
26-02-2019, 04:19 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,180
الدولة :
|
|
رد: أثر التقنية الحديثة في الطهارة
أثر التقنية الحديثة في الطهارة[5-4]
د. هشام بن عبدالملك ال الشيخ
المطلب الخامس: في أكثر مدة النفاس
وفيه ثلاثة فروع:
الفرع الأول: خلاف العلماء في أكثر مدة النفاس.
الفرع الثاني: إمكان معرفة مدة النفاس من خلال التقنية الطبية الحديثة.
الفرع الثالث: أثر التقنية الطبية الحديثة في مدة النفاس.
الفرع الأول: خلاف العلماء في أكثر مدة النفاس
تمر المرأة في فترة الحمل بتغيرات جسمية كثيرة، ذلك أن جانباً من التغذية ينصرف للجنين، فإذا ما تكون هذا الجنين، وتمَّ أجله في البطن، وأذن الله له بالخروج إلى الدنيا، انصرف هذا الغذاء الذي كان متناسباً مع حاجة الجنين في البطن إلى الخارج، وهو ما يعرف بدم النفاس.
وتعرف فترة النفاس بفترة نقاهة الرحم، والجهاز التناسلي عند المرأة؛ إذ يعود الرحم والجهاز التناسلي خلال هذه الفترة إلى الحالة الطبيعية التي كانت قبل الحمل والولادة.[1]
وتمتد فترة خروج الدم (النفاس) إلى أوقات تختلف باختلاف تكوين المرأة والبيئة التي تعيش فيها، وقد تحدث الفقهاء – رحمهم الله – عن المدة التي تمكثها النفساء، قلةً وكثرة، وفيما يلي تفصيل القول في ذلك:
تحرير محل النزاع:
اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على أنه لا حد لأقل النفاس، فأي وقت رأت المرأة الطهر اغتسلت، وهي طاهر.[2]
واختلفوا في أكثره على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أن أكثر النفاس أربعون يوماً، وإلى هذا ذهب الحنفية[3]، والحنابلة.[4]
القول الثاني: أن أكثر النفاس ستون يوماً، وإلى هذا ذهب المالكية[5]، والشافعية.[6]
القول الثالث:
أنه لا حد لأكثر النفاس، فلو أن امرأةً رأت الدم أكثر من أربعين، أو ستين، أو سبعين، وانقطع؛ فهو نفاس، وإلى هذا ذهب المالكية في رواية[7]، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.[8]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وَالنِّفَاسُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ الدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ، أَوْ سِتِّينَ، أَوْ سَبْعِينَ، وَانْقَطَعَ فَهُوَ نِفَاسٌ، لَكِنْ إن اتَّصَلَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْحَدُّ أَرْبَعُونَ، فَإِنَّهُ مُنْتَهَى الْغَالِبِ جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ).[9]
سبب الخلاف:
الذي يظهر لي أن سبب الخلاف في هذه المسألة، هو النظر إلى غالب أحوال النساء وطبائعهن، فمنهن من يكون نفاسها أربعين يوماً، ومنهن من يكون أكثر من ذلك، فكلٌ من أهل العلم نظر إلى نساء بلده وزمانه، فاعتبر غالب أحوالهن.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول بعدة أدلة صريحة في التحديد بأربعين منه ما يلي:
الدليل الأول:
عن أنسٍ – رضي الله عنه - قال: "وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ".[10]
الدليل الثاني:
عن أم سلمة– رضي الله عنها - قالت: "كَانَتْ النُّفَسَاءُ يَقْعُدْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعِينَ يَوْماً, وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ[11] مِنْ الْكَلَفِ[12]".[13]
الجواب عن هذين الدليلين:
بأنه محمول على الغالب، أو على نسوة مخصوصات[14]، ففي رواية: "كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم - تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً".[15]
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني بتعليلات منها:
التعليل الأول:
قالوا: إن الاعتماد في ذلك على الوجود، وقد وجد الستون، فتعين المصير إليه.[16]
التعليل الثاني:
قالوا: إن غالب النفاس أربعون يوماً، فينبغي أن يكون أكثره زائداً على ذلك.[17]
دليل القول الثالث:
استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الله سبحانه وتعالى علّق على الحيض أحكاماً متعددةً في الكتاب والسنة، ولم يقدّر أقله ولا أكثره، ولا أقل سن تحيض له المرأة ولا أكثره، والنفاس في حكمه؛ لأن الموجب واحد، وهو خروج الدم.[18]
الترجيح:
الراجح عندي في هذه المسألة – والله أعلم – هو القول الأول، وهو أن أكثر النفاس أربعون يوماً؛ وذلك لصراحة الأدلة التي استدلوا بها مع ضعف بعضها، إلا أن بعضها يعضد بعضاً، وقد نصت تلك الأدلة على أن النفساء تقعد في نفاسها أربعين يوماً.
ثمرة الخلاف في المسألة:
من نفست أكثر من أربعين يوماً؛ فالدم الخارج بعد ذلك دم فساد لا يعتد به، فلا يمنع الصوم، ولا يحرّم الصلاة عند الحنفية، والحنابلة، وكذلك هو عند المالكية والشافعية؛ إن تجاوز ستين يوماً، وأما عند شيخ الإسلام v فهو دم نفاس، يمنع الصوم، والصلاة، إذا انقطع بعد ذلك، ولم يتصل.
الفرع الثاني:إمكان معرفة مدة النفاس من خلال التقنية الطبية الحديثة
يعرَّف النفاس من الناحية الطبية بأنه: الفترة التي تلي الولادة أو الإجهاض، ويتخللها نزول بعض الدم من المرأة بسبب انفصال المشيمة من جدار الرحم[19]، ويعود الرحم وجهاز المرأة التناسلي إلى حالته الطبيعية قبل الولادة.
وتتراوح المدة التي يستغرقها الرحم وجهاز المرأة التناسلي ليعود إلى حالته الطبيعية قبل الحمل بين ستة وثمانية أسابيع (ستين يوماً).[20]
ويعرَّف دم النفاس وما يتبعه من إفرازات بأنه الدم والإفرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة، وتستمر لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع، وقد تطول إلى ستة أسابيع (أربعين يوماً).[21]
ويوصف دم النفاس بأنه: قانٍ غليظٌ فيه جلطات دم متخثر، ثم يخف تدريجياً، ويصير بني اللون، ويختلط بمادة مخاطية، وفي النهاية تظهر القصة البيضاء، وهي ماء أبيض اللون يخرج من المرأة، ويدل على الطهر من النفاس.[22]
ويرى الأطباء أن المرأة يجب عليها مراجعة الطبيب في حال كون الدم غزيراً جداً، وفي حال نزول الدم أكثر من ستة أسابيع (أربعين يوماً)؛ لكون ذلك يدل في الغالب على مرض، ويجب التَّدخل الطبي.[23]
ومعدل المدة لنزول دم النفاس لدى غالب النساء هي (24يوماً)، وتزيد هذه المدة في حال كون المرأة غير مرضع.
ودم النفاس قلوي التفاعل في الرحم، وليس له رائحة عفنة، وإذا حدثت عفونة فإن ذلك دليل على وجود التهابات ميكروبية بالرحم، أو أن الرحم انقلب إلى الخلف بدلاً من الوضع الطبيعي إلى الأمام.[24]
وتحصل معرفة مدة دم النفاس عن طريق التقنية الطبية الحديثة، فمن خلال جهاز (دوبلر) للموجات فوق الصوتية[25]، والذي مكَّن الأطباء من التعرف على طبيعة دم النفاس، واستطاعوا من خلاله النظر إلى داخل الرحم، وقياس الغشاء المبطن للرحم، والتعرُّف على المتبقي من المشيمة.
فتستطيع الطبيبة أن تتعرف على الدم الذي تراه النفساء من خلال النظر للرحم، ومعرفة مصدر الدم الخارج، فإن كان صادراً من أثر تفتت بطانة الرحم؛ فهو دم الحيض المعروف، وإن كان صادراً من إثر بقايا المشيمة والدم المتبقي من الولادة فهو دم النفاس المعروف.
الفرع الثالث :أثر التقنية الطبية الحديثة في مدة النفاس
ليس لأقل النفاس مدة عند الأطباء[26]، بل إذا رأت المرأة الطهارة، ولو بعد الولادة بلحظات عُدَّت طاهراً، وهذا ما يتفق مع ما ذهب إليه الفقهاء جميعاً كما سبق.[27]
أمَّا أكثر مدة دم النفاس، فإن التقنية الطبية الحديثة تتفق مع أصحاب القول الأول الذين يرون أن أكثر مدة دم النفاس أربعون يوماً، وهو القول الذي رجحته لموافقته النصوص الشرعية.
ولم يكن أصحاب القول الثاني الذين يرون أن أكثر مدة دم النفاس ستين يوماً، بالبعيدين عمَّا توصلت إليه التقنية الطبية الحديثة في تعريف النفاس، فإنهم قالوا: تتراوح المدة التي يستغرقها الرحم وجهاز المرأة التناسلي ليعود إلى حالته الطبيعية قبل الحمل بين ستة وثمانية أسابيع، أي ما يقارب (ستين يوماً).[28]
لكن الاختلاف بينهما في التعريف، فالأطباء حين يتحدثون عن النفاس، يريدون به حالة الرحم حتى يعود إلى وضعه الطبيعي، ويسمى (Peurpurim)، أما الدم والإفرازات التي تصحبه فتسمى (Lochia) أي دم النفاس، ومدته عند الأطباء لا تزيد على ستة أسابيع (أربعين يوماً).[29]
أما القول الثالث الذي يرى عدم التحديد بمدة معينة، فإن التقنية الطبية الحديثة لم تبطل هذا القول من أساسه، بل إن الأطباء يرون أن الزيادة على الأربعين يُعَد مرضاً ينبغي متابعته، والتعرف على مسبباته.[30]
فمن المحتمل أن تنتهي مدة دم النفاس، ويعقبها مباشرةً دم الحيض المعتاد، ونظراً إلى التشابه بين دم الحيض ودم النفاس، فإن أكثر النساء لا يفرقن بينهما مما يجعلهن يظنن أنهن في نفاس طوال هذه المدة.
والخلاصة أن القول الراجح هو الذي تؤيده التقنية الطبية الحديثة، والله أعلم.
[1] انظر الموسوعة الطبية الفقهية، د/ أحمد كنعان (ص:899).
[2] انظر المحلى، لابن حزم (1/413).
[3] انظر بدائع الصنائع (1/41)، المبسوط (3/210)، العناية شرح الهداية (1/188)، فتح القدير (1/188)، البحر الرائق (1/231)، حاشية ابن عابدين (1/300).
[4] انظر الإنصاف (1/383)، المغني، لابن قدامة (1/209)، الفروع، لابن مفلح (1/282)، كشاف القناع، للبهوتي (1/218)، الإقناع، للحجاوي (1/110).
[5] انظر المعونة، للقاضي عبد الوهاب (1/73)، القوانين الفقهية، لابن جزي (ص:38)، حاشية الخرشي (1/210)، حاشية الدسوقي (1/174)، حاشية الصاوي (1/217)، منح الجليل (1/166).
[6] انظر المجموع، للنووي (2/541)، مغني المحتاج، للشربيني (1/294)، نهاية المحتاج، للرملي (1/356-357)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/125)، حاشية الجمل (1/260).
[7] انظر المعونة، للقاضي عبد الوهاب (1/73).
[8] انظر الفتاوى الكبرى (5/315)، مجموع الفتاوى (19/239)، الاختيارات الفقهية، للبعلي (ص:46).
[9] انظر مجموع الفتاوى (19/239).
[10] أخرجه الدارقطني (1/220)، وقال: لم يروه عن حميد غير سلام هذا، وهو سلام الطويل، وهو ضعيف الحديث.
[11] الوَرْسُ: نبت أصفر يصبغ به. انظر النهاية، لابن الأثير (5/172).
[12] الكلَف: شيء يعلو الوجه كالسِّمسم. يقال: كَلِفَ وجهُه يَكْلَفُ كلَفاً، وهو أَكلف: تَغَيَّر. انظر لسان العرب، لابن منظور( 9/307)، مادة كلف.
[13] أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب ما جاء في وقت النفساء، حديث رقم (312)، و الترمذي، كتاب أبواب الطهارة، باب ما جاء في كم تمكث النفساء، حديث رقم (139).
[14] انظر أسنى المطالب (1/114)، المجموع (2/542).
[15] أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب ما جاء في وقت النفساء، حديث رقم (312).
[16] انظر المجموع، للنووي (2/541).
[17] انظر المرجع السابق.
[18] انظر مجموع الفتاوى (19/237).
[19] انظر الموسوعة الطبية الفقهية، د/ أحمد كنعان (ص:899).
[20] انظر خلق الإنسان، د/ محمد البار (ص:407).
[21] المرجع السابق.
[22] انظر الموسوعة الطبية الفقهية، د/ أحمد كنعان (ص:899)، خلق الإنسان، د/ محمد البار (ص:408).
[23] انظر الموسوعة الطبية الفقهية، د/ أحمد كنعان (ص:899).
[24] انظر خلق الإنسان، د/ محمد البار (ص:407)، سيدتي الحامل، د/ عبد الله باسلامة (ص:182).
[25] انظر الموجات فوق الصوتية في أمراض النساء والحمل والاخصاب، للدكتور/موسى المعطي (ص:19).
[26] انظر الموسوعة الطبية الفقهية، د/ أحمد كنعان (ص:899)، خلق الإنسان، د/ محمد البار (ص:410-411).
[27] انظر الصفحة رقم: (166) من هذا البحث.
[28] انظر خلق الإنسان، د/ محمد البار (ص:407).
[29] انظر خلق الإنسان، د/ محمد البار (ص:411).
[30] انظر الموسوعة الطبية الفقهية، د/ أحمد كنعان (ص:899).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|