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه شيء في هذه الحال مادام لم يتلبس بالإحرام؛ لأن الإنسان إذا لم يتلبس بالإحرام فإن شاء مضى في سبيله، وإن شاء رجع إلى أهله، فإذا كان الحج فرضاً فإنه يجب عليه أن يبادر به، ولكن إذا حصل مانع فإنه لاشيء عليه.
أما إذا كان هذا المنع بعد التلبس بالإحرام، فإن كان قد اشترط عند إحرامه، إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإنه يحل من إحرامه ولا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط فإن كان يرجو زوال المانع عن قرب انتظر حتى يزول المانع ثم أتم الحج، فإن كان قبل الوقوف بعرفة وقف بعرفة وأتم حجه، وإن كان بعد الوقوف بعرفة ولم يقف بها فقد فاته الحج، فيتحلل بعمرة ويقضي الحج من العام القادم إن كان حجه الفريضة.
وإن كان لا يرجو زوال المانع عن قرب تحلل من إحرامه وذبح هدياً، لعموم قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
س 1497: سئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى-: رجل سافر في إحدى السنوات قاصداً أخذ عمرة وزيارة بعض الأقارب بمدينة جدة وفي الطريق صار عليه حادث وتعرض بعض الركاب الذين معه لإصابات ووقف بسبب ذلك في مدينة رابغ لمدة ثلاثة أيام وعندما دخل التوقيف تحلل من إحرامه وخرج بعد ثلاثة أيام حيث شمله العفو وعاد إلى المدينة ولم يكمل عمرته فهل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الرجل قد اشترط عند إحرامه فقال: اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فلا شيء عليه، وإن لم يكن اشترط، فقد اختلف العلماء- رحمهم الله- في الحصر بغير العدو، فقال بعضهم: إنه إذا حصر بغير عدو يبقى على إحرامه حتى يزول الحصر ثم يكمل.
وقال آخرون: بل هو كحصر العدو، وقد قال الله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فيجب على من حصر عن إتمام النسك لمرض أو نحو ذلك أن يذبح شاة في محل حصره، فنقول له: يلزمه فدية للحصر وعدم إكمال النسك يذبحها في المكان الذي حصر فيه، أو في مكة ويوزعها على الفقراء.
س 1498: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: نويت في سنة من السنين حجة الإسلام وكنت مقيماً في السعودية، وكنت لا أعلم شيئاً عن المناسك إطلاقاً، وتواعد مع رجل في مسجد الخيف في منى في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وذهبت إلى منى وإلى المسجد محرماً وبحثت عنه عدة مرات ولكني لم أجده، ثم ذهبت إلى مكة وفسخت الإحرام ولم أحج للسبب الذي ذكرته فما هو الحكم علماً بأنني حججت بعد هذا العام بسنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في هذا أن الأخ مفرط ومتهاون في أمر دينه، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى مما فعل، وإن ذبح هدياً بمكة نظراً إلى أنه كالمحصر العاجز عن إتمام نسكه فحسن، والواجب على المرء إذا أراد أن يتعبد لله بحج أو غيره أن يكون عارفاً لحدوده قبل أن يدخل فيه، والذي نرى لهذا الأخ أن يذبح هدياً هناك في مكة، لأنه بمنزلة المحصر، لعجزه عن إتمام نسكه في ذلك العام، وقد قال الله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
س 1499: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من أخل بشيء من أركان الحج؟ سواءً كان محصراً أو غير محصر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، إذا أخل بشيء من أركان الحج فإما أن يكون ذلك لحصر، أو لغير حصر، فمعنى الحصر أن يمنع الإنسان مانع لا يتمكن به من إتمام حجه، فإن كان بحصر فإنه يتحلل من هذا، ويذبح هديه إذا تيسر ويحلق وينتهي نسكه، ثم عليه إعادة الحج من جديد في العام القادم إذا كان لم يؤد الفريضة، فإن كان قد أدى الفريضة فالصحيح أنه لا تجب عليه الإعادة، لأن هذا من وجوب الإتمام ولم يتمكن منه بهذا الحصر الذي حصل له، والواجب يسقط مع العجز عنه، وأما إذا كان لم يؤد الفريضة فإن الفريضة لاتزال في ذمته ويجب عليه أن يؤديها، هذا إذا كان بحصر، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
وأما إذا كان بغير حصر بمعنى أنه تركه لغير مانع منه، فإن كان ما أخل به هو الوقوف بعرفة فإن حجه لا يصح ولا يتم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الحج عرفة" وإن كان طوافاً، أو سعياً، فالطواف والسعي من أركان الحج ويجب عليه فعلهما، فإن رجع إلى بلده فإنه يجب أن يرجع ويطوف ويسعى لإتمام أركان نسكه.
س 1500: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب إلى مكة المكرمة وهو محرم وعندما بلغه أن ولداً له توفي خلع إحرامه على الفور ولبس ثوبه، ثم انطلق إلى الرياض فمكث في الرياض أكثر من ثلاثة أيام ثم لبس ثوبه ولم يفعل شيئاً، وعاد ليحج ولبس الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل الإنسان في حج أو عمرة فإنه لا يحل له أن يخرج منه إلا بعذر يمنعه من إتمام نسكه، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فقوله: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) يعني منعتم عن إتمام النسك، والصواب في معنى الآية أنه شامل للإحصار بعدو أو غيره، وبناءً على هذه القاعدة الأساسية التي دل عليها كتاب الله فإنه ليس من الإحصار المانع أن يموت للمحرم قريب؛ لأن هذا لا يمنعه من إتمام النسك بلا شك، وحضور العزاء ليس بلازم على الإنسان، بل إن أهل العلم يقولون: إنه يكره لأهل الميت أن يجتمعوا للعزاء، وهذا الرجل الذي فعل ما فعل وتخلى عن نسكه وذهب للرياض ولبس ثوبه ثم عاد إلى مكة، هذا الرجل أخطأ في تصرفه، ولكن يبدو أنه جاهل بذلك، وهو وإن رفض إحرامه، فان إحرامه باقٍ كما ذكر أهل العلم، فعلى هذا فإن رجوعه إلى مكة من الرياض ليس ابتداء إحرام ولكنه استمرار لإحرامه السابق، ولباسه المخيط أو ثيابه المعتادة في هذه الفترة لاشيء فيه؛ حيث كان ناشئاً عن جهل منه.
س 1501: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أحرمت بالعمرة ثم حاضت فخرجت من مكة بدون عمرة فماذا عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض فإن إحرامها لا يبطل بل تبقى على إحرامها، وهذه المرأة التي أحرمت بالعمرة وخرجت من مكة ولم تطف ولم تسع لاتزال في عمرتها، وعليها أن ترجع إلى مكة، وأن تطوف وتسعى وتقصر، حتى تحل من إحرامها، ويجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام من الطيب، وأخذ الشعر، والظفر، وعدم قربها من زوجها إن كانت ذات زوج حتى تقضي عمرتها، اللهم إلا أن تكون قد خافت من مجيء الحيض فاشترطت عند إحرامها أن محلها حيث حبست، فإنها لا شيء عليها إذا تحللت من إحرامها حينئذ.
س 1502: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قدمت للحج في الموسم الفائت برفقة عائلتي مع إحدى الحملات وعند وصولنا للمشاعر لم نجد ما وعدنا به صاحب الحملة من مكان مهيأ مثل المكيفات وغيرها، فخفت على أطفالي من الحر ورجعت بهم ولم أؤد الفريضة فهل علي إثم في ذلك؟ وما كفارته؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال مشكل من عدة وجوه:
أولاً: كون هذا الرجل يريد أن يجد من الرفاهية والتنعم في حال الحج مثل ما يجده في بيته، أمر لا يجب أن يكون وارداً؛ لأن الحج نوع من الجهاد في سبيل الله، ولابد أن يكون فيه مشقة، ومشقة الحر في المشاعر محتملة، بمعنى أن باستطاعة الإنسان أن يستخدم المراوح العادية ليروح بها على أولاده أو ما أشبه ذلك. أما بالنسبة للكبار فإنهم يتحملون المشقة، فلا ينبغي للإنسان الذي يريد الحج أن يكون همه البحث عن مجالات التنعم، بل الأصل في الحج أنه مشقة، أو أنه نوع من الجهاد.
ثانياً: أن هذا الرجل بالنظر إلى سؤاله (تحلل من إحرامه بدون سبب شرعي) وهذا حرام لا يجوز له، لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ)، وقد قال العلماء: إن المحرم إذا نوى التحلل لغير سبب شرعي فإنه لا يحل، وبناء على ذلك فإنه في هذه الحال يجب عليه أن يمسك الآن عن جميع محظورات الإحرام، وأن يذهب إلى مكة ليتحلل بعمرة، بمعنى أنه الآن يلبس لباس الإحرام، ويتجنب كل ما يتجنبه المحرم، ثم يذهب إلى مكة ويطوف ويسعى ويحلق أو يقصر. وكذلك من معه من العائلة البالغين، وعليهم مع ذلك هدي يذبح في مكة، لأنهم فوتوا الحج على أنفسهم بدون عذر شرعي.
فكل واحد منهم عليه ذبح هدي، ثم عليه قضاء الحج في العام القادم مباشرة دون تأخير.
ثالثاً: يجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً بالندم لما حصل منه، ويستغفر الله عز وجل.
وينطبق ذلك كله على أفراد عائلته البالغين، وإن كان هذا الرجل اشترط أثناء عقد الإحرام، وقال: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهو يدري معنى هذه الكلمة، ثم حصل له هذا الذي حصل، وأعتقد أن هذا حابس يمنعه من إكمال نسكه، فإنه في هذه الحال لا يكون عليه شيء مما ذكرنا، ولكن يجب عليه أن يحج حجة الإسلام في العام القادم، إن كان لم يؤد الفريضة.
س 1503: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: كنت أعمل سائقاً وفي شهر الحج اتفق جماعة على الحج وكلموني على ذلك مع أني سائق سيارة، لكي أتنقل بهم بسيارتي بين المشاعر ونويت الحج معهم، وعندما وصلنا مكة ودخلنا المسجد الحرام وطفنا طواف القدوم بعد ذلك خرجنا وإذا بهم غيروا رأيهم، وقالوا لي: أوقف السيارة في مكة وأنت اذهب وحج لوحدك، وكنت قد اتفقت معهم على مبلغ معين من المال وأعطوني أقل منه بكثير، وعندها غضبت ونزلت إلى جدة وقطعت حجي ومن يومها، وأنا لا أعرف ماذا يترتب علي من جراء ذلك، فهل لهم الحق أولاً: في نقض هذا الاتفاق على الأجرة، وثانياً: ماذا عليَّ في العدول عن الحج وهم أيضاً فقد عدلوا عن الحج وقطعوه من تلك اللحظة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما بالنسبة للأجرة فإن لك الأجرة كاملة مادام الفسخ من قبلهم، لأنه لا عذر منك أنت ولا تفريط، وإنما هم الذين قطعوا ذلك على أنفسهم، فيلزمهم أن يسلموا الأجرة كاملة.
أما بالنسبة للحج فإن كنتم قد تحللتم بعمرة يعني طفتم وسعيتم وقصرتم ثم حللتم على نية أن تأتوا بالحج في وقته، فإنه لا شيء عليكم حيث انصرفتم قبل أن تحرموا، وأما إن كان ذلك بعد الإحرام فإنه يجب عليك الآن أن تتحلل بعمرة لفوات الحج، وعليك أن تأتي بالحج الذي تحللت منه بدون عذر، وعليك أيضاً على ما قاله أهل العلم أن تذبح فدية، لأنك أخطأت حينما تحللت بدون عذر.
س 1504: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: خرجت من بيتي في تنزانيا قاصداً الديار المقدسة لأداء فريضة الحج وبعد أن قطعت حوالي ستمائة ميل منعت من السفر وليس بي شيء أفعله فرجعت إلى بلدي فهل يلزمني شيء في هذه الحالة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمك شيء في هذه الحال مادمت لم تتلبس بالإحرام؛ لأن الإنسان إذا لم يتلبس بالإحرام فإن شاء مضى في سبيله، وإن شاء رجع إلى أهله، إلا أنه إذا كان الحج فرضاً فإنه يجب عليه أن يبادر به، ولكن إذا حصل مانع كما ذكر السائل فإنه لا شيء عليه، أما إذا كان هذا المنع بعد التلبس بالإحرام فإنه له حكم آخر، ولكن ظاهر السؤال أنه منع قبل أن يتلبس بالإحرام.
س 1505: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هناك رجال ونساء أحرموا للعمرة في ليلة السابع والعشرين من رمضان ثم عندما وصلوا الكعبة طافوا بالبيت ثم بدأوا بالسعي ولكن لشدة الزحام في تلك الليلة خافوا على أنفسهم الخطر فخرجوا من المسعى بعد مرة أو مرتين من السعي ورجعوا إلى بيوتهم بدون إتمام السعي وبدون حلق أو تقصير هل عليهم شيء؟ وماذا ينبغي لهم أن يفعلوا حيث لم تتم عمرتهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن العمرة كما قال السائل لم تتم حيث إن سعيها لم يتم، والواجب عليهم أن يعودوا محرمين إلى مكة ويكملوا السعي، ولكنهم يبدءون به من الأول فيسعون سبعة أشواط، ويحلقون أو يقصرون، وما فعلوه من المحظورات قبل هذا فإنه لا شيء عليهم لأنهم جاهلون، ولكنني آسف أن تمضي عليهم مدة وهم قد عملوا هذا العمل ويعلمون أن عمرتهم لم تتم ثم لم يسألوا عن ذلك في حينه؛ لأن الواجب على المسلم أن يحرص على دينه أكثر مما يحرص على دنياه، وإذا كان فاته شيء من الدنيا لبادر في استدراك ما فاته، فما باله إذا فاته شيء من عمل الآخرة لم يهتم به إلا بعد مدة؟! قد يمضي سنة، أو سنتان، أو أكثر وهو لم يسأل، وهذا من البلاء الذي ابتلي به كثير من الناس، بل من المؤسف حقاً أن بعض الناس يقول: لا تسأل فتخبر عن شيء يكودن فيه مشقة عليك، ثم يتأولون الآية الكريمة على غير وجهها وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) فإن النهي عن ذلك إنما كان وقت نزول الوحي الذي يمكن أن تتبدل الأحكام فيه، أو تتغير، أما بعد أن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالواجب أن يسأل الإنسان عن كل ما يحتاجه في أمور دينه.
س 1506: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جئت من مصر لأداء العمرة وأحرمت من الباخرة ونزلت جدة لكي أذهب إلى مكة ولم أتمكن من الوصول إلى مكة، وذلك لظروف طارئة، واضطررت لفك الإحرام، وذهبت ثاني يوم لأداء العمرة فهل علي فدية؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليك فدية؛ لأنك جاهل وفكك الإحرام بدون عذر شرعي يبيح لك التحلل ليس له أصل، وعلى هذا الواجب عليك في المستقبل إذا أحرمت بعمرة أو حج أن تبقى حتى تنهي العمرة والحج. وتتحلل منهما، أما إذا أحصرت لمانع شرعي يبيح لك التحلل فحينئذ تحلل وتذبح هدياً لتحللك؛ لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
س 1507: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من خرجوا لأداء العمرة من جدة فلما طافوا بالبيت وشرعوا في السعي سعى بعضهم شوطين والبعض الآخر ثلاثة أشواط، ثم لم يستطيعوا أن يكملوا السعي لأجل الزحمة الشديدة في تلك الليلة وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان الماضي فخافوا على أنفسهم من الموت أو الضرر فعادوا إلى بيوتهم من غير حلق ولا تقصير ولم يفعلوا شيئاً حتى الآن، فماذا عليهم جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أنصح هذا السائل ومن كان على شاكلته ممن يفعلون الخطأ ثم لا يبادرون بالسؤال عليه، هذا تهاون عظيم بدين الله وشرعه، وعجباً لهذا وأمثاله أن يقدموا ليلة السابع والعشرين لأداء العمرة، وأداء العمرة في رمضان سنة ثم ينتهك حرمة هذه العمرة، فلا يتموها، ثم لا يسألون عما صنعوا- نسأل الله لنا ولهم الهداية- ونحن نتكلم أولاً على مشروعية العمرة ليلة السابع والعشرين، وعلى ما صنعوا من قطع هذه العمرة.
أما الأول وهو مشروعية العمرة في ليلة سبع وعشرين، فنقول: إنه لا مزية لليلة سبع وعشرين في العمرة، وأن الإنسان إذا اعتقد أن لليلة سبع وعشرين مزية في أداء العمرة فيها، فإن هذا الاعتقاد ليس مبنياً على أصل، فلم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - (من أدى العمرة في ليلة سبع وعشرين من رمضان فله كذا وكذا)، ولم يقل: (من أدى العمرة ليلة القدر فله كذا وكذا) بل قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه " والعمرة ليست قياماً،
ثم نقول: من قال: إن ليلة. القدر هي ليلة سبع وعشرين، ليلة القدر قد تكون في السابع والعشرين، وقد تكون في الخامس والعشرين، وقد تكون في الثالث والعشرين، وقد تكون في التاسع والعشرين، وقد تكون في الأشفاع في ليلة اثنين وعشرين، وأربعة وعشرين، وستة وعشرين، وثمانية وعشرين، وثلاثين، كل هذا ممكن، نعم أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، وأما هي بعينها كل عام فلا، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رؤي ليلة القدر أنه يسجد في صبيحتها- أي في صلاة الفجر- من صبيحتها في ماء وطين، فأمطرت ليلة إحدى وعشرين، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الفجر وسجد في الماء والطين في صبيحة تلك الليلة، ليلة إحدى وعشرين ، إذاً فليلة القدر تتنقل، قد تكون هذا العام في سبع وعشرين، وفي العام التالي في ثلاث وعشرين، أو في خمس وعشرين، فليست متعينة ليلة سبع وعشرين، ولهذا نرى أن من الخطأ أن بعض الناس يجتهد في القيام ليلة سبع وعشرين، وفي بقية الليالي لا يقوم، كل هذا بناء على اعتقاد خاطئ في تعيين ليلة القدر، والخلاصة أنه لا مزية للعمرة في ليلة سبع وعشرين، وأن ليلة سبع وعشرين ليست هي ليلة القدر بعينها دائماً وأبداً، بل تختلف ليلة القدر، ففي سنة تكون في سبع وعشرين، وفي السنة الأخرى في غير هذه الليلة أو في الليلة، وفي سنوات أخرى في غيرها، وهذا أمر يجب على السلم أن يصحح اعتقاده فيه، أي أن للعمرة ليلة سبع وعشرين مزية، وأن ليلة سبع وعشرين هي ليلة القدر في كل عام، لأن الأدلة لا تدل على هذا.
أما بالنسبة لعمل السائل فهو عمل خاطئ، مخالف لقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لله) والسعي من العمرة، بل هو ركن فيها، وعلى هذا فيجب عليهم الآن أن يلبسوا ثياب الإحرام، وأن يذهبوا فيسعوا ويقصروا تكميلاً لعمرتهم السابقة، وأن يتجنبوا من الآن جميع محظورات الإحرام مع التوبة والاستغفار من هذا الذنب الذي فعلوه.
س 1508: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: امرأة أهلت بعمرة عن والدها المتوفى، وكان معها طفلها الرضيع، وحينما وصلت الحرم كان الهواء بارداً فخافت على وليدها ولم تكمل عمرتها ثم رجعت إلى جدة وحلت فما الذي يجب عليها؟
فأجاب فضيلته بقوله: فعلها هذا محرم، ولا يحل لها أن تحل من عمرتها، والواجب عليها الآن أن تكمل عمرتها فتطوف وتسعى وتقصر، وما فعلته من محظورات الإحرام فإنه لا شيء عليها فيه، لأنها جاهلة، وننصحها ألا تتسرع في شيء من العبادات إلا بعد سؤال أهل العلم.
س 1509: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جماعة أحرموا بالحج وعند مركز التفتيش تم ردهم، لأنه ليس معهم تصاريح الحج، ورجعوا إلى بلدهم وحلوا إحرامهم، فماذا يلزمهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواقع أن هؤلاء مفرطون ماداموا يعرفون أنه ربما يردون، فعليهم أن يشترطوا ويقولوا: إن حبسنا حابس فمحلنا حيث حبستنا، لكن يبقى الآن هل أنهم أحرموا على نية أنهم إن ردوا رجعوا وحلوا من الإحرام، إذا كانوا على هذه النية فلهم ما نووا، وأرجو أن يكون إحلالهم صحيحاً، ولا شيء عليهم.
س 1510: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من لم يتمكن من إخراج بطاقة الحج فهل إذا أحرم ومنع من دخول مكة يدخل في حكم المحصر فيحل ويهدي، أم أن له أن يلبس ثيابه ويدخل، لأنه يريد عمل الخير لا لطمع في الدنيا؟
فأجاب فضيلته بقوله: أقول: ما دام الحج الآن لابد أن يحمل الحاج بطاقة الدخول فما الذي يمنعه من حمل البطاقة؟ الأمر ميسر، وفي كل مكان تعطى هذه البطاقات؟! فكيف يخاطر ويذهب إلى الحج دون أن يحمل البطاقة لكن لو فرض أنه فعل ومنع من دخول مكة فإنه يكون في حكم المحصر، يذبح الهدي هناك في مكان إحصاره ويتحلل والحمد لله، لكن هنا شيء يكفيه عن التحلل وهو أن يقول عند عقد الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإذا قال ذلك ومنع فيلبس ثيابه ويرجع ويحج في وقت آخر.
أما الشيء الثاني قال في السؤال إنه يلبس الثياب وهو محرم، فهذا غلط عظيم، وهذا نوع من الاستخفاف بحرمات الله عز وجل، كيف تحرم وتعصي الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما نهاك عنه من لبس القميص، وما هذا إلا خداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا قدرنا أنه خداع انطلى على الشرط والجنود فليس خداعا لله عز وجل (إِنَّ الله لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) ثم ما الذي أوجب لك هذا الشيء، أليس حجك سنة وعمرتك سنة، وطاعة ولي الأمر واجبة إلا في معصية، ولهذا لو منعنا أن نؤدي الحج الواجب، قلنا: لا سمع ولا طاعة، لكن حج نفل أو عمرة رأى ولي الأمر أن من الخير للمسلمين عموماً الذين يحجون أن يخفف عنهم بهذا النظام، فلا محظور فيه، ولا شك أن ولي الأمر له أن يفعل ما فيه المصلحة ودفع المضرة، وما دمت أديت الفريضة فالباقي نفل، وطاعة ولي الأمر واجبة، ومساعدة إخوانك في هذا النظام،- الذي نسأل الله أن يجعل عاقبته حميدة- خير لك من أن تكلف نفسك، ثم نقول: إذا كان لديك رغبة في الحج فانظر إلى بعض الناس الذين لم يؤدوا الفريضة وساعدهم وأعطهم دراهم يحجون بها لأنفسهم، فتكون معيناً على فريضة، وتشارك صاحب الفريضة فيما أعنت عليه.
س 1511: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل يقول. حججت هذا العام بدون تصريح وأنا قد بلغني قولك بإثم من لم يأخذ تصريح ويحج نافلة، والآن وأنا في منى ضاقت بي الدنيا فماذا أفعل أرشدني وفقك الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: تب إلى الله عز وجل مما صنعت وأكمل الحج، ولا تعد لمثل هذا العمل الذي هو معصية، فإن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وولاة الأمر لم يرتبوا هذا الترتيب إلا من أجل مصلحة الناس، لا من أجل كف الناس عن الطاعة، لأنه كلما قل العدد صار أهون على الناس، وصار الناس يؤدون مناسكهم براحة، وهؤلاء الذين حجوا تطوعاً بدون تصريح هم حريصون على الخير يقصدون بذلك الخير، ولكني أقول: هل الخير ممنوع من غير الحج؟ أو يمكن أن يلتمس الخير في غير الحج؟ بمعنى هل لا يوجد سبب لمغفرة الذنوب إلا الحج؟ فأبواب الخير كثيرة، فإذا قال الإنسان: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وإذا قال الإنسان خلف الصلوات المكتوبة: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة وأكملها بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كذلك تغفر خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، وإذا صام الإنسان رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وإذا قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وإذا قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلاً أو امرأة رأى كلباً يلهث عطشاً فنزع من الماء بخفه وسقى الكلب فغفر الله بسقيا الكلب، فلا تظن أن الأمر محصور على الحج، فأسباب مغفرة الذنوب كثيرة، فإذا رأى ولي الأمر أن يرتب الناس فهذا خير، فعليك أن تمتثل وألا تتحيل.
وقد سمعت بعض الناس- نسأل الله العافية- يحرم ويبقي ثوبه عليه حتى يتجاوز نقطة التفتيش، فهذا الذي يحرم ويبقي ثوبه عليه، كأنه يقول للناس: اشهدوا أني عاص لرسول الله، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا يلبس المحرم القميص " وهذا لبس، وبعض الناس يفعل أيضاً شيئاً آخر يؤخر الإحرام عن الميقات حتى يتجاوز التفتيش، وهذا أيضاً عاص للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالإهلال من المواقيت لمن أراد الحج أو العمرة، فلا تتقرب يا أخي إلى الله بمعصية الله، واترك الحج، حتى تحصل على رخصة.
س 1512: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب هو وصاحبه للحج في العام الماضي فمات صاحبه فهل يكمل عنه الحج أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أحرم الإنسان بالحج ومات قبل تمامه فإنه لا يقضى عنه ما بقي، ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان واقفاً بعرفه فأتوا إليه، وقالوا له: يا رسول الله إن فلان وقصته ناقته فسقط منها ومات، فقال: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تغطوا رأسه، ولا تحنطوه،- أي لا تجعلوا فيه طيباً- فإنه يبعث يوم القيام ملبياً" يعنى يخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك.
ولم يقل: كملوا عنه، ولأننا لو كملنا عنه لفاته هذه المنقبة، وهي أن يخرج محرماً، لأننا إذا كملنا عنه حل، لذلك إذا مات الإنسان في أثناء النسك فلا يقضى عنه شيء، وإذا كان لم يحل التحلل الأول دفن في ثوبه أي في إزاره وردائه، ولا يؤتى له بكفن جديد، ليخرج من قبره يقول: لبيك اللهم لبيك، وهذا نظيره المجاهد، الذي يقتل شهيداً، فإنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.
س 1513: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رفقة حجاج مات معهم شخص فما الذي يفعلونه في شأن الأنساك المتبقية؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا مات الإنسان وهو محرم بالنسك فإنه لا يقضى عنه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة فمات، قال عليه الصلاة والسلام: "اغسلوه بماء وسدر، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه وكفنوه في ثوبيه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً". وهذا يدل على أن الإنسان إذا مات أثناء النسك لا يقضى عنه ما بقي.
س 1514: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: رجل ذهب إلى العمرة والحج مع أمه وبعض أخواته، وبعد مناسك العمرة كانوا في منى وفي اليوم الثامن وافت هذا الرجل المنية، فذهبت الأم مع بقية أخواته وتركن الحج فما الحكم وماذا يلزمهن؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هؤلاء النسوة قد اشترطن عند الإحرام أنه إن حبسني حابس فمحلي حيث حبسني فلا حرج عليهن، لأن بعض الناس قد لا يتحمل أن يكمل الحج مع المصيبة أما إذا كن لم يشترطن فهذه مشكلة، ويجب عليهن الآن أن يعتبرن أنفسهن محرمات، حتى يذهبن إلى مكة ويؤدين العمرة تحللاً من الحج، ويحججن العام القادم لأنهن تركن الحج قبل الوقوف، فينقلب إحرامهن عمرة، فيلزمهن الآن أن يذهبن إلى مكة على اعتبار أنهن محرمات، وأن يأتين بالعمرة وهدي وفي العام القادم يلزمهن أن يأتين بالحج هذا إذا لم يكن اشترطن، فإن اشترطن ذلك فليس عليهن شيء.
س 1515: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جزار ذهب للحج وعندما كان بمنى ذهب للمجزرة بأجرة وقبل أن يرمي جمرة العقبة وهو داخل المجزرة قطع الحج وخرج إلى بيته فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للحاج أن يذبح الهدي قبل أن يرمي، ولا حرج عليه في ذلك، لكن هذا الرجل لم يتحمل وكأنه ذهب إلى بيته وقطع الحج، فنقول لك: إن الحج وإن قطعته لا ينقطع إلا بإتمامه، ولهذا لو قال وهو محرم بالحج: فسخت نية الحج وهونت عن الحج. فإنه لا يخرج منه ويجب أن يكمل، وهذا مما يختص به الحج من بين العبادات، فالعبادات التي غير الحج لو قطعها الإنسان انقطعت، لكن الحج لا ينقطع ولو قطعه الإنسان، فمثلًا لو أن الإنسان يصلي وقطع صلاته انقطعت، ولو كان محرماً بحج أو عمرة ونوى قطع الحج والعمرة فإنه لا ينقطع، ويلزمه الإتمام، وعلى هذا نقول لهذا الرجل ونحن الآن في زمن الحج: يلزمك أن تتم الحج، وذلك بأن ترجع إلى منى، وتبيت بها الليالي: الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة، ويلزمك أن ترمي الجمرات في أيام التشريق.
يتبع